251
مكاتيب الأئمّة ج2

حتَّى قُبِض صلوات اللّه عليه ورحمته ورضوانه ، ليلةَ إحدى وعِشرين من شَهر رمضان ، سَنَة أربعين من الهِجرة . ۱
[ أقول : ونقل له عليه السلام أيضا وصايا لأصحابه وأولاده ، ولا بأس بنقل بعضها :
نقل في نهج السَّعادة عن دستور معالم الحكم : ]
قال القُضاعي : لمَّا ضُربَ أمير المؤمنين عليه السلام ، اجتمع إليه أهل بيته وجَماعة من خاصَّة أصحابه ، فقال :
« الحمْدُ للّه ِ الَّذي وَقَّتَ الآجالَ ، وقَدَّر أرزاقَ العِبادِ ، وجعَلَ لِكُلِّ شَيءٍ قَدْرا ، ولَم يُفَرِّط في الكتاب مِن شَيءٍ ، فقالَ :« أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِى بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ »۲، وقال عز و جل :« قُل لَّوْ كُنتُمْ فِى بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ »۳، وقال عز و جل لنبيِّه صلى الله عليه و آله :« وَ أْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَآ أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ »۴.
لقد خبَّرَنِي حَبِيبُ اللّه ، وخِيَرَتُه من خلقه ، وهو الصَّادِقُ المَصْدُوقُ عن يَومِي هذا ، وعَهِد إليَّ فيهِ ، فقال : يا عليُّ ، كيفَ بِكَ إذا بقيتَ في حُثالَةٍ۵مِنَ النَّاسِ ، تَدعُو فَلا تُجابُ ، وتَنْصَحُ عَنِ الدِّينِ فلا تُعانُ .
وقد مالَ أصحابُكَ ، وشَنَفَ لَكَ نُصَحاؤُكَ ، وكان الَّذي مَعكَ أشدُّ عليْكَ مِن عَدُوِّكَ إذا اسْتَنْهَضْتَهم صَدُّوا مُعرضِينَ ، وإنِ اسْتَحْثَثْتَهم أدْبَروا نافِرينَ ، يَتَمَّنونَ فَقْدَك لِما يرَوْن من قِيامِكَ بِأَمْرِ اللّه ِ عز و جل ، وصَرْفِك إيَّاهُم عَنِ الدُّنيا ، فَمِنهُم مَن قد حَسَمْتَ طَمَعَهُ فهُو كاظِمٌ علَى غَيْظِهِ ، ومِنهُم مَن قَتَلْتَ أُسْرَتَه فهو ثائِرٌ متربّصٌ بِكَ رَيْبَ المَنونِ ، وصُرُوفِ النَّوائِبِ ، وكُلُّهم نَغِلُ الصَّدرِ ، ملْتَهِبُ الغَيْظِ ، فَلا تَزالُ فِيهِم كذلِكَ حَتَّى يَقتُلوكَ مكْرا ، أو يُرْهِقُوك شَرَّا ، وسَيُسَمُّونَك بأسماءَ قَد سمَّونِي بِها ،
فَقالُوا : كاهِنٌ ، وقالُوا سَاحِرٌ ، وقالوا كَذَّابٌ مُفْتَرٍ ، فاصْبِر ، فإنَّ لَكَ فِيَّ أسْوَةٌ .
وبذلك أمَرَ اللّه ُ ، إذ يقولُ :« لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ »۶.
يا عليُّ ، إنَّ اللّه َ عز و جل أمرَنِي أن أُدنِيَكَ ولا أُقْصِيَكَ ، وأن أُعَلِّمَكَ ولا أُهْمِلَكَ ، وأن أُقَرِّبَكَ ولا أجْفُوكَ . فهذِه وصيَّتُه إليَّ ، وَعهْدُه لِي .
ثُمَّ إنِّي أُوصِيكُم أيُّها النَّفَرُ ، الَّذينَ قَامُوا بِأمرِ اللّه ِ ، وذَبُّوا عَن دِينِ اللّه ِ ، وجَدُّوا في طَلَبِ حُقُوقِ الأرامِلِ والمساكِينَ ، أُوصِيكُم بَعدِي بالتَّقوى ، وأُحَذِّرُكُم الدُّنيا والاغْتِرارِ بزِبرِجِها وزُخرُفِها ، فَإنَّها مَتاعُ الغُرورِ ، وجانِبوا سَبِيلَ مَن رَكَنَ إليْها ، وطَمَست الغَفْلةُ على قُلوبِهِم ، حَتَّى أَتاهُم مِنَ اللّه ِ ما لَم يَحْتَسِبُوا . وأُخِذُوا بَغْتَةً وهُم لا يشْعرُونَ .
وقد كان قبْلَكُم قَومٌ خلَفوا أنبياءَهُم باتِّباعِ آثارِهِم ، فَإنْ تمسَّكْتُم بِهَديهِم ، واقتَدَيتُم بِسُنَّتِهِم لَمْ تُضِلُّوا .
إنَّ نبِيَّ اللّه ِ صلى الله عليه و آله خلَّف فِيكُم كِتابَ اللّه ِ ، وأهلَ بَيتِهِ ، فَعِندَهُم عِلمُ ما تَأتُونَ وما تتَّقونَ ، وهُمُ الطَّريقُ الواضِحُ ، والنُّورُ اللائِحُ ، وأركانُ الأرضِ القوَّامُونَ بالقِسطِ ، بِنُورهِم يُستَضاءُ ، بِهَديِهِم يُقتَدى ، من شَجَرةٍ كَرُمَ مَنْبَتُها ، فَثَبَتَ أصلُها ، وبَسَقَ فَرْعُها ، وطابَ جَناها ، نبَتتْ فِي مُستَقرِّ الحَرَمِ ، وسُقِيت ماءَ الكرَمِ ، وَصَفَتْ مِنَ الأقذاءِ والأدناسِ ، وتُخُيِّرت مِن أطيَبِ مَواليدِ النَّاسِ ، فَلا تَزولوا عَنهُم فَتَفرَّقوا ، ولا تَتَحرَّفوا عَنهُم فتَمَزَّقُوا ، والزَموهُم تَهتَدوا وتَرشُدوا ، واخْلُفوا رَسولَ اللّه ِ صلى الله عليه و آله فِيهِم بأحسَنِ الخِلافَةِ ، فَقَدْ أخبرَكُم أنَّهما لَن يَفتَرِقا حَتَّى يَرِدا علَيَّ الحَوضَ ، أعْني كتابَ
اللّه ِ وذرِّيَّتَهُ .
أستودِعُكم اللّه َ الَّذي لا تَضِيعُ ودائِعُهُ ، بلَّغَكُم اللّه ُ ما تأمُلونَ ، ووَقاكُم ما تَحذَرونَ .
اقرؤوا على أهلِ مَودَّتي السَّلامَ ، والخَلَفِ وخَلَفِ الخَلَفِ ، حفِظَكم اللّه ُ ، وحَفِظَ فِيكم نَبِيَّكُم ، والسَّلامُ » .۷
ثُمَّ نقل وصيّته عليه السلام للمؤمنين بآل النَّبِيّ صلى الله عليه و آله بصورة أُخرى ، وهي :
« وفِيكُم مَن يَخْلُفُ مِنْ نَبِيِّكُم صلى الله عليه و آله ما إن تمسَّكْتُم بهِ لَن تضِلُّوا ، هُمُ الدُّعاةُ ، وهُمُ النَّجاةُ ، وهُمْ أركانُ الأرضِ ، وهُمُ النُّجومُ ، بِهِم يُسْتَضاءُ ، مِن شَجَرةٍ طابَ فَرعُها ، وَزيْتونَهٍ طابَ ( بُورِكَ ) أصلُها ، نَبَتت في الحَرَمِ ، وسُقِيت مِنْ كرَم إلى خَيْرِ مُستوْدَعٍ ، مِن مُبارَكٍ إلى مُبارَكٍ ، صَفَت مِنَ الأقْذارِ والأدناسِ ، ومِن قبيح مأنَبَه شِرار النَّاس ، لَها فرُوعٌ طِوالٌ ، وَثمَرٌ لا تُنالُ ، حَسِرَت عَن وصْفِها وصفاتِها الألسُنُ ، وَقصُرَت عن بُلوغِها الأعناقُ ، فَهُم الدُّعاةُ ، وهُمُ النَّجاةُ ، وبالنَّاسِ إليهِم الحَاجَةٌ ، فاخْلُفوا رَسُولَ اللّه ِ صلى الله عليه و آله فيهِم بأحسَنِ الخِلافَةِ ، فَقَدْ أخبرَكُم أيُّها الثَّقلانِ أنَّهما لَن يَفْتَرِقا ، هُم والقُرآنُ ، حَتَّى يرِدَا عليَّ الحَوضَ ، فالزَموهُم تهتَدوا وترشُدوا ، ولا تتفرَّقوا عنهم ، فتفرَّقوا وتمزَّقوا »۸.

ولنكتف بنقل هذا المقدار ، وللقارئ الكريم أن يراجع مضانَّ هذه الروايات ، كنهج البلاغة ، ومروج الذَّهب والكافي والبحار ۹ .

1.دعائم الإسلام : ج۲ ص۳۴۸ ـ ۳۵۵ ح۱۲۹۷ وراجع : الكافي : ج۱ ص۲۹۷ ح۱ وح۵ ، تهذيب الأحكام : ج۹ ص۱۷۶ ح۷۱۴ ، من لا يحضره الفقيه : ج۴ ص۱۸۹ ح۵۴۳۳ ، الغيبة للطوسي : ص۱۹۴ ح۱۵۷ ، كتاب سُلَيم بن قيس الهلالي : ج۲ ص۹۲۴ ، بحار الأنوار : ج۴۳ ص۳۲۲ ح۱ .

2.النساء : ۷۸ .

3.آل عمران : ۱۵۴ .

4.لقمان : ۱۷ .

5.الحثال والحثالة ـ كغراب وثعالة ـ : الرديء من كلّ شيء . وحثالة الناس : رذالهم . وحثالة الدهن : ثفله . ويقال : هو من حثالتهم ، أي ممّا لا خير فيه منهم .

6.الأحزاب : ۲۱ .

7.دستور معالم الحكم : ص۷۲ ـ ۷۴ ؛ نهج السعادة : ج۸ ص۳۶۸ الرقم۵۶ .

8.شرف النبيّ عليهم السلام : ص۲۵۶ ؛ إثباة الهداة : ج ۱ ص ۷۰۴ ، نهج السعادة : ج ۸ ص ۳۹۵ .

9.راجع: الكافي : ج۱ ص۲۹۹ و۳۰۰ ، نهج البلاغة : الخطبة۱۴۷ والكتاب ۲۳ ، بحار الأنوار : ج۴۲ ص۲۰۶ ح۱۱ وص۲۱۲ ح۱۲ ؛ مروج الذَّهب : ج۲ ص۴۲۴ .


مكاتيب الأئمّة ج2
250
عدد المشاهدين : 95700
الصفحه من 528
طباعه  ارسل الي