ثُمَّ لَمْ يَزَلْ يَقُولُ : لا إِلَهَ إِلاّ اللّه ، لا إِلَهَ إِلاّ اللّه ، حَتَّى قُبِضَ صَلَوَاتُ اللّه عَلَيْهِ ورَحْمَتُهُ ، فِي ثَلاثِ لَيَالٍ مِنَ العَشْرِ الأوَاخِرِ لَيْلَةَ ثَلاثٍ وعِشْرِينَ ، مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ لَيْلَةَ الجُمُعَةِ ، سَنَةَ أرْبَعِينَ مِنَ الهِجْرَةِ ، وكَانَ ضُرِبَ لَيْلَةَ إِحْدَى وعِشْرِينَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ . ۱
[ وقد نقل السَّيِّد رحمه الله في نهج البلاغة روايتين ، إحداهما بالرَّقم « 11 » من باب الكتب بعنوان : وصيّته له عليه السلام وصّى بها جيشا بعثه إلى العدوّ ، وثانيتهما بالرَّقم « 56 » بعنوان : ومن وصيّته له عليه السلام وصّى بها شُرَيْح بن هانئ لمّا جعله على مقدّمته إلى الشام ، ونحن نورد الرِّوايتين ] :
وصيّته عليه السلام لشُرَيْح بن هانئ( لمّا جعله على مقدمته إلى الشَّام ) :
« اتَّقِ اللَّهَ فِي كُلِّ صَبَاحٍ ومَسَاءٍ ، وخَفْ عَلَى نَفْسِكَ الدُّنْيَا الْغرُورَ ، ولا تَأْمَنْهَا عَلَى حَالٍ ، واعْلَمْ أَنَّكَ إِنْ لَمْ تَرْدَعْ نَفْسَكَ عَنْ كَثِيرٍ مِمَّا تُحِبُّ مَخَافَةَ مَكْرُوهٍ سَمَتْ بِكَ الأَهْوَاءُ إِلَى كَثِيرٍ مِنَ الضَّرَرِ ، فَكُنْ لِنَفْسِكَ مَانِعا رَادِعا ولِنَزْوَتِكَ عِنْدَ الْحَفِيظَةِ وَاقِما قَامِعا » .۲
ومن وصيّة له عليه السلام وصّى بها جيشا بعثه إلى العدوّ :
« فَإِذَا نَزَلْتُمْ بِعَدُوٍ أو نَزَلَ بِكُمْ فَلْيَكُنْ مُعَسْكَرُكُمْ فِي قُبُلِ الأَشْرَافِ ، أو سِفَاحِ
الْجِبَالِ ، أو أَثْنَاءِ الأَنْهَارِ ، كَيْمَا يَكُونَ لَكُمْ رِدْءا ودُونَكُمْ مَرَدّا ، ولْتَكُنْ مُقَاتَلَتُكُمْ مِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ أو اثْنَيْنِ ، واجْعَلُوا لَكُمْ رُقَبَاءَ فِي صَيَاصِي الْجِبَالِ ، ومَنَاكِبِ الْهِضَابِ لِئَلاَّ يَأْتِيَكُمُ الْعَدُوُّ مِن مَكَانِ مَخَافَةٍ ، أو أَمْنٍ ، واعْلَمُوا أَنَّ مُقَدِّمَةَ الْقَوْمِ عُيُونُهُمْ ، وعُيُونَ الْمُقَدِّمَةِ طَلائِعُهُمْ ، وإِيَّاكُمْ والتَّفَرُّقَ ، فَإِذَا نَزَلْتُمْ فَانْزِلُوا جَمِيعا ، وإِذَا ارْتَحَلْتُمْ فَارْتَحِلُوا جَمِيعا ، وإِذَا غَشِيَكُمُ اللَّيْلُ فَاجْعَلُوا الرِّمَاحَ كِفَّةً ، ولا تَذُوقُوا النَّوْمَ غِرَارا ، أو مَضْمَضَةً » .۳ [ يحتمل أن يكون ما نقله السَّيِّد رحمه الله بالرَّقم « 11 » مختارا من الكتاب المتقدِّم ، كما هو دأبه رحمه الله في النَّهج ، وما نقله بالرَّقم «56» من وصيّته خارجا عن الكتاب الذي وصّى به شُرَيْح بن هانئ ، كليهما حين التّوديع ، كما تقدَّم في وصيَّته عليه السلام لزياد حين ودّعه . ] نقل تحف العقول من وصيّته عليه السلام لزياد بن النَّضْر ، حين أنفذه على مقدمته إلى صفِّين :
ثُمَّ أردفه بكتاب يوصيه فيه ويحذّره : اعلم أنّ مقدّمة القوم عيونهم . . . . ۴ ـ فساقَ قريبا مِنَ الكِتابِ المُتقدِّمِ ـ .
صورة الوصّية والكتاب على نقل تحف العقول :
« اتّقِ اللّه َ في كُلِّ مَمْسَىً ومَصْبَحٍ ، وخَفْ على نَفسِكَ الغُرورَ ، ولا تأمنْها علَى
حالٍ مِنَ البَلاءِ .
واعلَم ، أنَّك إنْ لَم تزَعْ نَفسَكَ عَن كَثيرٍ مِمّا تُحِبُّ مخافَةَ مَكروهِهِ ، سَمَتْ بِكَ الأهواءُ إلى كَثيرٍ مِنَ الضُرِّ حَتَّى تَظْعَنَ ، فَكُن لِنَفسِكَ مانِعا وازِعا عَنِ الظُّلمِ والغَيِّ والبَغْي والعُدوان .
قد ولَّيتُكَ هذا الجُنْدَ ، فلا تستذلَّنَّهُم ، ولا تَستَطِل عَليهِم ، فإنَّ خيرَكُم أتقاكُم ، تَعَلَّم مِن عالِمِهِم ، وعَلِّمْ جاهِلَهُم ، واحلُم عَن سفِيهِهِم ، فَإنَّك إنَّما تُدرِكَ الخَيرَ بالعِلمِ وكَفِّ الأذى والجَهلِ .
ثُمَّ أردفه بكتاب يوصيه فيه ويحذِّره :
اعلم أنَّ مُقدِّمَةَ القَوْمِ عُيونُهم ، وعُيُونُ المُقدِّمَةِ طَلائِعُهُم ، فإذا أنْتَ خَرجْتَ مِن بلادِكَ ودَنوْتَ مِن عَدوِّكَ ، فلا تَسأمْ مِن تَوْجِيه الطَّلائِعِ في كُلِّ ناحِيَةٍ ، وفي بَعضِ الشِّعابِ والشَّجَرِ والخَمَرِ ، وفي كلِّ جانِبٍ ، حَتَّى لا يُغِيركُم عَدُوُّكم ويَكونَ لَكم كَمِينٌ .
ولا تُسَيِّر الكَتائِبَ والقَبائِلَ مِن لَدُنِ الصَّباحِ إلى المَسَاءِ ، إلاَّ تَعْبئَةً ، فإنْ دَهَمَكُم أمْرٌ أو غَشِيَكُم مَكْرُوهٌ ، كُنْتُم قد تَقَدَّمْتُم في التَّعبِئَةِ ، وإذا نَزَلْتُم بِعَدوٍّ أو نَزَلَ بِكُم فَلْيَكُن مُعَسْكَرُكُم في أقْبالِ الأَشرافِ ، أو في سِفاحِ الجِبالِ ، أو أثْناءِ الأنْهارِ ، كَيما يكونُ لَكُم رِدْءا ، ودُوْنَكم مَرَدَّا .
ولتَكُن مُقاتَلَتُكم من وَجْهٍ واحدٍ أو اثْنَين ، واجْعَلوا رُقَباءَكم في صَياصِي الجِبالِ وبأعْلى الأشْرافِ ، وبمناكِبِ الأنْهارِ ، يُريئُون لكم لئَلاَّ يأتيَكُم عَدُوٌّ من مَكانِ مخافَةٍ أو أمْنٍ ، وإذا نَزَلْتُم فانزِلُوا جَميعا ، وإذا رَحَلْتُم فارْحَلُوا جَميعا ، وإذا غَشِيَكُم اللَّيْلُ
فَنَزلْتُم ، فحُفُّوا عَسْكَرَكم بالرِّماح والتِّرَسَةِ ، واجْعَلوا رُماتَكُم يَلُوونَ تِرسَتُكم ، كَيْلا تُصابَ لَكُم غِرَّةٌ ، ولا تُلْقى لَكُم غَفْلَةٌ ، واحْرُس عَسْكَركَ بِنَفسِكَ .
وإيَّاك أن تَرْقُدَ ، أو تُصْبِحَ إلاَّ غِرارا أو مَضْمَضَةً ، ثُمَّ لِيَكُنْ ذلِكَ شَأنَك ودَأبَكَ حَتَّى تَنْتَهي إلى عَدُوِّكَ ، وعَلَيْك بالتَّأنِّي في حَرْبِكَ . وإيَّاكَ والعَجَلَةَ إلاَّ أن تُمَكِّنَكَ فُرْصَةٌ . وإيَّاك أنْ تُقاتِل إلاَّ أنْ يَبْدَؤوك ، أو يأتِيَك أمْرِي ، والسَّلامُ عليْكَ ورَحمَةُ اللّه ِ » .۵
1.الكافي : ج۷ ص۵۱ ح۷ وراجع : تحف العقول : ص۱۹۷ ؛ تاريخ الطبري : ج۴ ص۱۱۳ ، مقاتل الطالبيين : ص۲۵ ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج۶ ص۱۲۰ ، ذخائر العقبى :ص۱۱۶ ، المناقب للخوارزمي : ص۲۷۸ .
2.نهج البلاغة : الكتاب۵۶ ، بحار الأنوار : ج۳۳ ص۲۶۱ ح۶۷۶ ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج۱۷ ص۱۳۸ الرقم۵۶ نحوه .
3.نهج البلاغة :الكتاب۱۱ ، تحف العقول : ص۱۹۲ ، بحار الأنوار : ج۳۳ ص۴۶۱ ح۶۷۶ ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج۱۵ ص۸۹ الرقم۱۱ كلّها نحوه .
4.تحف العقول :ص۱۹۱ .
5.تحف العقول : ص۱۹۱ ، بحار الأنوار : ج۳۳ ص۴۶۵ ح۶۷۶ ، وقعة صفّين :ص۱۲۱ و۱۲۳ ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج۱۵ ص۸۹ كلاهما نحوه .