180
وصيَّته عليه السلام لمَعْقِل بن قَيْس
۰.من وصيَّة له عليه السلام وصّى بها مَعْقِل بن قَيْس الرِّياحيّ حين أنفذه إلى الشَّام في ثلاثة آلاف مقدّمة له :« اتَّقِ اللَّه الَّذي لا بُدَّ لكَ مِنْ لِقَائِه ، ولا مُنْتَهَى لك دُونَهُ ، ولا تُقَاتِلَنَّ إلاَّ مَنْ قَاتَلك ، وسِرِ الْبَرْدَيْنِ ، وغَوِّرْ بالنَّاس ، ورَفِّهْ في السَيْر ، ولا تَسِرْ أَوَّل اللَّيْل ، فإِنَّ اللّه جَعَلَهُ سَكَنا وقَدَّرَهُ مُقاما لا ظَعْنا ، فَأَرِحْ فيه بدنَك ، ورَوِّحْ ظَهْرَك فإِذَا وَقَفْتَ حِينَ يَنْبَطِحُ السَحَرُ أو حِينَ يَنْفَجِرُ الْفَجْرُ فَسِرْ علَى بَرَكَةِ اللّه ِ ، فَإِذَا لَقِيتَ العَدُو فَقِفْ مِنْ أَصْحَابِكَ وَسَطا ، ولا تَدْنُ مِنَ الْقَوْمِ دُنُوَّ مَنْ يُرِيدُ أَنْ يُنْشِبَ الْحَرْبَ ، ولا تَبَاعَدْ عَنهُم تَبَاعُدَ مَنْ يَهَابُ الْبَأْسَ حَتَّى يَأْتِيَك أَمْرِي ، ولا يَحْمِلَنَّكُم شَنآنُهُمْ ( سبابهم ) علَى قِتَالهم قَبْلَ دُعَائِهِمْ ، والإِعْذَارِ إِليهم » . ۱
[ أقول : قال العلاّمة الآملي في الشَّرح : وصيَّته عليه السلام لمَعْقِل على نسخة نصر ، لا تتجاوز عن قوله : « حِينَ يَنبَطِحُ الفَجرُ فَسِرْ »۲ ، كما قلناها عنه ، وذيلها كان من وصيَّته عليه السلام لمالك الأشْتَر ، وقد رواها نصر أيضا في صفِّين . ۳
فاتّضحَ أنَّ هذه الوصيّة مُلَفّقة مِن وصيّيتينِ ، صدرُها من وصِيَّتِهِ عليه السلام لِمَعْقِل ، وذَيلُها لمالِك ، والشَّريفُ الرَّضيُّ مال إلى أنَّها وصيّة واحِدَةٌ ، قالها لِمَعْقِل ، وقد علمت ما فيه . على أنّ إسقاط بعض عباراته عليه السلام ، وتلفيقَ بَعضٍ آخرَ إلى خطبة أو
كتاب غير عزيز في النَّهج ، وقد دريت أنَّه من عادَةِ الرَّضي رحمه الله ؛ لأنَّ ما كان يهمَّه التقاط الفصيح من كلامه عليه السلام .
اللَّهمَّ إلاَّ أن يقال : أنَّه ظفر برواية أخرى لا توافق ما في تاريخ أبي جَعْفَر الطبريّ ، وما في صفِّين لنصر ، وعدَّ فيها جَمِيعَ هذه الوصيّة وصيَّة واحِدَةً لِمَعْقِل ، ولم نظفر بها .
والَّذي يُسهِّلُ الخَطبَ أن يقال : أنَّ أمير المؤمنين عليه السلام كتب مضمونا واحدا ودستورا ، فأرسلَهُ إلى أكثر من واحد من أُمراء جيشه ، فإنَّ ما يجب أن ينتبه إليه أحدهم من شؤون الحرب يجب أن ينتبه إليه الآخرُ أيضا ، غاية الأمر ، إنَّ نصرا لم ينقل وصيَّته عليه السلام لمَعْقِل كاملة ، وذلك لأنَّ ظاهر كلام الشَّريف الرَّضي رحمه اللهيأبى أن يقال : إنَّ هذه الوصيَّة ملفّقة من وصيّيتين ، وهو رحمه الله أجلّ شأنا من أن يسند وصيته عليه السلام لمالك ، إلى أنّها وصيَّته لمَعْقِل والمواضع الَّتي أسقط منها بعضُ كلامه عليه السلام ، ولفق بعضُهُ الآخر يغاير المقام ، فَتَأمَّل ] .