113
كتابه عليه السلام إلى معاوية
من كتاب له عليه السلام أجاب به معاوية ، لمَّا كتَب إليْه في صفِّين بما نصُّه :
مِن عبْد اللّه معاوية بن أبي سُفْيَان إلى عليّ بن أبي طالب .
أمَّا بعدُ ، فإنَّ اللّه تعالى يقول في محكم كتابه : « وَ لَقَدْ أُوحِىَ إِلَيْكَ وَ إِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَـئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ »۱ ، وإنِّي أُحَذِّرك اللّه أنْ تُحْبطَ عملَك ، وسابقتك بشقِّ عَصا هذه الأمَّة وتَفْريق جماعتها ، فاتِّق اللّه ، واذْكُر موْقِف القِيامة ، وأقْلع عمَّا أسْرفتَ فيه من الخَوْض في دِماء المسلمينَ ، وإنِّي سمعتُ رسُول اللّه صلى الله عليه و آله يقول :
« لوْ تَمالأ أهْل صَنْعاء وعَدَن على قَتل رَجل وَاحد من المسلمين ، لأكبَّهم اللّه على مَناخِرهم في النَّار »
فكيف يكون حال مَن قتل أعلام المسلمين ، وسادات المهاجرين ، بَلَه ما طحنتْ رحى حربه من أهل القرآن ، وذي العبادة والإيمان ، من شيخ كبير ، وشَابّ غرير ، كلّهم باللّه تعالى مؤمن ، وله مخلص ، وبرسوله مُقِرّ عارف ، فإنْ كنت أبا حسن إنَّما تحارب على الإمرة والخلافة .
فلَعَمْرِي لو صحّت خلافتك لَكنت قريبا من أنْ تعذر في حرب المسلمين ، ولكنَّها ما صحَّت لك ، أنَّى بصحّتها وأهل الشَّام لم يدخلوا فيها ولم يرتضوا بها ! وخَفِ اللّه َ وسَطواتِهِ ، واتِّق بأسه ونكاله ، وأغمد سَيْفك عَنِ النَّاسِ ، فقد واللّه أكلَتهُمُ الحَربُ ، فلم يبقَ منهم إلاَّ كالثَّمد ۲ في قرارة الغدير ، واللّه المستعان .
فكتب علي عليه السلام إليه جوابا عن كتابه :
« من عبْد اللّه عليٍّ أمير المؤمنين إلى معاوية بن أبي سُفْيَان .
أمَّا بعدُ ، فَقَدْ أَتَتْنِي منْك مَوْعِظَةٌ مُوَصَّلَةٌ ، ورِسَالَةٌ مُحَبَّرَةٌ ، نَمَّقْتَهَا بِضَلالِك ، وأَمْضَيْتَهَا بِسُوءِ رَأْيِك ، وكِتَابُ امرئ لَيْسَ لَه بصَرٌ يَهْدِيه ، ولا قائِدٌ يُرْشِدُه ، دَعاهُ الهَوى فأجَابَه ، وقَادَه الضَّلالُ فاتَّبَعَه ، فَهَجَر لاغِطا ، وضَلَّ خابِطا .
فأمَّا أمْرُك لي بالتَّقْوى فأرْجُو أنْ أكونَ من أهْلِها ، وأسْتَعِيذُ باللّه من أنْ أكونَ من الَّذين إذا أُمِروا بها أَخَذَتْهُم العِزَّةُ بالإثْم .
وأمَّا تَحْذِيُرك إيَّاي أنْ يَحبَطَ عَمَلي وسابِقَتِي في الإسلام ، فلَعَمرِي ، لو كنْتُ البَاغِي علَيْك لكَان لَك أنْ تُحْذِّرَنِي ذلِك ، ولكنِّي وَجَدْتُ اللّه تعالى يقول :« فَقَـتِلُواْ الَّتِى تَبْغِى حَتَّى تَفِىءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ »۳، فَنَظَرْنا إلى الفِئَتَيْن ، أمَّا الفِئَة الباغِيَةُ فَوَجَدْناها الفِئَةَ الَّتي أنْتَ فيْها ، لأنَّ بَيْعَتي بالمَدِيْنة لَزِمَتْك وأنْتَ بالشَّام ، كمَا لَزِمَتْك بَيْعَةُ عُثمان بالمَدينة وأنْتَ أمِيرُ لَعُمَرَ علَى الشَّام ، وكما لَزِمَتْ يَزِيد َ أخاكَ بَيْعَةُ عُمَرَ ، وهو أميرٌ لأبي بَكْرٍ على الشَّام .
وأمَّا شقُّ عَصا هذِه الأمَّة فأنَا أحَقُّ أنْ أنْهاك عنْه .
فأمَّا تَخْوِيفُك لي مِن قَتْل أهْلِ البَغْي ، فإنَّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله أمَ رَنِي بقِتالِهم وقَتْلِهم ، وقال لأصحابه :
إنَّ فيْكم مَن يُقَاتِل علَى تَأوِيل القُرآن كمَا قاتَلْتُ علَى تَنْزِيْلِة .
وأشارَ إليَّ وأنَا أوْلى مَنِ اتَّبَعَ أمْرَه .
وأمَّا قولُك : إنَّ بَيْعَتي لمْ تَصِحَّ لأنَّ أهْلَ الشَّام لم يدْخُلُوا فيْها ؛ كيْفَ وإنَّما هي
بَيْعَةٌ واحدةٌ ، تَلْزَم الحاضِرَ والغائِبَ ، لا يُثَنَّى فيْها النَّظَرُ ، ولا يُسْتَأنَفُ فيْها الخِيار ، الخارِجُ منْها طاعِنٌ ، والمُرَوِّي فيْها مُداهِنٌ ، فارْبَع على ظَلْعِك ، وانْزَعْ سِرْبالَ غَيِّك ، واتْرُك ما لا جَدْوى له علَيْك ، فلَيْس لَك عِنْدي إلاَّ السَّيْفُ ، حَتَّى تَفِئَ إلى أمْر اللّه صاغِرا وتَدْخُلَ في البَيْعَة راغِما ، والسَّلام » .۴