189
مكاتيب الأئمّة ج2

172

كتابه عليه السلام في عين أبي نيزر والبغيبغة

روى المُبَرِّدُ في الكامل : كان أبو نيزر من أبناء بعض ملوك الأعاجم ، قال : وصحَّ عندي بعد ، أنَّه من ولد النَّجاشيّ ، فرغب في الإسلام صغيرا ، فأتى رسول اللّه صلى الله عليه و آله فأسلم ، وكان معه في بيوته ، فلمَّا توفي رسول اللّه صلى الله عليه و آله صار مع فاطمة وولدها عليهم السلام .
قال أبو نيزر : جاءني عليّ بن أبي طالب عليه السلام وأنا أقوم بالضَّيعتين : عين أبي نيزر والبغيبغة ، فقال لي : « هَل عِندَكَ مِنْ طَعَامٍ » ؟
فقلت : طعام لا أرضاه لأمير المؤمنين ، قرع من قرع الضَّيعة ، صنعته بإهالة سنخة ، فقال : « علَيَّ بهِ » .
فقام إلى الرَّبيع وهو جدول ، فغسل يديه ، ثُمَّ أصاب من ذلك شيئا ، ثُمَّ رجع إلى الرَّبيع فغسل يديه بالرَّمل حَتَّى أنقاهما ، ثُمَّ ضمَّ يديه كل واحدة منهما إلى أختها ، وشرب بهما حسى من الرَّبيع ، ثُمَّ قال :
« يا أبا نيزر ، إنَّ الأكُفَّ أنظَفُ الآنِيَةِ » ،
ثُمَّ مسح ندى ذلك الماء على بطنِهِ ، وقال :
« مَن أدخلَهُ بطْنُهُ النَّارَ فأبعَدَهُ اللّه ُ ! »
ثُمَّ أخذ المعول وانحدر فجعل يضرب وأبطأ عليه الماء ، فخرج وقد تفضج ۱ جبينه عرقا ، فانتكف العرق من جبينه ، ثُمَّ أخذ المعول وعاد إلى العين ، فأقبل يضرب فيها وجعل يهمهم فانثالت كأنها عنق جزور ، فخرج مسرعا ، فقال :
« أُشهِدُ اللّه َ ، أنَّها صَدَقَةٌ ، عَليَّ بِدَواةٍ وصَحِيفَةٍ » ، قال : فعجلت بهما إليه ، فكتب :
« بِسْمِ اللّه ِ الرَّحْمن الرَّحِيمِ
هذا ما تصَدَّقَ بهِ عَبدُ اللّه ِ عليٌّ أميرُ المُؤمِنينَ ، تَصَدَّقَ بالضَّيعَتَينِ المَعرُوفَتَينِ بِعَينِ أبي نَيزرَ والبُغَيْبُغَةِ علَى فُقراءِ أهلِ المَدِينَةِ ، وابنِ السَّبِيلِ ، ليَقِيَ بِهِما وجْهَهُ حَرَّ النّار يَوَم القِيامَةِ ، لا تُباعا ولا تُوهبا ، حَتَّى يَرِثَهُما اللّه ُ ، وهو خَيرُ الوارِثينَ ، إلاَّ أن يَحتاجَ إليهِما الحَسَنُ أو الحُسَينُ فَهُما طِلْقٌ لَهُما ، ولَيس لِأحدٍ غَيرِهِما » .

قال محمَّد بن هِشام : فركب الحسين رضى الله عنه دَين ، فحمل إليه معاوية بعين أبي نيزر مئتي ألفِ دِينارٍ ، فأبى أن يَبِيعَ ، وقالَ : « إنَّما تصدَّق بِهِما أبي ليَقِيَ اللّه ُ بها وجهَهُ حَرَّ النَّارِ ، ولَستُ بائِعَها بِشَيءٍ » .
وتحدِّث الزُّبَيْريون ، أنَّ معاوية كتب إلى مروان بن الحَكَم ، وهو والي المدينة :
أمَّا بعدُ ، فإنَّ أمير المؤمنين أحبَّ أن يَرُدَّ الأُلفة ، ويسلّ السَّخيمة ، ويصل الرَّحم ، فإذا ورد عليك كتابي فاخطب إلى عبد اللّه بن جعفر ابنته أُمَّ كلثوم على يزيد بن أمير المؤمنين ، وأرغِبْ لَهُ في الصَّداق .
فوجَّه مروان إلى عبد اللّه بن جعفر ، فقرأ عليه كتاب معاوية ، وأعلمه ما في ردّ الأُلفة من صَلاح ذات البين ، واجتماع الدَّعوة .
فقال عبد اللّه : إنَّ خالها الحسين بينبع ، وليس مِمَّن يفتات عليه بأمْرٍ ، فأنظرني إلى أن يقدم ، وكانت أمّها زينب بنت عليّ بن أبي طالب صلوات اللّه عليه .
فلمَّا قدم الحسين ذكر ذلك له عبد اللّه بن جعفر ، فقام من عنده فدخل إلى الجارية ، فقال : « يا بنيَّة ، إنَّ ابن عمّك القاسم بن محمَّد بن جعفر بن أبي طالب أحقُّ بِكِ ، ولَعلَّكِ تَرغبينَ فِي كَثرةِ الصَّداقِ ، وقد نَحَلتُكِ البُغَيبُغاتِ » .
فلمَّا حضر القوم للإملاك تكلَّم مروان ، فذكر معاوية وما قصده من صلة الرَّحم وجمع الكلمة .
فتكلَّم الحسين فزوّجها من القاسم بن محمَّد .
فقال له مروان : أغدرا يا حُسينُ ؟ !
قال : « أنتَ بَدأتَ ، خَطبَ أبو مُحمَّدٍ الحسنُ بنُ علِيٍّ عليهماالسلام عائِشَة بِنتَ عُثمانَ بنَ عفان ، واجتمعنا لِذلِكَ ، فتكلّمْتَ أنتَ فَزَوَّجْتَها مِن عَبدِ اللّه ِ بنِ الزُّبَيْرِ » .
فقال مروان : ما كان ذلك ، فالتفت الحسين إلى محمَّد بن حاطب فقال :
« أَنشُدُكَ اللّه َ ، أكانَ ذاكَ »
قال : اللَّهمَّ نعم ، فلم تزل هذه الضَّيعة في أيدي بني عبد اللّه ِ بنِ جعفَر ، من ناحية أمّ كُلثوم ، يتوارثونها ، حَتَّى ملك أمير المؤمنين المأمون ، فذُكر ذلك له ، فقال : كلاّ ، هذا وَقفُ عليِّ بنِ أبي طالبٍ صلواتُ اللّه ِ علَيهِ ، فانتزعها من أيديهم ، وعوّضهم منها ، وردَّها إلى ما كانت عليه . ۲
[ قال العلاّمة الأمين رحمه الله : كلام المُبَرَّد في خبر تزويج أمّ كلثوم هذه ، يدلُّ على أنَّ الحسين عليه السلام نحلها البغيبغة ، ورواية ابن شهر آشوب تدلُّ على أنَّه نحلها ضيعته بالمدينة أو أرضه بالعقيق ، وأرض العقيق خارجة عن البغيبغة الَّتي بينبع ، أمَّا ضيعته بالمدينة فيمكن انطباقها على الَّتي بينبع ، لأنَّها من توابع المدينة ، وحينئذ فيرجح ما ذكره المُبَرِّد ، ويضعَّف أنَّه نحلها أرضه بالعقيق .
نحلة الحسين عليه السلام البغيبغة الدَّاخلة في الوقف لأُمّ كلثوم ، هو أخذ بالرُّخصة الَّتي رخَّصها له أبوه ، ولم يعمل بها في بيع عين أبي نيزر من معاوية ، للبون الشَّاسع بين المقامين ، فلذلك توارثها بنو عبد اللّه بن جعفر من ناحية أمّ كلثوم] . ۳

1.فلان يتفضّجُ عرقا ، إذا عرقت أُصول شعره ولم يبتل (لسان العرب : ج ۲ ص ۳۴۶) .

2.الكامل للمبرّ د : ج۳ ص۱۱۲۷ ـ ۱۱۳۰ وراجع : الإصابة : ج۷ ص۳۴۳ ، معجم البلدان : ج۱ ص۴۶۹ وج۴ ص۱۷۵ ، المناقب للكوفي : ج۲ ص۸۱ ـ ۸۳ ؛ الكافي : ج۶ ص۱۷۹ ح۱ ، بحار الأنوار : ج۴۲ ص۷۱ ح۱ ، أعيان الشيعة : ج۱ ص۴۳۴ .

3.أعيان الشيعة : ج۱ ص۴۳۵ .


مكاتيب الأئمّة ج2
188
  • نام منبع :
    مكاتيب الأئمّة ج2
    المساعدون :
    فرجي، مجتبي
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دارالحديث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 95290
الصفحه من 528
طباعه  ارسل الي