369
مكاتيب الأئمّة ج1

مكاتيب الأئمّة ج1
368

[ أقول : نقل المعتزلي الكتاب عن صفِّين لنصر ، مع أنَّ بينه وبين ما في كتاب نَصْر الموجود بونا بعيدا ، وقال الشَّارح العلاّمة الآملي : واعلم أنَّ بين صورة كتاب الأمير عليه السلام على نسخة كتاب صفِّين ـ الَّتي نقلت عنه ـ وبين صورته على نسخته الَّتي نقلها الفاضل الشَّارح المعتزلي في شرحه على النَّهج بونا بعيدا ، وتفاوتا كثيرا ، ولسنا نعلم كيفية تطرّق مثل هذا الاختلاف الفاحش إلى كتاب واحد ، ولم يحضرني نسخة مصحّحة من كتاب صفِّين ، ولا نسخ متعددة منه ، لحكمنا على صحَّة نسخة ، ولا يبعد أن يقال : إذا كان لابدَّ من اختيار نسخة من بين النُّسخ وترجيحها على غيرها ، فالمختار هو ما في النَّهج ، لمكانة الرَّضيّ في معرفة فنون الكلام وبخصوص أساليبه . . . ۱
وأمَّا بخصوص ما قاله الشَّارح المعتزلي : . . .قد ضمَّ إليه بعضَ خطبة أخرى ، وهذه عادتَه ، لأنَّ غَرَضَه الْتِقاط الفصيح والبليغ من كلامه ؛ ففيه ما لا يخفى ، وهو أنَّ غرض الشَّريف رحمه الله الْتِقاط الفصيح ( لا مزج خطبة أو كتاب بخطبة أو كتاب ) ولازمه حذف بعض من الكتاب أو الخطبة ، وغاب عنه ، إنَّ ما نسبه إلى السَّيِّد خيانة في النَّقل وكذب في الحديث ، وهو أتقى وأورع من ذلك .
وحجته في ذلك ، خلوُّ رواية نَصْر بن مزاحم من بعض فقرات هذا الكتاب ، ولو كان الأمرُ كما ذكر ، لنبَّه عليه الرَّضِيُّ ، فقد عرفت احتياطه في النَّقل ، وتثبُّتهُ في الرِّواية . . .
وعلى كلّ حال ، فنحن إنّما نورد نصّ نَصْر أيضا لتتميم الفائدة ، وهذا هو : ]
« بِسْمِ اللّه ِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
مِن عَبدِ اللّه ِ عَلِيٍّ أميرِ المُوِنينَ إلى مُعاوِيَة َ بنِ أبي سُفْيَانَ : سَلامٌ علَى مَنِ اتَّبعَ الهُدى ، فَإنِّي أحمَدُ اللّه َ إليكَ الَّذي لا إلهَ إلاَّ هُوَ .
أمَّا بعدُ ؛ فإنَّكَ قَدْ رأيْتَ مِنَ الدُّنيا وتَصَرُّفِها بِأهْلِها ، وإلى ما مَضَى مِنْها ، وخيرُ ما بَقِيَ من الدُّنيا ما أصابَ العِبادُ الصَّادِقُونَ فِيما مَضَى ، ومَن نَسِيَ الدُّنيا نِسيَانَ الآخِرَةِ يَجِدْ بَينَهُما بَوْنا بَعِيدا .
واعلَمْ يا مُعاوِيَة ُ ، أنَّكَ قَدِ ادَّعَيْتَ أمرا لَسْتَ مِن أهلِهِ لا فِي القدَمِ ، ولا فِي الوِلايَةِ ، ولَسْتَ تَقولُ فيهِ بِأمْرٍ بَيِّنٍ تُعرَفُ لَكَ بهِ أثَرَةٌ ، ولا لَكَ عَليهِ شاهِدٌ مِن كِتابِ اللّه ِ ، ولا عَهْدٌ تَدَّعِيهِ مِن رَسُولِ اللّه ِ ، فكَيفَ أنْتَ صانِعٌ إذا انْقَشَعَتْ عَنكَ جَلابِيبُ ما أنتَ فِيهِ ، مِن دُنيا أبْهَجَتْ بِزِينَتِها ، وَرَكَنْتَ إلى لَذَّتِها ، وخُلِّيَ فيها بَينَكَ وبين عَدُوٍّ جاهِدٍ مُلِحٍّ ، معَ ما عَرَضَ فِي نَفْسِكَ مِن دُنيا قَدْ دعَتْكَ فأَجَبتَها ، وقادَتْكَ فاتَّبعْتَها ،
وأمَرَتْكَ فأطَعْتَها . فاقْعَس عَن هذا الأمرِ ، وخُذْ أُهبةَ الحِسابِ ؛ فإنَّهُ يُوشَكُ أن يَقِفَكَ واقِفٌ علَى ما لا يُجِنَّك مِنهُ مِجَنٌّ .
ومَتى كُنتُمْ يا مُعاوِيَة ُ ، ساسَةً للرَعِيَّةِ ، أو وُلاةً لأمْرِ هذهِ الأمَّةِ بِغَيْرِ قَدَمٍ حَسَنٍ ، ولا شَرَفٍ سابِقٍ علَى قَوْمِكُم . فشمِّر لِما قَدْ نَزَلَ بِكَ ، ولا تُمَكِّنِ الشَّيطانَ مِن بُغْيَتِهِ فِيكَ ، مَعَ أنِّي أعرِفُ أنَّ اللّه َ ورسُولَهُ صادِقان .
فَنَعوذُ باللّه ِ مِن لُزُومِ سابِقِ الشَّقاءِ ، وإلاَّ تَفعَلْ أُعلِمْكَ ما أغفَلَكَ مِن نَفْسِكَ ، فَإنَّكَ مُترَفٌ قَد أخَذَ مِنكَ الشَّيطانُ مَأْخَذَهُ ، فَجَرى مِنكَ مَجرى الدَّمِ في العُروقِ .
واعلَم أنَّ هذا الأمرَ لَو كانَ إلى النَّاسِ أو بأيديهِم لَحَسَدُونا ، وامتَنُّوا بهِ علَيْنا ، ولَكِنَّهُ قَضاءٌ مِمَّن امتَنَّ بهِ علَينا علَى لِسانِ نَبيِّهِ الصَّادِقِ المُصَدَّقِ . لا أفلَحَ مَنْ شَكَّ بَعدَ العِرفانِ والبَيِّنَةِ .
اللّهُمَّ احكُمْ بَيننا وبَيْنَ عَدُوِّنا بالحَقِّ ، وأنتَ خَيرُ الحاكِمينَ » .

فكتب معاوية :
بِسْمِ اللّه ِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
من معاوية بن أبي سُفْيَان إلى عليّ بن أبي طالب : أمَّا بعد ، فدع الحسد ، فإنَّك طالما لم تنتفِعْ به ، ولا تُفسِد سابقةَ قِدَمك بشَرَهِ نَخوَتِكَ ، فإنَّ الأعمال بخواتيمها ، ولا تمحقْ سابقتك في حقِّ من لا حقَّ لك في حقّه ، فإنَّك إن تفعل لا تضرُّ بذلك إلاّ نفسَكَ ، ولا تمحقُ إلاَّ عملَكَ ، ولا تُبطِلُ إلاَّ حجَّتكَ . ولعَمري ، ما مضى لك من السَّابقات لشبيهٌ أن يكون ممحوقا ؛ لِما اجترأت عليه من سفْك الدِّماء ، وخلاف أهلِ الحقِّ. فاقرأ سورة الفلق، وتعوَّذْ باللّه ِ من شرِّ نفسك، فإنَّك الحاسد إذا حسد. ۲
[ قال الأحمديّ : استدلّ أمير المؤمنين عليه السلام في هذا الكتاب على رواية نَصْر على ولايته بالنَّصّ ، وطالب فيما يدَّعيه نصّا ].

1.منهاج البراعة : ج۱۸ ص۲۲ .

2.وقعة صفِّين : ص۱۰۸ ـ ۱۱۰ وراجع : شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج۱۵ ص۸۶ و۸۷ ، تاريخ مدينة دمشق : ج۵۹ ص۱۳۲ و۱۳۳ .

  • نام منبع :
    مكاتيب الأئمّة ج1
    المساعدون :
    فرجي، مجتبي
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دارالحديث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 113079
الصفحه من 568
طباعه  ارسل الي