183
كتابه عليه السلام للحسن عليه السلام
۰.روى في الدَّعائم : عن عليّ بن الحسين ومحمَّد بن عليّ عليهماالسلام ، أنَّهما ذَكرَا وصيَّة عليَّ عليه السلام ، فقالا :أوصَى إلى ابنه الحَسَنِ ، وأشهدَ على وصيَّتِهِ الحُسينَ ومُحَمَّدا وجَميعَ وَلَدِهِ ورُؤساءَ شيعتهِ وأهلَ بَيتهِ ، ثُمَّ دفع الكتابَ إليه والسِّلاحَ ، ثُمَّ قال له :
أمَرَنِي رسول اللّه صلى الله عليه و آله أنْ أُوصِي إليكَ ، وأنْ أَدْفَع إليْك كُتُبي وسِلاحي ، كما أوْصَى إليَّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ودَفَعَ إليَّ كُتُبَه وسِلاحَه ، وأمَرَنِي أن آمُرَك إذا حَضَرَك المَوْتُ ، أن تَدْفَع ذلك إلى أخِيك الحُسَيْن ـ ثُمَّ أقبل عَلى الحُسَين ، فقال : ـ
وأمَرَك رَسُولُ اللّه ِ أنْ تدفَعَهُ إلى ابنِكَ هذا .
ـ ثُمَّ أخَذَ بِيَد ابنه عليّ بن الحُسَين فَضَمهُ إليه ، فقال له :ـ يا بُنَيَّ ، وأمَرَك رسولُ اللّه صلى الله عليه و آله أن تَدْفَعَه إلى ابنِك مُحَمَّد ، فاقْرئهُ من رسول اللّه صلى الله عليه و آله ومِنِّي السَّلام ، ـ ثُمَّ أقبلَ إلى ابنِه الحسَن فقال : ـ يا بُنَيَّ أنتَ وَلِيُّ الأمرِ ، ووَلِيُّ الدَّمِ ، فإنْ عَفَوْتَ فلَكَ ، وإن قَتَلْتَ فَضَرْبَةً مَكَانَ ضَرْبَةٍ ، ولا تَأْتُم ۱ .
۰.وكان قبلَ ذلك قد خصَّ الحسَن والحسَين عليهماالسلام بوصيَّة أسرَّها إليهما ، كَتَب لهما فيها أسماء الملوك في هذه الدُّنيا ، ومدَّة الدُّنيا وأسماء الدُّعاة إلى يوم القيامة ،
ودفع إليهما كتاب القرآن وكتاب العلم ، ثُمَّ لمَّا جمع النَّاس ، قال لهما : ما قال ، ثُمَّ كتب كتاب وصيَّة ، وهو :« بِسْمِ اللّه ِ الرَّحْمن الرَّحِيمِ
هذا ما أوْصَى بِهِ عَبدُ اللّه ِ عليُّ بنُ أبي طالبٍ لآخِرِ أيَّامِه مِنَ الدُّنيا ، وهو صائِرٌ إلى بَرْزَخِ المَوْتَى والرَحِيل عَنِ الأهْل والأخِلاَّء .
وهُو يَشْهَد أن لا إلهَ إلاَّ اللّه ُ ، وَحْدَه لا شَريِك لَهُ ، وأنَّ محمَّدا عبْدُه ورسولُه وأميِنُهُ ، صَلواتُ اللّه عليْه وعلى آلِهِ وعلَى إخوانِهِ المُرسَلِينَ وذُرِّيِتِهِ الطَّيِّبِينَ ، وجَزى اللّه ُ عنَّا مُحَمَّدا أفْضلَ ما جَزى نَبِيَّا عن أُمَّتِه .
وأُوصِيك يا حَسَنُ ، وجميعَ مَن حَضَرَنِي من أهلِ بَيْتِي ووَلَدِي وشِيعَتِي بتقْوَى اللّه ِ ، ولا تَمُوتُنَّ إلاَّ وأنتُم مسْلِمونَ ، واعْتَصِموا بِحَبْلِ اللّه ِ جَميعا ولا تَفَرَّقُوا ، فإنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللّه ِ صلى الله عليه و آله يقولُ : صَلاحُ ذاتِ البَيْن أفضَلُ مِن عامَّةِ الصَّلاةِ والصَّومِ .
وأُوصِيكُم بالعَمَلِ قبْلَ أن يُؤْخَذَ مِنكُم بالكَظْمِ ، وباغتِنامِ الصِحَّةِ قَبْلَ السُّقْمِ ، وقبْلَ « أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَحَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطتُ فِى جَنبِ اللَّهِ وَ إِن كُنتُ لَمِنَ السَّخِرِينَ »۲ ، أو تقولُ : لوْ أنَّ اللّه هَدانِي لَكنتُ من المُتَّقِين ، وأنَّى ، ومِن أيْنَ ، وقدْ كُنتَ لِلهَوى مُتَّبِعَا ، فيُكْشَفُ عن بَصَرِهِ ، وتُهْتَكُ لَهُ حُجُبُهُ ، لِقَولِ اللّه ِ عز و جل : « فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَـآءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ »۳ ، أنَّى لَهُ البَصَر ، ألا أبْصَرَ قبْلَ هذا الوَقْتِ الضَّرَرَ ، قبْلَ أن تُحْجَب التَّوْبَةُ بِنُزُول الكُرْبَةِ فَتَتَمنَّى النَّفسُ أن لوْ رُدَّتْ لِتَعمَل بتقْواها ، فلا يَْنَفُعها المُنى .
وأوصِيكم بمُجانَبَة الهَوى ، فإنَّ الهَوى يَدْعُو إلى العَمى ، وهُو الضَّلالُ في الآخِرَةِ والدُّنيا .
وأُوصِيكُم بالنَّصيْحةِ للّه ِ عز و جل ، وكَيْفَ لا تَنْصَحُ لِمَن أخرَجَكَ مِن أصَلابِ أهلِ الشِّركِ ، وأنْقَذَك من جُحُودِ أهلِ الشَّكِّ ، فاعبُدهُ رَغْبَةً ورَهْبةً ، وما ذاكَ عِندَهُ بِضائِعٍ .
وأُوصِيكم بالنَّصيحَةِ للرَّسولِ الهادِي مُحمَّدٍ صلى الله عليه و آله ، ومِنَ النَّصيحَةِ لَهُ أن تَؤَدُّوا إليْهِ أجْرَهُ ، قالَ اللّه ُ عز و جل : « قُل لاَّ أَسْـئلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِى الْقُرْبَى »۴ ، ومَن وَفَّى مُحَمَّدا أجْرَه بمَوَدَّة قَرابَتِهِ ، فقدْ أدَّى الأمانَةَ ، ومَن لَم يُؤَدِّها كان خَصْمَهُ ، ومَن كانَ خصْمَهُ خَصَمَهُ ، ومَن خَصَمَه فَقد باءَ بغَضَبٍ مِنَ اللّه ِ ، ومأواهُ جَهَنَّمُ ، وبِئسَ المَصيرُ .
يا أيُّها النَّاس ، إنَّه لا يُحَبُّ محمَّدٌ إلاَّ للّه ، ولا يُحَبُّ آلُ مُحمَّد إلاَّ لِمُحَمَّدٍ ، ومَن شاء فليُقْلِل ، ومَن شاءَ فلْيُكْثِر ، وأُوصيكم بمَحَبَّتِنا والإحْسان إلى شِيعَتِنا ، فمَن لم يفْعل فليس منَّا .
وأُوصِيكُم بأصحاب مُحمَّدٍ ، الَّذِين لم يُحْدِثوا حَدَثا ، ولمْ يُؤوُوا مُحْدِثا ، ولم يمنَعوا حَقَّا ، فإنَّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قَد أوْصانا بهم ، ولَعَن المُحْدِث مِنهُم ومِن غَيرِهِم .
وأُوصِيكم بالطَّهارةِ الَّتي لا تَتِمُّ الصَّلاة إلاَّ بِها ، وبالصَّلاة الَّتي هِيَ عمودُ الدِّينِ ، وقِوامُ الإسلام ، فَلا تَغْفُلُوا عَنها ، وبالزَّكاة الَّتي بِها تَتِمُّ الصَّلاةُ ، وبِصَوْمِ شَهرِ رَمضَانَ ، وحِجِّ البَيْتِ ( الحَرام ) ، من استطاعَ إليهِ سبيلاً ، وبالجِهادِ في سبيلِ اللّه ِ ، فإنَّه ذُرْوَةُ الأعمالِ وعِزُّ الدِّين والإسلامِ ، والصَّومِ فَإنَّهُ جُنَّةٌ من النَّار ، وعليْكم بالمُحافَظَة على أوقات الصَّلاة ، فليس منِّي مَن ضَيَّع الصَّلاةَ .
وأُوصِيكُم بصَلاةِ الزَّوالِ فَإنَّها صَلاةُ الأوَّابين .
وأُوصِيكم بأربع رَكَعات بعدَ صَلاة المَغرب فلا تَتْرُكوهُنَّ ، وإن خِفْتُم عَدوَّا .
وأُوصِيكم بقِيامِ اللَّيلِ مِن أوَّلِهِ إلى آخِرِهِ ، فإنْ غَلَبَ عليْكُم النَّومُ ففي آخِرِهِ ، ومَن مُنِعَ بِمَرَضٍ فإنَّ اللّه َ يَعذِرُ بالعُذْرِ ، وليس منِّي ولا مِن شيعتِي مَن ضَيَّع الوِتْرَ ، أو مَطَلَ بِرَكعَتي الفجرِ .
ولا يَرِدُ على رسول اللّه صلى الله عليه و آله مَن أكل مالاً حَراما ، لا واللّه ِ ، لا واللّه ِ ، لا واللّه ِ ، ولا يَشْرَبُ مِن حَوْضِهِ ، ولا تَنالُهُ شَفاعَتُهُ ، لا واللّه ِ ، ولا مَن أدَمَن شَيئا مِن هذهِ الأشْربَةِ المُسْكِرَةِ ، ولا مَن زَنَى بمُحْصَنَةٍ ، لا واللّه ِ ، ولا مَن لم يَعْرِف حَقِّي ، ولا حقَّ أهلِ بيتي ، وهي أوْجَبُهنَّ ، لا واللّه ِ ، ولا يَرِدُ عليهِ مَن اتَّبع هَواهُ ، ولا مَن شَبَعَ وجَارُهُ المُؤمِنُ جائِعٌ ، ولا يَرِدُ علَيهِ مَن لم يكُن قَوَّاما للّه ِِ بالقِسْطِ .
إنَّ رَسُولَ اللّه ِ صلى الله عليه و آله عَهِدَ إليَّ ، فقالَ : يا عليُّ ، مُرْ بالمَعروفِ ، وإنْهَ عَنِ المُنكَرِ بِيَدِكَ ، فإنْ لم تَسْتَطِعْ فبِلسانِكَ ، فإنْ لم تَسْتَطع فَبِقلبِكَ ، وإلاَّ فلا تَلُومَنَّ إلاَّ نَفسَكَ .
وإيَّاكم والغَيْبَةَ ، فإنَّها تَحْبِطُ الأعمالَ ، صِلوا الأرحامَ ، وأفْشُوا السَّلامَ ، وصَلُّوا والنَّاسُ نِيامٌ .
وأُوصيكم يا بَنِي عَبدِ المُطَّلِب خاصَّةً ، أنْ يَتَبَيَّنَ فَضْلُكُم على مَن أحسَنَ إليْكُم ، وتصديقِ رَجاءِ مَن أمَّلَكُم ، فإنَّ ذلِكُم أشْبَهُ بِأنسابِكُم .
وإيَّاكم والبُغْضَةَ لِذَوِي أرحامِكُم المُؤمِنينَ ، فإنَّها الحالِقَةُ للدِّينِ ، وعليْكُم بِمُداراةِ النَّاسِ ، فإنَّها صَدَقةٌ ، وأكْثِروا مِن قَوْلِ لا حَوْلَ ولا قُوَّةَ إلاَّ باللّه ِ العَلِيِّ العظِيمِ ، وعَلِّموها أطفالَكُم ، وأسرِعُوا بخِتانِ أوْلادِكم ، فَإنَّهُ أطْهَر لَهُم ، ولا تَخْرُجَنَّ مِن أفواهِكُم كِذْبَةً ما بَقيِتُم ، ولا تَتكلَّمُوا بالفُحْشِ ، فَإنَّهُ لا يَلِيقُ بِنا ولا بشِيعَتِنا ، وإنَّ الفاحِشَ لا يَكونُ صَدِيقا ، وإنَّ المُتَكَبِّرَ مَلْعُونٌ ، والمتواضِعَ عِندَ اللّه ِ مَرْفُوعٌ .
وإيَّاكُم والكِبْرَ ، فَإنَّهُ رِداءُ اللّه ِ عز و جل ، فَمَن نازَعَهُ رِداءَهُ قَصَمَهُ اللّه ُ .
واللّه َ اللّه َ فِي الأيتامِ ، فلا يَجُوعُنَّ بِحَضْرَتِكُم .
واللّه َ اللّه َ في ابن السَبيل ، فلا يَسْتَوحِشنَّ من عَشِيرَتِه بمَكانِكم .
واللّه َ اللّه َ في الضَّيْفِ ، لا يَنْصَرِفَنَّ إلاَّ شاكِرا لَكُم .
واللّه َ اللّه َ في الجِهادِ للأَنفُسِ ، فهي أعدى العَدوِّ لَكُم ، فإنَّه قالَ اللّه ُ تبارَكَ وتَعالى : « إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّى »۵ ، وإنَّ أوَّلَ المعاصِي تَصدِيقُ النَّفسِ ، والرُّكُونُ إلى الهَوَى .
واللّه َ اللّه َ ، لا تَرغَبوا في الدُّنيا ، فإنَّ الدُّنيا هي رأسُ الخطايا ، وهِي مِن بَعدُ إلى زَوالٍ .
وإيَّاكُم والحَسدَ ، فإنَّه أوَّل ذَنبٍ كان مِنَ الجِنِّ قَبْلَ الإنْسِ .
وإيَّاكُم وتَصدِيقَ النِّساءِ ، فإنَّهنَّ أخْرَجْنَ أباكُم مِنَ الجَنَّةِ ، وصَيَّرْنَه إلى نَصَبِ الدُّنيا .
وإيَّاكم وسوءَ الظَّنِّ ، فإنَّه يَحْبِط العَمَلَ ، و « اتَّقُواْ اللَّهَ وَ قُولُواْ قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَـلَكُمْ وَ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ »۶ ، وعليْكم بطاعَة مَن لا تُعْذَرون في تَركِ طاعَتِهِ ، وطاعَتِنا أهلَ البَيتِ ، فقد قَرَن اللّه ُ طاعَتَنا بطاعَتِهِ وطاعَةَ رَسُولِهِ ، ونَظَمَ ذلك في آيةٍ مِن كتابِهِ ، منَّا مِنَ اللّه ِ عَلينا وعلَيكُم ، وأوجَبَ طاعَتَهُ وطاعَةَ رَسولِهِ وطاعَةَ وُلاةِ الأمرِ مِن آلِ رَسُولِهِ ، وأمَرَكم أن تَسْألوا أهلَ الذِّكْرِ ، ونحنُ واللّه ِ أهلُ الذِكْرِ ، لا يُدَّعي ذلِكَ غيرُنا إلاَّ كاذِبا ، يُصَدِّقُ ذلِكَ قَولُ اللّه ِ عز و جل : « قَدْ أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا *
رَّسُولاً يَتْلُواْ عَلَيْكُمْ ءَايَتِ اللَّهِ مُبَيِّنَتٍ لِّيُخْرِجَ الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَ عَمِلُواْ الصَّـلِحَتِ مِنَ الظُّـلُمَتِ إِلَى النُّورِ »۷ ، ثُمَّ قال : « فَسْـئلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ »۸ ، فنَحنُ أهلُ الذِكْر ، فاقْبَلوا أمرَنا ، وانْتَهوا عمَّا نَهيْنا ، ونَحنُ الأبوابُ الَّتي أُمرْتُم أن تأتُوا البُيوتَ مِنها ، فنَحْنُ واللّه ِ ، أبوابُ تِلكَ البُيُوتِ ، ليسَ ذلِكَ لِغَيرِنا ، ولا يَقولُهُ أحَدٌ سِوانا .
وأيُّها النَّاس ، هل فيكم أحدٌ يَدَّعِي قِبَلي جَوْرا في حكْمٍ ، أو ظُلمْا في نفْس ، أو مالٍ ، فليَقمْ أُنْصِفْه من ذلِكَ .
فقام رجلٌ من القوم ، فأثْنى ثَناءً حسَنا عَليهِ ، وأطراه وذكَر مناقِبَهُ في كلام طويل ، فقال عليّ عليه السلام :
أيُّها العَبدُ المُتكَلِّمُ ، ليسَ هذا حِينَ إطْراءٍ ، وما أُحِبُّ أن يَحْضُرَني أحدٌ في هذا المَحْضَر بِغَيرِ النَّصِيحَةِ ، واللّه ُ الشَّاهِدُ على مَن رَأى شيْئا يَكْرَهُهُ فلم يُعَلمْنِيه ، فَإنِّي أُحِبُّ أن أسْتَعْتِب من نفسِي قَبلَ أن تَفُوتَ نَفْسِي ، اللَّهمَّ إنَّك شَهِيدٌ ، وكفى بِكَ شَهِيدا ، إنِّي بايَعتُ رَسُولَكَ وحُجَّتَكَ في أرضِكَ مُحمَّدا صلى الله عليه و آله ، أنَا وثَلاثَةٌ مِن أهْلِ بَيتي علَى ألاّ نَدَعَ للّه ِِ أمرا إلاَّ عَمِلْناهُ ، ولا نَدَعَ لَهُ نهيْا إلاَّ رَفَضْناهُ ، ولا وَليَّا إلاّ أحببْناه ، ولا عَدوَّا إلاَّ عاديناه ، ولا نُولِّي ظُهُورَنا عَدُوَّا ، ولا نَمِلَّ عَن فَريضَةٍ ، ولا نَزْدادَ للّه ِ ولِرَسولِهِ ، إلاَّ نصيْحَةً ، فَقُتِلَ أصحابِي ـ رَحمَةُ اللّه ِ ورِضوانُهُ علَيْهِم ـ وكُلُّهُم مِن أهلِ بَيتي : عُبَيْدَةُ بنُ الحارِثِ( رحمه الله ) ، قُتِل ببَدْر شهيِدا ، وعَمِّي حمْزَةُ قتِل يَومَ أُحُدٍ شهيدا رحْمَةُ اللّه عَليهِ ورضوانُهُ ، وأخي جَعفَرٌ قتِل يومَ مُؤتَةَ شَهيدا رحمةُ اللّه عليه ، فأنزل اللّه ُ فيَّ وفي أصحابي ، « مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُواْ مَا عَهَدُواْ اللَّهَ
عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَ مِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَ مَا بَدَّلُواْ تَبْدِيلاً »۹ ، أنَا واللّه المنْتَظِر ، ما بَدَّلَت تبديلاً ، ثُمَّ وَعَدَنا بِفَضلِهِ الجَزاءَ ، فقال : « قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَ بِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ »۱۰ ، وقَد آنَ لِي فِيما نَزَلَ بي أن أفْرَحَ بِنِعمَةِ رَبِّي .
فأثْنَوا عليه خَيْرا وبَكَوا ، فقال :
أيُّها النَّاس أنَا أحِبُّ أن أُشهِد عليْكم ألاّ يَقومَ أحَدٌ ، فيقولَ أرَدتُ أن أقولَ فخِفْتُ ، فقد أعْذَرتُ بيني وبينكم ، اللَّهمَّ إلاَّ أن يكون أحَدٌ يرِيد ظُلمِي والدَّعوَى عَليَّ بِما لَم أجْنِ ، أمَا إنِّي لم أسْتَحِلَّ مِن أحَدٍ مالاً ، ولم أسْتَحلَّ مِن أحَدٍ دَما بِغَيرِ حِلِّهِ ، جاهدْتُ مَع رسُولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله بأمْرِ اللّه ِ وأمرِ رَسولِهِ ، فلمَّا قَبَض اللّه ُ رَسُولَهُ جاهدتُ مَن أمَرَنِي بجهادِهِ مِن أهلِ البَغيِ ، وسمَّاهُم لي رَجُلاً رَجُلاً ، وحَضَّني على جِهادِهِم ، وقال : يا عليُّ تقاتِلُ النَّاكِثينَ ، وسمَّاهم لِي ، والقاسِطينَ ، وسَمَّاهُم لِي ، والمارِقينَ ، وسمَّاهم لِي ، فلا تَكثُر مِنكُمُ الأقوالُ ، فَإنَّ أصْدَقَ ما يكونُ المَرءُ عِندَ هذا الحالِ :
فقالوا خَيرا ، وأثْنَوا بِخَيرٍ وبَكَوا ، فقال للحسن :
يا حَسَنُ ، أنتَ وليُّ دَمِي وهو عندك ، وقد صَيَّرتُهُ إليكَ ( يعني ابن ملجم لعنة اللّه عليه ) ، ليس لِأحَدٍ فِيهِ حُكْمٌ ، فَإنْ أردتَ أن تَقتُلَ فاقْتُل ، وإن أردْتَ أن تَعفُو فاعفُ ، وأنت الإمامُ بَعدِي ، ووارثُ عِلمِي ، وأفْضلُ مَن أتْرُكُ بعدي ، وخَيرُ مَن أُخلِّفُ مِن أهلِ بَيتي ، وأخوكَ ابنُ أُمِّكَ ، بَشّرَكُما رسولُ اللّه صلى الله عليه و آله بالبُشْرى ، فأبْشِرا بِما بَشَّرَكُما ، واعْمَلا للّه ِِ بالطَّاعَةِ ، فاشْكُراهُ عَلى النِّعْمَةِ .
ثُمَّ لم يَزَل يقول عليه السلام :
اللَّهمَّ اكفِنا عَدُوَّك الرَّجيم ، اللَّهمَّ إنِّي أُشهِدُك أنَّك لا إلهَ إلاَّ أنتَ ، وأنَّك الواحِدُ ، الصَّمَدُ ، لم تَلِد ، ولَم تُولَد ، ولم يَكُن لكَ كُفُوا أحَدٌ ، فلَكَ الحَمدُ ، عدَدَ نَعْمَائِك لَدَيَ ، وإحسانِك عِندي ، فاغْفِر لِي ، وارحَمْنِي ، وأنتَ خَيرُ الرَّاحِمينَ .
ولم يزَل يقول عليه السلام :
لا إلهَ إلاَّ اللّه ُ ، وحْدَكَ لا شريك لك ، وأنَّ محمَّدا عبدُك ورَسُولُك ، عُدَّةً لِهذا المَوْقِفِ وما بَعدَهُ مِنَ المواقِفِ ، اللَّهمَّ أجْزِ مُحَمَّدا عَنَّا خَيْرا ، وأجْزِ محمَّدا عنَّا خَيْرَ الجَزاء ، وبلِّغْه مِنَّا أفضلَ السَّلامِ ، اللَّهمَّ ألحقنِي بهِ ، ولا تَحُل بَيني وَبيْنَهُ ، إنَّك سميعُ الدُّعاءِ ، رَؤوفٌ رَحِيمٌ .
ثُمَّ نظَر إلى أهل بيته ، فقال :
حَفِظَكم اللّه ُ مِن أهْلِ بَيتٍ ، وحَفِظَ فِيكُم نَبيَّكُم ، وأسْتَوْدِعُكم اللّه َ ، وأقرأَ عليْكم السَّلامُ .
ثُمَّ لم يَزَل يقولُ :
لا إلهَ إلاَّ اللّه ُ ، مُحمَّدٌ رَسُولُ اللّه ِ » .