۸.وفي كلامٍ لَهُ آخَرَ :« وإذا لَقِيتُم هَؤلاءِ القوْم غَدا فلا تُقاتِلُوهُم ، حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ ، فإذا بَدَؤُوا بكُمْ فانْهُدُوا إليْهم .
وعليْكم السَّكِينَةَ والوَقَارَ ، وعَضُّوا على الأضْرَاس ، فإنَّه أنْبَأُ لِلسُّيُوفِ عن الهَام ، وغُضُّوا الأبْصَارَ ، ومُدُّوا جِبَاهَ الخُيُول ووُجُوهَ الرِّجَالِ ، وأقِلُّوا الكَلامَ ، فإنَّه أطْرَدُ لِلْفَشَلِ ، وأذْهَبُ بالْوَهَلِ ۱ ، ووَطِّنُوا أنْفُسَكُمْ على المُبَارَزَة والمُنَازَلَة والمُجَادَلَة ، واثْبُتُوا ، واذْكُرُوا اللّه َ عز و جل كَثِيرا ، فإنَّ المَانِع لِلذِّمَارِ عند نُزُولِ الحَقَائِقِ ، هُم أهْلُ الحِفَاظِ ، الَّذِين يَحُفُّونَ بِرَايَاتِهِم ، ويَضْرِبُونَ حَافَتَيْهَا وأمامَها ، وإذا حَمَلْتُمْ فَافْعَلُوا فِعْلَ رَجُلٍ وَاحِدٍ .
وعليْكم بالتَّحامِي ، فإنَّ الحَرْبَ سِجَالٌ لا يَشُدُّونَ عليْكم كَرَّةً بَعدَ فَرَّةٍ ، ولا حَمْلَةً بعد جَوْلَةٍ ، ومَنْ ألْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَاقْبَلُوا منْه ، واسْتَعِينُوا بالصَّبْر ، فإنَّ بعْد الصَّبْر النَّصْرَ من اللّه عز و جل « إِنَّ الأَْرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ »۲ » . ۳
۹.قال نَصْر : حدَّثني رجلٌ عن مالك الجُهَنيّ ، عن زَيْد بن وَهب ، أنَّ عليَّا مرَّ على جماعةٍ من أهل الشَّام بصفِّين فيهم الوليد بن عُقْبَة ، وهم يشتمونه ويقصبونه ، فأخبروه بذلك ، فوقَف في ناس من أصحابه ، فقال :« انْهدوا إليهِم ، وعليْكم السَكينةُ وسيما الصَّالحين ووَقَارُ الإسلامِ ، واللّه ، لأقرَبُ قَومٍ مِنَ الجَهلِ باللّه ِ عز و جل قَومٌ قائِدُهُم ومُؤدِّبهم مُعاوِيَةُ ، وابنُ النَّابِغَةِ ، وأبو الأعْوَرِ السَّلَميِّ ، وابنُ أبي مُعَيطٍ ، شارِبُ الحَرامِ ، والمَجلُودُ حَدَّا في الإسلامِ ، وَهُم أُولاءِ يَقومُونَ فَيقصِبُونَنِي ، ويشتُمونَنِي ، وقَبلَ اليَومِ ما قاتَلُوني وشتَمونِي ، وأنا إذ ذاك أدعُوهُم إلى الإسلامِ ، وهُم يَدعُونَنِي إلى عبادَةِ الأصنامِ ، فالحَمدُ للّه ِ ، ولا إلهَ إلاّ اللّه ُ ، وقَدِيما ما عادَانِي الفاسِقُونَ ، إنَّ هذا هُوَ الخَطبُ الجَلِيلُ .
إنَّ فُسّاقا كانُوا عِندَنا غَيرَ مَرضِيينَ ، وعلَى الإسلامِ وأهلِهِ مُتَخَوِّفِينَ ، أصبحوا وقَد خَدَعوا شَطْرَ هذهِ الأُمَّةِ ، فأشرَبُوا قُلوبَهم حُبَّ الفِتنَةِ ، فاستمالُوا أهواءَهُم بالإفْكِ والبُهتان ، وقد نَصَبُوا لَنا الحَرْبَ ، وجَدُّوا في إطفاءِ نُورِ اللّه ِ « وَ اللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْكَفِرُونَ »۴ .
اللَّهمَّ فإنَّهم قَد رَدُّوا الحَقَّ ، فافضُضْ جَمعَهُم ، وشتِّتْ كَلِمَتَهُم ، وأبْسِلْهم بِخَطاياهُم ؛ فَإنَّهُ لا يَذِلّ مَنْ وَاليتَ ، ولا يَعِزُّ مَن عادَيتَ » . ۵
1.الوَهَلُ بالتحريك ، الفَزَعُ . ( لسان العرب ج ۱۱ ص ۷۳۷ ) .
2.الأعراف: ۱۲۸ .
3.الكافي : ج ۵ ص ۴۱ ح۴ ، بحار الأنوار : ج۳۲ ص۵۶۴ ح۴۶۹ .
4.الصفّ : ۸ .
5.وقعة صفِّين : ص۳۹۱ وراجع : الإرشاد : ج۱ ص۲۶۴ ، كتاب سُلَيم بن قيس : ج۲ ص۸۱۱ ، بحار الأنوار : ج۳۲ ص۶۱۳ ، المعيار والموازنة : ص۱۵۲ ؛ تاريخ الطبري : ج۵ ص۴۵ .