59
مكاتيب الأئمّة ج2

مكاتيب الأئمّة ج2
58

156

كتابه عليه السلام إلى معاوية

۰.« أمَّا بَعدُ ؛ يا مُعاوِيَةُ ، فإنَّ اللّه َ عَدْلٌ لا يَجورُ ، وعزِيزٌ لا يُغْلَبُ ، يجري بالإحسانِ إحسانا ، وهُوَ بَصيرٌ بِما تَعْمَلُ العِبادُ ، واعلَمْ بأنَّكَ لَمْ تُخْلَقْ للدنيا والخُلودِ فيها ، بَلْ أنْتَ راجِعٌ إلى رَبِّكَ فَمُلاقِيهِ ، فاتّقِ اللّه َ يا مُعاوِيَةُ ، وأنصِفْ مِنْ نَفْسِكَ ، ولا تُطْغِيَنَّكَ الأمانيُّ الباطِلَةُ والغُرورُ ، فَإنّي مُؤْلٍ ۱ باللّه ِ ألِيَّةَ صِدْقٍ ، لَئِنْ جَمَعَتْنِي وايَّاكَ دارا لأُزايِلَنَّكَ أبَدا ، أو يَفْتَحُ اللّه ُ بَيْنَنا بالحَقِّ وهو خَيْرُ الفاتِحينَ ، فأَطلِقْ مَنْ فِي يَدَيْكَ مِن إخْوانِنا حَتَّى نُطلِقَ مَنْ فِي أيدينا مِنْ أصحابِكَ ، فَإنّي قَدْ بَعَثْتُ إليْكَ فِي ذلِكَ مَولايَ سَعْدَا ـ والسَّلامُ » ۲ .

[ أقول : قال ابن أعْثَم : ] بعث معاوية أيضا برجل من أصحابه يقال له :
الحارث بن نمر التَّنوخي ، في ألف رجل من حماة أهل الشَّام ، وأمره بالغارة على بلاد الجزيرة مِمَّن هُم في طاعَةِ علِيٍّ رضى الله عنه . قال : فأقبلَتْ خَيلُ أهل الشَّام حَتَّى بلغت تخوم صفِّين ودارا ۳ ، فأغاروا على قوم من بني تَغْلِب ممَّن كانوا في طاعة عليّ رضى الله عنه ، فأسروا منهم ثمانية نفر ، وانصرفوا راجعين إلى الشَّام ؛ وقام رجل من أهل الجزيرة يقال له عُتْبَة بن الوعل ، فجمع قومه من بني تَغْلِب ، ثُمَّ صار إلى جسر منبج ، فعبر الفرات وأغار على أوائل الشَّام ، فغنم غنائم كثيرة ورجع إلى بلاد الجزيرة ؛ وأنشأ يقول :
ألا أبلِغْ مُعاوِيَةَ بنَ صَخْرٍفَإنّي قَدْ أغَرْتُ كما تُغِيرُ
صَبَحْنا مَنبِجا بالخَيْلِ تُردَىشَوازِبُ في أياطِلِها۴ضَمِيرُ
بِكُلِّ سَمَيْدَعٍ ماضٍ جَسُورٍعلَى الأَهْوالِ في ضَنَكٍ يَسِيرُ
وكُلُّ مُجَرِّبٍ بَطَلٍ هُمَامٍلدَى الهَيْجاءِ مَطلَبُهُ عَسِيرُ
وفِتيانٍ يَرَونَ الصَّبْرَ مَجْدابِأَيدِيهم مُهَنَّدَةٌ ذُكُورُ
قال : ثُمَّ كتب عليّ رضى الله عنه إلى معاوية : أمَّا بعدُ ؛ . . .
قال : فلمَّا وصل كتاب عليّ إلى معاوية ، أطلق من كان في يديه من أصحاب عليٍّ ، وأطلق عليٌّ أيضا من كان في يديه من أصحاب معاوية .
قال : وظنَّ عليّ رضى الله عنه أنّ معاوية لا يُغير عليه بعد ذلك ، فلمَّا كان بعد شهر ـ أو أقلّ أو أكثر ـ وجَّه معاوية أيضا برجل من أصحاب الشَّام يقال له : سُفْيَان بن عَوْف الغامدي في خيل عظيمة ، وأمره بالمسير والغارة على أداني العِراقِ ، والقتل لمن قدر عليه من شيعة عليّ .
قال : فسارت خيل الشَّام حَتَّى انتهت إلى بلد يقال له هِيت ، وبه يومئذ رجل من قبل عليّ رضى الله عنه يقال له كُمَيْل بن زياد النَّخعيّ ؛ فلمَّا بلغه أن خيل الشَّام قد تقاربت من هِيت خلَّف عليها رجلاً من أصحابه في خمسين فارسا ، وسار يريد خيل أهل الشام . قال : فلمَّا أبعد كُمَيْل بن زياد عن مدينة هِيت ، أقبل صاحب معاوية وهو سُفْيَان بن عَوْف الغامدي على هيت وأغار على أطرافها ولم يتبعه أحد . . .
قال : ثُمَّ كتب عليّ عليه السلام إلى كُمَيْل بن زياد يلومه على فعله ، وتضييعه مدينة هيت ، وخروجه عنها . ۵

1.الألِيَّة: الحلف، آلى إيلاءً مثل آتى إيتاءً إذا حلف فهو مُؤْلٍ . ( المصباح المنير ص ۲۰ ) .

2.الفتوح : ج ۴ ص ۲۲۵.

3.دارا : بلدة من بلاد الجزيرة .

4.الأيطل: الخاصرة والجمع أياطِل . ( المعجم الوسيط : ج ۱ ص ۲۲ ) .

5.راجع : الفتوح : ج۴ ص۲۲۴ وراجع : أنساب الأشراف : ج۳ ص۲۳۱ ، الكامل في التاريخ :ج۲ ص۴۲۸ .

  • نام منبع :
    مكاتيب الأئمّة ج2
    المساعدون :
    فرجي، مجتبي
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دارالحديث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 74626
الصفحه من 528
طباعه  ارسل الي