51
مكاتيب الأئمّة ج1

مكاتيب الأئمّة ج1
50

4

كتابه عليه السلام إلى قَيْصَر الرُّوم

لمَّا جلَس عُمَر في الخلافة، جَرى بين رَجل من أصحابه يقال له: الحارث بن سِنان الأزْدِي ُّ ، وبين رَجل من الأنْصار كلام ومنازَعة ، فلَمْ ينتصف له عُمر ، فلَحق الحارث بن سِنان بقيْصر ، وارْتَدَّ عن الإسلام ، ونَسي القرآن كلَّه، إلاَّ قوله تعالى : « وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الاْءِسْلامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِى الْأَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ »۱ ، فسَمع قَيصَرُ هذا الكَلام ، فقال :
سَأكْتُب إلى مَلِك العَرب بمسائل ، فإنْ أخْبَرني عنها أطلقت ما عنْدي من الأُسارى ، وإنْ لمْ يخبرني تفسير مسائلي، عهدتُ إلى الأسارى، فعرضتُ عَلَيهِم النَّصرانيَّة ، فمَن قَبل منهم اسْتعبدته ، ومَن لمْ يقبل قتلتُه .
فكتَب إلى عُمَر بن الخَطَّاب بمسائل :
أحدها سؤاله عن تفسير الفاتِحة ، وعن الماء الَّذي ليْس من الأرض ولا من السَّماء ، وعمَّا يتنفَّس ولا رُوح فيه ، وعن عَصا موسَى ممَّن ۲ كانت وما اسمها ، وما طولها ، وعن جاريةٍ بِكر لأخَوَين في الدُّنيا، وهي في الآخِرة لَواحد .
فلمَّا وردت هذه المسائل على عُمر لم يعرف تفسيرها ، ففزع في ذلِك إلى عليِّ بن أبي طالب عليه السلام ، فكتَب عليه السلام إلى قيصر :
« مِن عَلِيِّ بنِ أبِي طَالبٍ صِهْرِ مُحَمَّدٍ ، وَوَارِثِ عِلْمِهِ ، وَأقْربِ الخَلقِ إليْهِ ، ووَزيرِه ، ومَن حَقَّت لَهُ الوِلاَيَةُ ، وَأُمِرَ الخَلْقُ بِالبَراءَةِ مِن أعْدَائِهِ ، قُرَّةُ عَيْنِ رَسولِ اللّه ِ ، وزَوجُ ابْنَتِهِ ، وأبو وُلْده، إلى قَيصَرَ مَلِكِ الرُّومِ .
أمَّا بَعْدُ ، فَإنِّي أحْمَدُ اللّه الَّذي لا إِلَه إلاَّ هُوَ ، عالِمُ الخَفيّاتِ ، ومُنْزِلُ البَرَكاتِ ، مَن يَهدِي اللّه ُ فَلا مُضِلَّ لَهُ ، ومَن يُضْلِل فَلا هادِيَ لَهُ ؛ وَرَدَ كِتابُكَ ، وأَقرَأنِيهِ عُمَرُ بنُ الخَطَّاب .
فأمَّا سُؤالُكَ عَن اسْمَِ اللّه ِ، فإنَّهُ اسْم فيهِ شِفاءٌ من كُلِّ دَاءٍ ، وعَوْنٌ عَلى كُلِّ دَواءٍ .
وأمَّا سُؤالُكَ عَنِ« الرَّحْمَـنِ »، فَهُوَ عَونٌ لِكُلِّ مَن آمَن بِهِ ، وهُوَ اسْمٌ لَم يَتَسمَّ بِهِ غَيْرُ الرَّحمنِ تَبارَكَ وتَعالَى .
وأمَّا«الرَّحِيمِ»، فرَحِيمُ مَن عَصَى وَتَاب وآمَنَ وعَمِلَ صالِحا .
وَأمَّا قَولُهُ :« الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَــلَمِينَ »، فَذَلِكَ ثَناءٌ مِنَّا عَلَى رَبِّنا تَبارَكَ وتَعالى بِمَا أنْعَم علَيْنا .
وأمَّا قَولُهُ :« مَــلِكِ يَوْمِ الدِّينِ »، فَإنَّهُ يَملِكُ نَواصِيَ الخَلْقِ يَوْمَ القِيامَةِ ، وكُلّ مَن كَانَ فِي الدُّنيا شَاكَّا أوْ جَبَّارا أدْخلَهُ النَّارَ ، ولا يَمتنَعُ مِن عَذابِ اللّه ِ عز و جلشَاكٌ ولاَ جَبَّارٌ ، وَكُلّ مَن كانَ فِي الدُّنيا طَائِعا مُذْنِبا مَحَا خَطَايَاهُ ، وَأدْخَلَهُ الْجَنَّةَ برَحْمَتِهِ .
وأمَّا قولُهُ :« إِيَّاكَ نَعْبُدُ »، فَإنَّا نَعْبُدُ اللّه َ ، ولا نُشْرِكُ بِهِ شَيْئا .
أمَّا قولُهُ :«وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ»، فإنَّا نَسْتَعِينُ باللّه ِ عز و جل عَلَى الشَّيْطانِ ، لا يُضلّنا كَما أضلَّكُم .
وأمَّا قولُهُ :«اهْدِنَا الصِّرَ طَ الْمُسْتَقِيمَ»، فَذَلِكَ الطَّرِيقُ الوَاضِحُ ، مَن عَمِلَ فِي الدُّنيا صَالِحا فإنَّه يسْلُكُ عَلى الصِّراطِ إلى الْجَنَّةِ .
وأمَّا قولُهُ:«صِرَ طَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ»، فَتِلْكَ النِّعمَةُ الَّتي أنْعَمَها اللّه ُ عز و جلعلَى مَن كانَ قَبْلَنا مِنَ النَّبيِّينَ والصِّدِّيقِينَ ، فَنَسْألُ اللّه َ رَبَّنا أنْ يُنْعِمَ علَيْنا .
وأمَّا قولُه عز و جل :«غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ»، فَأُولَئِكَ اليَهود ُ ، بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللّه ِ كُفرا ، فَغَضِبَ عَلَيْهم فجعل منْهم القِرَدَة والخَنازِير ، فَنَسْألُ رَبَّنا أنْ لا يَغضَبَ علَيْنا كمَا غَضِبَ عَلَيْهم .
وَأمَّا قولُهُ :«وَ لاَ الضَّآلِّينَ»، فَأنْتَ وأمْثالُك يا عَابِدَ الصَّلِيْبِ الخَبِيثِ ، ضَلَلتُم بَعْدَ عِيْسَى بْنِ مَريَمَ عليه السلام ، نَسأَلُ رَبَّنا أنْ لا يُضِلَّنا كمَا ضَلَلتُم .
وَأمَّا سُؤالُكُ عن المَاءِ الَّذي ليْسَ مِنَ الأَرضِ ولا مِنَ السَّماءِ ، فَذلِكَ الَّذي بَعَثَتهُ بَلْقيسُ إلى سُلَيْمان َ ، وهُوَ عَرَقُ الخَيلِ إذا جَرَت فِي الحُرُوبِ .
وأمَّا سؤالكَ عَمَّا يَتنفّسُ ولا رُوحَ فيه ، فَذَلِك الصُّبحُ إذا تَنَفَّسَ .
فأمَّا سؤالك عن عَصا موسَى ممَّا كانَت ، ومَا طُولُها ، وما اسْمُها ، ومَا هِيَ ، فإنَّها كانَت يُقاللَها : « البَرنِيَّة »، وتفسير البَرنِيَّة: الزَّابدة ، وكانَت إذا كانَت فيْها الرُّوحُ زَادَت ، وإذا خَرَجَ منها الرُّوحُ نَقَصَت ، وكانت من عَوْسَج۳، وكانَت عَشَرةَ أذْرُعٍ ، وكانَت مِنَ الجَنَّة ، أَنزَلَها جَبرائيلُ عليه السلام على شُعَيْب عليه السلام .
وأمَّا سُؤالُكَ عَن جَارِيَةٍ تكُونُ في الدُّنيا لأخَوَينِ ، وفي الآخِرةِ لِواحِدٍ ، فَتِلكَ النَّخلةُ، هي في الدُّنيا لِمُؤمِنٍ مِثْلِي ولِكافِرٍ مِثْلِك ، ونَحْنُ مِن وُلْدِ آدَمَ[ عليه السلام ] وهِيَ فِي الآخِرةِ لِلمُسلِمِ دُونَ المُشْرِكِ ، وهِي فِي الجَنَّةِ لَيْست فِي النَّارِ ، وذلِكَ قَولُهُ عليه السلام :« فِيهِمَا فَـكِهَةٌ وَ نَخْلٌ وَ رُمَّانٌ »۴» .

ثُمَّ طَوى الكتاب وأنْفذَه إليْه ، فلمَّا قرَأه قيصر عهد إلى الأسارى فأطلقهم ، واخْتارهم ، ودَعا أهل مَمْلكَته إلى الإسلام والإيمان بمحمَّد صلى الله عليه و آله ، فاجْتمعت عليْه النَّصارى ، وهمُّوا بِقَتلِهِ ، فأجابهم ، فقال :
يا قَوْمُ، إنِّي أرَدتُ أنْ أُجرِّبَكم ، وإنَّما أظهرتُ ما أظهرتُ لأنظُر كيف تكونون؟ فقد حَمَدتُ الآن أمرَكُم عنْد الاخْتبار .
فسَكَتُوا واطْمأنُّوا ، فقالوا : كَذلِكَ الظَّنُ بِكَ ، وَكَتَم قَيصَرُ إسلامَهُ حتَّى ماتَ ، وهوَ يقول لخواصِّ أصحابه ومَن يَثِقُ بِهِ :
إنَّ عيسَى عليه السلام عبْد اللّه ورسُولُهُ ، وكلمته ألْقاها إلى مَريم ، ومحمَّد ٌ صلى الله عليه و آله نَبيٌّ بعْدَ عيسَى ، وإنَّ عيسَى بشَّر أصحابَه بمحمَّد صلى الله عليه و آله ، ويقول :
« مَن أدرَكَهُ فلْيقرأ۵منِّي السَّلام ، فإنَّه أخِي وعَبدُ اللّه ُ ورَسولُهُ » .
وماتَ قَيصَر ـ على القوْل ـ مسلِما ، فلمَّا ماتَ وتولَّى بعده هِرَقْلُ ، أخْبروه
بذلِك ، قال : اكتموا هذا ، وأنْكروه ، ولا تُقِرُّوا بهِ ، فإنَّه إنْ يظهَر طمعَ مَلِكُ العَرب ، وفي ذلك فَسادُنا وهَلاكُنا ، فمَن كان من خواصِّ قَيصَرَ وخَدَمِهِ وأهْلِهِ على هذا الرَّأي كَتَموه ، وهرقل ۶ أظْهَر النَّصرانيَّة وقوي أمره ، والحمد للّه وحدَه وصلَّى اللّه على محمَّد وآله الطَّاهرين . ۷

1.آل عمران :۸۵ .

2.كذا في المصدر، والصحيح : « ممّا كانت »؛ لأنّ « مَن » يُسألُ بها عن العاقل.

3.العوسج : من شجر الشّوك .

4.الرحمن : ۶۸ .

5.هكذا في الإرشاد، وفي البحار: فليقرأه، وهو الصحيح.

6.كلمة « هرقل » نقلناها من البحار.

7.إرشاد القلوب : ص۳۶۵ وراجع : بحار الأنوار : ج۱۰ ص۶۱ .

  • نام منبع :
    مكاتيب الأئمّة ج1
    المساعدون :
    فرجي، مجتبي
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دارالحديث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 113125
الصفحه من 568
طباعه  ارسل الي