377
مكاتيب الأئمّة ج1

113

كتابه عليه السلام إلى معاوية

من كتاب له عليه السلام أجاب به معاوية ، لمَّا كتَب إليْه في صفِّين بما نصُّه :
مِن عبْد اللّه معاوية بن أبي سُفْيَان إلى عليّ بن أبي طالب .
أمَّا بعدُ ، فإنَّ اللّه تعالى يقول في محكم كتابه : « وَ لَقَدْ أُوحِىَ إِلَيْكَ وَ إِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَـئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ »۱ ، وإنِّي أُحَذِّرك اللّه أنْ تُحْبطَ عملَك ، وسابقتك بشقِّ عَصا هذه الأمَّة وتَفْريق جماعتها ، فاتِّق اللّه ، واذْكُر موْقِف القِيامة ، وأقْلع عمَّا أسْرفتَ فيه من الخَوْض في دِماء المسلمينَ ، وإنِّي سمعتُ رسُول اللّه صلى الله عليه و آله يقول :
« لوْ تَمالأ أهْل صَنْعاء وعَدَن على قَتل رَجل وَاحد من المسلمين ، لأكبَّهم اللّه على مَناخِرهم في النَّار »
فكيف يكون حال مَن قتل أعلام المسلمين ، وسادات المهاجرين ، بَلَه ما طحنتْ رحى حربه من أهل القرآن ، وذي العبادة والإيمان ، من شيخ كبير ، وشَابّ غرير ، كلّهم باللّه تعالى مؤمن ، وله مخلص ، وبرسوله مُقِرّ عارف ، فإنْ كنت أبا حسن إنَّما تحارب على الإمرة والخلافة .
فلَعَمْرِي لو صحّت خلافتك لَكنت قريبا من أنْ تعذر في حرب المسلمين ، ولكنَّها ما صحَّت لك ، أنَّى بصحّتها وأهل الشَّام لم يدخلوا فيها ولم يرتضوا بها ! وخَفِ اللّه َ وسَطواتِهِ ، واتِّق بأسه ونكاله ، وأغمد سَيْفك عَنِ النَّاسِ ، فقد واللّه أكلَتهُمُ الحَربُ ، فلم يبقَ منهم إلاَّ كالثَّمد ۲ في قرارة الغدير ، واللّه المستعان .
فكتب علي عليه السلام إليه جوابا عن كتابه :
« من عبْد اللّه عليٍّ أمير المؤمنين إلى معاوية بن أبي سُفْيَان .
أمَّا بعدُ ، فَقَدْ أَتَتْنِي منْك مَوْعِظَةٌ مُوَصَّلَةٌ ، ورِسَالَةٌ مُحَبَّرَةٌ ، نَمَّقْتَهَا بِضَلالِك ، وأَمْضَيْتَهَا بِسُوءِ رَأْيِك ، وكِتَابُ امرئ لَيْسَ لَه بصَرٌ يَهْدِيه ، ولا قائِدٌ يُرْشِدُه ، دَعاهُ الهَوى فأجَابَه ، وقَادَه الضَّلالُ فاتَّبَعَه ، فَهَجَر لاغِطا ، وضَلَّ خابِطا .
فأمَّا أمْرُك لي بالتَّقْوى فأرْجُو أنْ أكونَ من أهْلِها ، وأسْتَعِيذُ باللّه من أنْ أكونَ من الَّذين إذا أُمِروا بها أَخَذَتْهُم العِزَّةُ بالإثْم .
وأمَّا تَحْذِيُرك إيَّاي أنْ يَحبَطَ عَمَلي وسابِقَتِي في الإسلام ، فلَعَمرِي ، لو كنْتُ البَاغِي علَيْك لكَان لَك أنْ تُحْذِّرَنِي ذلِك ، ولكنِّي وَجَدْتُ اللّه تعالى يقول :« فَقَـتِلُواْ الَّتِى تَبْغِى حَتَّى تَفِىءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ »۳، فَنَظَرْنا إلى الفِئَتَيْن ، أمَّا الفِئَة الباغِيَةُ فَوَجَدْناها الفِئَةَ الَّتي أنْتَ فيْها ، لأنَّ بَيْعَتي بالمَدِيْنة لَزِمَتْك وأنْتَ بالشَّام ، كمَا لَزِمَتْك بَيْعَةُ عُثمان بالمَدينة وأنْتَ أمِيرُ لَعُمَرَ علَى الشَّام ، وكما لَزِمَتْ يَزِيد َ أخاكَ بَيْعَةُ عُمَرَ ، وهو أميرٌ لأبي بَكْرٍ على الشَّام .
وأمَّا شقُّ عَصا هذِه الأمَّة فأنَا أحَقُّ أنْ أنْهاك عنْه .
فأمَّا تَخْوِيفُك لي مِن قَتْل أهْلِ البَغْي ، فإنَّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله أمَ رَنِي بقِتالِهم وقَتْلِهم ، وقال لأصحابه :
إنَّ فيْكم مَن يُقَاتِل علَى تَأوِيل القُرآن كمَا قاتَلْتُ علَى تَنْزِيْلِة .
وأشارَ إليَّ وأنَا أوْلى مَنِ اتَّبَعَ أمْرَه .
وأمَّا قولُك : إنَّ بَيْعَتي لمْ تَصِحَّ لأنَّ أهْلَ الشَّام لم يدْخُلُوا فيْها ؛ كيْفَ وإنَّما هي
بَيْعَةٌ واحدةٌ ، تَلْزَم الحاضِرَ والغائِبَ ، لا يُثَنَّى فيْها النَّظَرُ ، ولا يُسْتَأنَفُ فيْها الخِيار ، الخارِجُ منْها طاعِنٌ ، والمُرَوِّي فيْها مُداهِنٌ ، فارْبَع على ظَلْعِك ، وانْزَعْ سِرْبالَ غَيِّك ، واتْرُك ما لا جَدْوى له علَيْك ، فلَيْس لَك عِنْدي إلاَّ السَّيْفُ ، حَتَّى تَفِئَ إلى أمْر اللّه صاغِرا وتَدْخُلَ في البَيْعَة راغِما ، والسَّلام » .۴

1.الزمر :۶۵ .

2.الثَّمْدُ والثَّمَدُ: الماء القليل الذي لا مادَّ له. ( لسان العرب: ج ۳ ص ۱۰۵ ).

3.الحجرات :۹ .

4.شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج۱۴ ص۴۲ ، جمهرة الرسائل العرب : ج۱ ص۴۷۵ ؛ بحار الأنوار : ج۳۳ ص۸۱ وراجع : الإمامة والسياسة : ج۱ ص۹۱ ، الفتوح : ج۲ ص۴۲۹ ـ ۴۳۱ ، الكامل للمبرد : ج۱ ص۱۹۰ ـ ۱۹۳ ، العقد الفريد : ج۴ ص۳۳۲ .


مكاتيب الأئمّة ج1
376

112

كتابه عليه السلام إلى معاوية

۰.« وكَيْفَ أَنْتَ صَانِعٌ إِذَا تَكَشَّفَتْ عَنْك جَلابِيبُ مَا أَنْتَ فِيه ، مِن دُنْيَا قَدْ تَبَهَّجَتْ بِزِينَتِهَا ، وخَدَعَتْ بِلَذَّتِهَا ، دَعَتْك فَأَجَبْتَهَا ، وقَادَتْك فَاتَّبَعْتَهَا ، وأَمَرَتْك فَأَطَعْتَهَا ، وإنَّهُ يُوشِكُ أَنْ يَقِفَكَ وَاقِفٌ علَى ما لا يُنْجِيك مِنْهُ مِجَنٌّ فَاقْعَسْ عَنْ هَذَا الأَمْر ، وخُذْ أُهْبَةَ الْحِسَابِ ، وشَمِّرْ لِمَا قَدْ نَزَلَ بِك ، ولا تُمَكِّنِ الْغُوَاةَ مِنْ سَمْعِك ، وإلا تَفْعَلْ أُعْلِمْك مَا أَغْفَلْتَ مِنْ نَفْسِك ، فَإِنَّك مُتْرَفٌ قَدْ أَخَذَ الشَّيْطَانُ مِنْك مَأْخَذَهُ ، وبَلَغَ فِيك أَمَلَهُ ، وجَرَى مِنْك مَجْرَى الرُّوحِ والدَّمِ .
ومَتَى كُنْتُمْ يَا مُعَاوِيَةُ سَاسَةَ الرَّعِيَّةِ ، ووُلاةَ أَمْرِ الأُمَّةِ بِغَيْرِ قَدَمٍ سَابِقٍ ، ولا شَرَفٍ بَاسِقٍ ، ونَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ لُزُومِ سَوَابِقِ الشَّقَاءِ ، وأُحَذِّرُك أَنْ تَكُونَ مُتَمَادِيا فِي غِرَّةِ الأُمْنِيَّةِ مُخْتَلِفَ الْعَلانِيَةِ والسَّرِيرَةِ ، وقَدْ دَعَوْتَ إلى الْحَرْبِ ، فَدَعِ النَّاسَ جَانِبا ، واخْرُجْ إلَيَّ ، وأَعْفِ الْفَرِيقَيْنِ مِنَ الْقِتَالِ ، لِتَعْلَمَ أَيُّنَا الْمَرِينُ علَى قَلْبِهِ ، والْمُغَطَّى علَى بَصَرِهِ ، فَأَنَا أَبُو حَسَنٍ قَاتِلُ جَدِّك وأَخِيك وخَالِك شَدْخا يَوْمَ بَدْرٍ ، وذَلِك السَّيْفُ مَعِي ، وبِذَلِك الْقَلْبِ أَلْقَى عَدُوِّي ، مَا اسْتَبْدَلْتُ دِينا ، ولا اسْتَحْدَثْتُ نَبِيّا ، وإِنِّي لَعَلَى الْمِنْهَاجِ الَّذِي تَرَكْتُمُوهُ طَائِعِينَ ، ودَخَلْتُمْ فِيهِ مُكْرَهِينَ ، وزَعَمْتَ أَنَّك جِئْتَ ثَائِرا بِدَمِ عُثْمَانَ ، ولَقَدْ عَلِمْتَ حَيْثُ وَقَعَ دَمُ عُثْمَانَ ، فَاطْلُبْهُ مِنْ هُنَاك إِنْ كُنْتَ طَالِبا ، فَكَأَنِّي قَدْ رَأَيْتُك تَضِجُّ مِنَ الْحَرْبِ إذا عَضَّتْك ضَجِيجَ الْجِمَالِ بِالأَثْقَالِ ، وكَأَنِّي بِجَمَاعَتِك تَدْعُونِي جَزَعا مِنَ الضَّرْبِ الْمُتَتَابِعِ ، والْقَضَاءِ الْوَاقِعِ ، ومَصَارِعَ بَعْدَ مَصَارِعَ إلَى كِتَاب اللّه ، وهِي كَافِرَةٌ جَاحِدَةٌ ، أَوْ مُبَايِعَةٌ حَائِدَةٌ . ۱

1.نهج البلاغة : الكتاب۱۰ وراجع : وقعة صفِّين : ص۵۹ ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد :ج۱۵ ص۷۶ ، العقد الفريد : ج۴ ص۳۲۲ ، تاريخ مدينة دمشق : ج۵۶ ص۶۳ .

  • نام منبع :
    مكاتيب الأئمّة ج1
    المساعدون :
    فرجي، مجتبي
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دارالحديث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 112923
الصفحه من 568
طباعه  ارسل الي