229
مكاتيب الأئمّة ج2

۰.] لمّا انقضت حرب البصرة ورجع أمير المؤمنين عليه السلام إلى الكوفة ، جاء إليه عدّة لم يشهدوا الحرب ، وكانوا يعتذرون ، فنظر عليه السلام إلى مِخْنَف بن سُلَيْم فقال ] :« لكِنَّ مِخْنَفَ بنَ سُلَيْمٍ وقومَهُ لَم يتخلَّفُوا ، ولم يَكُن مَثَلُهُم مَثَلَ القومِ الَّذِين قال اللّه ُ تعالى : « وَإِنَّ مِنكُمْ لَمَن لَّيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصَبَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَىَّ إِذْ لَمْ أَكُن مَّعَهُمْ شَهِيدًا * وَلَـئِنْ أَصَبَكُمْ فَضْلٌ مِّنَ اللَّهِ لَيَقُولَنَّ كَأَن لَّمْ تَكُن بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يَـلَيْتَنِى كُنتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا »۱ » . ۲

أقول : فما ذكره الطَّبريّ وابن الأثير من أن راية الأزْد من أهل الكوفة كانت مع مِخْنَف بن سُلَيْم فقتل ، ۳ غير صحيح ، لما تقدَّم ويأتي من أنَّه بقي وشهد في حرب صفِّين . . . ۴ .
ولمّا كان إغارة النُّعْمَان بن بشير في ألف رجل إلى عين التَّمر ، وفيها مالك بن كَعْب في ألف رجل مسلحة لعليّ ، وكان مالك قد أذن لأصحابه ، فأتوا الكوفة ولم يبق معه إلاَّ مئة رجل ، فلمَّا سمع بالنُّعْمان كتب إلى أمير المؤمنين عليه السلام يخبره ويستمدّه . . . وكتب مالك إلى مِخْنَف بن سُلَيْم يستعينه ، وهو قريب منه ، واقتتل مالك والنُّعْمَان أشدّ قتال ، فوجّه مِخْنَف ابنه عبد الرَّحمن في خمسين رجلاً ، فانتهوا إلى مالك ، وقد كسروا جفون سيوفهم واستقتلوا ، فلمَّا رآهم أهل الشَّام
انهزموا عند المساء وظنّوا أنَّ لهم مددا . ۵
وصرَّح الثَّقَفيّ بأنَّ مِخْنَفا كان على الصَّدقة لعليّ عليه السلام . ۶
قال نصر : قال عمر عن الحارث بن حصين عن أشياخ من الأزْد : أنَّ مِخْنَف بن سُلَيْم لمّا ندب أزد العِراق إلى قتال أزد الشَّام ، حمد اللّه وأثنى عليه ، ( فقال : الحمد للّه والصَّلاةُ على مُحَمَّدٍ رسولِهِ . . . ۷ ) ثُمَّ قال :
إنَّ من الخطب الجليل والبلاء العظيم ، أنّا صرفنا إلى قومنا ، وصرفوا إلينا ، فواللّه ، ما هي إلاَّ أيدينا نقطعها بأيدينا ، وما هي إلاَّ أجنحتنا نحذفها بأسيافنا ، فإن نحن لم نفعل لم نناصح صاحبنا ، ولم نواس جماعتنا ، وإن نحن فعلنا فعِزَّنا أبَحنا ، ونارنا أخمدنا .
فقال جُنْدُب بن زُهَيْر : واللّه ، لو كنّا آباءهم ولدناهم ، أو كنا أبناءهم ولدونا ، ثُمَّ خرجوا من جماعتنا ، وطعنوا على إمامنا ، وآزروا الظَّالمين والحاكمين بغير الحقّ على أهل مّلتنا وذمّتنا ، ما افترقنا بعد أن اجتمعنا ، حَتَّى يرجعوا عمّا هم عليه ، ويدخلوا فيما ندعوهم إليه ، أو تكثر القتلى بيننا وبينهم .
فقال مِخْنَف : أعْزَبَكَ اللّه ُ في التِّيه . أما واللّه ، ما علِمتك صغيرا ولا كبيرا إلاَّ مشؤوما ، واللّه ، ما ميَّلْنا الرَّأي بين أمرين قطُّ ، أيَّهما نأتي ، وأيَّهما ندع ، في الجاهلية ولا بعدما أسلمنا ، إلاَّ اخترت أعسرهما وأنكدهما . اللَّهمَّ فأن نُعافى
أحبُّ إلينا من أن نبتلى . فأعط كل رجل منّا ما سألك . . . ۸ .
[ لمّا وقعت قصّة ابن الحَضْرَمِيّ في البصرة ، ونصر بنو تميم البصرة عبد اللّه بن عامر الحَضْرَمِيّ ، ونصر الأزْد زيادا ، وقاموا دونه ] فقال شَبَث بن رِبْعيّ لعليّ عليه السلام :
يا أمير المؤمنين ، ابعث إلى هذا الحيِّ مِن تَميم ، فادعهم إلى طاعتك ولزوم بيعتك ، ولا تسلِّط عليهم أزد عمان البعداء البغضاء ، فإنَّ واحدا من قومك خير لك من عشرة من غيرهم .
فقال له مِخْنَف بن سُلَيْم الأزْدِيّ : إنَّ البعيد البغيض من عصى اللّه ، وخالف أمير المؤمنين وهم قومك ، وإنَّ الحبيب القريب من أطاع اللّه ، ونصر أمير المؤمنين وهم قومي ، وأحدهم خير لأمير المؤمنين من عشرة من قومك .
فقال أمير المؤمنين عليه السلام : « مَهْ ، تَناهَوا أيُّها النَّاسُ ، ولَيردَعْكُمُ الإسلامُ ، ووَقارُهُ عَنِ التَّباغي والتَّهاذي . . . » .۹
قتل مِخْنَف بن سُلَيْم في عَين الوَردة ، سنة أربع وستين . ۱۰
نَصْر عن مُحَمَّد بن عُبيد اللّه عن الحكم قال : لمّا هرب مِخْنَف بالمال ، قال عليّ عليه السلام : « عَذَرتُ القِردانَ فَما بَالُ الحَلَم ؟ »۱۱ . ۱۲
وفي معجم رجال الحديث : مِخْنَف بن سُلَيْم ابن خالة عائشة ، عربي كوفي ، عدّه الشَّيخ من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام ، وعدَّه البرقي من خواصّ أصحابِ أمير المؤمنين عليه السلام من اليمن . ۱۳

1.النساء : ۷۲ ـ ۷۳ .

2.وقعة صفّين :ص۸ ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج۳ ص۱۰۶ .

3.راجع : تاريخ الطبري : ج۴ ص۵۲۱ ، الكامل في التاريخ : ج۲ ص۳۴۳ .

4.راجع : تهذيب التهذيب : ج۵ ص ۳۷۵ الرقم۷۷۱۸ ، أُسد الغابة : ج۵ ص۱۲۲ الرقم۴۸۰۴ .

5.الكامل في التاريخ : ج۲ ص۴۲۵ ، وراجع : تاريخ الطبري : ج۵ ص۱۳۳ ، البداية والنهاية : ج۷ ص۳۲۰ ؛ الغارات : ج۲ ص۴۵۰ .

6.راجع : الغارات : ج۲ ص۴۵۰ ، دعائم الإسلام : ج۱ ص۲۵۲ .

7.شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج۵ ص۲۰۹ .

8.وقعة صفّين: ص ۲۶۲ ؛ تاريخ الطبري: ج ۵ ص ۲۶ ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج ۵ ص ۲۰۹ كلاهما نحوه .

9.شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج۴ ص۴۴ ؛ الغارات : ج۲ ص۳۹۴ .

10.راجع : تهذيب التهذيب : ج۵ ص۳۷۵ الرقم۷۷۱۸ .

11.القردان ـ بالضم ـ : جمع قُراد ، والحَلَمُ جنس منه صغار .

12.وقعة صفّين :ص۱۱ ، قاموس الرجال : ج۸ ص۴۵۸ .

13.راجع : معجم رجال الحديث : ج۱۸ ص۱۰۷ الرقم۱۲۱۸۱ ، رجال الطوسي : ص۸۱ الرقم ۸۰۸ ، رجال البرقي : ص۶ .


مكاتيب الأئمّة ج2
228

۰.صورة ما نقله النُّعْمَان بن محمّد :
قال : أنَّه استعمل عليٌّ عليه السلام مِخْنَفَ بنَ سُلَيْمٍ على صدقات بَكر بن وائل ، وكتب له عهدا كان فيه :
« فمَن كانَ مِن أهْلِ طاعَتِنا مِن أهْلِ الجَزيرَةِ ، وفِيما بَينَ الكُوفَةِ وأرْضِ الشَّامِ ، فَادَّعَى أنَّهُ أدَّى صدَقَتَهُ إلى عُمَّالِ الشَّامِ ، وهُوَ في حوزَتِنا مَمنوعٌ قَد حَمَتْهُ خَيلُنا ورِجالُنا ، فلا تُجِز لَهُ ذَلِكَ ، وإن كان الحَقُّ علَى ما زَعَمَ ، فإنَّه ليسَ لَهُ أن يَنزِلَ بِلادَنا ، ويُؤَدِّي صدَقةَ مالِهِ إلى عَدُوِّنا » . ۱

۰.وعن عليّ عليه السلام أنَّه أوصى مِخْنَف بن سُلَيْم الأزْدِيّ ، وقد بعثه على الصَّدقة بوصية طويلة ، أمره فيها بتقوى اللّه ربّه في سرائر أموره وخفيّات أعماله ، وأن يلقاهم ببسط الوجه ، ولين الجانب ، وأمره أن يلزم التَّواضع ، ويجتنب التَّكَبُّر ، فَإنَّ اللّه يرفَع المتواضعين ، ويضع المتكبّرين ، ثُمَّ قال له :« يا مِخْنَفُ بنُ سُلَيْمٍ ، إنَّ لَكَ في هذه الصَّدَقَةِ نَصِيبا وحَقَّا مَفْرُوضا ، ولَكَ فِيها شُرَكاءَ فُقَراءَ ومساكِينَ وغارِمينَ ومجاهدِينَ وأبْنَاءَ سَبيلٍ ، وممْلوكِينَ ومتألَّفينَ .
وإنَّا مُوَفُّوكَ حَقَّكَ فَوَفّهِم حُقُوقَهُم ، وإلاَّ فَإنَّكَ مِن أكثرِ النَّاسِ يَومَ القِيامَةِ
خُصَماءَ ، وَبُؤسا لامرئٍ أنْ يَكونَ خَصْمُهُ مِثلَ هؤلاء » . ۲

1.دعائم الإسلام : ج۱ ص۲۵۹ ، بحار الأنوار : ج۹۶ ص۷۰ .

2.دعائم الإسلام : ج۱ ص۲۵۲ ، بحار الأنوار : ج۹۶ ص۸۵ ح۷ .

  • نام منبع :
    مكاتيب الأئمّة ج2
    المساعدون :
    فرجي، مجتبي
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دارالحديث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 95699
الصفحه من 528
طباعه  ارسل الي