145
مكاتيب الأئمّة ج2

أبو الأسْوَدِ الدُّؤلِيّ

هو ظالِم بن عَمْرو ۱ ، المعروف بأبي الأسْوَد الدُّؤلي ۲ . أحد الوجوه البارزة والصَّحابة المشهورين للإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام . ۳ أسلم على عهد رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، لكنّه لم يَحْظَ برؤيته ۴ . وهو من المتحقّقين بمحبّة عليّ
ومحبّة ولده ۵ . ويمكن أن نستشفّ هذا الحبّ من أشعاره الحِسان ۶ .
الَّذين ترجموا له ذكروه بعناوين متنوّعة منها : علويّ ۷ ، شاعر متشيِّع ۸ ، من وجوه الشِّيعة ۹ .
شَهِد أبو الأسْوَد حروب الإمام عليه السلام ضدّ مساعير الفتنة في الجمل ۱۰ ، و صفِّين ۱۱ . وعيّنه الإمام عليه السلام قاضيا على البصرة عندما ولّى عليها ابن عبّاس ۱۲ .
وكان ابن عبّاس يقدّره ، وحينما كان يخرج من البصرة ، يُفوّض إليه أعمالها ۱۳ ، وكان ذلك يحظى بتأييد الإمام عليه السلام أيضا ۱۴ . ووسّع أبو الأسْوَد علم النَّحو بأمر الإمام عليه السلام الَّذي كان قد وضع اُسسه وقواعده ۱۵ ، وأقامه ورسّخ دعائمه ۱۶ ، وهو
أوّل من أعجم القرآن الكريم وأشكله ۱۷ .
وله في الأدب العربي منزلة رفيعة ؛ فقد عُدّ من أفصح النَّاس ۱۸ . وتبلور نموذج من هذه الفصاحة في شعره الجميل الَّذي رثى به الإمام عليه السلام ، وهو آية على محبّته للإمام ، وبغضه لأعدائه .
ولم يدّخر وسعا في وضع الحقّ موضعه ، والدفاع عن عليّ عليه السلام ، ومناظراته مع معاوية ۱۹ دليل على صراحته وشجاعته وثباته واستقامته في معرفة « خلافة الحقّ » و « حقّ الخلافة » ومكانة عليّ عليه السلام العليّة السَّامقة .
وخطب بعد استشهاد الإمام عليه السلام خطبة حماسيّة من وحي الألم والحرقة ، وأخذ البيعة من النَّاس للإمام الحسن عليه السلام بالخلافة ۲۰ .
فارق أبو الأسْوَد الحياة سنة 69 ه ۲۱ .
في ربيع الأبرار : سأل زياد بن أبيه أبا الأسْوَد عن حبّ عليّ فقال : إنّ حبّ عليّ يزداد في قلبي حِدّة ، كما يزداد حبّ معاوية في قلبك ؛ فإنّي اُريد اللّه والدَّار الآخرة بحبّي عليّا ، وتريد الدُّنيا بزينتها بحبّك معاوية ، ومثلي ومثلك كما قال أخو مَذْحِج :

خَلِيلانِ مُخْتَلِفٌ شَأنُنَااُريدُ العَلاَء ويَهوَى اليَمَنْ
اُحِبُّ دِماءَ بَنِي مَالِكٍورَاقَ المُعَلّى بَياضُ اللَّبَنْ۲۲
وفي العقد الفريد : لمّا قَدِمَ أبو الأسْوَد الدُّؤلي على معاوية عام الجماعة ۲۳ ، قال له معاوية : بلغني يا أبا الأسْوَد أنّ عليّ بن أبي طالب أراد أن يجعلك أحد الحكَمين ، فما كنت تحكم به ؟
قال : لو جعلني أحدهما لجمعت ألفا من المهاجرين وأبناء المهاجرين ، وألفا من الأنصار وأبناء الأنصار ، ثمّ ناشدتُهُم اللّه : المهاجرين وأبناء المهاجرين أولى بهذا الأمر أم الطُّلَقاء ؟
قال له معاوية : للّه ِِ أبُوكَ ! أيُّ حَكَمٍ كُنتَ تَكونُ لَو حُكّمْتَ ! ۲۴
وفي تاريخ مدينة دمشق : كان أبو الأسْوَد مِمّن صحب عليّا ، وكان من المتحقّقين بمحبّته ومحبّة ولده ، وفي ذلك يقول :
يَقُولُ الأرذَلُونَ بَنُو قُشَيْرٍطَوالَ الدَّهرِ لا يَنسى عَلِيّا
اُحبُّ مُحمَّدا حُبّا شَديِدَاوَعبّاسا وحَمْزَةَ والوَصِيّا
فَإنْ يَكُ حُبُّهُم رُشْدا اُصِبْهُولَيس بُمِخْطِئٍ إنْ كانَ غَيّا
وكان نازلاً في بني قُشَير بالبصرة ، وكانوا يرجمونه باللَّيل لمحبّته لعليّ وولده ، فإذا أصبح فذكر رجمهم ، قالوا : اللّه يرجمك ، فيقول لهم : تكذبون ، لو رجمني
اللّه لأصابني ، وأنتم ترجمون فلا تُصيبون ۲۵ .
وفي سِيَرِ أعلامِ النُّبلاء عن أبي الأسْوَد : دخلتُ على عليٍّ ، فرأيته مطرقا ، فقلت : فيم تتفكّر يا أمير المؤمنين ؟ قال : سمعت ببلدكم لَحْنا ، فأردت أن أضع كتابا في اُصُولِ العَربيّةِ .
فقلت : إن فعلت هذا أحييتنا ! فأتيته بعد أيّام ، فألقى إليَّ صحيفة فيها : الكلام كلّه : اسمٌ ، وفِعلٌ ، وحَرْفٌ ؛ فالاسم ما أنبأ عن المُسمَّى ، والفعلُ ما أنبأ عن حرَكَةِ المُسمَّى ، والحرفُ ما أنبأ عن معنىً ليس باسم ولا فِعْلٍ . ثمّ قال لي : زده وتتبّعْه ، فجمعت أشياء ثمّ عرضتها عليه ۲۶ .
وفي الأغاني : قيل لأبي الأسْوَد : من أين لك هذا العلم ـ يعنون به النَّحو ـ ؟ فقال : أخذت حدوده عن عليّ بن أبي طالب عليه السلام ۲۷
.
وفي : « الأربعون حديثا » عن عليّ بن محمّد : رأيت ابنة أبي الأسْوَد الدُّؤليّ وبين يدَي أبيها خَبيص ۲۸ ، فقالت : يا أبه ، أطعِمني ، فقال : افتحي فاك . قال : ففتحت ، فوضع فيه مثل اللّوزة ، ثمّ قال لها : عليك بالتَّمر ؛ فهو أنفع وأشبع .
فقالت : هذا أنفع وأنجع ؟
فقال: هذا الطَّعام بعث به إلينا معاوية يخدعنا به عن حبّ عليّ بن أبي طالب عليه السلام .
فقالت : قبّحه اللّه ! يخدعنا عن السَّيِّد المطهّر بالشَهْدِ المُزَعْفَرِ ؟ تبّا لمرسله وآكله ! ثمّ عالجت نفسها وقاءت ما أكلت منه ، وأنشأت تقول باكيةً :
أبالِشَهْدِ المُزعْفَرِ يا بنَ هِنْدٍنَبِيعُ إليكَ إسلاما ودِينا
فلا واللّه لَيسَ يَكونُ هذاومولانا أميرُ المُؤْمِنينا۲۹

1.قد اختُلف في اسمه كما اختُلف في اسم أبيه وجدّه ، والمشهور ما ورد في المتن ، والَّذي يسهّل الأمر أنّه مشهور بكنيته ولقبه ، ولم يختلف في كنيته أحد .

2.الطبقات الكبرى : ج۷ ص۹۹ ، المعارف لابن قتيبة : ص۴۳۴ ، تاريخ مدينة دمشق : ج۲۵ ص۱۷۶ وفيه « ديلي » بدل « دؤلي » .

3.تاريخ مدينة دمشق : ج۲۵ ص۱۹۵ ، اُسد الغابة : ج ۳ ص۱۰۲ الرقم۲۶۵۲ .

4.تاريخ مدينة دمشق : ج۲۵ ص۱۸۴ ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج۴ ص۸۲ الرقم۲۸ ، البداية والنهاية :ج۸ ص۳۱۲ .

5.تاريخ مدينة دمشق : ج۲۵ ص۱۸۸ .

6.تاريخ مدينة دمشق : ج۲۵ ص۱۸۸ و ص ۲۰۰ ، الأغانى¨ : ج۱۲ ص۳۷۲ ، الكامل للمبرّد : ج۳ ص۱۱۲۵ .

7.تاريخ مدينة دمشق : ج۲۵ ص۱۸۴ .

8.الطبقات الكبرى : ج۷ ص۹۹ .

9.سِيَر أعلامِ النبلاء : ج۴ ص۸۲ الرقم۲۸ ، الأغانى¨ : ج۱۲ ص۳۴۶ .

10.سِيَر أعلامِ النبلاء : ج۴ ص۸۲ الرقم۲۸ ، تاريخ الإسلام للذهبي : ج ۵ ص۲۷۸ الرقم۱۲۴ ، تاريخ مدينة دمشق : ج۲۵ ص۱۸۴ .

11.المعارف لابن قتيبة : ص۴۳۴ ، وفيات الأعيان : ج ۲ ص۵۳۵ الرقم۳۱۳ .

12.تاريخ الطبري : ج۵ ص۹۳ ، تاريخ الإسلام للذهبي : ج ۵ ص۲۷۶ الرقم۱۲۴ .

13.الطبقات الكبرى : ج۷ ص۹۹ ، المعارف لابن قتيبة : ص۴۳۴ ؛ وقعة صفّين : ص۱۱۷ ، تاريخ اليعقوبي : ج۲ ص۲۰۵ .

14.الطبقات الكبرى : ج۷ ص۹۹ .

15.سِيَر أعلامِ النبلاء : ج۴ ص۸۲ الرقم۲۸ ، تاريخ الإسلام للذهبي : ج ۵ ص۲۷۸ الرقم۱۲۴ ، الأغاني : ج۱۲ ص۳۴۷ ، تاريخ مدينة دمشق : ج۲۵ ص۱۸۹ ، البداية والنهاية : ج۸ ص۳۱۲ .

16.يدور كلام كثير حول إرساء دعائم علم النحو : فالاُول لم يتردّدوا في دور الإمام عليه السلام وأبي الأسود فيه . أمّا المتأخّرون من الدارسين والباحثين العرب فقد تأثّر بعضهم بآراء بعض المستشرقين الَّذين تردّدوا فيه . راجع : دائرة المعارف بزرگ اسلامى ( بالفارسيّة ) : ج۵ ص۱۸۰ ـ ۱۹۱ ، وتوفّر بعض الكتّاب على انتقاد آراء اُخرى في سياق تثبيتهم دور الإمام عليه السلام وأبي الأسود فيه .

17.الأغاني : ج۱۲ ص۳۴۷ ، الإصابة : ج ۳ ص۴۵۵ الرقم۴۳۴۸ ، تاريخ مدينة دمشق : ج۲۵ ص۱۹۲ و۱۹۳ ، وفيات الأعيان : ج۲ ص۵۳۷ .

18.تاريخ مدينة دمشق : ج۲۵ ص۱۹۰ .

19.تاريخ مدينة دمشق : ج۲۵ ص۱۷۷ .

20.الأغاني : ج۱۲ ص۳۸۰ .

21.سِيَر أعلامِ النبلاء : ج۴ ص۸۶ الرقم۲۸ ، تاريخ مدينة دمشق : ج۲۵ ص۲۱۰ ، الأغاني : ج۱۲ ص۳۸۶ .

22.ربيع الأبرار : ج۳ ص۴۷۹ .

23.عام الجماعة : هو العام الَّذي سلّم فيه الإمام الحسن عليه السلام الأمر لمعاوية ، وذلك في جُمادى الاُولى سنة ( ۴۱ ه ) ( جواهر المطالب : ج۲ ص۱۹۹ ) .

24.العقد الفريد : ج۳ ص۳۴۲ ، تاريخ مدينة دمشق : ج۲۵ ص۱۸۰ عن سعيد عن بعض أصحابه نحوه وليس فيه سؤال معاوية .

25.تاريخ مدينة دمشق : ج۲۵ ص۱۸۸ ، الكامل للمبرّد : ج۳ ص۱۱۲۵ ، الأغاني : ج۱۲ ص۳۷۱ عن ابن عائشة عن أبيه وكلاهما نحوه مع زيادة في الأبيات ، وفيات الأعيان : ج۲ ص۵۳۵ وليس فيه الأبيات .

26.سِيَر أعلامِ النبلاء : ج۴ ص۸۴ الرقم۲۸ ، تاريخ الإسلام للذهبي : ج۵ ص۲۷۹ وراجع الأغاني : ج۱۲ ص۳۴۷ ووفيات الأعيان : ج۲ ص۵۳۵ ، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج۱ ص۲۰ .

27.الأغاني : ج۱۲ ص۳۴۸ ، وفيات الأعيان : ج۲ ص۵۳۷ وفيه « لقّنت » بدل «أخذت » .

28.الخَبيصُ : حَلواء معمول من التمر والسَّمن ، يُخبَص [ أي يُخلَط ] بعضه في بعض ( راجع : تاج العروس : ج ۹ ص ۲۶۵ ) .

29.الأربعون حديثا لمنتجب الدين بن بابويه : ۸۱ .


مكاتيب الأئمّة ج2
144
  • نام منبع :
    مكاتيب الأئمّة ج2
    المساعدون :
    فرجي، مجتبي
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دارالحديث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 74691
الصفحه من 528
طباعه  ارسل الي