182
وصيّة له عليه السلام إلى الإمام الحسين عليه السلام
۰.[ نقل ابن أبي شُعْبَة في تحف العقول : ] وصيَّته لابنه الحسين عليه السلام ، وهي :« يا بُنَيَّ ، أُوصِيكَ بِتقوى اللّه ِ فِي الغِنى والفَقْرِ ، وكَلِمَةِ الحَقِّ في الرِضا والغَضَبِ ، والقَصْدِ في الغِنى والفَقْرِ ، وبالعَدلِ علَى الصَّدِيقِ والعَدُوِّ ، وبالعَمَلِ في النَّشاطِ والكَسَلِ ، والرِّضا عَنِ اللّه ِ في الشِدَّةِ والرَّخاءِ .
أيْ بُنَيَّ ، ما شَرُّ بعدَه الجَنَّةُ بِشَرٍّ ، ولا خَيْرٌ بعدَه النَّارُ بخَيرٍ ، وكلُّ نَعيمٍ دُونَ الجَنَّةِ مَحْقورٌ ، وكُلُّ بَلاءٍ دونَ النَّارِ عافِيَةٌ .
واعلَمْ أيْ بُنَيَّ ، أنَّه مَن أبْصَرَ عَيبَ نفسِهِ شُغِلَ عَن عَيبِ غَيرهِ ، ومَن تَعَرَّى من لِباسِ التَّقوى لَم يَسْتَتِر بِشَيءٍ مِنَ اللِّباسِ ، ومَن رَضِيَ بِقِسَمِ اللّه ِ لَمْ يَحْزَن على ما فاتَهُ ، ومَن سَلَّ سَيْفَ البَغي قُتِل به ، ومَن حفَر بئرا لأخِيهِ وقَعَ فيها ، ومَن هتَكَ حِجابَ غَيرِهِ انكشَفَتْ عَوْراتُ بيتِهِ ، ومَن نَسِيَ خَطيئَتَهُ اسْتَعْظَمَ خَطيئَةَ غيرِهِ ، ومَن كابَدَ الأمُورَ عَطَبَ ، ومَن اقتَحَمَ الغَمَراتِ غَرِق ، ومَن أُعْجِبَ برأيه ضَلَّ ، ومَن استغْنى بِعقلِهِ زلَّ ، ومَن تَكبَّر على النَّاس ذَلَّ ، ومَن خالَطَ العُلماءَ وُقِّرَ ، ومَن خالَطَ الأنْذالَ حُقِّرَ ، ومَن سَفِهَ على النَّاسِ شُتِمَ ، ومَن دخَلَ مَداخِلَ السَوْء اتُّهِمَ ، ومَن مزَح اسْتُخِفَّ بِهِ ، ومَن أكثَر مِن شيءٍ عُرِف بهِ ، ومَن كَثُرَ كَلامُهُ كَثُرَ خَطؤهُ ، ومَن كَثُرَ خَطؤهُ قلَّ حياؤُه ، ومَن قلَّ حياؤُه قلَّ وَرَعُهُ ، ومَن قلَّ وَرعُهُ ماتَ قَلبُه ، ومَن ماتَ قلبُهُ دَخَلَ النَّارَ .
أيْ بُنَيَّ ، مَن نظَر في عيوب النَّاس ورضِيَ لِنفْسِهِ بها فَذاكَ الأحمَقُ بعَيْنِهِ ، ومَن تفكَّر اعتَبَر ، ومَن اعتبَر اعتزَلَ ، ومَن اعتزَل سَلِمَ ، ومَن تَركَ الشَّهواتِ كانَ حُرَّا ،
ومَن تَرَكَ الحَسَدَ كانَت لَهُ المَحَبَّةُ عِندَ النَّاسِ .
أيْ بُنَيَّ ، عِزُّ المُؤمِنِ غِناهُ عَنِ النَّاسِ ، والقَناعة مالٌ لا يَنْفَدُ ، ومَن أكثرَ ذِكْرَ المَوتِ رضِيَ مِنَ الدُّنيا باليَسيرِ ، ومَن عَلِمَ أنَّ كلامَهُ مِن عَملِهِ قلَّ كلامُه إلاّ فيما يَنفَعُهُ .
أيْ بُنَيَّ ، العَجَبُ مِمَّن يَخافُ العقابَ فلَم يَكُفَّ ، ورَجا الثَّوابَ فَلم يَتُبْ ويَعمَلْ .
أيْ بُنَيَّ ، الفِكرةُ تُورِث نورا ، والغَفلَةُ ظُلمةٌ ، والجهالةُ ضلالةٌ ، والسَّعيد مَن وُعِظَ بِغَيرهِ ، والأدبُ خَيرُ مِيراثٍ ، وحُسْنُ الخُلُقِ خَيرُ قَرينٍ ، ليسَ مَعَ قطيعَةٍ نَماءٌ ، ولا مَعَ الفُجورِ غِنىً .
أيْ بُنَيَّ ، العافية عَشَرةُ أجزاء : تِسعةٌ مِنها فِي الصَّمتِ ، إلاّ بِذكْرِ اللّه ِ ، وواحِدٌ في تَركِ مُجالَسَةِ السُّفهاءِ .
أيْ بُنَيَّ ، مَن تَزَيَّا بِمعاصي اللّه ِ فِي المَجالِسِ أورَثَه اللّه ُ ذُلاًّ ، ومَن طلَب العِلمَ عَلِمَ .
يا بُنَيَّ ، رأسُ العِلمِ الرِّفقُ ، وآفتُهُ الخُرْقُ ۱ ، ومِن كُنوزِ الإيمانِ الصَّبرُ على المصائِبِ ، والعَفافُ زِينَةُ الفَقرِ ، والشُّكرُ زِينَةُ الغِنى ، كَثرةُ الزِّيارَة تُورِثُ المَلالَةَ ، والطَّمأنِينَةُ قَبْلَ الخُبْرةِ ضِدُّ الحَزْمِ ، وإعجابُ المَرءِ بِنَفسهِ يَدُلُّ على ضَعْفِ عَقلِهِ .
أيْ بُنَيَّ ، كمْ نَظْرَةٍ جَلَبت حَسْرةً ، وكم مِن كَلِمَةٍ سَلَبتْ نِعْمةً .
أيْ بُنَيَّ ، لا شرَف أعلَى مِنَ الإسلامِ ، ولا كَرَمَ أعزُّ مِنَ التَّقوى ، ولا مَعقِلَ أحْرَزُ مِنَ الوَرَعِ ، ولا شَفِيعَ أنجَحُ من التَّوبَةِ ، ولا لِباسَ أجمَلُ مِنَ العافِيَةِ ، ولا مالَ أذهَبُ بالفَاقَةِ مِنَ الرِّضا بالقُوتِ ، ومَنِ اقتَصَر على بُلْغَةِ الكَفاف تعَجَّل الرَّاحَةَ وتبَوَّأ خَفْضَ
الدَّعَةِ .
أيْ بُنَيَّ ، الحِرصُ مِفتاحُ التَّعَبِ ، ومَطيَّةُ النَّصَبِ ، وداعٍ إلى التَقَحُّم في الذُّنوبِ والشَّرَهُ جامِعٌ لمساوِئ العُيوبِ ، وكَفاكَ تأديبا لِنفسِكَ ما كَرِهتَه مِن غَيرِكَ ، لِأخِيكَ علَيكَ مِثلُ الَّذي لَكَ عَليهِ ، ومَن تورَّطَ في الأُمورِ بِغَيرِ نَظَرٍ في العواقِبِ فَقد تَعَرَّضَ للنوائِبِ ، التَّدبيرُ قَبلَ العَمَلِ يُؤمِنُكَ النَّدَمَ ، مَن اسْتَقبَل وُجُوهَ الآراءِ عَرَفَ مواقِعَ الخَطاَ ، الصَّبرُ جُنَّةٌ مِنَ الفاقَةِ ، البُخلُ جِلْبابُ المَسْكَنَةِ ، الحِرصُ عَلامَةُ الفَقرِ ، وَصُولُ مُعْدِمٌ خَيرٌ مِن جافٍ مُكْثِرٍ ، لِكُلِّ شيءٍ قُوتٌ ، وابنُ آدَمَ قُوتُ المَوْتِ .
أيْ بُنَيَّ ، لا تُؤيِس مُذنِبا ، فَكَمْ من عاكِفٍ على ذَنبِهِ خُتِمَ لَهُ بِخَيرٍ ، وكمْ مِنْ مُقْبِلٍ على عملِهِ مُفسِدٍ فِي آخِرِ عُمُرِهِ ، صائرٍ إلى النَّار ، نَعوذُ باللّه ِ مِنها .
أيْ بُنَيَّ ، كمْ مِن عاصٍ نَجا ، وكَم من عامِلٍ هَوى ، مَن تَحَرَّى الصِّدقَ خَفَّتْ عَليهِ المُؤَنُ ، فِي خِلافِ النَّفْسِ رُشدُها ، السَّاعاتُ تَنْتَقِصُ الأعمارَ ، وَيلٌ للباغِينَ مِن أحكَمِ الحاكِمينَ ، وعالِمِ ضَمِيرِ المُضْمِرِينَ .
يا بُنَيَّ ، بِئسَ الزَّادُ إلى المَعادِ العُدوانُ علَى العِبادِ ، في كُلِّ جُرْعَة شَرَقٌ ، وفي كُلِّ أُكْلَةٍ غَصَصٌ ، لن تُنالَ نِعمَةٌ إلاَّ بفِراقِ أُخرى ، ما أقرَبَ الرَّاحَةَ مِنَ النَّصَبِ والبُؤْسَ مِنَ النَّعيمِ والمَوتَ مِنَ الحياةِ والسَّقَمَ مِنَ الصِّحَّة ، فَطُوبَى لِمَنْ أخلَصَ للّه ِ عَمَلَهُ وعِلْمَهُ وحُبَّه وبُغضَهُ وأخْذَهُ وتَرْكَهُ وكَلامَهُ وصَمْتَهُ وفِعلَهُ وقَوْلَه ، وبَخٍ بَخٍ لِعالِمٍ عَمِل فَجَدَّ ، وخافَ البَياتَ فأعَدَّ واستَعدَّ ، إنْ سُئِل نصَحَ ، وإنْ تُرِكَ صَمَتَ ، كلامُه صَوابٌ ، وسُكوتُهُ مِن غَيرِ عِيٍّ جَوابٌ ، والوَيلُ لِمَن بُلِي بحِرْمانٍ وخِذلانٍ وعِصيانٍ ، فاسْتَحسَن لِنَفسِهِ ما يَكْرَهُهُ مِن غَيرِهِ ، وأزْرَى علَى النَّاسِ بِمِثْلِ ما يَأْتي .
واعلم أيْ بُنَيَّ ، أنَّه مَن لانَت كَلِمَتُهُ وَجَبَت مَحَبَّتُه ، وَفَّقَك اللّه ُ لِرُشْدِكَ ، وجَعَلَكَ
مِن أهْلِ طاعَتِهِ بِقُدْرَتِهِ ، إنَّه جَوادٌ كَرِيمٌ » . ۲