مَصْقَلَةُ بنُ هُبَيْرَة
كان أحد أصحاب الإمام عليه السلام ۱ ، ونائب ابن عبّاس ، ووالي أردشير خرّة ۲۳
فكان عاملاً غير مباشر للإمام عليه السلام .
وفي سنة 38 ه ۴ ، لمّا ظَهَر مَعْقِل بن قَيْس على الثّوّار المرتدّين من بني ناجية وأسرهم ، اشتراهم مصقلةُ ، وأطلق سراحهم ، ثمّ لم يتمكّن من أداء قيمتهم إلى بيت المال . ۵
مضافا إلى تصرّفه في أموال بيت المال ، بالبذل لأقربائه ، والعفو عمّا عليهم . ولهذا استدعاه الإمام وعاتبه على تصرّفه غير المشروع في بيت مال المسلمين ، وإتلافه للأموال ، وطلب منه ردّ ما أخذه من بيت المال لفكّ الأسرى .
فعظم ذلك على مصقلة ، حيث لم يكن يتصوّر أنّ الإمام يعامله بهذه الشِّدَّة ، بعد أن رأى عطاء عثمان وهباته من بيت المال ، بل كان يأمل عفو الإمام . فلمّا لم يصل إلى أمله فرّ والتحق بمعاوية ۶ . ولهذا قال الإمام عليه السلام في حقّه : « فَعلَ فِعْلَ السَّادَةِ ، وَفرَّ فِرارَ العَبيدِ »۷.
لقد شغل مصقلة بعض المناصب في حكومة معاوية ۸ . وشهد على حُجْر بن
عَدِيّ حين أراد معاوية قتله . ۹
في مروج الذَّهب : مضى الحارث بن راشد النَّاجي في ثلاثمئة من النَّاس فارتدّوا إلى دين النَّصرانيّة . . . فسرّح إليهم عليّ مَعْقِل بن قَيْس الرِّياحي ، فقتل الحارث ومن معه من المرتدّين بسيف البحر ، وسبى عيالهم وذراريهم ، وذلك بساحل البحرين ، فنزل مَعْقِل بن قَيْس بعض كُوَر الأهواز بسبي القوم ، وكان هنالك مصقلة بن هبيرة الشَّيْبانِيّ عاملاً لعليّ ، فصاح به النِّسوة : امنُن علينا ، فاشتراهم بثلاثمئة ألف درهم وأعتقهم ، وأدّى من المال مئتي ألف ، وهرب إلى معاوية .
فقال عليّ : قبّحَ اللّه ُ مصقَلَةَ ! فَعَلَ فِعْلَ السَّيِّدِ ، وفَرّ فِرارَ العَبدِ ، لو أقام أخذنا ما قدرنا على أخْذِهِ ؛ فَإنْ أعسَرَ أنظرناه ، وإن عجز لم نأخُذْهُ بشيءٍ ، وأنفذ العتق .
وفي ذلك يقول مصقلة بن هبيرة ، من أبيات :
تَرَكْتُ نِساءَ الحيِّ بَكْرِ بنِ وائِلٍوأعتَقْتُ سَبْيا مِنْ لُؤَيِّ بنِ غالِبِ
وفارَقْتُ خَيرَ النَّاسِ بَعْدَ مُحَمَّدٍلمالٍ قليلٍ لا مَحالَةَ ذاهِبِ۱۰
وفي الغارات عن عبد اللّه بن قعين ـ بعدما اشترى مصقلة اُسارى بني ناجية ـ : انتظر عليّ عليه السلام مصقلة أن يبعث إليه بالمال ، فأبطأ به ، فبلغ عليّا عليه السلام أنّ مصقلة خلّى سبيل الاُسارى ، ولم يسألهم أن يُعينوه في فكاك أنفسهم بشيء . فقال : ما أرى مصقلة إلاّ قد حمل حَمالةً ۱۱ ، لا أراكم إلاّ سترونه عن قريب مُبَلدَحا ۱۲ .
ثمّ كتب إليه : « أمّا بعدُ ؛ فإنّ مِن أعظَمِ الخِيانَةِ خِيانَةَ الاُمّةِ ، وأعظَمِ الغِشِّ على أهْلِ المِصْرِ غِشَّ الإمامِ ، وعِنْدَكَ مِنْ حَقِّ المُسلِمينَ خمسمئة ألفِ دِرْهَمٍ ، فابَعثْ إليَّ بِها حِينَ يأتِيكَ رسُولِي ، وإلاّ فأَقْبِلْ إليّ حِينَ تَنظُرُ فِي كتابِي ؛ فَإنِّي قَد تقدَّمْتُ إلى رسُولي أنْ لا يَدَعَكَ ساعَةً واحِدَةً تُقِيمُ بَعْدَ قُدومِهِ عَليْكَ إلاّ أن تبعَثَ بالمالِ ، والسَّلامُ » .
قال : وكان الرَّسول أبا حرّة الحنفي ، فقال له أبو حرّة : إن تبعث بهذا المال وإلاّ فاشخَص معي إلى أمير المؤمنين ، فلمّا قرأ كتابه أقبل حتَّى نزل البصرة ، وكان العمّال يحملون المال من كور البصرة إلى ابن عبّاس ، فيكون ابن عبّاس هو الَّذي يبعث به إلى أمير المؤمنين عليه السلام ، فقال له : نعم أنظرني أيّاما ، ثمّ أقبل من البصرة حتَّى أتى عليّا عليه السلام بالكوفة ، فأقرّه عليّ عليه السلام أيّاما لم يذكر له شيئا ثمّ سأله المال ، فأدّى إليه مئتي ألف درهم ، وعجز عن الباقي فلم يقدر عليه ۱۳ .
وعن ذهل بن الحارث : دعاني مصقلة إلى رحله ، فقدّم عشاءً فطعمنا منه ، ثمّ قال : واللّه ، إنّ أمير المؤمنين يسألني هذا المال ، وواللّه لا أقدر عليه ، فقلت له : لو شئت لا يمضي عليك جمعة حتَّى تجمع هذا المال ، فقال : واللّه ، ما كنت لاُحمّلها قومي ، ولا أطلب فيها إلى أحد .
ثمّ قال : أ ما واللّه ، لو أنّ ابن هند يطالبني بها ، أو ابن عفّان لتركها لي ، أ لم تر إلى ابن عفّان ، حيث أطعم الأشْعَث بن قَيْس مئة ألف درهم من خراج أذربيجان
في كلّ سنة ، فقلت : إنّ هذا لا يرى ذلك الرَّأي وما هو بتارك لك شيئا ، فسكت ساعة وسكتُّ عنهُ ، فما مكث ليلة واحدة بعد هذا الكلام حتَّى لحق بمعاوية ، فبلغ ذلك عليّا عليه السلام فقال :
« ما له ؟ ! ترّحه۱۴اللّه ! فَعلَ فِعْلَ السَّيِّدِ ، وفَرّ فِرارَ العَبْدِ ، وخانَ خِيانَةَ الفاجِرِ ، أما إنّهُ لو أقام فعجز ما زدنا على حبسه ؛ فإن وجدنا له شيئا أخذناه ، وإن لم نقدر له على مال تركناه » ، ثمّ سار إلى داره فهدّمها۱۵.
1.رجال الطوسي : ص۸۳ الرقم۸۳۲ .
2.أَرْدَشِير خُرَّة : من أجَلّ بقاع فارس ، وقد بناها أردشير بابكان ، ومنها مدينة شيراز ومِيمَنْد وكازرون ، وهي بلدة قديمة ( راجع معجم البلدان : ج۱ ص۱۴۶ ) .
3.أنساب الأشراف: ج۲ ص۳۸۹، تاريخ مدينة دمشق: ج ۵۸ ص۲۶۹ الرقم۷۴۵۰ ؛ نهج البلاغة: الكتاب ۴۳ وفيه « هو عامله على أردشيرخرّة » ، تاريخ اليعقوبي : ج۲ ص۲۰۱ وفيه « يهب أموال أردشيرخرّة وكان عليها » .
4.تاريخ الطبري : ج۵ ص۱۲۸ .
5.م . تهذيب الأحكام : ج ۱۰ ص۱۴۰ ح۵۵۱ ، نهج البلاغة : الخطبة ۴۴ ؛ أنساب الأشراف :ج۳ ص۱۸۱ ، مروج الذهب : ج۲ ص۴۱۹ ، تاريخ الطبري : ج۵ ص۱۲۸ ، تاريخ مدينة دمشق : ج ۵۸ ص۲۷۰ الرقم۷۴۵۰ . )
6.أنساب الأشراف : ج۳ ص۱۸۱ ، تاريخ الطبري : ج۵ ص۱۲۹ و۱۳۰ ، الكامل في التاريخ : ج۲ ص۴۲۱ و۴۲۲ ، تاريخ مدينة دمشق : ج ۵۸ ص۲۷۲ الرقم۷۴۵۰ ؛ الغارات : ج۱ ص۳۶۴ ـ ۳۶۶ ، رجال الطوسي : ص۸۳ الرقم۸۳۲ وفيه « هرب إلى معاوية » .
7.أنساب الأشراف : ج۳ ص۱۸۱ ، تاريخ الطبري : ج۵ ص۱۲۹ و۱۳۰ ، الكامل في التاريخ : ج۲ ص۴۲۱ و۴۲۲ ، تاريخ مدينة دمشق : ج ۵۸ ص۲۷۲ الرقم۷۴۵۰ ؛ الغارات : ج۱ ص۳۶۴ ـ ۳۶۶ ، رجال الطوسي : ص۸۳ الرقم۸۳۲ وفيه « هرب إلى معاوية » .
8.أنساب الأشراف : ج۳ ص۱۸۳ وج۵ ص۲۷۸ ، تاريخ خليفة بن خيّاط : ص۱۶۹ ، تاريخ مدينة دمشق : ج۵۸ ص۲۷۳ الرقم۷۴۵۰ .
9.أنساب الأشراف : ج۳ ص۱۸۳ وج۵ ص۲۷۸ ، تاريخ خليفة بن خيّاط : ص۱۶۹ ، تاريخ مدينة دمشق : ج۵۸ ص۲۷۳ الرقم۷۴۵۰ .
10.مروج الذهب : ج۲ ص۴۱۸ و۴۱۹ وراجع تاريخ الطبري :ج۵ ص۱۳۰ ، الكامل في التاريخ : ج۲ ص۴۲۲ ، نهج البلاغة : الخطبة ۴۴ .
11.الحَمالة : ما يتحمّله الإنسان عن غيره من دِيَة أو غرامة ( النهاية : ج۱ ص۴۴۲ ) .
12.بلدح الرجل : إذا ضرب بنفسه على الأرض ( تاج العروس : ج۴ ص۱۶ ) .
13.الغارات : ج۱ ص۳۶۴ ؛ تاريخ الطبري : ج۵ ص۱۲۹ ، تاريخ مدينة دمشق : ج ۵۸ ص۲۷۱ الرقم۷۴۵۰ كلاهما عن عبد اللّه بن فقيم وفيهما « مُلبّدا » بدل « مُبَلدَحا » ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد :ج۳ ص۱۴۴ وراجع أنساب الأشراف : ج۳ ص۱۸۱ ، الكامل في التاريخ : ج۲ ص۴۲۱ ، الفتوح : ج۴ ص۲۴۴والبداية والنهاية : ج۷ ص۳۱۰ .
14.التَّرَح : ضدّ الفرح ؛ وهو الهلاك والانقطاع أيضا ( النهاية : ج۱ ص۱۸۶ ) .
15.الغارات : ج۱ ص۳۶۵ ؛ تاريخ الطبري : ج۵ ص۱۳۰ ، تاريخ مدينة دمشق : ج ۵۸ ص۲۷۲ الرقم۷۴۵۰ كلاهما عن عبد اللّه بن فقيم نحوه وراجع أنساب الأشراف : ج۳ ص۱۸۱ و۱۸۲ ، الكامل في التاريخ : ج۲ ص۴۲۱ ، الفتوح : ج۴ ص۲۴۴ ، البداية والنهاية : ج۷ ص۳۱۰ .