[ أقول : نقل الصَّدوق رحمه الله هذه الوصيَّة متفرّقة في الفقى ، في آخر كتاب المزار باب الفروض على الجوارح ۱ ، وفي آخر الفقى باب النَّوادر ۲ ، ونقل مصنّف كتاب معادن الحكمة رحمه الله ذلك كلّه ، ولم يشر إلى كونها كتابا ، ولكن من المعلوم أنَّ أمير المؤمنين عليه السلام كتب كتابين : أحدهما إلى السِّبط الأكبر المجتبى عليه السلام ، وثانيهما إلى محمَّد بن الحنفية رحمه الله ، كما عن الشيخ والنَّجاشي ، أنَّهما ذكرا في ترجمة الأصبغ ، أنَّه روى كتاب عهد أمير المؤمنين عليه السلام إلى الأشْتَر ، وكتاب وصيَّته إلى محمَّد بن الحنفيَّة ، كما في قاموس الرِّجال في ترجمة الأصْبَغ ، ونهج السَّعادة ، وجامع الرواة ، ومرَّ عن ابن عبد ربّ شطر منه ، ونُقل في نهج السَّعادة ، وممَّن ذكر السَّند للوصيّة الشَّريفة السَّيِّد ابن طاووس رحمه الله ، نقلاً عن الجزء الأوَّل من كتاب الزَّواجر والمواعظ ، من نسخة تاريخها ذو القعدة من سَنَة ثلاث وسبعين وأربعمئة ، تأليف أبي أحمد الحسن بن عبد اللّه بن سعيد العسكري ، قال : وأخبرنا أحمدُ بنُ عبد الرَّحمن بن فضَّال القاضي قال : حدَّثنا الحسن بن محمَّد بن أحمد ، وأحمد بن جعفر بن محمَّد بن زَيْد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، قال : حدَّثنا جعفر بن محمَّد الحسني ، قال : حدَّثنا الحسن بن عبدك ، قال : حدَّثنا الحسن بن
ظَريف بن ناصِح ، عن الحسن ( الحسين ) بن عَلوان ، عن سَعْد بن طريف ، عن الأصبغ بن نباتة المجاشعي ، قال : كتب أمير المؤمنين عليه السلام إلى ابنه محمَّد .
وقال السَّيِّد رحمه الله : واعلم أنَّه قد روى الشَّيخ المتفق على ثقته وأمانته ، محمَّد بن يعقوب الكليني تغمَّده اللّه جل جلاله برحمته ، رسالة مولانا أمير المؤمنين عليه السلام ، إلى ابنه الحسن عليه السلام ، وروى رسالة أخرى مختصرة ، عن خطّ عليّ عليه السلام ، إلى ولده محمَّد بن الحنفيَّة ، وذكر الرِّسالتين في كتاب الرَّسائل ، ووجدنا منها نسخة قديمة يوشك أن تكون كتابتها في زمان حياة محمَّد بن يعقوب رحمه الله ،انتهى .
والَّذي يظهر من الكليني رحمه الله أنَّ هذه الرِّسالة المختصرة الَّتي ذكرها ابن طاووس رحمه الله ، غير الَّتي ذكرها الصَّدوق رحمه الله ، إذ هو ينقل بعض جملات الوصيَّة في الكافي ، وينسبها إلى كتابه للحسن عليه السلام ، ثُمَّ يروي بعده رواية أنَّه كتابه لمحمَّد بن الحنفيَّة رحمه الله ، قال في كتاب النِّكاح من الكافي ] : عن أبي عبد اللّه ِ الأشْعَريُّ ، عن بَعْض أصحابِنا ، عن جعفر بن عَنْبَسَةَ ، عن عُبَادَةَ بن زِياد ، عن عمْرو بن أبي المِقْدَامِ ، عن أبي جعفر عليه السلام ، وأحمَدَ بن مُحَمَّدٍ العَاصِمِيّ ، عمَّن حَدَّثه ، عن مُعَلَّى بن محمَّد ، عن علِيِّ بن حَسَّان ، عن عبد الرَّحْمن بن كَثِيرٍ ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام في رِسَالته إلى الحسن عليه السلام :
« إيَّاكَ ومُشَاوَرَةَ النِّساءِ ، فإنَّ رَأْيَهُنَّ إلى الأفْنِ ، وعَزْمَهُنَّ إلى الوَهْنِ ، واكْفُفْ علَيْهِنَّ من أبْصَارهِنَّ بِحجابِك إيّاهُنَّ ، فإنَّ شِدَّة الحِجاب خَيْرٌ لك ولَهُنَّ من الاِرْتِيَاب ، ولَيسَ خُرُوجُهُنَّ بأشَدَّ من دُخُول مَن لا تَثِقُ بهِ عَلَيْهِنَّ ، فَإنِ اسْتَطَعْتَ أنْ لا يَعْرِفْنَ غَيْرَك مِنَ الرِّجالِ فَافْعَلْ » .
[ ثُمَّ قال : ] أحمدُ بنُ مُحَمَّد بنِ سَعِيدٍ ، عن جعفر بن مُحَمَّدٍ الحُسَيْنِيِّ ، عن
عليِّ بن عبْدَكٍ ، عن الحسن بن ظَريف بن ناصِحٍ ، عن الحُسَيْن بن علْوَانَ ، عن سَعْد بن طَرِيفٍ ، عن الأصْبَغ بن نُبَاتَةَ ، عن أمِير المُؤمِنِين عليه السلام مِثْلَهُ ، إِلاّ أنَّهُ قال : كَتَب بهذه الرِّسَالَة أمير المُؤمِنِين عليه السلام إلى ابنه مُحَمَّد بن الحَنَفِيَّة . ۳
[ ثُمَّ نقل بالسند المتقدّم ] عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، قال في رسالَة أمير المُؤمِنِين عليه السلام إلى الحسن عليه السلام :
« لا تُمَلِّكِ المَرْأةَ من الأمر ما يُجَاوِزُ نَفْسَها ، فإنَّ ذلك أنْعَمُ لِحَالِها ، وأرْخَى لِبَالِهَا ، وأدْوَمُ لِجَمَالِهَا ، فإنَّ المَرْأةَ رَيْحَانَةٌ وليستْ بِقَهْرَمانَةٍ ، ولا تَعْدُ بِكَرَامَتِها نَفْسَها ، واغْضُضْ بَصَرَها بِسِتْرِك ، واكْفُفْها بِحِجَابِكَ ، ولا تُطْمِعْها أنْ تَشْفَعَ لِغَيْرِهَا ، فَيَمِيلَ عليْك مَن شَفَعَتْ له عليك مَعَها ، واسْتَبْقِ من نفسِك بَقِيَّةً ، فَإِنَّ إِمْسَاكَك نفسَك عَنْهُنَّ ، وهُنَّ يَرَيْنَ أنَّكَ ذُو اقْتِدَارٍ خَيْرٌ مِنْ أن يَرَيْنَ مِنك حَالاً على انْكِسَارٍ » .
[ ثُمَّ نقل بالسند المتقدّم المذكور ] عن الأصْبَغِ بن نُبَاتَةَ عن أمير المُؤمِنين عليه السلام مِثْلَهُ إِلاّ أنَّه قال : كَتَبَ أمير المُؤمِنين صلَوَاتُ اللّه عليه بهذِه الرِّسَالَة إلى ابْنِه مُحَمَّدٍ رِضْوَانُ اللّه عليه . ۴
[ فيستفاد من كلامه أنَّ الرِّسالة عنده كانت واحدة إلاّ أنَّه نقله بسندين : أحدهما يتّصل بالإمام الصَّادق عليه السلام ، وينسبها إلى الحسن عليه السلام ، وثانيهما يتّصل بالأصبغ بن نُباتَة ، وينسبه إلى محمَّد رحمه الله .
وأمَّا سند الشَّيخ والنَّجاشي لكتابه عليه السلام إلى محمَّد رضوان اللّه عليه ، فينتهي إلى محمَّد بن أحمد بن أحمد الثَّلج ، عن جعفر بن محمَّد الحسيني ، عن عليّ بن
عبدك ۵ ، عن الحسن بن ظَريف ، عن الحسين بن علوان ، عن سَعْد بن طريف ، عن الأصبغ بن نباتة .
كما أنَّ سندهما لعهده عليه السلام للأشْتَر رضوان اللّه عليه ، ينتهى إلى الحسن بن ظَريف ، عن الحسين بن علوان ، عن سَعْد بن طريف ، عن الأصبغ بن نباتة .
كما أنَّ كتاب أمير المؤمنين عليه السلام في الدِّيات ، ينتهى إلى الحسن بن ظَريف أيضا ، فيستفاد أنَّ لحسن بن ظَريف كتابا حاويا لهذه الكتب ، روى عنه الرُّواة ، ولا ينافي ذلك رواية الكليني رحمه الله بعض فقرات كتابه إلى الحسن عليه السلام بسند آخر ، وكذا لا ينافيه رواية الشَّيخ الصَّدوق رحمه الله في الخصال شطرا من كتابه عليه السلام إلى محمَّد بسند آخر ، حيث قال : ] حدَّثنا أبي رحمه الله ، قال : حدَّثنا عليّ بن إبراهيم بن هاشم ، عن أبيه ، عن حَمَّاد بن عيسى ، عمَّن ذكره ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، قال : قال أمير المؤمنين في وصيَّته لابنه محمَّد بن الحنفيَّة : واعلَمْ أنَّ مُروءَةَ المَرءِ المُسلِمِ مُروءَتانِ : مُروءَةٌ في حَضَرٍ ، ومُروءَةٌ في سَفَرٍ .
فأمَّا مُروءَةُ الحضَرِ فَقِراءَةُ القُرآنِ ، ومُجالَسَةُ العُلَماءِ ، والنَّظَرُ فِي الفِقهِ ، والمُحافَظَةُ علَى الصَّلاةِ فِي الجَماعاتِ .
وأمَّا مُروءَةُ السَّفَرِ فَبَذلُ الزَّادِ ، وقِلَّةُ الخِلافِ علَى مَن صَحِبَكَ ، وَكثرَةُ ذِكْرِ اللّه ِ عز و جلفي كُلِّ مَصعَدٍ ومَهبِطٍ ونُزولٍ وقِيامٍ وقُعودٍ .۶
قال : حدَّثنا أبي رحمه الله ، قال حدَّثنا عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حَمَّاد بن عيسى ، عمَّن ذكره ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام في وصيَّته لابنه
محمَّد بن الحنفيَّة :
« إيَّاكَ والعُجْبَ ، وسُوءَ الخُلُقِ ، وقِلَّةَ الصَّبرِ ، فَإنَّهُ لا يَستَقِيمُ لكَ علَى هذهِ الخِصالِ الثَّلاثِ صاحِبٌ ، ولا يَزالُ لكَ علَيها مِنَ النَّاسِ مُجانِبٌ ، وألزِمْ نَفسَكَ التَّودُّدَ واصبِرْ على مَؤوناتِ النَّاسِ نفسَكَ ، وأبذِلْ لِصَدِيقِكَ نفسَكَ ومالَكَ ، ولِمَعرِفَتِكَ رِفدَكَ ومَحضَرَكَ ، ولِلعامَّةِ بِشْرَكَ ومَحبَّتَكَ ، ولِعَدوِّكَ عَدلَكَ وإنصافَكَ ، واضنُنْ بِدِينِكَ وعِرضِكَ عَن كُلِّ أَحدٍ ، فَإنَّهُ أسلَمُ لِدينِكَ ودُنياكَ » .۷
[ والسَّند الَّذي ذكره الصَّدوق رحمه الله في مشيخة الفقى لوصيّة أمير المؤمنين عليه السلام لمحمَّد بن الحنفيَّة رحمه الله ، هو ما تقدَّم من سند الرِّواية المتقدّمة . وذلك لأنَّه يمكن أن يكون الكتاب معروفا مشهورا ، رواه العلماء بطرق مختلفة ، وشيخنا الكليني والصَّدوق رويا بسند يتّصل إلى الإمام أبي عبد اللّه ، أو أبي جعفر عليهماالسلامكتابه عليه السلام إلى ابنه السبط الأكبر عليه السلام ، وإلى محمَّد بن الحنفيَّة رحمه الله ، والشَّيخ والنَّجاشي رويا كتاب حسن بن ظَريف ، المشتمل عليهما وعلى غيرهما .
واشتبه الأمر على بعض ، فتوهّم كونه كتابا واحدا قد ينسب إلى الإمام الحسن ، وقد عليه السلام ينسب إلى محمَّد رحمه الله ، وممَّا يؤيِّد هذا التوهُّم عبارتا الكليني رحمه اللهالمتقدّمتان ] .
1.من لا يحضره الفقيه : ج۲ ص۶۲۶ ح ۳۲۱۵ .
2.من لا يحضره الفقيه : ج۴ ص۴۸۳ ح ۵۸۳۴ .
3.الكافي : ج ۵ ص ۳۳۸ ح۷ .
4.الكافي : ج ۵ ص ۵۱۰ ح۳ .
5.في البحار : «عبدل» .
6.الخصال : ص۵۴ ح۷۱ .
7.الخصال : ص۱۴۷ ح۱۷۸ ، بحار الأنوار : ج۷۴ ص۱۷۵ .