155
كتابه عليه السلام إلى بعض عمَّاله
۰.« أمَّا بعدُ ، فإنِّي كُنْتُ أَشْرَكْتُك فِي أَمَانَتِي ، وجَعَلْتُك شِعَارِي وبِطَانَتِي ، ولَمْ يَكُنْ رَجُلٌ مِن أَهْلِي أَوْثَقَ منْك فِي نَفْسِي ؛ لِمُوَاسَاتِي ، ومُوَازَرَتِي وأَدَاءِ الأَمَانَةِ إِلَيَّ .
فَلَمَّا رَأَيْتَ الزَّمان عَلَى ابْنِ عَمِّك قَدْ كَلِبَ ، والْعَدُوَّ قَدْ حَرِبَ ، وأَمَانَةَ النَّاس قَدْ
خَزِيَتْ ، وهَذِهِ الأُمَّةَ قَدْ فنَكَتْ ۱ وشَغَرَتْ ۲ ، قَلَبْتَ لابْنِ عَمِّك ظَهْرَ الْمِجَنِّ ، فَفَارَقْتَهُ مَعَ الْمُفَارِقِينَ ، وخَذَلْتَهُ مَعَ الْخَاذِلِينَ ، وخُنْتَهُ مَعَ الْخَائِنِينَ ، فَلا ابْنَ عَمِّك آسَيْتَ ، ولا الأَمَانَةَ أَدَّيْتَ ، وكأنَّك لَمْ تَكُنِ اللّه َ تُرِيدُ بِجِهَادِك ، وكأنَّك لَمْ تَكُنْ عَلَى بَيِّنَةٍ مِن رَبِّك ، وكأنَّك إِنَّمَا كُنْتَ تَكِيدُ هَذِهِ الأُمَّةَ عَنْ دُنْيَاهُمْ ، وتَنْوِي غِرَّتَهُمْ عَنْ فَيْئِهِمْ ، فَلَمَّا أَمْكَنَتْك الشِّدَّةُ فِي خِيَانَةِ الأُمَّةِ أَسْرَعْتَ الْكَرَّةَ ، وعَاجَلْتَ الْوَثْبَةَ ، واخْتَطَفْتَ مَا قَدَرْتَ علَيْه مِن أَمْوَالِهِمُ الْمَصُونَةِ لأَرَامِلِهِمْ وأَيْتَامِهِمُ ، اخْتِطَافَ الذِّئْبِ الأَزَلِّ دَامِيَةَ الْمِعْزَى الْكَسِيرَةَ ، فَحَمَلْتَهُ إِلَى الْحِجَازِ رَحِيبَ الصَّدْرِ بِحَمْلِهِ ، غَيْرَ مُتَأَثِّمٍ مِنْ أَخْذِهِ ، كأنَّك لا أَبَا لِغَيْرِكَ حَدَرْتَ إِلَى أَهْلِك تُرَاثَك مِن أَبِيك وأُمِّك .
فَسُبْحَانَ اللّه ! أَمَا تُؤمِنُ بِالْمَعَادِ ؟ ! أَومَا تَخَافُ نِقَاشَ الْحِسَابِ ؟ !
أَيُّهَا الْمَعْدُودُ كَانَ عِنْدَنَا مِن أُولِي الأَلْبَابِ ، كَيْفَ تُسِيغُ شَرَابا وطَعَاما ، وأَنْتَ تَعْلَمُ أنَّك تَأْكُلُ حَرَاما ، وتَشْرَبُ حَرَاما ، وتَبْتَاعُ الإِمَاءَ ، وتَنْكِحُ النِّسَاءَ مِن أَمْوَالِ الْيَتَامَى والْمَسَاكِينِ ، والْمُؤمِنِينَ والْمُجَاهِدِينَ الَّذين أفَاءَ اللّه عَلَيْهِمْ هَذِهِ الأَمْوَالَ ، وأَحْرَزَ بِهِمْ هَذِهِ الْبِلادَ !
فَاتَّقِ اللّه َ ، وارْدُدْ إِلَى هَؤلاءِ الْقَوْمِ أَمْوَالَهُمْ ، فإنَّك إِنْ لَمْ تَفْعَلْ ثُمَّ أَمْكَنَنِي اللّه ُ منْك لأُعْذِرَنَّ إِلَى اللّه فِيك ، ولأَضْرِبَنَّك بِسَيْفِي الَّذِي مَا ضَرَبْتُ بِهِ أَحَدا ، إِلاَّ دَخَلَ النَّارَ ، وواللّه ِ لَوْ أَنَّ الْحَسَنَ والْحُسَيْنَ فَعَلا مِثْلَ الَّذِي فَعَلْتَ مَا كَانَتْ لَهُمَا عِنْدِي هَوَادَةٌ ، ولا ظَفِرَا مِنِّي بِإِرَادَةٍ ، حَتَّى آخُذَ الْحَقَّ مِنْهُما ، وأُزِيحَ الْبَاطِلَ عَنْ مَظْلَمَتِهِمَا .
وأُقْسِمُ بِاللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، مَا يَسُرُّنِي أَنَّ مَا أَخَذْتَهُ مِن أَمْوَالِهِمْ حَلالٌ لِي أَتْرُكُهُ مِيرَاثا لِمَنْ بَعْدِي .
فَضَحِّ رُوَيْدا فَكأنَّك قَدْ بَلَغْتَ الْمَدَى ، ودُفِنْتَ تَحْتَ الثَّرَى ، وعُرِضَتْ عَلَيْك أَعْمَالُك بِالْمَحَلِّ الَّذِي يُنَادِي الظَّالِمُ فِيهِ بِالْحَسْرَةِ ، ويَتَمَنَّى الْمُضَيِّعُ فِيهِ الرَّجْعَةَ ، ولاتَ حِينَ مَناصٍ ! » . ۳
1.فَنَكَت: الفَنْك الكذب والتعدّي. ( لسان العرب ج ۱ ص ۴۷۹ ) .
2.شغَرت: الأرضُ والبكدُ أي خلَتْ من النّاسِ ، ولم يبق بها أحد يحميها ويَضبطها . ( لسان العرب: ج ۴ ص ۴۱۷ ) .
3.نهج البلاغة : الكتاب۴۱ وراجع : رجال الكشّي : ص۶۰ الرقم۱۱۰ ؛ نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج۱۶ ص۱۶۷ ، العقد الفريد : ج۴ ص۳۵۷ ، عيون الأخبار لابن قتيبة : ج۱ ص۷۵ وج۲ ص۸۲ ، أنساب الأشراف : ج۲ ص۱۷۴ .