150
كتابه عليه السلام إلى زياد بن أبى
۰.« بِسْمِ اللّه ِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
من عَبدِ اللّه ِ عَليِّ بنِ أبي طالب أميرِ المُؤمِنينَ إلى زيادِ بنِ عُبَيدٍ ؛ سلامٌ علَيْكَ أمَّا بَعْدُ ؛ فإنّي قد بعثت أعْيَن بن ضُبَيْعَة لِيُفرِّقَ قومَهُ عَن ابنِ الحَضْرَمِيّ ، فارقب ما يَكونُ مِنْهُ ، فَإنْ فَعَلَ وبَلغَ مِن ذلِكَ ما يَظِنُّ بِهِ وكانَ في ذلِكَ تفريقُ تِلْكَ الأوباش ۱ فهو ما نحبّ ، وإن ترامت الاُمورُ بالقَوْمِ إلى الشِّقاقِ والعِصْيانِ ، فانهَضْ بِمَنْ أطاعَكَ إلى مَنْ عَصاكَ ، فَجاهِدْهُمْ فَإنْ ظَفِرْتَ فَهُو ما ظَنَنْتُ ، وإلاَّ فَطاوِلْهُمْ ومَاطِلْهُمْ ، ثُمَّ تَسَمَّعْ بِهمِ وأَبْصِرْ فَكَأنَّ كَتائِبَ المُسلِمينَ قد أظلَّتْ علَيْكَ ، فَقَتَلَ اللّه ُ المُفْسِدينَ الظَّالِمينَ ، ونَصرَ المَؤمِنينَ المُحِقِّين ، والسَّلامُ » . ۲
[ أقول : كتب أمير المؤمنين عليه السلام هذا الكتاب إلى زياد حينما استخلفه ابن عبَّاس على البصرة ، وقدم على عليٍّ عليه السلام يعزّيه بمُحَمَّد بن أبي بَكر ، ووقع الخلاف في البصرة لمجيى ء ابن الحَضْرَمِيّ مِنْ قِبَلِ معاوية إلى البصرة ، ودعوته أهل البصرة إلى معاوية ؛ وملخَّص الواقعة على ما نقله إبراهيم الثَّقَفيّ في الغارات : ] أنَّ معاوية بن أبي سُفْيَان لمَّا أصاب مُحَمَّد بن أبي بَكر بمصر ، وظهر عليها ، دعا عبد اللّه بن عامر الحَضْرَمِيّ ، فقال له : سِر إلى البصرة ؛ فإن جلّ أهلها يرون رأينا في عثمان ويعظّمون قتله وقد قتلوا في الطَّلب بدمه وهم موتورون . . .
[ وحثّ معاوية على ذلك كتاب كتبه إليه عبَّاس بن الضَّحَّاك العبديّ ، وهو كان ممّن يرى عثمان ويخالف قومه في حبّهم عليَّا ، فلبَّاه معاوية وكتب إليه في ذلك ، ورأى معاوية أن يكتب إلى عَمْرو بن العاص في ذلك يستطلع رأيه ويستشيره ، فكتب إليه عَمْرو معجبا برَأيه مصوّبا ومرعوبا ، ولمّا جاءه كتاب عَمْرو دعا ]ابن الحَضْرَمِيّ فقال : سِر على بركة اللّه إلى أهل البصرة ، فانزِلْ في مضر ، واحذر ربيعة ، وتَودد الأزْد ، وانع عثمان بن عَفَّان ، وذكِّرهم الوقعة الَّتِي هلكتهم ، ومَنِّ لمن سمع وأطاع دنيا لا تفنى ، وأثرة لا يفقدها حَتَّى يفقدنا أو نفقده ، فودَّعه ثُمَّ خرج من عنده ، وقد دفع إليه كتابا ، وأمره إذا قدم أن يقرأه على النَّاس .
[ فقدم ابن الحَضْرَمِيّ ونزل في بني تميم ، فاجتمع إليه من كان يرى رأي عثمان ، فتكلّم ابنُ الحَضْرَمِيّ وذكّرهم حرب الجمل وما حلّ بهم ]فقام إليه ( رجل اسمه ) الضَّحَّاك بنُ عبدِ اللّه ِ الهِلاليّ ، فقال : قبَّح اللّه ُ ما جئتنا به ودعوتنا إليه ، جئتنا واللّه بمثل ما جاء به صاحباك طَلْحَة والزُبَيْر ، أتيانا وقد بايعنا عليّا عليه السلام واجتمعنا له وكلمتنا واحدة ، ونحن على سبيل مستقيم [ إلى آخر ما قال .
فقام عبد اللّه بن خازم السَّلميللّه ، وردَّ على الضَّحَّاك ، وأجاب ابن الحَضْرَمِيّ ، وطال الحِوار واللَّفظ ، وقرأ ابن الحَضْرَمِيّ على النَّاس كتاب معاوية ، واعتزل الأحنف قائلاً : ] لا ناقة لي في هذا ولا جمل ، واعتزل أمرهم ذلك . فكثر الكلام بين الخطباء ] وأقبل النَّاس إلى ابن الحَضْرَمِيّ ، فكثر تبعه ففزع لذلك زياد ، وهاله وهو في دار الإمارة ، فبعث إلى الحُصَيْن بن المُنْذِر ومالك بن مِسْمَع] فاستجارهما فقال مسمع : هذا أمر فيه نظر أرجع وأستشيره ، وأمَّا الحُصَيْن فقال : نعم ، ولم يطمئن زياد فبعث إلى صبرة بن شيمان الأزْدِيّ فاستجاره ، فأجاره بشرط أن ينزل داره ، فارتحل ليلاً حَتَّى نزل دار صبرة ، وكتب إلى عبد اللّه بن العبَّاس ، فرفع ذلك ابن عبَّاس إلى أمير المؤمنين عليه السلام ، وشاع ذلك في النَّاس بالكوفة ] وغلب ابن الحَضْرَمِيّ على البصرة وجباها واجتمعت الأزْد على زياد ، فصعد المنبر [ وحثَّهم على نصرة أمير المؤمنين عليه السلام والدِّفاع عنه ، فقام شيمان وصبرة ابنه فوعداه النُّصرة . ] ثُمَّ إنَّ شَبَث بن رِبْعيّ قال لعليّ عليه السلام : ابعث إلى هذا الحيِّ من تميم ، فادعهم إلى طاعتك ولزوم بيعتك ولا تسلط عليهم أزد عمان البُعداء البغضاء ، وقال مِخْنَف بن سُلَيْم الأزْدِيّ : إنَّ البعيد البغيض من عصى اللّه وخالف أمير المؤمنين . . .
[ فنهاهما عليّ عليه السلام عن ذلك ، ودعا أعْيَن بن ضُبَيْعَة المجاشعي فحكى له القصّة ] .
فقال : لا تستأْ يا أمير المؤمنين ، ولا يكن ما تكره ، ابعثني إليهم ، فإنَّا لك زعيم بطاعتهم وتفريق جماعتهم ونفي ابن الحَضْرَمِيّ من البصرة أو قتله .
فقال فاخرج السَّاعة ، فخرج من عنده ومضى حَتَّى قدم البصرة ،( مع الكتاب المتقدِّم ) ثُمَّ دخل على زياد [ وأوصل الكتاب ] ، فلمَّا قرأه زياد أقرأه أعْيَن بن ضُبَيْعَة ، فقال له أعين : إنّي لأرجو أن تكفى هذا الأمر إن شاء اللّه ، ثُمَّ خرج من عنده فأتى رحله فجمع إليه رجالاً من قومه ، [ فوعظهم ووبّخهم على عملهم ، وحثّهم فأجابوا وأطاعوه ، فنهض بهم إلى ابن الحَضْرَمِيّ فتصافوا وتوافقوا ، فوعظ أعْيَن بن ضُبَيْعَة المخالفين المنابذين ، وهم يَشتِمُونه وينالون منه ، فانصرف عنهم فلمَّا آوى إلى رحله دخل عليه عشرة فقتلوه ، فكتب زياد بذلك إلى أمير المؤمنين عليه السلام ، فدعا جارية ، و حكى له القصة ] فقال : يا أمير المؤمنين ابعثني إليهم واستعن باللّه عليهم .
[ فقدم جارية البصرة مع خمسين رجلاً من تميم فبدأ بزياد فقام في الأزْد فجزاهم خيرا ] ، قال : جزاكم اللّه من حيٍّ خيرا ما أعظم عناءكم ، وأحسن بلاءكم ، وأطوعكم لأميركم ، وقد عرفتم الحقّ إذ ضيّعه من أنكرهُ ، ودعوتم إلى الهدى إذ تركه من لم يعرفه ، ثُمَّ قرأ عليهم وعلى من كان معه من شيعة عليّ عليه السلام وغيرهم كتاب عليٍّ عليه السلام ، فإذا فيه . . . . ۳
1.الأوباش من الناس: الأخلاط، وأوباش من النّاس: وهم الضروب المتفرقون. ( لسان العرب: ج ۶ ص ۳۶۷ )
2.الغارات : ج۲ ص۳۹۷ وراجع : بحار الأنوار : ج۳۳ ص۵۱۷ ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج۴ ص۴۶ ، الكامل في التاريخ : ج۲ ص۴۱۶ ، أنساب الأشراف : ج۳ ص۱۹۰ .
3.راجع : الغارات : ج۲ ص۳۷۳ ـ ۳۹۷ ؛ تاريخ الطبري : ج۵ ص۱۱۰ ـ ۱۱۲ ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج۴ ص۳۵ ـ ۴۶ ، الكامل في التاريخ : ج۲ ص۴۱۵ ـ ۴۱۶ ، أنساب الأشراف : ج۳ ص۱۸۵ ـ ۱۹۰ ، البداية والنهاية : ج۷ ص ۳۱۶ ـ ۳۱۷ .