241
مكاتيب الأئمّة ج2

182

وصيّة له عليه السلام إلى الإمام الحسين عليه السلام

۰.[ نقل ابن أبي شُعْبَة في تحف العقول : ] وصيَّته لابنه الحسين عليه السلام ، وهي :« يا بُنَيَّ ، أُوصِيكَ بِتقوى اللّه ِ فِي الغِنى والفَقْرِ ، وكَلِمَةِ الحَقِّ في الرِضا والغَضَبِ ، والقَصْدِ في الغِنى والفَقْرِ ، وبالعَدلِ علَى الصَّدِيقِ والعَدُوِّ ، وبالعَمَلِ في النَّشاطِ والكَسَلِ ، والرِّضا عَنِ اللّه ِ في الشِدَّةِ والرَّخاءِ .
أيْ بُنَيَّ ، ما شَرُّ بعدَه الجَنَّةُ بِشَرٍّ ، ولا خَيْرٌ بعدَه النَّارُ بخَيرٍ ، وكلُّ نَعيمٍ دُونَ الجَنَّةِ مَحْقورٌ ، وكُلُّ بَلاءٍ دونَ النَّارِ عافِيَةٌ .
واعلَمْ أيْ بُنَيَّ ، أنَّه مَن أبْصَرَ عَيبَ نفسِهِ شُغِلَ عَن عَيبِ غَيرهِ ، ومَن تَعَرَّى من لِباسِ التَّقوى لَم يَسْتَتِر بِشَيءٍ مِنَ اللِّباسِ ، ومَن رَضِيَ بِقِسَمِ اللّه ِ لَمْ يَحْزَن على ما فاتَهُ ، ومَن سَلَّ سَيْفَ البَغي قُتِل به ، ومَن حفَر بئرا لأخِيهِ وقَعَ فيها ، ومَن هتَكَ حِجابَ غَيرِهِ انكشَفَتْ عَوْراتُ بيتِهِ ، ومَن نَسِيَ خَطيئَتَهُ اسْتَعْظَمَ خَطيئَةَ غيرِهِ ، ومَن كابَدَ الأمُورَ عَطَبَ ، ومَن اقتَحَمَ الغَمَراتِ غَرِق ، ومَن أُعْجِبَ برأيه ضَلَّ ، ومَن استغْنى بِعقلِهِ زلَّ ، ومَن تَكبَّر على النَّاس ذَلَّ ، ومَن خالَطَ العُلماءَ وُقِّرَ ، ومَن خالَطَ الأنْذالَ حُقِّرَ ، ومَن سَفِهَ على النَّاسِ شُتِمَ ، ومَن دخَلَ مَداخِلَ السَوْء اتُّهِمَ ، ومَن مزَح اسْتُخِفَّ بِهِ ، ومَن أكثَر مِن شيءٍ عُرِف بهِ ، ومَن كَثُرَ كَلامُهُ كَثُرَ خَطؤهُ ، ومَن كَثُرَ خَطؤهُ قلَّ حياؤُه ، ومَن قلَّ حياؤُه قلَّ وَرَعُهُ ، ومَن قلَّ وَرعُهُ ماتَ قَلبُه ، ومَن ماتَ قلبُهُ دَخَلَ النَّارَ .
أيْ بُنَيَّ ، مَن نظَر في عيوب النَّاس ورضِيَ لِنفْسِهِ بها فَذاكَ الأحمَقُ بعَيْنِهِ ، ومَن تفكَّر اعتَبَر ، ومَن اعتبَر اعتزَلَ ، ومَن اعتزَل سَلِمَ ، ومَن تَركَ الشَّهواتِ كانَ حُرَّا ،
ومَن تَرَكَ الحَسَدَ كانَت لَهُ المَحَبَّةُ عِندَ النَّاسِ .
أيْ بُنَيَّ ، عِزُّ المُؤمِنِ غِناهُ عَنِ النَّاسِ ، والقَناعة مالٌ لا يَنْفَدُ ، ومَن أكثرَ ذِكْرَ المَوتِ رضِيَ مِنَ الدُّنيا باليَسيرِ ، ومَن عَلِمَ أنَّ كلامَهُ مِن عَملِهِ قلَّ كلامُه إلاّ فيما يَنفَعُهُ .
أيْ بُنَيَّ ، العَجَبُ مِمَّن يَخافُ العقابَ فلَم يَكُفَّ ، ورَجا الثَّوابَ فَلم يَتُبْ ويَعمَلْ .
أيْ بُنَيَّ ، الفِكرةُ تُورِث نورا ، والغَفلَةُ ظُلمةٌ ، والجهالةُ ضلالةٌ ، والسَّعيد مَن وُعِظَ بِغَيرهِ ، والأدبُ خَيرُ مِيراثٍ ، وحُسْنُ الخُلُقِ خَيرُ قَرينٍ ، ليسَ مَعَ قطيعَةٍ نَماءٌ ، ولا مَعَ الفُجورِ غِنىً .
أيْ بُنَيَّ ، العافية عَشَرةُ أجزاء : تِسعةٌ مِنها فِي الصَّمتِ ، إلاّ بِذكْرِ اللّه ِ ، وواحِدٌ في تَركِ مُجالَسَةِ السُّفهاءِ .
أيْ بُنَيَّ ، مَن تَزَيَّا بِمعاصي اللّه ِ فِي المَجالِسِ أورَثَه اللّه ُ ذُلاًّ ، ومَن طلَب العِلمَ عَلِمَ .
يا بُنَيَّ ، رأسُ العِلمِ الرِّفقُ ، وآفتُهُ الخُرْقُ ۱ ، ومِن كُنوزِ الإيمانِ الصَّبرُ على المصائِبِ ، والعَفافُ زِينَةُ الفَقرِ ، والشُّكرُ زِينَةُ الغِنى ، كَثرةُ الزِّيارَة تُورِثُ المَلالَةَ ، والطَّمأنِينَةُ قَبْلَ الخُبْرةِ ضِدُّ الحَزْمِ ، وإعجابُ المَرءِ بِنَفسهِ يَدُلُّ على ضَعْفِ عَقلِهِ .
أيْ بُنَيَّ ، كمْ نَظْرَةٍ جَلَبت حَسْرةً ، وكم مِن كَلِمَةٍ سَلَبتْ نِعْمةً .
أيْ بُنَيَّ ، لا شرَف أعلَى مِنَ الإسلامِ ، ولا كَرَمَ أعزُّ مِنَ التَّقوى ، ولا مَعقِلَ أحْرَزُ مِنَ الوَرَعِ ، ولا شَفِيعَ أنجَحُ من التَّوبَةِ ، ولا لِباسَ أجمَلُ مِنَ العافِيَةِ ، ولا مالَ أذهَبُ بالفَاقَةِ مِنَ الرِّضا بالقُوتِ ، ومَنِ اقتَصَر على بُلْغَةِ الكَفاف تعَجَّل الرَّاحَةَ وتبَوَّأ خَفْضَ
الدَّعَةِ .
أيْ بُنَيَّ ، الحِرصُ مِفتاحُ التَّعَبِ ، ومَطيَّةُ النَّصَبِ ، وداعٍ إلى التَقَحُّم في الذُّنوبِ والشَّرَهُ جامِعٌ لمساوِئ العُيوبِ ، وكَفاكَ تأديبا لِنفسِكَ ما كَرِهتَه مِن غَيرِكَ ، لِأخِيكَ علَيكَ مِثلُ الَّذي لَكَ عَليهِ ، ومَن تورَّطَ في الأُمورِ بِغَيرِ نَظَرٍ في العواقِبِ فَقد تَعَرَّضَ للنوائِبِ ، التَّدبيرُ قَبلَ العَمَلِ يُؤمِنُكَ النَّدَمَ ، مَن اسْتَقبَل وُجُوهَ الآراءِ عَرَفَ مواقِعَ الخَطاَ ، الصَّبرُ جُنَّةٌ مِنَ الفاقَةِ ، البُخلُ جِلْبابُ المَسْكَنَةِ ، الحِرصُ عَلامَةُ الفَقرِ ، وَصُولُ مُعْدِمٌ خَيرٌ مِن جافٍ مُكْثِرٍ ، لِكُلِّ شيءٍ قُوتٌ ، وابنُ آدَمَ قُوتُ المَوْتِ .
أيْ بُنَيَّ ، لا تُؤيِس مُذنِبا ، فَكَمْ من عاكِفٍ على ذَنبِهِ خُتِمَ لَهُ بِخَيرٍ ، وكمْ مِنْ مُقْبِلٍ على عملِهِ مُفسِدٍ فِي آخِرِ عُمُرِهِ ، صائرٍ إلى النَّار ، نَعوذُ باللّه ِ مِنها .
أيْ بُنَيَّ ، كمْ مِن عاصٍ نَجا ، وكَم من عامِلٍ هَوى ، مَن تَحَرَّى الصِّدقَ خَفَّتْ عَليهِ المُؤَنُ ، فِي خِلافِ النَّفْسِ رُشدُها ، السَّاعاتُ تَنْتَقِصُ الأعمارَ ، وَيلٌ للباغِينَ مِن أحكَمِ الحاكِمينَ ، وعالِمِ ضَمِيرِ المُضْمِرِينَ .
يا بُنَيَّ ، بِئسَ الزَّادُ إلى المَعادِ العُدوانُ علَى العِبادِ ، في كُلِّ جُرْعَة شَرَقٌ ، وفي كُلِّ أُكْلَةٍ غَصَصٌ ، لن تُنالَ نِعمَةٌ إلاَّ بفِراقِ أُخرى ، ما أقرَبَ الرَّاحَةَ مِنَ النَّصَبِ والبُؤْسَ مِنَ النَّعيمِ والمَوتَ مِنَ الحياةِ والسَّقَمَ مِنَ الصِّحَّة ، فَطُوبَى لِمَنْ أخلَصَ للّه ِ عَمَلَهُ وعِلْمَهُ وحُبَّه وبُغضَهُ وأخْذَهُ وتَرْكَهُ وكَلامَهُ وصَمْتَهُ وفِعلَهُ وقَوْلَه ، وبَخٍ بَخٍ لِعالِمٍ عَمِل فَجَدَّ ، وخافَ البَياتَ فأعَدَّ واستَعدَّ ، إنْ سُئِل نصَحَ ، وإنْ تُرِكَ صَمَتَ ، كلامُه صَوابٌ ، وسُكوتُهُ مِن غَيرِ عِيٍّ جَوابٌ ، والوَيلُ لِمَن بُلِي بحِرْمانٍ وخِذلانٍ وعِصيانٍ ، فاسْتَحسَن لِنَفسِهِ ما يَكْرَهُهُ مِن غَيرِهِ ، وأزْرَى علَى النَّاسِ بِمِثْلِ ما يَأْتي .
واعلم أيْ بُنَيَّ ، أنَّه مَن لانَت كَلِمَتُهُ وَجَبَت مَحَبَّتُه ، وَفَّقَك اللّه ُ لِرُشْدِكَ ، وجَعَلَكَ
مِن أهْلِ طاعَتِهِ بِقُدْرَتِهِ ، إنَّه جَوادٌ كَرِيمٌ » . ۲

1.الخُرْق : الشدَّة .

2.تحف العقول : ص۸۸ ـ ۹۱ ، بحار الأنوار : ج۷۷ ص۲۳۶ وراجع : نزهة الناظر : ص۶۱ ح۴۳ .


مكاتيب الأئمّة ج2
240

۰.[ وروى في البحار ] وصيَّة له عليه السلام إلى السِّبط الأكبر الإمام الحسن المجتبى عليه السلام :« يا بُنَيَّ ، إذا نزَل بِكَ كَلَبُ الزَّمانِ ۱ وقَحْطُ الدَّهْرِ ، فعلَيكَ بِذَوي الأُصُولِ الثَّابِتَةِ ، والفُروعِ النَّابِتَةِ ، مِن أهْلِ الرَّحْمَةِ والإيثارِ والشَّفَقَةِ ، فإنَّهم أقضى للحاجاتِ ، وأمضى لِدَفعِ المُلِمَّاتِ .
وإيَّاكَ وطلَبَ الفَضلِ ، واكتِسابَ الطَّساسِيجِ ۲ والقَرارِيط ۳ ، من ذَوي الأكُفِّ اليابِسَةِ ، والوُجُوهِ العابِسَةِ ، فإنَّهم إن أعْطَوْا مَنُّوا ، وإن مَنَعُوا كَدُّوا ۴ . ثُمَّ أنْشأ يقولُ :
واسْأَلِ العُرْفَ إن سألْتَ كَرِيمالَم يَزَلْ يَعرِفُ الغِنى واليَسارا
فَسُؤالُ الكَرِيمِ يُورِثُ عِزَّاوسُؤَالُ اللَّئيمِ يُورِثُ عارَا
وإذا لَمْ تَجِدْ مِنَ الذُلِّ بُدَّافالْقَ بالذُلِّ إن لَقِيتَ الكِبارا
لَيسَ إجْلالُك الكَبِيرَ بِعارٍإنَّما العارُ أنْ تُجِلَّ الصِّغارا » .۵

1.كلْب الزَّمان : شدته ( الصحاح ) .

2.الطساسيج : جمع طسّوج ، وهو جزء من أجزاء الدانق العملة المعروفة . ( الصحاح ـ طسج ـ ) .

3.القراريط : جمع القيراط ، وهو نصف دانق . وعند اليونايين القيراط : حبة خرنوب ونصف دانق . والدرهم عندهم اثنتا عشرة حبة . وقيل : القيراط بمكة : ربع سدس دينار . وفي العراق نصف عشره . وأهل الشَّام يجعلونه جزءا من أربعة وعشرين . وأصل القيراط : قراط ـ بالتشديد ـ فأبدل احد حرفي تضعيفه ياءً كما ابدلوا في دينار ، ولذلك يجمع على قراريط ، كما يجمع الدينار على دنانير .

4.أكديتُ الرجُلَ عن الشّيء رددتهُ عنه .

5.أعلام الدين : ص۲۷۴ ، بحار الأنوار : ج۹۶ ص۱۵۹ ح۳۸ .

  • نام منبع :
    مكاتيب الأئمّة ج2
    المساعدون :
    فرجي، مجتبي
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دارالحديث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 95374
الصفحه من 528
طباعه  ارسل الي