223
مكاتيب الأئمّة ج2

۶.وفي حديث مالك بن أعْيَنَ ، قال : حَرَّضَ أمير المُؤمِنِين ـ صلوات اللّه عليه ـ النَّاس بِصِفِّينَ ، فقال :« إنَّ اللّه عز و جل دَلَّكُمْ على تِجارَةٍ تُنْجِيكُم من عذابٍ ألِيمٍ ت ، وتُشْفِي بكُمْ على الخَيْر ، الإيمَانِ بِاللّه ، والجِهَاد في سَبِيل اللّه ، وجَعَلَ ثَوَابَهُ مَغْفِرَةً لِلذَّنْب ، ومَساكِنَ طَيِّبَةً في جَنّات عَدْنٍ ، وقال عز و جل : « إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَتِلُونَ فِى سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنْيَنٌ مَّرْصُوصٌ »۱ ، فَسَوُّوا صُفُوفَكُمْ كَالْبُنْيَان المَرْصُوص ، فَقَدِّمُوا الدَّارِعَ ، وأخِّرُوا الحَاسِرَ ، وعَضُّوا على النَّوَاجِذِ ، فإنَّه أنْبَأُ لِلسُّيُوف على الهَامِ ، والتَوُوا على أطْرَاف الرِّمَاح ، فَإنَّهُ أمْوَرُ لِلأسِنَّة ، وغُضُّوا الأبْصَارَ ، فإنَّهُ أرْبَطُ لِلْجَأْش ، وأسْكَنُ لِلْقُلُوبِ ، وأمِيتُوا الأصْوَاتَ ، فإنَّه أطْرَدُ لِلْفَشَل ، وأوْلَى بِالْوَقَار ، ولا تَمِيلُوا بِرَايَاتِكُم ، ولا تُزِيلُوها ، ولا تَجْعَلُوهَا ، إلاّ مع شُجْعَانِكُمْ ، فإنَّ المَانِعَ لِلذِّمَار ، والصَّابِرَ عِندَ نُزُولِ الحَقَائِق ، هُم أهْلُ الحِفَاظ ، ولا تُمَثِّلُوا بِقَتِيلٍ ، وإذا وَصَلْتُمْ إلى رِجَالِ القَوْمِ ، فلا تَهْتِكُوا سِتْرا ، ولا تَدْخُلُوا دَارا ، ولا تَأْخُذُوا شَيْئا مِن أمْوَالِهِم ، إلاّ ما وجَدْتُمْ في عَسْكَرِهِم ، ولا تُهَيِّجُوا امْرَأةً بِأذىً ، وإنْ شَتَمْنَ أعْرَاضَكُمْ ، وسَبَبْنَ أُمَرَاءَكُمْ وصُلَحَاءَكُمْ ، فإنَّهُنَّ ضِعَافُ القُوَى والأنْفُس والعُقُولِ ، وقد كُنَّا نُؤمَرُ بِالْكَفِّ عَنْهُنَّ ، وهُنَّ مُشْرِكَاتٌ ، وإنْ كان الرَّجُلُ لَيَتَنَاوَلُ المَرْأةَ فَيُعَيَّرُ بها ، وعَقِبُهُ من بعْدهِ .
واعْلَمُوا أنَّ أهْلَ الحِفَاظِ ، هُمُ الَّذِين يَحُفُّونَ بِرَايَاتِهِمْ ، ويَكْتَنِفُونَهَا ، ويَصِيرُونَ حِفَافَيْهَا ، ووَرَاءَهَا وأمامَها ، ولا يُضَيِّعُونَها ، لا يَتأخَّرُونَ عنها فَيُسَلِّمُوهَا ، ولا يَتَقَدَّمُونَ عليْها فَيُفْرِدُوهَا .
رَحِمَ اللّه ُ امْرَأً وَاسَى أخَاهُ بِنَفْسِه ، ولمْ يَكِلْ قِرْنَهُ إلى أخيه ، فَيَجْتَمِعَ قِرْنُهُ وقِرْنُ أخِيه ، فَيَكْتَسِبَ بِذَلك اللاّئِمَةَ ويَأْتي بِدَنَاءَةٍ ، وكَيْفَ لا يكون كَذَلِك وهو يُقَاتِلُ الاِثْنَيْن ، وهذا مُمْسِكٌ يَدَهُ قد خَلَّى قِرْنَهُ على أخِيه هَارِبا مِنهُ يَنْظُرُ إليهِ ، وهذا فمَن يَفْعَلْهُ يَمْقُتْهُ اللّه ُ ، فلا تَعَرَّضُوا لِمَقْت اللّه عز و جل ، فإنَّما مَمَرُّكُمْ إلى اللّه ، وقد قال اللّه ُ عز و جل : « قُل لَّن يَنفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِن فَرَرْتُم مِّنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَ إِذًا لاَّ تُمَتَّعُونَ إِلاَّ قَلِيلاً »۲ ، وايْمُ اللّه ِ ، لَئِنْ فَرَرْتُمْ مِن سُيُوفِ العاجِلَةِ لا تَسْلَمُونَ مِن سُيُوفِ الآجِلَةِ ، فَاسْتَعِينُوا بالصَّبْرِ ، والصِّدْقِ ، فإنَّما يَنْزِلُ النَّصْرُ بَعدَ الصَّبْرِ ، فَجَاهِدُوا في اللّه ِ حَقَّ جِهادِهِ ، ولا قُوَّةَ إلاَّ بِاللّه » . ۳

1.الصف : ۴ .

2.الأحزاب : ۱۶ .

3.الكافي : ج۵ ص۳۹ ح۴ ، وقعة صفِّين : ص۲۳۵ نحوه ، بحار الأنوار : ج۳۲ ص۵۶۲ ح۴۶۸ وراجع : الإرشاد : ج۱ ص۲۶۵ ، نهج البلاغة : الكتاب۱۲۴ ؛ تاريخ الطبري : ج۵ ص۱۶ ، الكامل في التاريخ : ج۲ ص۳۷۳ ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج۵ ص۱۸۷ ، البداية والنهاية : ج۷ ص۲۶۳ .


مكاتيب الأئمّة ج2
222
عدد المشاهدين : 95717
الصفحه من 528
طباعه  ارسل الي