133
مكاتيب الأئمّة ج2

فلمَّا رأى أنَّ عليَّا غيرَ مُقلعِ عنه ، كتَبَ إليهِ :
أمَّا بَعدُ ؛ فإنَّه بَلَغَنِي تَعظِيمُكَ عَليَّ مَرْزِئة مالٍ بلَغَك أنِّي رَزَأتُه ۱ أهلَ هذه البلاد ، وايم اللّه ِ ، لأنْ ألقى اللّه بما في بَطن هذه الأرض من عِقْيانها ۲ ومُخبئها ، وبما على ظَهرها من طِلاعها ذَهَبا ، أحبُّ إليَّ من أن ألقى اللّه وقد سَفكتُ دِماءَ هَذهِ الأُمَّةِ لأنالَ بِذلِكَ المُلْكَ والإمْرَةَ . ابعث إلى عَملِكَ مَن أحبَبْتَ ، فإنِّي ظاعِنٌ . والسَّلامُ . ۳
فلمَّا أراد عبد اللّه ـ بن عبَّاس ـ المسيرَ من البصرة دعا أخوالَه من بني هلال بن عامر بن صَعْصَعَة لِيَمنَعوهُ ، فجاء الضَّحَّاك بن عبد اللّه الهِلاليّ ، فأجاره ، ومعه رجلٌ منهم يقال له : عبد اللّه بن رَزين وكان شجاعا بَئيسا ، فقالت بنو هِلال :
لا غنى بنا عن هَوازن ، فقالت هَوازان : لا غنى بنا عن بني سُلَيْم .
ثُمَّ أتتهم قَيس ، فلمَّا رأى اجتماعَهم له حَمل ما كان في بيت مال البصرة ، وكان فيما زعموا سِتَّةَ آلافِ ألفٍ ، فجعله في الغرائر .
قال : فحدَّثني الأزرق اليَشكريّ ، قال : سمعنا أشياخَنا من أهل البصرة قالوا : لمَّا وَضع المالَ في الغرائر ثُمَّ مَضى به ، تَبِعَتْه الأخْماسُ كلّها بالطَفّ ، على أربع فراسخ من البصرة ، فوافقوه .
فقالت لهم قَيس : واللّه ، لا تصلوا إليهِ ومنَّا عينٌ تطْرُف .
فقال ضَمْرة ، وكان رأسَ الأزْد : واللّه إنَّ قَيسا لاَءخوَتُنا في الإسلام ، وجيرانُنا في الدار ، وأعْوانُنا على العَدوّ ، إنَّ الَّذيتَذهبون بهِ المال ، لو رُدَّ عليكم لكان نصيبُكم مِنه الأقلّ ، وهم خيرٌ لكم من المال .
قالوا : فما ترى ؟
قال : انصرفوا عنهم .
فقالت بكرُ بن وائل ، وعبدُ القَيس : نِعمَ الرَّأي رَأيُ ضَمْرة ، واعتزلوهم .
فقالَت بَنو تميم : واللّه ، لا نُفارِقُهم حَتَّى لَنُقاتِلَهم عَليهِ .
فقال الأحْنَفُ بن قَيس : أنتم واللّه ، أحقُّ إلاَّ تُقاتِلوهُم عَليهِ ، وقد تَرك قتالَهم مَن هو أبعدُ مِنكُم رَحِما .
قالوا : واللّه ِ لنُقاتلنَّهم فقال: واللّه لا نعاونكم على قتالهم ، وانصرف عنهم فقدم عليهم ابنُ المُجاعة ، فقاتَلهم .
فحمَل عليه الضَّحَّاكُ بن عبد اللّه فطعنه في كَتفِهِ فصرَعَهُ ، فسقط إلى الأرض بغير قَتل ، وحَمَل سَلمة بن ذُؤيب السَّعدي على الضَّحَّاك فصَرَعَهُ أيضا ، وكَثُرت بينهم الجِراحُ مِن غَيرِ قَتْلٍ .
فقال الأخماسُ الَّذِين اعتزلوا : واللّه ما صنعتم شيْئا . اعتزلتم قتالهم وتركتموهم يَتشاجرون . فجاؤوا حَتَّى صرَفوا وجوهَ بَعضِهِم عَن بعضٍ ، وقالوا لِبَني تميمٍ :
واللّه ِ ، إنَّ هذا اللُّؤمَ قَبيحٌ ، لنحن أسخى أنفسا منكم حين تركنا أموالَنا لِبَني عَمّكم ، وأنتم تُقاتِلونَهم عليها ، خلُّوا عنهم وأرواحَهم ، فإنَّ القوم فُدحوا .
فانصرفوا عنهم ، ومَضى معه ناسٌ من قَيس ، فيهم الضَّحَّاك بنُ عَبدِ اللّه ِ وعبدُ اللّه ِ بنُ رَزين ، حَتَّى قَدِموا الحجازَ ، فَنَزلَ مكَّة ، فجعَلَ راجِزٌ لِعَبدِ اللّه ِ بنِ عَبَّاسٍ يَسوقُ لَهُ في الطَّريقِ ويقول :

صَبَّحتُ مِن كاظِمَةَ القَصْرَ الخَرِبْ مَعَ ابنِ عبَّاسِ بنِ عَبْدِ المُطَّلِبْوجعل ابن عبَّاس يرتجز ، ويقول :
آوِي إلى أهلِكِ يا رَبابُ آوِي فَقَدْ حانَ لَكِ الإيابُ
وجعل أيضا يرتجز ، ويقول :
وَهُنَّ يَمْشِينَ بِنا هَمِيساإنْ يَصْدُقِ الطَيرُ نَنِكْ لَمِيسَا
فقيل له : يا أبا العبَّاس ، أمِثلُكَ يَرْفَثُ فِي هذا المَوضِعْ ؟
قال : إنَّما الرَّفث ما يقال عند النِّساء .
قال أبو محمَّد : فلمَّا نزل مكّةَ اشترى من عطاء بن جُبَيْر مولى بني كَعْب ، من جواريه ثلاثَ مُولّداتٍ حجازيّاتٍ ، يُقالُ لهنَّ : شاذِن ، وحَوراء ، وفُتون . بثلاثةِ آلاف دِينار .
وقال سُلَيْمانُ بن أبي راشد ، عن عَبدِ اللّه بن عُبيد ، عن أبي الكَنُود ، قال : كنت من أعوان عبد اللّه بالبصرة ، فلمَّا كان من أمره ما كان أتيتُ عليَّا فأخبرتُه ، فقال : « وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِى ءَاتَيْنَهُ ءَايَتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَنُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ »۴ .
ثُمَّ كتب معه إليه : أمَّا بَعدُ ؛ فَإنِّي كُنتُ أشركْتُكَ في أمانَتِي . . . إلى آخِرِ ما نقله المصنّف رحمه الله في معادن الحكمة ، فكتب إليه ابن عبَّاس ما نقله المصنّف ، فكتب إليه أمير المؤمنين عليه السلام ما نقله المصنّف . ۵
قال ابن عبد رب ، بعد نقل ما ذكرنا من الكتب : فكتب إليه ابن عبَّاس في جوابه :
واللّه ِ ، لئن لم تَدعْنِي مِن أساطِيرِكَ لأَحْمِلَنَّهُ إلى معاوية يُقاتلك بهِ ، فكفَّ عنه عليّ . ۶

1.يقال : رزأ المال رزاء ومرزئة ، إذا أصاب منه شيئا .

2.العقيان : الذَّهب .

3.العِقد الفريد : ج۳ ص۳۴۶ وراجع : تاريخ الطبري : ج۵ ص۱۴۱ ، الكامل في التاريخ :ج۲ ص۴۳۳ ، أنساب الأشراف : ج۲ ص۸۹۹ ؛ رجال الكشّي : ج۱ ص۲۸۰ .

4.الأعراف :۱۷۵ .

5.العِقد الفريد : ج۳ ص۳۴۷ ـ ۳۴۹ وراجع : تاريخ الطبري : ج۵ ص۱۴۲ ، الكامل في التاريخ : ج۳ ص۴۳۳ ، أنساب الأشراف : ج۲ ص۳۸۹ ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج۱۶ ص۱۶۷ ؛ نهج البلاغة : الكتاب ۴۱ ، تذكرة الخواصّ : ص۱۵۱ ، رجال الكشّي : ج۱ ص۲۷۹ ، بحار الأنوار : ج۳۳ ص۴۹۹ ح۷۰۵ ، معادن الحكمة : ج۱ ص۲۳۵ ـ ۲۳۸ .

6.العِقد الفريد : ج۳ ص۳۴۹ ، جمهرة رسائل العرب : ج۱ ص۵۲۰ .


مكاتيب الأئمّة ج2
132

كتابه عليه السلام إلى ابن عبَّاس

۰.« أمَّا بَعدُ ؛ فإنَّهُ لا يَسَعُنِي تَرْكُكَ حَتَّى تُعلِمَني ما أخَذْتَ مِنَ الجِزْيَةِ مِن أيْنَ أخَذْتَهُ ، وما وضَعتَ مِنها أينَ وضَعْتَهُ .
فاتَّقِ اللّه َ ، فِيما ائتمَنْتُكَ عَليهِ ، واستَرْعَيْتُكَ إيَّاهُ ، فَإنَّ المَتاعَ بِما أنتَ رازِمُهُ ۱
قَلِيلٌ ، وتَبِعاتُهُ وبِيلَةٌ لا تَبِيدُ . والسَّلامُ » .

1.رازمه : أي جامعه .

  • نام منبع :
    مكاتيب الأئمّة ج2
    المساعدون :
    فرجي، مجتبي
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دارالحديث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 74684
الصفحه من 528
طباعه  ارسل الي