125
مكاتيب الأئمّة ج2

مكاتيب الأئمّة ج2
124

كُمَيْلُ بنُ زِيَادٍ

هو كُمَيْل بن زياد بن نُهَيك النَّخَعيّ الكوفيّ ، من أصحاب الإمامين أمير المؤمنين عليّ عليه السلام ۱ ، وأبي محمّد الحسن عليه السلام ۲ .
عُدّ من ثقات أصحاب الإمام عليّ عليه السلام ۳ ، وقيل في حقّه : كان شجاعا فاتكا ، وزاهدا عابدا ۴ .
كان في مقدّمة الكوفيّين الثَّائرين على عثمان ۵ ، فأقصاه عثمان مع عدّة إلى الشام ۶ . ولمّا كانت حرب صفِّين شارك فيها مع أهل الكوفة . ۷
ولاّه الإمام على هيت ۸
، فلم يتحمّل عِبْأها ، بل كان ضعيفا في ولايته ، فعاتبه الإمام على ذلك ۹ . روى عن أمير المؤمنين عليه السلام ۱۰ ، لم يرد ذكره في واقعة كربلاء ، ولا في ثورة التَّوَّابين والمختار .
استشهد كُمَيْل ـ والَّذي كان من جملة العبّاد الثَّمانية المشهورين في
الكوفة ۱۱ ـ في سنة 82 ه ۱۲ على يد الحجّاج لعنه اللّه ۱۳ .
في شرح نهج البلاغة : كان كُمَيْل بن زياد عامل عليّ عليه السلام على هِيت ، وكان ضعيفا ، يمرّ عليه سرايا معاوية تنهب أطراف العراق ولا يردّها ، ويحاول أن يجبر ما عنده من الضَّعف بأن يُغير على أطراف أعمال معاوية ، مثل قرقيسيا ۱۴ وما يجري مجراها من القرى الَّتي على الفرات .
فأنكر عليه السلام ذلك من فعله ، وقال : إنّ مِنَ العَجْزِ الحاضِرِ أن يُهمِلَ الوالي ما وَلِيَهُ ، ويتكَلّفَ ما لَيسَ مِن تكلِيفِهِ۱۵.
وفي الإرشاد عن المُغِيْرَة : لمّا وُلّي الحجّاج طلب كُمَيْلَ بن زياد ، فهرب منه ، فحرم قومَه عطاءهم ، فلمّا رأى كُمَيْل ذلك قال : أنا شيخ كبير قد نفد عمري ؛ لا ينبغي أن أحرم قومي عطيّاتهم ، فخرج فدفع بيده إلى الحجّاج ، فلمّا رآه قال له : لقد كنت اُحبّ أن أجد عليك سبيلاً !
فقال له كُمَيْل : لا تَصْرِفْ ۱۶ عليَّ أنيابك ، ولا تَهدَّمْ ۱۷ عليَّ ، فو اللّه ، ما بقي من
عمري إلاّ مثل ۱۸ كواسل الغبار ، فاقضِ ما أنت قاضٍ ، فإنّ الموعد اللّه ، وبعد القتل الحساب ، ولقد خبّرني أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام أنّك قاتلي .
فقال له الحجّاج : الحجّة عليك إذا !
فقال كُمَيْل : ذاك إن كان القضاء إليك !
قال : بلى ، قد كنتَ فيمن قتل عثمان بن عفّان ! اضربوا عنقه . فضُربت عنقه ۱۹ .
وكان كُمَيْل ممَّن ثار على سَعيد عامل عثمان ، وضربوا عنده رجلاً يدفع عن سعيد ، وكان من المسيّرين من الكوفة إلى الشَّام بأمر عثمان ، وبينهم وبين معاوية هناك مجادلات ومناظرات ، ثُمَّ سيّروا إلى حِمْص ، ثُمَّ ارجعوا إلى الكوفة ، كل ذلك بأمر من عثمان . ۲۰
وقد روى كُمَيْل عن عليّ عليه السلام دعاء الخضر المعروف بدعاء كُمَيْل ، كما في الإقبال ، وفي المصباح روي أنَّ كميلاً رأى أمير المؤمنين عليه السلام يدعو بهذا الدُّعاء في ليلة النِّصف من شعبان ساجدا ، قال عليه السلام له بعد تعليمه هذا الدُّعاء ، أوجب لك طول الصُّحبة لنا أن نجود لك بما سألت ( كما في الإقبال ) . ۲۱
قال سعيد بن زَيْد بن أرطاة : لقيت كُمَيْل بن زياد وسألته عن فضل أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، فقال : ألا أخبرك بوصيَّة أوصاني بها يوما
هي خير لك من الدُّنيا بما فيها ؟ فقلت : بلى ، قال : قال لي عليٌّ عليه السلام :
« يا كُمَيْلُ بنَ زيادٍ ، سَمّ كُلَّ يَومٍ باسمِ اللّه ِ ، وقُلْ لا حَولَ ولا قُوَّةَ إلاّ باللّه ِ ، وتوكَّل علَى اللّه ِ ، واذكرنا وسمّ بأسمائنا ، وصلّ علينا واستَعْذِ باللّه ِ رَبِّنا ، وادرأ بذلِكَ عَن نَفْسِكَ ، وما تَحوطُهُ عِنايَتُكَ ، تُكْفَ شَرَّ ذلِكَ اليَومِ .
يا كُمَيْلُ إنَّ رسولَ اللّه ِ صلى الله عليه و آله أدَّبهُ اللّه ُ عز و جل ، وهُوَ أدَّبَنِي ، وأنا أُؤدِّبُ المُؤمِنينَ ، وأُورِّثُ الأدَبَ المُكرَمِينَ .
يا كُمَيْلُ ما مِنْ عِلمٍ إلاّ وأَنا أفتَحُهُ ، وما مِن سِرٍّ إلاّ والقائم عليه السلام يَختِمُهُ .
يا كُمَيْلُ ذُرِّيةٌ بَعضُها مِن بَعضٍ ، واللّه ُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ .
يا كُمَيْلُ لا تأخُذْ إلاّ عَنَّا ، تَكُنْ مِنَّا .
يا كُمَيْلُ ما مِنْ حَرَكَةٍ إلاّ وأنتَ مُحتاجٌ فيها إلى مَعونَةٍ فيها إِلى مَعرِفَةٍ » . . . الحديث .۲۲
قال كُمَيْل بن زياد : ( أخذ بيدي عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، فخرج بي إلى ناحية الجبَّانة ، فلمَّا أصحر ، تنفَّس الصُّعداء ثمَّ ) قال :
« إنَّ هذِهِ القلُوبَ أوْعِيَةٌ فخَيْرُها أوْعاها ، احفَظْ عَنِّي ما أقولُ لَكَ :
النَّاسُ ثَلاثةٌ : عالِمٌ ربَّانيٌّ ، ومتَعَلِّمٌ علَى سَبيلِ النَّجاةِ ، وهَمَجٌ رُعاعٌ ، أتباعُ كُلِّ ناعِقٍ يَمِيلُونَ مَعَ كُلِّ ريحٍ ، لم يَسْتَضِيئوا بِنُورِ العِلمِ فَيهتَدُوا ولَمْ يَلجؤوا إلى رُكْنٍ وَثِيقٍ فيَنْجوا .
يا كُمَيْلُ ، العِلمُ خَيرٌ مِنَ المالِ ، العِلمُ يَحْرُسُكَ وأنتَ تَحْرُسُ المالَ ، والمالُ تُفْنيهِ النَّفَقَةُ ، والعِلمُ يزْكُو على الإنفاقِ ، العِلمُ حاكِمٌ ، والمالُ مَحكُومٌ علَيهِ .
يا كُمَيْلُ بنَ زيادٍ ، مَحَبَّةُ العالِمِ دِينٌ يُدانُ بهِ ، بِهِ يَكسِبُ الإنسانُ الطَّاعَةَ في حَياتِهِ ، وجَمِيلَ الأُحدُوثَةِ بَعد وفاتِهِ ، ومَنْفَعَةُ المالِ تَزُولُ بزَوالِهِ ، ماتَ خُزَّان الأَموالِ وهُم أحياءٌ ، والعُلماءُ باقونَ ما
بَقِيَ الدَّهرُ ، أعيانُهم مَفقُودَةٌ ، وأمثِلَتُهُم فِي القُلوبِ مَوجودَةٌ .
ها ، إنَّ هاهنا لَعِلْما جَمَّا ـ وأشار إلى صَدْرِهِ ـ لم أُصِبْ لَهُ خَزَنةً ، بلَى أصِيبُ لَقِنا غَيرَ مأمُونٍ ، مستعْمِلاً آلَةَ الدِّينِ في طَلَبِ الدُّنيا ، يَسْتَظهِر بِحُجَجِ اللّه ِ علَى أوليائِهِ ، وبِنعْمَةِ اللّه ِ علَى معاصِيهِ ، أو مُنْقادا لِحَمَلَةِ الحَقِّ لا بصيرةَ لَهُ في أحْنائِهِ ، ينقَدِحُ الشَّكُّ في قلبِهِ بأوَّل عارِضٍ مِن شُبهَةٍ ، اللَّهُمَّ لا ذا ولا ذاك ، أو مَنْهُوما باللَّذَّة سَلِسَ القِيادِ للشَّهوةِ ، أو مُغْرَما بالجَمعِ والادِّخارِ ، لَيْسا مِنْ رُعاةِ الدِّينِ ، ولا مِنْ ذَوِي البَصائِرِ واليَقِينِ ، أقرَبُ شَبَها بِهِما الأنعامُ السَّائِمَةُ ، كذلِكَ يَموتُ العِلمُ بِمَوْتِ حَمَلَتِهِ .
اللَّهمَّ بلى لا تخلو الأرضُ مِن قائِمٍ للّه ِ بِحُجَّةٍ ، إمَّا ظاهرا مشهورا ، أو خَائِفا مَغمُورا ، لِئلاَّ تَبْطُلَ حُجَجُ اللّه ِ وبيِّناتُهُ ، ورُواةُ كتابِهِ ، وأيْنَ أُولئِكَ ؟ هُم الأقلُّونَ عَدَدا ، الأعظَمونَ قَدْرا ، بِهم يَحفَظُ اللّه ُ حُجَجَهُ حَتَّى يُودِعَهُ نُظَراءَهُم ، ويَزْرَعَها فِي قُلوبِ أشباهِهِم ، هَجَمَ بِهِم العِلمُ على حَقائِقِ الإيمانِ ، فَباشَرُوا رُوحَ اليَقينِ ، واسْتَلانوا ما استَوْعَرَ مِنهُ المُترَفُونَ ، واستأنَسُوا بِما استوْحَشَ مِنُه الجاهِلونَ ، صَحِبوا بأبْدانٍ أرواحُها معَلَّقَةٌ بالمَحَلِّ الأعلَى .
يا كُمَيْلُ أُولئِكَ أُمناءُ اللّه ِ في خَلقِهِ ، وخلفاؤه في أرضِهِ ، وسُرُجُه فِي بلادِهِ ، والدُّعاةُ إلى دينِهِ ، واشَوْقَاهُ إلى رُؤيَتِهِم ، أستَغفِرُ اللّه َ لِي ولَكَ » .۲۳

وفي الإصابة : كُمَيْل بن زياد . . . النَّخَعيّ التَّابعيّ الشَّهير ، له إدراكٌ . . . مات سَنَة اثنتين وثمانين وهو ابن سبعين سنة ، فيكون قد أدرك مِنَ الحياة النَّبويَّة ثَماني عشْرَةَ سنَة ، وقال ابن سعد : شهد مع عليّ صفِّين ، وكان شريفا مطاعا ثقة ، قليل الحديث . ۲۴

1.رجال الطوسي : ص۸۰ الرقم۷۹۲ ، رجال البرقي : ص۶ ؛ تهذيب الكمال : ج ۲۴ ص۲۱۹ الرقم۴۹۹۶ .

2.رجال الطوسي : ص۹۵ الرقم۹۴۶ .

3.كشف المحجّة: ص۲۳۶؛ تهذيب الكمال: ج ۲۴ ص۲۱۹ الرقم ۴۹۹۶، الإصابة: ج ۵ ص۴۸۶ الرقم۷۵۱۶.

4.البداية والنهاية : ج۹ ص۴۶ .

5.أنساب الأشراف : ج۶ ص۱۳۹ ، تاريخ الطبري : ج۴ ص۳۲۶ .

6.تاريخ الطبري : ج۴ ص۳۲۳ و ص ۳۲۶ .

7.الطبقات الكبرى : ج۶ ص۱۷۹ ، الإصابة : ج ۵ ص۴۸۶ الرقم۷۵۱۶ ، تاريخ مدينة دمشق : ج۵۰ ص۲۴۹ .

8.هِيْت : بلدة في العراق على الفرات من نواحي بغداد فوق الأنبار ( معجم البلدان : ج۵ ص۴۲۱ ) .

9.نهج البلاغة : الكتاب ۶۱ ؛ أنساب الأشراف : ج۳ ص۲۳۱ .

10.نهج البلاغة : الحكمة ۱۴۷ ، تاريخ اليعقوبي : ج۲ ص۲۰۵ ؛ تهذيب الكمال : ج ۲۴ ص۲۲۰ الرقم۴۹۹۶ ، تاريخ مدينة دمشق : ج ۵۰ ص۲۵۱ الرقم۵۸۲۹ .

11.تهذيب الكمال : ج ۲۴ ص۲۱۹ الرقم۴۹۹۶ ، تاريخ مدينة دمشق : ج۵۰ ص۲۵۰ .

12.الطبقات لخليفة بن خيّاط : ص۲۴۹ الرقم۱۰۵۸ ، تاريخ مدينة دمشق : ج۵۰ ص۲۵۷ ، تاريخ الطبري : ج۶ ص۳۶۵ وفيه « سنة ۸۳ ه » .

13.الإرشاد : ج۱ ص۳۲۷ ؛ تهذيب الكمال: ج ۲۴ ص۲۱۹ الرقم۴۹۹۶، الطبقات الكبرى: ج۶ ص۱۷۹، الطبقات لخليفة بن خيّاط : ص۲۴۹ الرقم۱۰۵۸ ، الإصابة : ج ۵ ص۴۸۶ الرقم۷۵۱۶ ، البداية والنهاية : ج۹ ص۴۶.

14.قَرْقيسياء : بلد في العراق على نهر الخابور قرب صفّين والرَّقّة ، وعندها مصبّ الخابور في الفرات ( راجع معجم البلدان : ج۴ ص۳۲۸ ) .

15.شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج۱۷ ص۱۴۹ .

16.الصَّرِيْف : صَوت الأنياب . وصَرَف نابَه وبِنابِه : حَرَقه : ( حَكَّه ) فسمعت له صوتا ( لسان العرب : ج۹ ص۱۹۱ ) .

17.من المجاز : تَهَدَّم عليه غَضَبا ؛ إذا تَوَعَّدَهُ . وفي الصِّحاح : اشتدَّ غَضَبُه ( تاج العروس : ج۱۷ ص۷۴۴ ) .

18.كأنّها بقايا الغبار الَّتي كسلت عن أوائله .

19.الإرشاد : ج۱ ص۳۲۷ ؛ الإصابة : ج ۵ ص۴۸۶ الرقم۷۵۱۶ نحوه وراجع: تاريخ الطبري : ج۴ ص۴۰۴ وتاريخ مدينة دمشق : ج۵۰ ص۲۵۶ .

20.تاريخ الطبري : ج۴ ص۳۱۸ و۳۲۳ .

21.الإقبال : ج۳ ص۳۳۱ .

22.بشارة المصطفى : ص ۲۵ ، تحف العقول : ص۱۷۱ ، بحار الأنوار : ج۷۷ ص۲۶۶ .

23.تحف العقول : ص۱۶۹ وراجع : نهج البلاغة : الحكمة۱۴۷ ، الخصال : ص۱۸۶ ح۲۵۷ ، الأمالي للطوسي : ص۲۱ ح۲۳ ، تاريخ اليعقوبي : ج۲ ص۱۹۴ ، شرح الأخبار : ج۲ ص۳۷۱ ، بحار الأنوار : ج۱ ص۱۸۸ ح۴ ؛ العِقد الفريد : ج۲ ص۲۱۲ ،المناقب للخوارزمي : ص۳۶۷ .

24.الإصابة : ج۵ ص۴۸۵ الرقم ۷۵۱۶ ، الطبقات الكبرى : ج۶ ص۱۲۴ .

  • نام منبع :
    مكاتيب الأئمّة ج2
    المساعدون :
    فرجي، مجتبي
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دارالحديث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 74683
الصفحه من 528
طباعه  ارسل الي