307
مكاتيب الأئمّة ج1

84

كتابه عليه السلام إلى معاوية

۰.« أمَّا بَعدُ ؛ فَقدْ قَرأتُ كِتابَكَ فَكَثُر ما يُعجِبُني مِمَّا خَطَّتْ فيهِ يَدُكَ ، وأطنَبتَ فيهِ مِن كَلامِكَ ، ومن البَلاءِ العَظيمِ ، والخَطبِ الجَليلِ على هذهِ الأُمَّةِ ، أن يكونَ مِثلُكَ يَتَكلّمُ ، أو يَنظُرُ في عَامَّةِ أمرِهِم ، أو خاصَّتِهِ وأنتَ مَن تَعلَمُ ، وابنُ مَن قَد عَلِمتَ ، وأنا مَنْ قَدْ عَلِمْتَ ، وابنُ مَن تَعلَمُ .
وسأُجيبُكَ فيما قَد كَتبْتَ بِجَوابٍ لا أظنُّكَ تَعقِلُهُ أنتَ ، ولا وَزِيرُكَ ابنُ النَّابِغَة ِ عَمْرو ، المُوافِقُ لَكَ كَما وافَقَ شَنٌّ طَبَقة ، فإنَّهُ هُوَ الَّذي أمرَكَ بِهذا الكِتَابِ ، وزيَّنَهُ لَكَ ، أو حَضَرَكُما فيهِ إبليسُ ومَرَدَةُ أصحابِهِ ـ وفي رواية أخرى : ومَرَدَةُ أبالِسَتِهِ ـ.
وإنَّ رسول ۱ صلى الله عليه و آله قَد كانَ خَبَّرني أنَّهُ رأى علَى مِنبَرِهِ إثني عَشَرَ رَجُلاً أئمَّةَ ضَلالَةٍ مِن قُريشٍ ، يَصعَدُون علَى مِنبرِ رَسُولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله ، ويَنزِلُونَ علَى صُورَةِ القُرودِ ، يَرُدُّونَ أُمَّتَهُ علَى أدبارِهِم عَن الصِّراطِ المُستقيم .
اللَّهمَّ وقد خبَّرني بأسمائهم رَجُلاً رَجُلاً ، وكَم يَملِكُ كُلُّ واحِدٍ مِنهُم، واحِدٌ بَعْدَ واحِدٍ ، عَشَرَةٌ مِنهُم من بَني أُميَّة َ ، ورَجُلَينِ مِن حَيَّينِ مُختَلِفَينِ مِن قُريْشٍ ، عَلَيهِما مِثلُ أوزَارِ الأمَّةِ جَميعا إلى يَوْمِ القِيامَةِ ، ومِثلُ جَميعِ عَذابِهِم ، فليس دَمٌ يُهراقُ في غَيرِ حَقِّهِ ، ولا فَرْجٍ يُغشَى ، ولا حُكمٍ بِغَيرِ حَقٍّ ، إلاّ كانَ عَلَيهِما وُزرَهُ .
وسمعته يقول : إنَّ بني أبي العاص إذا بلَغوا ثَلاثِينَ رَجُلاً جَعَلوا كِتابَ اللّه ِ دَخَلاً ، وعبادَ اللّه ِ خَوَلاً ، ومالَ اللّه ِ دُوَلاً .
وقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : يا أخي إنَّكَ لَسْتَ كَمِثلي ، إنَّ اللّه َ أمرنِي أنْ أصدَعَ بالحَقِّ .
وأخبرني أنَّه يَعصِمُني مِنَ النَّاسِ ، فأمَرَني أنْ أُجاهِدَ ولَو بِنَفسي ، فقال : « فَقَـتِلْ فِى سَبِيلِ اللَّهِ لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ »۲ وقال : « حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ »۳ ، وقَد مَكَثْتُ بِمَكَّة َ ما مَكَثْتُ لم أُؤمَر بقتالٍ ، ثُمَّ أَمَرني بالقِتالِ ، لِأ نَّهُ لا يُعرَفُ الدِّين إلاَّ بي ، ولا الشَّرايِعُ ، ولا السُّنَنُ والأحكام والحدود والحلال والحرام ، وإنَّ النّاسَ يَدَعُونَ بَعدِي ما أمرَهُم اللّه ُ بهِ ، وما أمَرَهُم فِيكَ مِن وِلايَتِكَ ، وما أظهَرتُ مِن مَحَبَّتِكَ متعمِّدين غَيرَ جاهِلينَ ، مُخالَفَةً لِما أنزَلَ اللّه ُ فِيكَ ، فإن وَجدتَ أعوانا علَيهِم فَجاهِدهُم ، فإن لم تجدْ أعوانا فاكفُفْ يَدَكَ ، واحقِنْ دَمَكَ ، فإنَّك إن نابَذتَهم قَتلُوكَ ، وإن تابَعُوكَ وأطاعُوكَ فاحمِلْهُم على الحَقِّ ، وإلاّ فادعُ النَّاسَ ، فإن استجابُوا لَكَ ووازَرُوكَ فَنابِذْهُم وجاهِدْهُم ، وإنْ لَم تَجِدْ أعوانا فاكفُفْ يَدَكَ واحقِنْ دَمَكَ .
واعلَم أنَّكَ إنْ دَعَوْتَهم لم يَستَجِيبُوا لَكَ ، فَلا تَدَعَنَّ عَن أنْ تَجعَلَ الحُجَّةَ علَيهِم ، إنَّكَ يا أخي لَستَ مثلي ، إنِّي قد أَقمْتُ حُجَّتَكَ ، وأظهرتُ لَهُم ما أنزَلَ اللّه ُ فِيكَ ، وإنَّهُ لم يُعلَم أنِّي رَسولُ اللّه ِ ، وأنَّ حَقِّي وطاعَتي واجِبانِ حَتَّى أظهرتُ ذلِكَ ، وأمّا أنتَ فإنِّي كُنتُ قَد أظهَرتُ حُجَّتَكَ ، وقُمتُ بأمْرِكَ ، فإن سَكتَّ عنهم لم تأثَمْ غير أنَّه أحبُّ أن تَدعُوهُم ، وإنْ لَم يستجيبوا لَكَ ، ولَم يقبَلُوا مِنكَ، وتَظاهَرَتْ علَيكَ ظَلَمَةُ قُريشٍ فَدَعْهُم ، فإنِّي أخافُ علَيكَ إن ناهَضتَ القومَ ، ونابَذْتَهم ، وجاهَدتهم، مِن غَيرِ أنْ يَكُونَ مَعَكَ فِئَةٌ تَقْوى بِهِم أنْ يَقْتُلُوكَ ، والتَّقِيَّةُ مِن دينِ اللّه ِ ، ولا دِينَ لِمَن لا تَقِيَّةَ لَهُ .
وإنَّ اللّه َ قَضَى الاختِلافَ ، والفُرقَةَ على هذهِ الأُمَّةِ ، ولَو شاءَ لَجَمَعَهُم علَى الهُدى ، ولَم يَختَلِفْ إثنانِ مِنها ، ولا مِن خَلقِهِ ، ولَم يَتَنازَعْ في شَيءٍ مِن أمرِهِ ، ولَمْ
يَجْحَدِ المَفضُولُ ذا الفَضْلِ فَضلَهُ ، ولَو شاءَ عَجَّل مِنهُ النِّقمَةَ ، وكانَ مِنهُ التَّغييرُ حِينَ يُكذَّبُ الظَّالِمُ ، ويعلَمُ الحقُّ أينَ مَصِيرُهُ ، واللّه ُ جَعَلَ الدُّنيا دارَ الأعْمالِ ، وجَعَلَ الآخِرَةَ دارَ الثَّوابِ والعِقابِ ، « لِيَجْزِىَ الَّذِينَ أَسَــواْ بِمَا عَمِلُواْ وَ يَجْزِىَ الَّذِينَ أَحْسَنُواْ بِالْحُسْنَى »۴ ، فَقُلتُ شُكرا للّه ِ علَى نَعمائِهِ ، وصَبْرا على بَلائِهِ ، وتسلِيما ورضِىً بِقَضائِهِ .
ثُمَّ قال صلى الله عليه و آله : يا أخي ، أبشِرْ فَإنَّ حَياتَكَ ومَوتَكَ مَعِي ، وأنتَ أخِي ، وأنتَ وَصيّي ، وأنتَ وَزِيري ، وأنتَ وارِثي ، وأنتَ تُقاتِلُ علَى سُنَّتِي ، وأنت مِنِّي بِمَنزِلَةِ هارُون َ مِن مُوسى ، ولَكَ بِهارُونَ أُسْوةٌ حَسَنَةٌ ، إذ استَضعَفَهُ أهلُهُ ، وتَظاهَرُوا عَليهِ ، وكادوا يَقْتُلونَهُ ، فاصبِرْ لِظُلمِ قُرَيشٍ إيَّاكَ، وتَظاهُرَهُم عَليكَ ، فإنَّها ضَغائِنُ في صُدورِ قَومٍ لَهُم أحقادُ بَدر ٍ ، وتِراتُ أُحُد ٍ .
وإنَّ مُوسى أمرَ هارُونَ حِينَ استَخلَفَهُ في قومِهِ ، إن ضَلُّوا فوجَدَ أعوانا أن يجاهِدَهُم بِهِم ، فإن لم يَجِدْ أعوانا أن يَكُفَّ يَدَه ويَحْقِنَ دَمَهُ ، ولا يُفَرِّقَ بَينَهُم فافْعَل أنتَ كَذلِكَ ، إن وَجَدتَ عَلَيهِم أعوانا فَجاهِدْهُم ، وإن لَم تجِدْ أعوانا فاكفُفْ يَدَكَ ، واحقِنْ دَمَكَ ، فإنَّكَ إنْ نابَذتَهُم قَتلُوكَ .
واعلَم أنَّك إن لَم تَكُفَّ يَدَك وتَحقِنَ دَمَكَ ، إذا لَم تَجِدْ أعوانا تَخَوَّفتُ عَليكَ أن يَرجِعَ النَّاسُ إلى عِبادَةِ الأصنامِ ، والجُحُودِ بأنِّي رَسُولُ اللّه ِ ، فاستَظهِرْ بالحُجَّةِ عَليهِم ، ودَعهُم لِيَهْلِكَ النَّاصبونَ لَكَ والباغُونَ علَيكَ ، ويَسْلَمَ العَامَّةُ والخَاصَّةُ ، فإذا وجَدْتَ يَوما أعوانا على إقامَةِ كتابِ اللّه ِ والسُّنَّةِ ، فَقاتِلْ علَى تأويلِ القُرآنِ ، كما قاتَلْتَ علَى تَنْزيلِهِ ، فإنَّما يَهلِكُ مِنَ الأُمَّةِ مَن نصَبَ لَكَ ، أو لِأحَدٍ من أوصيائِكَ ، وعادَى وجَحَدَ ودانَ بِخِلافِ ما أنتمُ علَيهِ .
ولعَمري يا مُعاوِيَة ُ ، لو تَرَحَّمتُ علَيكَ ، وعلَى طَلْحَة َ ، والزُّبَيْرِ ، كان تَرَحُّمِي علَيكُم ، واستِغْفاري لَكُم لعنةً علَيكُم وعذابا ، وما أنت وطَلْحَة ُ والزُّبيرُ ب أعظَمَ جُرْما ، ولا أصغَرَ ذَنْبا ، ولا أهوَنَ بِدعَةً وضَلاَلةً مِنَ الَّذِينَ أسَّسا لَكَ ولِصاحِبِكَ الَّذي تَطُلبُ بِدَمِهِ ، وَوَطَّئا لَكُما ظُلمَنا أهلَ البَيت ِ ، وحَمَلاكُم علَى رِقابِنا ، قالَ اللّه ُ تبارَكَ وتعالى : « أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَـبِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّـغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَـؤُلاَءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ ءَامَنُواْ سَبِيلاً * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَن يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا * أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لاَّ يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا * أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَآ ءَاتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ »۵ ، فَنَحنُ النَّاسُ ، ونَحنُ المَحسُودونَ ، قال اللّه ُ عز و جل : « فَقَدْ ءَاتَيْنَآ ءَالَ إِبْرَ هِيمَ الْكِتَـبَ وَالْحِكْمَةَ وَءَاتَيْنَـهُم مُّلْكًا عَظِيمًا »۶ ، فالمُلكُ العَظِيمُ أن جَعَلَ مِنهُم أئمَّةً ، مَن أطاعَهُم أطاعَ اللّه َ ، ومَن عصاهُم عصَى اللّه َ ، والكتاب ، والحكمة ، والنُّبوة ، فَلِمَ يُقرُّونَ بِذلِكَ في آلِ إبراهِيم َ ، وينكرونه في آل محمَّد صلى الله عليه و آله .
يا معاوية ُ ، فإن تَكْفُر بِها أنتَ وصاحِبُكَ ومَن قِبلَكَ مِن طَغَامِ أهلِ الشَّامِ واليَمَن ِ والأعْرَاب ِ ، أعراب رَبِيعَة َ ومُضَر َ جفاة الأُمَّة : فقد وكّل اللّه ُ بها قوما ليسوا بها بكافرين ۷ .
يا مُعاوِيَة ُ إنَّ القرآن حَقٌّ ، ونُورٌ ، وهُدىً ، ورَحمَةٌ ، وشِفاءٌ للمُؤمِنينَ ، والَّذِينَ لا يُؤمِنونَ في آذانِهِم وَقر، وهوَ عَلَيهِم عمى ۸ .
يا مُعاوِيَة ُ إنَّ اللّه َ لم يَدَعْ صِنفا من أصْنافِ الضَّلالَةِ والدُّعاةِ إلى النَّارِ ، إلاّ وقد رَدَّ عَلَيهِم ، واحْتَجَّ عَلَيهِم في القُرآن ِ ، ونهى عن اتِّباعِهِم ، وأنزَلَ فِيهِم قُرآنا ناطِقا ، عَلِمَهُ مَن عَلِمَهُ وجَهِلَهُ مَنْ جَهِلَهُ ، إنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللّه ِ صلى الله عليه و آله يَقولُ : ليسَ مِنَ القُرآن ِ آيَةٌ إلاّ ولَها ظَهْرٌ وبَطْنٌ ، ومَا مِن حَرْفٍ إلاّ ولَهُ تأويلٌ : « وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّ سِخُونَ فِى الْعِلْمِ »۹ .
وفي رواية أخرى : « وما مِنْهُ حَرْفٌ إلاّ ولَهُ حَدٌّ مُطَّلِعٌ على ظَهْرِ القُرآن ِ وبَطنِهِ وتأويلِهِ : « وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّ سِخُونَ فِى الْعِلْمِ » ، الرَّاسخونَ في العِلْمِ ، نَحنُ آلَ مُحمَّد ٍ ، وأمرُ اللّه ِ سايِرُ الأُمَّةِ ، أن يقولُوا آمَنَّا بهِ كُلٌّ مِن عِندِ رَبِّنا ، وما يَذَّكَرُ إلاّ أُولُو الألبابِ ، وأن يُسَلِّموا إليْنا ، ويَرُدُّوا الأمرَ إلينا ، وقَد قَالَ اللّه ُ : « وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِى الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ »۱۰ ، هم الَّذِين يَسألونَ عَنهُ ويطلُبونَهُ .
ولَعَمري لو أنَّ النَّاسَ حِينَ قُبِضَ رَسولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله سلَّموا لَنا ، واتّبعونا ، وقلّدُونا أُمورَهُم ، لأكلُوا من فَوقِهِم ومِنْ تَحْتِ أرجُلِهِم ، ولَما طَمِعْتَ أنتَ يا مُعاوِيَة ُ ، فَما فاتَهُم مِنَّا أكْثَرُ مِمَّا فاتَنا مِنهُم .
ولقد أنزل اللّه فِيَّ وفِيكَ آياتٍ مِن سُورَةِ خاصَّةِ الأُمَّةِ يُؤَوّلونها علَى الظَّاهِرِ ، ولا يَعلَمونَ ما الباطِنُ ، وهِيَ في سُورَةِ الحَاقَّةِ : فأمَّا مَن أوتِيَ كِتابَهُ بِيَمينِهِ . . . وأمَّا مَن أوتِيَ كِتابَهُ بِشمالِهِ . . . وذلِكَ أنَّهُ يُدعى ۱۱ بكل إمام ضلالة ، وإمام هُدى ، ومع كلِّ واحد منهما أصحابُهُ ، الَّذِين بايعوه فيُدعى بِي وبِكَ .
يا مُعاوِيَة ُ ، وأنْتَ صاحِبُ السِّلسِلَةِ الَّذي يقول : « يَــلَيْتَنِى لَمْ أُوتَ كِتَـبِيَهْ * وَ لَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ »۱۲ ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللّه ِ صلى الله عليه و آله يقول ذلِكَ ، وكَذلِكَ كلُّ إمامِ ضَلالَةٍ كانَ قَبْلَكَ أو يَكُونُ بَعدَكَ ، لَهُ مِثلُ ذلِكَ مِن خِزي اللّه ِ وعَذابِهِ .
ونزل فيكم قولُ اللّه ِ عز و جل : « وَ مَا جَعَلْنَا الرُّءْيَا الَّتِى أَرَيْنَـكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ وَ الشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِى الْقُرْءَانِ »۱۳ ، وذلِكَ إنَّ رَسُولَ اللّه ِ رأى إثني ۱۴ عشر إماما من أئمَّةِ الضَّلالَةِ علَى مِنبَرِهِ ، يَردُّونَ النَّاسَ علَى أدبارِهِم القَهقَرى ، رَجُلان مِن قُرَيْشٍ ، وعَشَرَةٌ مِن بَني أُمَيَّةَ ، أوَّلُ العَشَرَةِ صاحِبُكَ الَّذي تَطلُبُ بِدَمِهِ ، وأَنتَ وابنُكَ وسَبْعَةٌ مِن وُلدِ الحَكَمِ بنِ أبي العاصِ ، أوَّلُهُم مَروَان ُ ، وقد لَعَنهُ رَسولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله وطَردَهُ وما وَلَدَ ، حِينَ أسمع نبيّنا رسول اللّه صلى الله عليه و آله ۱۵ .
إنِّا أهلُ بَيتٍ ، اختارَ اللّه ُ لَنا الآخِرَةَ علَى الدُّنيا ، ولَم يَرْضَ لَنا الدُّنيا ثَوابا ، وقد سَمِعْتَ رَسولَ اللّه ِ ، أنتَ ووزِيرُكَ وصُوَيْحِبُكَ يقولُ : إذا بلَغ بنو أبي العاص ِ ثَلاثِينَ رَجُلاً اتَّخذوا كِتابَ اللّه ِ دَخَلاً ، وعِبادَ اللّه ِ خَوَلاً ، ومالَ اللّه ِ دُوَلاً .
يا مُعاوِيَة ُ ، إنَّ نبيَّ اللّه ِ زَكَرِيَّا نُشِرَ بالمِنشارِ ، ويَحْيَى ذُبِحَ وقَتَلهُ قَومُهُ ، وهو يَدعُوهُم إلى اللّه ِ عز و جل ، وذلِكَ لِهَوانِ الدُّنيا علَى اللّه ِ ، إنَّ أولياءَ الشَّيطانِ قَدْ حارَبُوا أولياءَ الرَّحمنِ ، قال اللّه : « إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِـايَـتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ »۱۶ .
يا مُعاوِيَة ُ ، إنَّ رسولَ اللّه ِ قد أخبرني أنَّ أمَّتَهُ سَيَخضِبُونَ لِحيَتي مِن دَمِ رَأسِي ، وأنِّي مُستَشْهَدٌ ، وسَتلِي الأُمَّةَ مِن بَعدِي ، وأنَّكَ ستَقتُلُ ابنيَ الحَسَنَ غَدْرا بالسُّمِّ ، وأنَّ ابنَكَ يَزيد َ لعنهُ اللّه سَيقتُلُ ابنِيَ الحُسين َ ، يَلِي ذلِكَ مِنهُ ابنُ زانِيَةٍ ، وأنَّ الأُمَّةَ سَيلِيها مِن بَعْدِكَ سَبعَةٌ مِن وُلدِ أبي العَاص ِ ، ووُلدِ مَروان بنِ الحَكَم ِ ، وخَمسَةٌ مِن وُلدِهِ تكمِلة إثني ۱۷ عشرَ إماما . قَد رآهُم رَسولُ اللّه ِ يَتَواثَبونَ علَى مِنْبَرِهِ تَواثُبَ القِرَدَةِ ، يَردُّونَ أُمَّتَه عَن دينِ اللّه ِ على أدبارِهِم القَهقرى ، وأنَّهم أشدُّ النَّاسِ عَذابا يَومَ القيامَةِ ، وأنَّ اللّه َ سَيُخرِجُ الخِلافَةَ مِنهُم بِراياتٍ سُودٍ ، تُقبِلُ مِنَ المَشرِقِ يُذِلِّهُم اللّه ُ بِهِم ، ويَقتُلُهم تَحتَ كُلِّ حَجَرٍ .
وأنَّ رَجُلاً مِن وُلدِكَ مَيشُومٌ ومَلعونٌ ، جِلْفٌ جافٍ ، مَنكوسُ القَلبِ ، فظٌّ غَلِيظٌ قاسٍ ، قَد نَزَعَ اللّه ُ مِن قَلبِهِ الرَّأفَةَ والرَّحمَةَ ، أخوالُهُ مِن كلبٍ . كأنِّي أنظرُ إليهِ ، ولو شِئتُ لسمَّيتُهُ ووَصفْتُهُ، وابنُ كَم هُوَ ، فَيبعَثُ جَيشا إلى المَدِينَة ِ فِيدخُلُونَها ، فَيُسرِفُونَ فيها فِي القتلِ والفَواحِشِ ، ويَهرَبُ مِنهُم رَجُلٌ من وُلدِي زكِيٌّ تَقِيٌّ الَّذي يملأ الأرضَ عَدْلاً وقِسْطا كَما مُلِئتْ ظُلْما وجَورا . وإنِّي لأعرف اسمَهُ وابنَ كَم هُو يومَئِذٍ ، وعلامَتُه ، وهُو مِن ولد ابني الحسين عليه السلام الَّذي يَقتُلُهُ ابنُكَ يَزيِد ُ ، وهُو الثَّائِرُ بِدَمِ أبيهِ فيهرَبُ إلى مَكَّة َ ، ويَقتُلُ صاحِبُ ذلِكَ الجَيشِ رَجُلاً مِن وُلدي زكِيّا بَرِيئا عِندَ أحجارِ الزَّيت ِ ، ثُمَّ يَصِيرُ ذلِكَ الجيشُ إلى مَكَّة َ ، وإنِّي لأعلَمُ اسمَ أميرِهِم ، وعُدَّتَهم ، وأسماءهم ، وسِمات خيولهم .
فإذا دخلوا البيداء ، واستوت بِهِمُ الأرضُ خُسِفَ بِهِم قال اللّه عز و جل : « وَ لَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُواْ فَلاَ فَوْتَ وَأُخِذُواْ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ »۱۸ ، قال : مِن تَحتِ أقدامِهِم ، فلا يبقى مِن
ذلِكَ الجَيشُ أحدٌ غَيرُ رَجُلٍ واحِدٍ ، يَقْلِبُ اللّه ُ وجْهَهُ مِن قِبَلِ قَفاهُ ، ويبعَثُ اللّه ُ للمَهدي ّ أقواما يُجمَعُونَ مِن أطرافِ الأرضِ قَزْعٌ كَقَزْعِ الخَريفِ .
واللّه ِ إنِّي لأعرِفُ أسماءهُم ، واسمَ أميرِهِم ، ومُناخَ رِكابِهِم فَيَدخُلُ المَهدِي ُّ الكَعبَة َ ، ويَبكِي ويَتضرَّعُ ، قال جلّ وعزّ : « أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَ يَكْشِفُ السُّوءَ وَ يَجْعَلُكُمْ خُلَفَآءَ الْأَرْضِ »۱۹ ، هذا لَنا خاصّةً أهلَ البَيت ِ .
أما واللّه ِ يا مُعاوِيَة ُ ، لقد كَتبتُ إليكَ هذا الكِتابَ ، وإنِّي لأعلَمُ أنَّكَ لا تَنتَفِعُ بِهِ ، وأنَّك ستَفرَحُ إذا أخبَرتُكَ أنَّكَ سَتَلي الأمرَ وابنُكَ بَعدَكَ ، لِأنَّ الآخِرَةَ لَيستْ مِن بالِكَ ، وأنَّكَ بالآخرةِ لَمِنَ الكافِرينَ ، وسَتندَمُ كما نَدِمَ مَنْ أسّسَ هذا الأمر لَكَ ، وحَمَلَكَ علَى رِقابِنا حِينَ لَم تَنفَعْهُ النَّدامَةُ .
ومِمَّا دعاني إلى الكِتابِ بِما كَتبتُ بِهِ ، إنِّي أمرْتُ كاتِبي أن يَنسَخَ ذلِكَ لِشِيعَتي وأصحابي ، لعلّ اللّه َ أن يَنفَعهُم بِذلِكَ ، أو يقرأه واحِدٌ مِن قِبَلَكَ فَخَرجَ اللّه ُ بهِ مِنَ الضَّلالَةِ إلى الهُدى ، ومِنْ ظُلْمِكَ ، وظلم أصحابِكَ ، وفِتنَتِكُم ، وأحببتُ أن أحتجّ عليك » .

1.هكذا في المصدر، ويبدو أنَّ فيها سقطا، وهو لفظ الجلالة « اللّه » .

2.النساء : ۸۴ .

3.الأنفال : ۶۵ .

4.النجم : ۳۱ .

5.النساء : ۵۱ ـ ۵۴ .

6.النساء : ۵۴ .

7.اقتباس من الآية « ۸۹ » من سورة الأنعام ، ونصّها : « فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَـؤُلاَءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَّيْسُواْ بِهَا بِكَـفِرِينَ » .

8.إشارة إلى الآية « ۴۴ » من سورة فصّلت : « قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ هُدًى وَ شِفَآءٌ وَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ فِى ءَاذَانِهِمْ وَقْرٌ وَ هُوَ عَلَيْهِمْ عَمىً » .

9.آل عمران : ۷ .

10.النساء : ۸۳ .

11.في المصدر: « يدعي »، والتّصويب من كتاب سُلَيم بن قيس الهلالي .

12.الحاقة : ۲۵ و۲۶ .

13.الإسراء : ۶۰ .

14.في المصدر: « إثنا »، وما أثبتناه من كتاب سُلَيم بن قيس هو الصّواب .

15.هكذا في المصدر، ولا معنى لها، وفي كتاب سُلَيم بن قيس الهلالي: « حين استمع لنساءِ رسول اللّه صلى الله عليه و آله » وهو الصواب .

16.آل عمران : ۲۱ .

17.في المصدر: «تكلمة اثنا» وما أثبتناه من كتاب سُلَيم بن قيس وهو الصحيح .

18.سبأ : ۵۱ .

19.النمل : ۶۲ .


مكاتيب الأئمّة ج1
306

83

كتابه عليه السلام إلى معاوية

۰.« فَأَرَادَ قَوْمُنَا قَتْلَ نَبِيِّنَا ، واجْتِيَاحَ أَصْلِنَا ، وهَمُّوا بِنَا الْهُمُومَ ، وفَعَلُوا بِنَا الأَفَاعِيلَ ، ومَنَعُونَا الْعَذْبَ ، وأَحْلَسُونَا الْخَوْفَ ، واضْطَرُّونَا إِلَى جَبَلٍ وَعْرٍ ، وأَوْقَدُوا لَنَا نَارَ الْحَرْبِ ، فَعَزَمَ اللّه لَنَا عَلَى الذَّبِّ عَنْ حَوْزَتِهِ ، والرَّمْيِ مِن وَرَاءِ حُرْمَتِهِ .
مُومِنُنَا يَبْغِي بِذَلِك الأَجْرَ ، وكَافِرُنَا يُحَامِي عَنِ الأَصْلِ ، ومَنْ أَسْلَمَ مِن قُرَيْشٍ خِلْوٌ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ بِحِلْفٍ يَمْنَعُهُ ، أَوْ عَشِيرَةٍ تَقُومُ دُونَهُ ، فَهُوَ مِنَ الْقَتْلِ بِمَكَانِ أَمْنٍ .
وكَانَ رَسُولُ اللّه صلى الله عليه و آله : إِذَا احْمَرَّ الْبَأْسُ، وأَحْجَمَ النَّاسُ ، قَدَّمَ أَهْلَ بَيْتِهِ فَوَقَى بِهِمْ أَصْحَابَهُ حَرَّ السُّيُوفِ والأَسِنَّةِ ، فَقُتِلَ عُبَيْدَةُ بن الْحَارِثِ يَوْمَ بَدْر ٍ ، وقُتِلَ حَمْزَة ُ يَوْمَ أُحُد ٍ ، وقُتِلَ جَعْفَر ٌ يَوْمَ مُوتَة َ .
وأَرَادَ مَنْ لَوْ شِئْتُ ذَكَرْتُ اسْمَهُ مِثْلَ الَّذِي أَرَادُوا مِنَ الشَّهَادَةِ ، ولَكِنَّ آجَالَهُمْ عُجِّلَتْ ، ومَنِيَّتَهُ أُجِّلَتْ ، فَيَا عَجَبا لِلدَّهْرِ ، إِذْ صِرْتُ يُقْرَنُ بِي مَنْ لَمْ يَسْعَ بِقَدَمِي ، ولَمْ تَكُنْ لَهُ كَسَابِقَتِي الَّتي لا يُدْلِي أَحَدٌ بِمِثْلِهَا ، إِلاَّ أَنْ يَدَّعِيَ مُدَّعٍ مَا لا أَعْرِفُهُ ، ولا أَظُنُّ اللّه يَعْرِفُهُ ، والْحَمْدُ لِلّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ .
وأَمَّا مَا سَأَلْتَ مِن دَفْعِ قَتَلَةِ عُثْمَانَ إِلَيْك ، فإنِّي نَظَرْتُ فِي هَذَا الأَمْرِ فَلَمْ أَرَهُ يَسَعُنِي دَفْعُهُمْ إِلَيْك ، ولا إِلَى غَيْرِك ، ولَعَمْرِي لَئِنْ لَمْ تنْزِعْ عَنْ غَيِّك وشِقَاقِك ، لَتَعْرِفَنَّهُمْ عَنْ قَلِيلٍ يَطْلُبُونَك ، لا يُكَلِّفُونَك طَلَبَهُمْ فِي بَرٍّ ولا بَحْرٍ ، ولا جَبَلٍ ولا سَهْلٍ ، إِلاَّ أَنَّهُ طَلَبٌ يَسُوؤك وِجْدَانُهُ ، وزَوْرٌ لا يَسُرُّك لُقْيَانُهُ ، والسَّلامُ لأَهْلِهِ » . ۱

1.نهج البلاغة : الكتاب۹ .

  • نام منبع :
    مكاتيب الأئمّة ج1
    المساعدون :
    فرجي، مجتبي
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دارالحديث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 112956
الصفحه من 568
طباعه  ارسل الي