495
مكاتيب الأئمّة ج1

مكاتيب الأئمّة ج1
494

( قتل مُحَمَّد بن أبي بَكر رحمه الله )
إن عَمْرو بن العاص لمَّا قتل كِنانَة ، أقبل نحو مُحَمَّد بن أبي بَكر ، وقد تفرّق عنه أصحابه ، فلمَّا رأى ذلك مُحَمَّد خرج يمضي في الطَّريق حَتَّى انتهى إلى خربة في ناحية الطريق فآوى إليها ، وجاء عَمْرو بن العاص حَتَّى دخل الفسطاط ، وخرج معاوية بن حُدَيْج في طلب مُحَمَّد بن أبي بَكر حَتَّى انتهى إلى علوج على قارعة الطَّريق ، فسألهم هل مرَّ بكم أحدٌ تنكرونه ؟ قالوا : لا ، فقال أحدهم : إنِّي دخلت تلك الخربة ، فإذا أنا فيها برجل جالس ، فقال ابن حُدَيْج : هو هو وربّ الكعبة ، فانطلقوا يركضون حَتَّى دخلوا عليه ، واستخرجوه وقد كاد يموت عطشا ، فأقبلوا به نحو الفسطاط .
قال : ووثب أخوه عبد الرَّحمن بن أبي بَكر إلى عَمْرو بن العاص ـ وكان في جنده ـ فقال : واللّه لا يقتل أخي صبرا ، ابعث إلى معاوية بن حُدَيْج فانهه عن قتله ،
فأرسل عَمْرو إلى معاوية أن ائتني بمحمّد ، فقال معاوية : أ قتلتم كِنانَة بن بشر ابن عمي ، وأُخلّي عن محمّد ؟ ! هيهات ؛ أ كفَّاركم خيرٌ من أولئكم ، أم لكم برَاءةٌ في الزُّبُر .
فقال محمّد : اسقوني قطرةً من الماء ، فقال معاوية : لا سقاني اللّه إن سقيتك قطرةً أبدا ، إنَّكم منعتم عثمان أن يشرب الماء حَتَّى قتلتموه ظاميا محرما ، فسقاه اللّه من الرَّحيق المختوم ، واللّه لأقتلنَّك يا بن أبي بَكر وأنت ظمآن ، فيسقيك اللّه من الحميم والغسلين .
فقال له مُحَمَّد بن أبي بَكر : يا بن اليهوديَّة النَّسَّاجة ، ليس ذلك إليك ولا إلى من ذكرت ، إنَّما ذلك إلى اللّه يسقي أولياءه ويظمئ أعداءه ، وهم أنت وقُرناو ومن تولاّك وتولّيته ، واللّه لو كان سيفي في يدي ما بلغتم منِّي ما بلغتم .
فقال له معاوية بن حُدَيْج لعنه اللّه : أ تدري ما أصنع بك ؟ ! أدخلك جوف هذا الحمار الميت ، ثُمَّ أحرقه عليك بالنَّار .
فقال محمّد : إن فعلتم ذلك بي فطالما فعلتم ذلك بأولياء اللّه ، وأيم اللّه ، إنِّي لأرجو أن يجعل اللّه هذه النَّار الَّتي تخوّفني بها عليَّ بردا وسلاما كما جعلها على إبراهيم خليله ، وأن يجعلها عليك وعلى أوليائك كما جعلها على نمرود وأوليائه ، وإنِّي لأرجو أن يحرقك اللّه ، وإمامك ـ يعني معاوية بن أبي سُفْيَان ـ وهذا ، وأشار إلى عَمْرو بن العاص ، بنار تلظَّى عليكم كلَّما خبت زادها سعيرا .
فقال له معاوية : إنِّي لا أقتلك ظلما ، إنَّما أقتلك بعثمان .
فقال له محمّد : وما أنتَ وعثمان ؟ إنَّ عثمان عمل بغير الحقّ ، وبدَّل حُكْمَ
القُرآن ، وقد قال اللّه عز و جل : « ومَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللّه فَأُولئِك هُمُ الْكافِرُونَ »۱ « وأُولئِك هُمُ الظّالِمُونَ وأُولئِك هُمُ الْفاسِقُونَ » ۲ ، فنقمنا عليه أشياء عملها ؛ فأردنا أن يختلع من عملنا فلم يفعل ، فقتله من قتله من النَّاس .
فغضب معاوية بن حُدَيْج ، فقدمه فضرب عنقه ، ثُمَّ ألقاه في جوف حمار ، وأحرقه بالنَّار .
قال : فلمَّا بلغ خبر شهادته عليَّا عليه السلام ، حزن على مُحَمَّد بن أبي بَكر حَتَّى رئي ذلك فيه ، وتبيَّن في وجهه ، وقام في النَّاس خطيبا ، فحمد اللّه وأثنى عليه ثُمَّ قال :
« ألا وإنَّ مصر قد افتتحها الفجرة أولياء الجور والظُّلم ، الَّذين صدّوا عن سبيل اللّه ، وبغوا الإسلام عِوَجا ، ألا وإنَّ مُحَمَّد بن أبي بَكر قد استشهد ـ رحمه الله ـ فعند اللّه نحتسبه ، أما واللّه لقد كان ما علمت ممّن ينتظر القضاء ويعمل للجزاء ، ويبغض شكل الفاجر ، ويحبّ هَين المُون ، وإنّي واللّه ، ما ألوم نفسي على تقصير ولا عجز ، وإنِّي بمقاساة الحرب لجدّ بصير ، وإنِّي لأقدم على الأمر ، وأعرف وجه الحزم ، وأقوم بالرَّأي المصيب ، فأستصرخكم معلنا ، وأناديكم نداء المستغيث معربا ، فلا تسمعون لي قولاً ، ولا تطيعون لي أمرا ، تصيّرون الأمور إلى عواقب المساءة ، فأنتم القوم لا يدرك بكم الثَّار ، ولا تنقض بكم الأوتار ، دعوتكم إلى غياث إخوانكم منذ بضعٍ وخمسين يوما ، فجرجرتم عليّ جرجرة الجمل الأشدق ، وتثاقلتم إلى الأرض تثاقل من ليس له نيّة في جهاد العدوّ ، ولا رأي له في اكتساب الأجر ، ثُمَّ خرج إليّ منكم جنيدٌ متذائبٌ ضعيفٌ ، كأنَّما يساقون إلى الموت وهم ينظرون ، فأُفٍ لكم . ثُمَّ نزل فدخل رحله . »۳

1.المائدة : ۴۴ .

2.ذيل الآيتين ۴۵ و۴۷ .

3.الغارات : ج۱ ص۲۸۲ ـ ۲۹۸ ، وراجع : شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج۶ ص۷۸ ـ ۹۲ ، تاريخ الطبري : ج۵ ص۱۰ ـ ۱۰۵ ، الكامل في التاريخ : ج۲ ص۴۱۱ ـ ۴۱۴ ، أنساب الأشراف : ج۳ ص۱۶۹ ـ ۱۷۳ ، البداية والنهاية : ج۷ ص۳۱۵ ـ ۳۱۷ .

  • نام منبع :
    مكاتيب الأئمّة ج1
    المساعدون :
    فرجي، مجتبي
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دارالحديث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 113251
الصفحه من 568
طباعه  ارسل الي