523
مكاتيب الأئمّة ج1

عَبدُ اللّه ِ بنُ شُبَيْلٍ الأحْمَسِيّ

كان واليا على آذربايجان مدّةً ۱ . وعندما فُتحت ثانيةً سنة 24 ه أو 25 ه توجّه إليها أميرا على مقدّمة الجيش ۲ . أثنى عليه الإمام عليّ عليه السلام بالتَّواضع وحسن السيرة والهدي ۳ .

الأحْنَفُ بنُ قَيْس

الأحنف بن قَيْس بن معاوية ، أبو بحر التَّميميّ السَّعدي ، والأحنف لقب له لحَنَفٍ ۴ كان برجله ، واسمه الضَّحَّاك ، وقيل : صخر ، من كبار تميم ۵ . أسلم على عهد النَّبيّ صلى الله عليه و آله ۶ ، لكنّه لم يَرَهُ ۷ . حُمِدَ بالحلم والسِّيادة ، وربّما أفرط
مترجموه في نقل بعض الأمثلة من حلمه وسيادته ۸ .
وكان الأحنف من اُمراء الجيش في فتح خراسان أيّام عمر ۹ . وفتح مَرْو في عصر عثمان ۱۰ . واعتزل الإمامَ أمير المؤمنين عليّا عليه السلام في حرب الجمل ۱۱ ، فتبعه أربعة آلاف من قبيلته تاركين عائِشَة ، ۱۲ ودَعته عائِشَة إلى اللِّحاق بها ، فلم يُجِب ودحض موقفها بكلام بصير واعٍ . ۱۳
وكان من قادة جيش الإمام عليه السلام في معركة صفِّين ۱۴ ، واقترح أن يمثّل الإمام عليه السلام في التَّحكيم بدل أبي موسى ۱۵ .
واعتزل في فتنة ابن الحَضْرَمِيّ ولم يدافع عن الإمام عليه السلام . وكانت سياسته ترتكز على المسامحة والموادعة ، ومسايرة قومه وقبيلته ، والابتعاد عن التَّوتّر ۱۶ .
وكانت له منزلة حسنة عند معاوية ۱۷ ، لكنّه لم يتنازل عن مدح الإمام
أمير المؤمنين عليه السلام والثَّناء عليه ۱۸ وتعظيمه يومئذٍ . وكاتَبه الإمام الحسين عليه السلام قبل ثورته فلم يُجِبه ۱۹ . وإنْ صحّ هذا ( أي عدم استجابته لدعاء الإمام عليه السلام ) ؛ فهو دليل على ركونه إلى الدُّنيا ، وتزعزع عقيدته .
وكانت تربطه بمُصْعَب بن الزُّبَيْر صداقة ، من هنا رافقه في مسيره إلى الكوفة ۲۰ . مات الأحنف سنة 67 ه ۲۱ .
في تاريخ مدينة دمشق عن عبد اللّه بن المبارك : قيل للأحنف بن قيس : بأيّ شيء سوّدك قومك ؟ قال : لو عاب النَّاس الماءَ لم أشربه ۲۲ .
وفي الجمل ـ في ذكر حرب الجَمل ـ : بعث إليه ( عليٍّ عليه السلام ) الأحنفُ بن قَيْس رسولاً يقول له : إنّي مقيم على طاعتك في قومي ؛ فإنْ شئتَ أتيتك في مئتين من أهل بيتي فعلتُ ، وإن ۲۳ شئتَ حبست عنك أربعة آلاف سيف من بني سعد .
فبعث إليه أمير المؤمنين عليه السلام : بل أحبس وكفّ . فجمع الأحنف قومه ، فقال : يا بني سعد ! كُفّوا عن هذه الفتنة ، واقعدوا في بيوتكم ؛ فإن ظهر أهل البصرة فهم إخوانكم لم يُهيّجوكم ، وإن ظهر عليٌّ سلمتم . فكَفّوا وتركوا القتال ۲۴ .
وفي الجمل : لمّا جاء رسول الأحنف وقد قدم على عليٍّ عليه السلام بما بذل لهمن كفّ قومه عنه ، قال رجل : يا أمير المؤمنين ، من هذا ؟ قال : هذا أدهَى العَرَبِ وخَيرُهُم لقومه .
فقال عليّ عليه السلام : « كَذلِكَ هُوَ ، وإنّي لأُمثِّلُ بينه وبين المُغِيْرَة بن شُعْبَة ؛ لزِمَ الطَّائفَ ، فأقام بها ينتظر على من تستقيم الاُمّة » !
فقال الرَّجل : إنّي لأحسب أنّ الأحنف لأسرع إلى ما تحبّ من المُغِيْرَة ۲۵ .
وفي وقعه صفِّين ـ في ذكر إعزام الحكمين في آخر حرب صفِّين ـ : قام الأحنف بن قيس إلى عليّ عليه السلام فقال : يا أمير المؤمنين ، إنّي خيّرتك يوم الجمل أن آتيك فيمن أطاعني ، وأكفّ عنك بني سعد ، فقلت : كفّ قومك فكفى بكفّك نصيرا ، فأقمت بأمرك . وإنّ عبد اللّه بن قَيْس رجل قد حلبت أشطره فوجدته قريب القعر كليل المُدية ، وهو رجل يمانٍ ، وقومه مع معاوية . وقد رُمِيتَ بحجر الأرض وبمن حارب اللّه ورسوله ، وإنّ صاحب القوم من ينأى حتَّى يكون مع النَّجم ، ويدنو حتَّى يكون في أكفّهم . فابعثني وواللّه لا يحلّ عقدة إلاّ عقدتُ لك أشدّ منها . فإن قلت : إنّي لست من أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه و آله ؛ فابعث رجلاً من أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، غير عبد اللّه بن قيس ، وابعثني معه . فقال عليّ : إنّ القومَ أتَوني بِعَبْدِ اللّه ِ بنِ قَيْسٍ مُبَرْنَسا۲۶، فقالوا : ابعث هذا ؛ فقد رضينا به . واللّه بالغُ أمره۲۷.
وفي وقعة صفِّين ـ بعد ذكر دعوة الإمام عليه السلام أهل البصرة لقتال معاوية ، وقراءة ابن عبّاس كتابه عليه السلام عليهم ـ : فقام الأحنف بن قَيْس فقال : نعم ، واللّه لنُجِيبَنَّك ،
ولنخرجنّ مَعكَ على العسر واليسر ، والرِّضا والكره ، نحتسب في ذلك الخير ، ونأمل من اللّه العظيم من الأجر ۲۸ .
وفي تاريخ مدينة دمشق : إنّ الأحنف بن قَيْس دخل على معاوية ، فقال : أنت الشَّاهر علينا سيفك يوم صفِّين ، والمخذِّل عن أمّ المؤمنين ؟ ! فقال : يا معاوية ! لا تردّ الاُمور على أدبارها ؛ فإنّ السُّيوف الَّتي قاتلناك بها على عواتقنا ، والقلوب الَّتي أبغضناك بها بين جوانحنا ، واللّه لا تمدّ إلينا شبرا من غدرٍ إلاّ مددنا إليك ذراعا من خَتْر ۲۹ ، وإن شئت لتستصفينّ كدر قلوبنا بصفوٍ من عفوك . قال : فإنّي أفعل ۳۰ .
وفي العقد الفريد عن أبي الحباب الكِنْديّ عن أبيه : إنّ معاوية بن أبي سفيان ، بينما هو جالس وعنده وجوه النَّاس ، إذ دخل رجل من أهل الشَّام ، فقام خطيبا ، فكان آخر كلامه أن لعن عليّا ، فأطرق النَّاس وتكلّم الأحنف ، فقال :
يا أمير المؤمنين ! إنّ هذا القائل ما قال آنفا ، لو يعلم أنّ رضاك في لعن المرسلين للعنهم ! فاتّقِ اللّه ودعْ عنك عليّا ؛ فقد لقي ربّه ، واُفرد في قبره ، وخلا بعمله ، وكان واللّه ـ ما علمنا ـ المُبرِّز بسبقه ، الطَّاهر خُلقه ، الميمون نقيبته ۳۱ ، العظيم مصيبته .
فقال له معاوية : يا أحنف ! لقد أغضيت العين على القذى ، وقلت بغير ما
ترى ، وأيم اللّه لتصعدنّ المنبر فلتلعنَنَّهُ طوعا أو كرها ، فقال له الأحنف : يا أمير المؤمنين ! إن تُعفِني فهو خير لك ، وإن تجبرني على ذلك فو اللّه لا تجري به شفتاي أبدا ، قال : قم فاصعد المنبر .
قال الأحنف : أما واللّه مع ذلك لاُنصفنّك في القول والفعل .
قال : وما أنت قائل يا أحنف إن أنصفتني ؟
قال : أصعد المنبر ، فأحمد اللّه بما هو أهله ، واُصلّي على نبيّه صلى الله عليه و آله ، ثمّ أقول : أيُّها الناس ، إنّ أمير المؤمنين معاوية أمرني أن ألعن عليّا ، وإنّ عليّا ومعاوية اختلفا فاقتتلا ، وادّعى كلّ واحد منهما أنّه بُغي عليه وعلى فئته ؛ فإذا دعوت فأمِّنوا رحمكم اللّه . ثمّ أقول :
اللَّهمَّ العن أنت وملائِكَتُكَ وأنبياؤك وجميع خلقك الباغي منهما على صاحبه ، والعن الفئة الباغية ، اللَّهمَّ العنهم لعنا كثيرا . أمِّنوا رحمكم اللّه !
يا معاوية ! لا أزيد على هذا ولا أُنقص منه حرفا ، ولو كان فيه ذهاب نفسي .
فقال معاوية : إذن نُعفيك يا أبا بحر ۳۲ .
وفي عيون الأخبار عن السَّكن : كتب الحسين بن عليّ رضي اللّه عنهما إلى الأحنف يدعوه إلى نفسه فلم يردّ الجواب ، وقال : قد جرّبنا آل أبي الحسن ، فلم نجد عندهم إيالة للملك ۳۳ ، ولا جمعا للمال ، ولا مكيدة في الحرب ۳۴ .

1.أنساب الأشراف : ج۳ ص۲۳۸ ؛ تاريخ اليعقوبي : ج۲ ص۲۰۳ .

2.تاريخ الطبري : ج ۴ ص ۲۴۶ ، الكامل في التاريخ : ج ۲ ص ۲۳۱ ، الإصابة : ج ۴ ص ۱۰۹ الرقم ۴۷۶۰ ، الاستيعاب : ج ۳ ص ۵۸ الرقم ۱۵۸۹ ، اُسد الغابة : ج ۳ ص ۲۷۴ الرقم ۳۰۰۴ وفي الثلاثة الأخيرة « سنة ۲۸ ه » .

3.أنساب الأشراف : ج۲ ص۳۸۹ ؛ تاريخ اليعقوبي : ج۲ ص۲۰۲ .

4.الحَنَفُ في القَدَمينِ : إقبال كلّ واحدة منهما على الاُخرى بإبهامها ( لسان العرب : ج۹ ص۵۶ ) .

5.سِيَر أعلامِ النبلاء : ج۴ ص۸۷ الرقم۲۹ ، المعارف لابن قتيبة : ص۴۲۵ ، تاريخ مدينة دمشق : ج۲۴ ص۳۱۰ وفيه « وكان سيّد قومه » .

6.سِيَر أعلامِ النبلاء : ج۴ ص۸۷ الرقم۲۹ ، تاريخ الإسلام للذهبي : ج۵ ص۳۴۶ الرقم۱۳۶ ، الاستيعاب : ج۱ ص۲۳۰ الرقم۱۶۱ .

7.الاستيعاب : ج ۱ ص ۲۳۰ الرقم ۱۶۱ ، اُسد الغابة : ج ۱ ص ۱۷۹ الرقم ۵۱ ، الإصابة : ج ۱ ص ۳۳۲ الرقم ۴۲۹ .

8.سِيَر أعلامِ النبلاء : ج۴ ص۹۱ الرقم۲۹ ، تاريخ الإسلام للذهبي : ج ۵ ص۳۴۵ الرقم۱۳۶ ، وفيات الأعيان : ج۲ ص۴۹۹ وفيهما « يُضرب به المثل في الحلم » .

9.المعارف لابن قتيبة : ص۴۲۵ ، تاريخ مدينة دمشق : ج۲۴ ص۳۱۳ .

10.تاريخ الطبري : ج۴ ص۳۱۰ ، تاريخ خليفة بن خيّاط : ص۱۲۱ ، المعارف لابن قتيبة : ص۴۲۵ ،تاريخ مدينة دمشق : ج۲۴ ص۳۱۳ .

11.تاريخ الطبري : ج۴ ص۵۰۰ ، الأخبار الطوال : ص۱۴۸ ؛ الجمل :ص۲۹۵ .

12.الجمل : ص۲۹۵ ؛ تاريخ الطبري : ج۴ ص۵۰۱ .

13.اُسد الغابة : ج۳ ص۱۳ الرقم۲۴۹۳ .

14.وقعة صفّين : ص۱۱۷ و ص ۲۰۵ ؛ سِيَر أعلامِ النبلاء : ج۴ ص۸۷ الرقم۲۹ ، تاريخ خليفة بن خيّاط : ص۱۴۶ ، تاريخ مدينة دمشق : ج۲۴ ص۲۹۹ .

15.وقعة صفّين : ص۵۰۱ ؛ تاريخ الطبري : ج۵ ص۵۲ ، الأخبار الطوال : ص۱۹۳ .

16.الكامل في التاريخ : ج۲ ص۴۱۵ .

17.سِيَر أعلامِ النبلاء : ج۴ ص۹۵ الرقم۲۹ .

18.العقد الفريد : ج۳ ص۸۷ ، وفيات الأعيان : ج۲ ص۵۰۴ .

19.عيون الأخبار لابن قتيبة : ج۱ ص۲۱۱ .

20.الطبقات الكبرى : ج۷ ص۹۷ ، تاريخ الطبري : ج۶ ص۹۵ ، تاريخ مدينة دمشق : ج۲۴ ص۳۰۱ .

21.تاريخ خليفة بن خيّاط : ص۲۰۳ ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج۴ ص۹۶ الرقم۲۹ ، تاريخ مدينة دمشق : ج۲۴ ص۳۰۲ .

22.تاريخ مدينة دمشق : ج۲۴ ص۳۱۶ ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج۴ ص۹۱ الرقم۲۹ .

23.في المصدر : « فإن » ، والصحيح ما أثبتناه .

24.الجمل : ص۲۹۵ .

25.الجمل : ص۲۹۶ .

26.البُرنس: قَلْنَسوَةٌ طويلة، وكان النُّساك يلبسونها في صدر الإسلام، وقد تبرنس الرَّجُل إذا لبسه . ( لسان العرب: ج ۶ ص ۲۶ ) .

27.وقعه صفّين : ص۵۰۱ .

28.وقعة صفّين : ص۱۱۶ .

29.الخَتْر : شبيه بالغدر والخديعة ؛ وقيل : هو أسوأُ الغدر وأقبحه ( لسان العرب : ج۴ ص۲۲۹ ) .

30.تاريخ مدينة دمشق : ج۲۴ ص۳۲۶ ، عيون الأخبار لابن قتيبة : ج۲ ص۲۳۰ ، العقد الفريد :ج۳ ص۸۶ وفيهما من « لا تردّ الاُمور . . . » ، تاريخ الإسلام للذهبي : ج۵ ص۳۵۱ وفيه إلى « جوانحنا » ، وفيات الأعيان : ج۲ ص۵۰۰ كلّها نحوه .

31.أي مُنَجّح الفِعال ،مظفَّر المطالب . والنقيبة : النفس . وقيل : الطبيعة والخليقة ( النهاية : ج۵ ص۱۰۲ ) .

32.العقد الفريد : ج۳ ص۸۷ ، وفيات الأعيان : ج۲ ص۵۰۴ ، نهاية الأرب : ج۷ ص۲۳۷ .

33.الإيَالة : السياسة . يقال : فلان حَسن الإيالة وسَيّئ الإيالة ( النهاية : ج۱ ص۸۵ ) .

34.عيون الأخبار لابن قتيبة : ج۱ ص۲۱۱ .


مكاتيب الأئمّة ج1
522
  • نام منبع :
    مكاتيب الأئمّة ج1
    المساعدون :
    فرجي، مجتبي
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دارالحديث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 112906
الصفحه من 568
طباعه  ارسل الي