57
مكاتيب الأئمّة ج1

6

كتابه عليه السلام إلى معاوية

۰.نقل ابن قُتَيْبَة في الإمامة والسِّياسة ، أوَّل كتاب له عليه السلام إلى معاوية قال : ـ بعد ذكر ما جرى بعد بيعة النَّاس لعليّ عليه السلام ، وما قال ابن عبَّاس والمُغِيْرَةُ ، وما أجابهما في معاوية ـ فكتَب عليٌّ إلى معاوية :« أمَّا بَعدُ ، فَقَد وَلَّيتُكَ ما قِبَلَكَ مِنَ الأمرِ والمالِ ، فَبَايِع مَنْ قِبَلَكَ ، ثُمَّ أَقدِم إليَّ فِي ألفِ رَجُلٍ مِن أَهلِ الشَّامِ » .

فَلَمَّا أتى مُعاوِيَةَ كِتابُ عليّ دَعا بطُومارٍ فكتَب فيه :
من معاوية إلى عليّ ، أمَّا بعدُ ، فإنَّه :
لَيسَ بَينِي وَبَينَ قَيْسٍ عِتابُغيرَ طَعنِ الكِلَى وَضَرْبِ الرِّقابِ۱
[ ولكن لا يخفى على مَن له أدنَى إلمام بالتَّاريخ، أنَّ هذا الكتاب مفتعل، اختلقه
أنصار بنِي أُميَّة قدحا في أمير المؤمنين عليه السلام من جهة ، ومدحا لمعاوية من جهةٍ اُخرى ، أو كذبة من قصَّاص يلقي القصَّة ويختلقها لجَلب النَّاس إليه ، لأنَّ المورِّخين نقلوا: أنَّ المُغيْرَة بن شُعْبَة ، جاء إلى أمير المؤمنينن عليه السلام ، مُظهرا للنُصح ، وطلب منه أن ينصب معاوية لحكومة الشَّام ، حتَّى يتمَّ له الأمر ، ثُمَّ يعزله بعد ذلك، فقال عليّ عليه السلام : « لَستُ مُتَّخِذَ المُضِلِّينَ عَضُدا » أو قريبا من هذا الكلام . ثُمَّ جاء ابن عبَّاس ، فسأل أمير المؤمنين عليه السلام عن مجيء المُغِيْرَة ، فأخبره عليّ عليه السلام بما جاء به ، فصدَّق ابن عبَّاس المُغِيْرَة بن شُعْبَة ، فزجره أمير المؤمنين عليه السلام . ۲
وقد بحث المحقِّقون حولَ هذا الأمر ، ودقَّقوا النَّظر في هذه الفكرة ، وهي عدم تولية أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام مُعاوِيَةَ وَلو شهرا ، حَتَّى يسْتقرَّ أمر حكومته ، ويُرسي قواعد خلافته ، وينقطع الخلاف بين المسلمين ، ثُمَّ يعزله متى شاء وأراد ، ولقد بحث ابن أبي الحديد بحثا شافيا حول سياسة أمير المؤمنين عليه السلام ، والفرق بين سياسته وسياسة عمر ومعاوية . ۳
وَعَزلُ أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام عُمَّالَ عثمان عُموما ، ومعاوية خصوصا ، لا يخفى على مَن راجع كتُب التَّاريخ، كالطبري ومروج الذَّهب ، واليعقوبي ، والبحار ، وسفينة البحار ، والغدير ، وأحاديث أمّ المؤمنين . ۴
وإذا أردت أنْ تعرِف معاوية ، ونظر النَّبيّ صلى الله عليه و آله وعليّ عليه السلام والصَّحابة فيه ، وأعماله
الشَّنيعة ، وجناياته على الدِّين وأهله ، فراجع : الغدير : الجزء العاشر والجزء الحادي عشر ، من أوَّلِهما إلى آخرهما ، واقرأهما قراءة تحقيق وتدقيق .
مع أنَّ عبائر ابن قُتَيْبَة حاكية عن كون النَّقل كذبا ، لأنَّ ما نقله من قول عليّ عليه السلام للمُغِيرَة : « سِر إلى الشَّام ِ فَقَد وَلَّيتُكَها » . وإباء المُغيْرَة ذلك ، ۵ وقوله عليه السلام ذلك لابن عبَّاس ، ورفضه أيضا ، وما نقله ـ بعد الكتاب ـ من كلام الحسن السِّبط عليه السلام لعليّ عليه السلام ، وما أجابه به في كلام طويل جاء في آخره: « وَ إنَّكَ لَتعلَمُ أَنَّ أباكَ أبرأُ النَّاسِ مِن دَمِهِ » فقال له الحسن عليه السلام : « دَع عَنكَ هذا، واللّه ِ إنِّي لا أظُنّ، بل لا أشُكُّ ، أنَّ ما بِالمَدِينَة من عَاتِقٍ ولا عَذراءَ ولا صَبيٍّ إلاّ وَعَلَيهِ كِفلٌ مِن دَمِهِ » إلى آخر الكلام ۶ ، دليلٌ على أنَّ هذا الفصل قد افتعل لأمر دبّر بليل ، مع أنَّ ابن قُتَيْبَة نقل قول عليّ عليه السلام لابن عبَّاس في طَلْحَة والزُّبَيْر ، « وَ لَو كُنتُ مُستَعمِلاً أَحَدا لِضَرِّهِ وَنَفعِهِ لاستَعمَلتُ مُعاوِيَةَ عَلى الشّامِ » . ۷
مَعَ أنَّ مُعاوِيَةَ منافقٌ متجاهِر بالفِسق والطُّغْيان ، منذ بدء حياته ، وحَتَّى في زَمَن عمر ، إلى أن نزل به الحتف ولا يمكن لعليّ عليه السلام أن يستعمله على أيّ كورة أو قرية ، وإن شئت أن تعرِف حقيقة معاوية وما يرومه ، وما طوِيَّتُه وأهدافه ، وما كان يبتغيه للإسلام والمسلمين ، فراجع : « النَّصائح الكافية لمن يتولّى معاوية » ، و« أحاديث أمّ المؤمنين » ، وابن أبي الحديد ، والغدير ، وسفينة البحار . ۸
وكيف يولّيه أمير المؤمنين عليه السلام ، ويسلّطه على المسلمين ، وهو يقول لابن
عبَّاس في كتابه إليه : « فَارْبَعْ أبا الْعَبَّاسِ ـ رَحِمَكَ اللّه ُ ـ فيما جَرَى عَلَى لِسَانِك ، و يَدِك من خَيْرٍ وشَرٍّ ، فإِنَّا شَرِيكَانِ في ذلك » وقد تقدَّم ، وكَيفَ يُوَلّيهِ وهو يعرفه حقّ المعرفة ، وهو يسمع من رسول اللّه صلى الله عليه و آله ما نقله الغدير من القول في معاوية ؟ وكيف يصحّ هذا الكتاب مع كتابه عليه السلام إلى معاوية : « وَأمَّا طَلَبُكَ إليّ الشَّامَ ، فَإنِّي لَم أكُن لأُعطِيَكَ مَا مَنَعتُكَ أمسِ » . ۹
والَّذي أظنّه هو أنّ هذا الواضع المفتري، قد وضع ذلك الكتاب تبريرا لعمل عمر وعثمان ، حيث ولَّيا معاوية ، وسلّطاه على الاُمَّةِ ، وأطمعاه في الخلافة ، ومهّدا له الأمر .
وكيف يصحّ هذا الكتاب ، مع أنَّ معاوية يكتب إلى طَلْحَة والزُّبَيْر وعمَّال عثمان ما نقله ابن أبي الحديد ۱۰ ، يحرّضهم على جدّهم في أعمالهم ، وحفظهم الأصقاع والمُدُنَ الَّتي هم منصوبون عليها من قبل عثمان ؟، وَيحرِّض طَلْحَة والزُّبَيْر على الخلافة ، ويعدهما البيعة ؟. ۱۱ وكيف يصح هذا مع ما ورد في كتابه عليه السلام إلى جَرِير : « وإنَّ المُغيْرَةَ بنَ شُعْبَةَ قَد كَانَ أشارَ عَلَيَّ أن استَعمِلَ مُعاوِيَةَ علَى الشَّامِ ، وَأَنا حِينَئِذٍ بالمَدينَةِ ، فَأبَيتُ ذَلِكَ عَلَيهِ ، وَلَم يَكُنِ اللّه ُ لِيَرانِي أتَّخِذُ المُضِلِّينَ عَضُدا » .
نقل البلاذري في أنساب الأشراف : قال أبو مِخْنَف وغيره : وجَّه عليّ عليه السلام
المِسْوَر بن مَخْرَمَة الزُّهْريّ إلى معاوية ـ رحمه اللّه ـ لأخذ البيعة عليه ، وكتب إليه معه : « إنَّ النَّاسَ قَد قَتَلُوا عُثمانَ عَن غَيرِ مشورَةٍ مِنِّي ، وَبَايَعُوا لِي ، فَبَايِع رَحِمَكَ اللّه ُ مُوَفّقا ، وَفِد إليَّ فِي أَشرافِ أهلِ الشَّامِ » ، ولم يذكر له ولاية ، فلمَّا ورد الكتاب عليه ، أبى البيعة لعلي واستعصى . . . . ۱۲
وللبَلاذِري كلام يعلم منه كذب ما نسب إلى ابن عبَّاس في تولية معاوية ، بل يعرف منه ما دبّره معاوية وأعداء أمير المؤمنين عليه السلام ، وعلم ابن عبَّاس بذلك .
قال في أنساب الأشراف : وقال أبو مِخْنَف وغيره : قال المُغِيْرَة بن شُعْبَة ( لعليّ ) : أرى أن تُقِرَّ معاوية على الشَّام ، وَتُثبِتَ ولايته ، وتُوَلّي طَلْحَة والزُّبَيْر المِصرَينِ ، ( كي ) يستقيم لك النَّاس .
فقال عبد اللّه بنُ العبَّاس : إنَّ الكوفة والبصرة عين المال ، وإن ولَّيتَهُما إيَّاهما، لم آمن أن يُضَيّقا عَلَيكَ ، وَإن وَلَّيتَ مُعاوِيةَ الشَّامَ لَم تَنفَعكَ وِلايَتُهُ .
فقال المُغِيْرَة : لا أرى لك أن تنزع مُلك معاوية ، فانَّه الآن يتَّهمكم بقتل ابن عمّه ، وإن عزلته قاتلَكَ ، فَوَلّهِ وَأطِعنِي . فأبى وقبل قول ابن عبَّاس . ۱۳
وقد نقل البلاذري الكتاب المتقدّم بهذه الصّورة :
« إنْ كَانَ عُثمَانُ ابنَ عَمّكَ فَأنَا ابنُ عَمّكَ ، وَإنْ كَانَ وَصَلَكَ فإنِّي أصِلُكَ وَقَد أمرتك عَلَى مَا أنتَ عَلَيهِ فاعمَل فِيه بِالّذي لحقّ۱۴عليك » .۱۵]

1.الإمامة والسياسة : ج۱ ص۶۸ وراجع : أنساب الأشراف : ج۱ ص۲۱۲ ، جمهرة رسائل العرب : ج۱ ص۳۸۵ الرقم۳۷۵ و۳۷۶ .

2.راجع : تاريخ الطبري : ج۴ ص۴۳۹ ـ ۴۴۱ ، مروج الذَّهب : ج۲ ص۳۶۳ و۳۶۴ و۳۸۲ ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج۱۰ ص۲۳۲ ـ ۲۳۳ .

3.راجع: شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج۱۰ ص۲۱۲ و۲۲۷ ـ ۲۶۰ .

4.راجع: تاريخ الطبري : ج۴ ص۴۳۹ ـ ۴۴۱ ، مروج الذَّهب : ج۳ ص۳۶۴ و۳۸۱ و۳۸۲ ، أحاديث أمّ المؤمنين : ص۲۳۹ ؛ تاريخ اليعقوبي : ج۲ ص۱۶۹ ، سفينة البحار : ج۲ ص۲۹۰ ، الغدير ج۱۰ ص۱۴۸ ـ ۱۵۷ .

5.راجع :الإمامة والسياسة : ج۱ ص۶۸ ، أنساب الأشراف : ص۲۰۸ ، تاريخ الطبري : ج۳ ص۴۶۱ ، تاريخ مدينة دمشق : ج۵۹ ص۱۲۲ ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج۳ ص۱۳۹ .

6.راجع : الإمامة والسياسة : ج۱ ص۶۹ .

7.راجع : الإمامة والسياسة : ج۱ ص۷۱ .

8.أحاديث أمّ المؤمنين : ص۲۰۹ ـ ۲۵۸ ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج۵ ص ۱۲۹ ـ ۱۳۱ وج۱۰ ص۲۲۷ ـ ۲۳۱ ؛ الغدير ج۱۰ و۱۱ ، سفينة البحار : ج۲ ص۲۹۰ ـ ۲۹۳ .

9.راجع : نهج البلاغة : الكتاب۱۷ ، وقعة صفِّين : ص۴۷۱ ، المناقب لابن شهرآشوب : ج۲ ص۳۶۱ ، كنزالفوائد : ص۲۰۱ ، بحار الأنوار : ج۳۲ ص۶۱۲ وج۳۳ ص۱۰۵ و۱۳۰ ، الغدير :ج۱۰ ص۳۲۴ ، شرح نهج البلاغة للآملى : ج۱۸ ص ۲۴۸ ـ ۲۵۳ ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج۱۵ ص۱۱۵ ، المحاسن للبيهقي : ص۵۳ ، الإمامة والسياسة : ج۱ ص۱۰۳ ، مروج الذَّهب : ج۴ ص۱۴ ، تاريخ الطبري : ج۶ ص۳۰۸۳ و۳۰۸۶ .

10.راجع: شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج۱۰ ص۲۳۲ ـ ۲۴۷ .

11.راجع : شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج۱ ص۲۳۱ ـ ۲۴۷ ، أنساب الأشراف : ج۱ ص۲۵۷ .

12.أنساب الأشراف : ج۳ ص۱۲ .

13.أنساب الأشراف : ج۳ ص۱۰ .

14.هكذا في المصدر، وأظُّنها: «لي حقٌّ» أو «للحقّ» واللّه أعلم.

15.أنساب الأشراف : ج ۳ ص۱۳ .


مكاتيب الأئمّة ج1
56
  • نام منبع :
    مكاتيب الأئمّة ج1
    المساعدون :
    فرجي، مجتبي
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دارالحديث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 112897
الصفحه من 568
طباعه  ارسل الي