379
مكاتيب الأئمّة ج1

114

كتابه عليه السلام إلى معاوية

من كتاب له عليه السلام أجاب به ما كتبه إليه معاوية بن أبي سُفْيَان .
قال نَصْر بن مزاحم رحمه الله : لمَّا انْتَهى إلى معاوية قول أمير المؤمنين عليه السلام : إنِّي مناجِزٌ القوْمَ إذا أصبَحتُ ، وغادٍ علَيْهِم بالغَداةِ أُحاكِمُهُم إلى اللّه ِ عز و جل ؛ وشِعرُ مُعاوِيَةَ بنَ الضَّحَّاكِ ، وشعر الأشْتَر هاله ذلك ، وقال : قَدْ رأيت أن أكتب إلى عليَّ كتابا أسأله الشام ـ وهو الشَّيء الأوَّل الَّذي ردّني عنه ـ وألقي في نفسه الشَّك والرَّيبة .
فضحك عَمْرو بن العاص ، ثُمَّ قال : أين أنت يا معاوية من خُدعَةِ عليٍّ ؟ !
فقال : ألَسنا بَنِي عبْد مَناف ؟
قال : بلَى ولَكن لَهُمُ النُّبوَّةُ دُونَكَ ، وإن شئت أنْ تكتب فاكتب .
فكتب معاوية إلى علي مع رجل من السَّكاسِك ِ يقال له : عبد اللّه بن عُقْبَة ، وكان من ناقلة أهل العراق فكتب عليه السلام :
أمَّا بَعدُ ، فإنِّي أظنُّك أن لو علمتُ أنَّ الحرْب تَبْلُغ بِنا وبِك ما بَلَغَتْ وعَلِمْنا ، لم يَجْنها بَعْضنا على بَعْض .
وإنِّا وإن كنَّا قَد غُلِبْنا على عُقُولنا فقَد بقي لَنا منها ما نَنْدَم به على ما مَضى ونصلح به ما بقي ، وقد كنتُ سألتُك الشَّام على ألاّ يلزمني لَكَ طاعَةٌ ولا بيعة ، فأبَيْتَ ذلك علَيَّ ، فأعطاني اللّه ُ ما مَنعْتَ ، وأنَا أدْعُوك اليوْمَ إلى ما دَعَوْتُكَ إليْه أمسِ ، فإنِّي لا أرْجُو مِنَ البَقاءِ إلاَّ ما تَرجُو ، ولا أخافُ مِنَ المَوْتِ إلاَّ ما تَخافُ ، وقد واللّه رقّت الأجنادُ ، وذَهَبَتِ الرِّجالُ ، ونحْنُ بَنو عبْدِ منافٍ لَيْسَ لِبعْضِنا على بَعْضٍ فضلٌ ، إلاَّ فضْلٌ لا يَستذِلُّ بهِ عَزيزٌ ، ولا يسترقُّ به حرّ ، والسَّلام .

فلمَّا انْتَهى كتاب معاوية إلى عليّ قرأه ثم قال :
« العَجَبُ لِمُعاوِيَةَ وكتابِهِ » ، ثُمَّ دَعا عليٌّ عُبَيْد اللّه بن أبي رافع كاتبه فقال : اكتب إلى معاوية :
« أمَّا بَعْدُ ، فَقَدْ جاءَنِي كتابُكَ تَذْكُرُ أنَّك لَوْ عَلِمْتَ وعَلِمْنا أنَّ الحَرْب تَبْلُغُ بِنا وبِكَ ما بَلَغَتْ لمْ يَجْنِها بَعْضُنا على بَعْض ، فإنَّا وإيَّاك منْها في غايَةٍ لمْ تَبْلُغْها ، وإنِّي لو قُتِلْتُ في ذاتِ اللّه ِ وحَيِيتُ ، ثُمَّ قُتِلْتُ ، ثُمَّ حَيِيتُ سَبْعِين مَرَّةً لمْ أرْجِعْ عَنِ الشِّدَّةِ في ذَاتِ اللّه ِ ، والجهادِ لأعداءِ اللّه ِ .
وأمَّا قولُكَ : إنَّهُ قَدْ بَقِيَ مِن عُقُولِنا ما نَنْدَمُ بِهِ علَى ما مَضْى ، فَإنِّي ما نَقَصْتُ عَقْلِي ، ولا نَدِمْتُ علَى فِعْلِي .
فأمَّا طَلَبُك الشَّامَ ، فإنِّي لَمْ أكُنْ لاُعْطِيكَ اليَوْمَ ما مَنَعْتُكَ أمْسِ .
وأمَّا اسْتِواؤُنا في الخَوْفِ والرَّجاء ، فإنَّكَ لسْتَ أمْضى علَى الشَّكِّ مِنِّي علَى اليَقِينِ وليْسَ أهلُ الشَّامِ بأحْرَصَ علَى الدُّنيا مِن أهْلِ العِراقِ علَى الآخِرةِ .
وأمَّا قَولُكَ : إنَّا بَنُو عَبْدِ مَنَاف ، لَيْسَ لِبَعْضِنا على بَعْضٍ فَضْلٌ ؛ فلَعَمْرِي إنَّا بَنُو أبٍ واحدٍ ، ولكِن لَيْسَ أُميَّة َ كَهاشِم ، ولا حَرْبٌ كَعَبْد المُطَّلِب ِ ، ولا أبو سُفْيَان كأبِي طالِبٍ ، ولا المُهاجِرُ كالطَّلِيقِ ، ولا المُحِقُّ كالمُبْطِلِ .
وفي أيْدِينا ( بعد ) فَضْلُ النُّبوَّةِ الَّتي أذْلَلْنا بِها العَزيزَ ، وأعْزَزْنا بِها الذَّليلَ ، والسَّلامُ » .۱

1.وقعة صفِّين : ص۴۷۰ وراجع : شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج۱۵ ص۱۲۲ ، مروج الذهب : ج۳ ص۱۳ ، الإمامة والسياسة : ص۱۱۸ .


مكاتيب الأئمّة ج1
378
  • نام منبع :
    مكاتيب الأئمّة ج1
    المساعدون :
    فرجي، مجتبي
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دارالحديث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 113011
الصفحه من 568
طباعه  ارسل الي