533
مكاتيب الأئمّة ج1

مكاتيب الأئمّة ج1
532

يزيد بن قَيْس الهَمْدانِيّ ثُمَّ الأرْحَبيّ

هو من شهود الوصيَّة على رواية الكافي والوافي والبحار ، له إدراك ، وكان رئيسا كبيرا فيهم .
قال مُجالِد بن سَعيد : لمَّا سار سَعيد بن العاص حين كان أمير الكوفة لعثمان ، فثار عليه أهل الكوفة ، فتوجَّه إلى عثمان ، فاجتمع قرَّاء الكوفة ، فامَّروا عليهم يزيد بن قَيْس هذا ، ثُمَّ كان مع عليّ في حروبه ، وولاّه شرطته ، ثُمَّ ولاّه بعد ذلك إصبهان والرَّيّ وهَمْدان ، وإيَّاه عنى القائل بعد ذلك يخاطب معاوية من أبيات :
مُعَاوِيَ إنْ لا تُسْرِع السَّيْرَ نَحْوَنَافَبَايِعْ عَلِيَّا أو يَزيدَ اليَمَانِيا .۱
كان يزيد بن قَيْس من الثَّائرين على عثمان بالكوفة ، والنَّاقمين عليه شديدا ، لقد أعلن خلعه في المسجد ، وهو من السَّائرين إلى سعيد بن العاص ، حَتَّى ردّوه من العُذيب إلى المدينة .
قال ابن سعد : وأقبل سعيد بن العاص حَتَّى نزل العُذيب ـ وكان سعيد عامل عثمان على الكوفة ـ فدعا الأشْتَر يزيد بن قَيْس الأرْحَبيّ ، وعبد اللّه بن كِنانَة العَبْديّ ، وكانا مِحْرَبين ، فعقد لكل واحد منهما على خمسمئة فارس ، وقال لهما :
سيرا إلى سعيد بن العاص فأزْعِجاه وألْحِقاه بصاحبه ، فإن أبَى فاضربا عنقه
وَأتياني برَأسه . . . ۲ .
وكان يزيد بن قَيْس ممّن سيّره عثمان ۳ .
ولمَّا استنفر أمير المؤمنين عليه السلام أهل الكوفة إلى حرب الجمل فخرجوا على الصَّعب والذَّلول كان رؤساؤهم . . .ويزيد بن قَيْس ، ومعهم أتباعهم وأمثال لهم ليسوا دونهم ، إلاّ أنَّهم لم يؤمَّروا ؛ منهم حُجْر بن عَدِيّ ؛ وابن مَحْدُوج البَكريّ وأشباه لهما ۴ .
وكان يوم الجمل معه راية أمير المؤمنين عليه السلام ، أخذها بعد أن أخذها عشرة من أهل الكوفة وقتلوا ، خمسة منهم من هَمْدان ، فأخذها يزيد وقال مُتَمَثِّلاً :
قَدْ عِشْتِ يا نَفْسُ وَقَدْ غَنِيتِدَهْرا فقَطْكِ اليَومَ ما بَقِيتِ
أطْلُب طولَ العُمْر ما حَييتِ
فثبتت الرَّاية في يده ۵
ولمَّا رجع عليّ عليه السلام من البصرة ونزل الكوفة ، بعث يزيد بن قَيْس الأرْحَبيّ على المَدائِن وجُوخَا كلِّها ۶ .
إلى أن أراد أمير المؤمنين عليه السلام أن يسير إلى الشَّام ، فدعا إليه من كان معه من المهاجرين والأنصار ، وأحضر بعض عمَّاله من عظمائهم وشجعانهم ،
فأستشارهم فقال كلُّ ما عنده من الرَّأي ، فدخل يزيد بن قَيْس فقال :
يا أمير المؤمنين نحن على جَهاز وعدّة ، وأكثر النَّاس أهل قوَّة ، ومن ليس به بمضعَّف وليس به علَّة .
فَمُرْ منادِيك فلينادِ النَّاس يخرجوا إلى معسكرهم بالنُّخيلَة ؛ فإنَّ أخا الحرب ليس بالسؤوم ولا النَّؤوم ، ولا مَن إذا أمكنَه الفُرَصُ أجَّلها واستشار فيها ، ولا من يؤخّر الحربَ في اليوم إلى غدٍ وبعد غد . فقال زياد بن النَّضْر : لقد نصح لك يا أمير المؤمنين يزيدُ بن قيس ۷ .
[ و ] لمَّا توادع عليّ عليه السلام ومعاوية بصفِّين ـ في شهر محرّم الحرام ـ اختلفت الرُسل فيما بينهما رجاءَ الصُلح ، فأرسل عليّ بن أبي طالب إلى معاوية َ عَدِيّ بن حاتم ، وشَبَثَ بن رِبْعِيّ ، ويزيد بن قَيس ، وزياد بن خَصَفة ، فدخلوا على معاوية . . . وتكلَّم يزيد بن قَيْس الأرْحَبيّ فقال :
إنَّا لم نأتِك إلاّ لنبلِّغك ، ما بُعثنا به إليك ، ولنؤدِّيَ عنك ما سمِعنا منك ، لن ندَعَ أن ننصحَ لك ، وأن نذكرَ ما ظنَنَّا أنّ لنا به عليك حجَّةً ، أو أنَّه راجعٌ بك إلى الأُلفة والجماعة ، إنَّ صاحبَنا لَمَن قد عَرَفتَ وعرف المسلمون فضلَه ، ولا أظنُّه يخفى عليك أنَّ أهل الدِّين والفضل لن يعدلوك بعليّ عليه السلام ، ولن يميِّلُوا ۸ بينك وبينه .
فاتّق اللّه يا معاوية ، ولا تخالف عليَّا ، فإنَّا واللّه ، ما رأينا رجلاً قطُّ أعملَ بالتَّقوى ، ولا أزْهَد في الدُّنيا ، ولا أجمَع لخصال الخير كلِّها منه ۹ .
[ و ] خطب يزيد بن قَيْس بصفِّين يحرّض النَّاس في اليوم السَّابع ، وكان من الأيّام العظيمة وذا أهوال شديدة ، قتل فيه عبد اللّه بن بُدَيْل الخُزاعِيّ ـ فقال :
إنَّ المسلم السَّليم مَن سلم دينُه ورأيه ، إنَّ هؤلاء القوم واللّه ، ما إن يقاتلونا على إقامة دينٍ رأونا ضيَّعناه ، ولا إحياء عدلٍ رأونا أمَتْناه ، ولا يقاتلونا إلاّ على إقامة الدُّنيا ؛ ليكونوا جبابرةً فيها ملوكا ، فلو ظهروا عليكم ـ لا أراهم اللّه ظهورا ولا سرورا ـ إذا ألْزَمُوكم مثلَ سعيدٍ والوليد وعبد اللّه بن عامر السَّفيه ، يحدِّث أحدهم في مجلسه بِذَيْتَ وذيت ، ويأخذُ مال اللّه ، ويقول : هذا لي ولا إثْمَ عليَّ فيه ، كأنَّما أعطى تُراثَه من أبيه ، وإنَّما هو مال اللّه أفاءه اللّه علينا بأسيافنا ورماحنا .
قاتلوا عبادَ اللّه القومَ الظَّالمين ، الحاكمين بغير ما أنزل اللّه ، ولا تأخذْكم في جهادهم لومةُ لائم ؛ إنَّهم إن يظهروا عليكم يُفسِدوا دينَكم ودنياكم ، وهم مَن قد عرفتُم وجرَّبتُم . واللّه ، ما أرادوا إلى هذا إلاّ شرَّا . وأستغفر اللّه العظيم لي ولكم ۱۰ .
[ وقد ] عدَّه الشَّيخ في رجاله من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام ، وقال : كان عامله على الرَّيّ وهَمْذان وإصبهان ۱۱ .
وقال أبو نعيم : يزيد بن قَيْس الأرْحَبيّ ولاّه عليّ بن أبي طالب إصبهان والرَّيّ وهمذان ، ففرَّق عليٌّ لمَّا مات ( يزيد ) عمله بين ثلاثة نفر ، فاستعمل مِخْنَف بن سُلَيْم على إصبهان ، وعُمَر بن سَلمة على هَمْدان ، وآخر على الرَّيّ ۱۲ .
هذا يزيد بن قَيْس ، وكلماته ، وعقائده ، ووثوق الأمير عليه السلام به ، وكفايته في عمله ، حَتَّى ولاّه عملاً فُرّق بعده بين ثلاثة من رجاله ، ولكن يظهر من الطَّبريّ أنَّه كان
قبل نصبه للولاية على إصبهان من رؤساء الخوارج ، وهذا ممَّا أشكل عليّ ، فلا بأس بنقل عبارته بلفظها ، قال :
لمَّا اعتزل الخوارج عليَّا سَنَة 37 أو 38 ، وثبت إليه الشِّيعة ـ فقالوا : في أعناقنا بَيعة ثانية ، نحن أولياءُ مَن والَيت ، وأعداءُ مَن عادَيت .
فقالت الخوارج : استبقتم أنتم وأهل الشَّام إلى الكُفر ، كَفَرَسَي رهان ، بايع أهلُ الشام معاوية على ما أحبّوا وكرهوا ، وبايعتم أنتم عليَّا على أنَّكم أولياءُ مَن والى وأعداءُ مَن عادَى .
فقال لهم زياد بن النَّضْر : واللّه ، ما بسط عليٌّ يدَه إلاّ على كتاب اللّه عز و جل ، وسنَّة نبيِّه صلى الله عليه و آله ، ولكنَّكم لمّا خالفتموه جاءته شيعتُه ، فقالوا : نحن أولياء مَن والَيت ، وأعداءُ مَن عادَيت ، ونحن كذلك ، وهو على الحقّ والهدى ، ومَن خالفه ضالٌّ مُضِلّ .
وبعث عليّ بن عبَّاس إليهم ، فقال : لا تعجل إلى جوابهم وخصومتهم حَتَّى آتيك . فخرج إليهم حَتَّى أتاهم ، فأقبلوا يكلّمونه ، فلم يصبر حَتَّى راجعهم . . .
وبعث عليّ زياد بن النَّضْر إليهم ، فقال : انظر بأيّ رؤوسهم هم أشدّ إطافة ، فنظر فأخبره أنَّه لم يرهم عند رجل أكثر منهم عند يزيدَ بن قيس ، فخرج عليّ في النَّاس حَتَّى دخل إليهم ، فأتى فُسطاط يزيد بن قيس ، فدخله فتوضَّأ فيه وصلّى ركعتين ، وأمَّره على إصبهان والرَّيّ ، ثُمَّ خرج حَتَّى انتهى إليهم وهم يخاصمون ابن عبَّاس . . . ۱۳ .
ذكر الطَّبريّ : أقبلت الخوارج ، فلمَّا أن دنَوا من النَّاس نادَوا يزيد بن قيس ، فكان يزيد بن قَيْس على إصبهان . فقالوا : يا يزيد بن قيس ، لا حُكْم إلاّ للّه ، وإن كرهتْ إصبهان ! ۱۴
اشترك في الثَّورة على عثمان ۱۵ ، وشهد الجمل ۱۶ وصفِّين مع الإمام عليه السلام . وكان أحد الَّذين بعثهم الإمام عليه السلام إلى معاوية في حرب صفِّين ۱۷ . مال إلى الخوارج في فتنتهم الَّتي أوقدوا نارها ، بَيْدَ أنّ الإمام عليه السلام فصله عنهم ، وولاّه على إصفهان والرَّي ۱۸ . وكان مع الإمام عليه السلام في النَّهروان ، واحتجّ الخوارج على ذلك ۱۹ .
ولي المَدائِن ۲۰ وجُوخَا ۲۱ مدّةً ، ( ويبدو أنّ ذلك كان في الفترة الواقعة بين الجمل وصفِّين ) . ۲۲ وبعد النَّهروان كان عامل الإمام عليه السلام على إصفهان ۲۳ ، وهَمَدان ۲۴ .

1.الإصابة : ج۶ ص۵۵۱ الرقم ۹۴۲۸ .

2.الطبقات الكبرى : ج۵ ص۳۳ ، وراجع : تاريخ الطبري : ج۴ ص۳۲۸ ـ ۳۳۱ ، الكامل في التاريخ : ج۲ ص۲۷۳ .

3.وقعة صفِّين : ص۱۲۱ .

4.تاريخ الطبري : ج۴ ص۴۸۸ وراجع : الكامل في التاريخ : ج۲ ص۳۲۹ .

5.. راجع : تاريخ الطبري : ج۴ ص۵۱۵ ، الكامل في التاريخ : ج۲ ص۳۳۹ .

6.وقعة صفِّين : ص۱۱ نحوه .

7.راجع : وقعة صفِّين : ص۹۲ ـ ۱۰۱ ؛ أنساب الأشراف : ج۳ ص۷۸ ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج۳ ص۱۸۰ ـ ۱۷۹ نحوهما .

8.التمييلُ بين الشّيئين كالترجيح بينهما، تقول العرب: إنّيلاُميّل بين ذينك الأمرين (لسان العرب: ج ۱۱ ص۶۳۷).

9.وقعة صفِّين : ص۱۹۷ ، الغدير : ج۱۰ ص۴۲۷ ، مواقف الشيعة : ج۲ ص۶۲۰ ؛ تاريخ الطبري : ج۵ ص۵ ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج۴ ص۲۰ .

10.وقعة صفِّين : ص۲۴۷ ؛ تاريخ الطبري : ج۵ ص۱۷ ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد :ج۵ ص۱۹۴ .

11.تنقيح المقال : ج۳ ص۳۲۸ ، وراجع : الإصابة : ج۶ ص۵۵۱ .

12.تاريخ أصبهان : ج۲ ص۳۲۱ الرقم ۱۸۴۶ .

13.تاريخ الطبري : ج۵ ص۶۵ ـ ۶۴ وراجع : أنساب الأشراف : ج۳ ص۱۲۱ ، الكامل للمبَّرد : ج۳ ص۱۱۳۰ ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج۲ ص۲۷۸ ؛ بحار الأنوار : ج۳۳ ص۳۵۳ .

14.تاريخ الطبري : ج۵ ص۸۶ .

15.تاريخ الطبري : ج۴ ص۳۳۱ ، أنساب الأشراف : ج۶ ص۱۵۹ .

16.تاريخ الطبري : ج۴ ص۴۸۸ و ص ۵۱۵ ، الكامل في التاريخ : ج۲ ص۳۳۰ .

17.وقعة صفّين : ص۱۹۷ و۱۹۸ ؛ تاريخ الطبري : ج۵ ص۵ و ص ۱۷ ، الكامل في التاريخ :ج۲ ص۳۶۷ .

18.تاريخ الطبري : ج۵ ص۶۵ ، الكامل في التاريخ : ج۲ ص۳۹۴ .

19.تاريخ الطبري : ج۵ ص۸۶ .

20.المدائن : مدينة تقع على نهر دجلة من شرقيّها تحت بغداد على مرحلة منها ، وفيها إيوان كسرى . فُتحت في ( ۱۴ ه ) على يد المسلمين ( راجع تقويم البلدان : ص۳۰۲ ) .

21.جُوخا : اسم نهر عليه كورة واسعة فيسواد بغداد وهو بين خانقين وخوزستان ( معجم البلدان : ج۲ ص۱۷۹ ) .

22.وقعة صفّين : ص۱۱ ؛ الأخبار الطوال : ص۱۵۳ .

23.رجال الطوسي : ص۸۶ الرقم۸۶۳ ؛ تاريخ الطبري : ج۵ ص۶۵ و ص ۸۶ .

24.رجال الطوسي : ص۸۶ الرقم۸۶۳ .

  • نام منبع :
    مكاتيب الأئمّة ج1
    المساعدون :
    فرجي، مجتبي
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دارالحديث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 115691
الصفحه من 568
طباعه  ارسل الي