71
مكاتيب الأئمّة ج2

مكاتيب الأئمّة ج2
70

جارِيَةُ بنُ قُدامَةَ السَّعْدِيّ

جارية بن قُدامَة التَّميميّ السعدي . كان من صحابة النَّبيّ صلى الله عليه و آله ۱ ، ومن أنصار
عليِّ عليه السلام الأبرار الشُّجعان ۲ . وكان فتيّ القلب ، عميق الرُّؤية ، ذا شخصيّة رفيعة جعلته ودودا محبوبا . وكان ثابت القدم في حُبِّ عليٍّ عليه السلام ، شديدا على أعدائه ۳ .
ولمّا تقلّد الإمام الخلافة ، أخذ له البيعة في البصرة ۴ . وكان من جملة الهائمين بحبّه ، الَّذين عُرفوا باسم شرطة الخميس . وقد شهد مشاهده كلّها بجدٍّ وتفانٍ ۵ .
وتولّى قيادة قبيلة سَعْد ورَباب في صفِّين .
وكان خطيبا مفوَّها ، ويشهد على لباقته وبلاغة لسانه محاوراته في صفِّين ، وكلماته الجريئة ، وعباراته القويّة الدَّامِغة في قصر معاوية دفاعا عن إمامه عليه السلام .
وجّهه عليّ بن أبي طالب إلى أهل نجران عند ارتدادهم عن الإسلام ۶ .
ووجَّهه إلى بُسْر بن أرطاة في ألفين ، وقال له : أنْتَ لَعَمْري لَميمونُ النَّقيبَةِ ، حَسَنُ النِّيَّةِ ، صالِحُ العَشيرَةِ » ، وندب معه ألفين ، وقال بعضهم : ألفا ، وأمره أن يأتي البصرة ، فيضمّ إليه مثلهم . . . ، ثُمَّ أخذ طريق الحجاز ، حَتَّى قدم اليمن ، لم يُغضِبْ أحدا ، ولم يقتل أحدا ، إلاّ قوما ارتدّوا باليمن ، فقتلهم وحرّقهم . ۷
[ ولمَّا دخل مكَّة ـ وكان دخوله بعد قتل أمير المؤمنين عليه السلام ـ قال لهم ]بايعتم معاوية ؟
قالوا : أكْرَهَنا .
قال : أخاف أن تكونوا من الَّذِين قال اللّه فيهم : « وَ إِذَا لَقُواْ الَّذِينَ ءَامَنُواْ قَالُواْ ءَامَنَّا وَ إِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَياطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِءُونَ »۸ ، قوموا فبايعوا .
قالوا : لِمَنْ نبايع رحمك اللّه ؟ وقد هلك أمير المؤمنين عليّ عليه السلام ولا ندري ما صنع النَّاس بعد .
قال : وما عسى أن يصنعوا إلاّ أن يبايعوا الحسن بن علي عليه السلام ـ إلى أن قال : ـ ثُمَّ دخل المدينة . . . ثُمَّ قال : أيُّها النَّاس ، إنَّ عليَّا رحمه اللّه يوم ولد ، ويوم توفّاه اللّه ، ويوم يبعث حيَّا ، كان عبدا من عباد اللّه الصَّالحين ـ إلى أن قال : ـ هلك سيّد المسلمين ، وأفضل المهاجرين ، وابن عمّ النَّبيّ صلى الله عليه و آله ، أمَّا والَّذي لا إله إلاّ هو ، لو أعلَمُ الشَّامِتَ منكم لتقرَّبْتُ إلى اللّه ِ عز و جلبِسَفْكِ دَمِهِ ، وتعجيله إلى النَّار ۹ .
[ ولمَّا رجع إلى الكوفة ] دخل على الحسن بن عليّ عليه السلام ، فضرب على يده فبايعه وعزّاه ، وقال : ما يُجْلِسُكَ ؟ سِر يرحَمْك اللّه ، سر بنا إلى عدوّك قبل أن يسار إليك .
فقال عليه السلام : « لو كانَ النَّاسُ كلُّهم مِثلَكَ سِرْتُ بِهِم »۱۰.
قال معاوية لجارية بن قُدامَة : ما كان أهْونَكَ على أهلك إذ سمَّوْك جارية !
قال : ما كان أهْونَك على أهلك إذ سَمَّوك معاوية ! وهي الأُنثى من الكلاب .
قال : لا أُمَّ لك !
قال : أُمِّي وَلَدتْني للسُّيوف الَّتي لقِيناك بها في أيْدِينا .
قال : إنَّك لتُهَدِّدني .
قال : إنَّك لم تَفْتَتِحنا قَسْرا ، ولم تَمْلِكنا عَنْوةً ، ولكنَّك أعطيتنا عهْدا ومِيثاقا ، وأعْطَيناك سَمْعا وطاعةً ، فإن وَفَّيت لنا وَفَّينا لك ، وإن فَزِعْت إلى غير ذلك ، فإنَّا تركنا وراءَنا رجالاً شِدادا ، وألْسِنةً حِدادا .
قال له معاوية : لا كَثَّر اللّه في النَّاس أمثالَك .
قال جارية : قلْ معروفا ورَاعِنا ، فإنَّ شرَّ الدُّعاء المُحْتَطب ۱۱ .
وزاد ابن عساكر والسُّيوطي :
فقال له معاوية : أنت السَّاعي مع عليّ بن أبي طالب ، والموقد النَّار في شُعَلِكَ ، تجوس قرى عربيَّة بِسَفْكِ دمائهم ؟
قال جارية : يا معاوية دع عنك عليَّا ، فما أبغضنا عليَّا منذ أحببناه ، ولا غَشَشْناهُ مُنذُ صحِبناهُ ۱۲ . وقال نصر : كان رجُلَ تميمٍ بعدَ الأحنَفِ ۱۳ .
بدأت غارات معاوية الظَّالمة على أطراف العراق بعد معركة النَّهروان ، وأشخص عبد اللّه بن عامر الحَضْرَمِيّ إلى البصرة ، ليأخذ له البيعة من أهلها ، ففعل ذلك واستولى على المدينة ، فوَجّه الإمام أميرُ المؤمنين عليه السلام في البداية أعْيَن بن ضُبَيْعَة لإخماد فتنة ابن الحَضْرَمِيّ ، لكنّه استشهد ليلاً في فراشه ، فأرسل جاريةَ ،
فاستعادها بتدبير دقيق وشجاعة محمودة ، فأثنى عليه الإمام عليه السلام ۱۴ .
وبعثه عليه السلام في الأيّام الأخيرة من حياته لإطفاء فتنة بُسْر بن أرطاة الَّذي كان مثالاً لا نظير له في الخبث واللُّؤم ، وبينا كان جارية في مهمّته هذه استُشهد الإمام عليه السلام . وأخذ جارية البيعة للإمام الحسن عليه السلام من أهل مكّة والمدينة بخُطىً ثابتة ، ووعي عميق للحقّ ۱۵ .
وكان جارية ذا سريرة وضيئة ، وروح كبيرة . ولم يخشَ أحدا في إعلان الحقّ قطّ . وهكذا كان ، فقد دافع عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام بعد صلح الإمام الحسن عليه السلام بحضور معاوية ، وأكّد ثباته على موقفه ۱۶ . وتُوفِّي هذا الرَّجل الجليل بعد حكومة يزيد ۱۷ .

1.الطبقات الكبرى : ج۷ ص۵۶ ، مختصر تاريخ مدينة دمشق : ج۵ ص۳۶۴ ، تقريب التهذيب :ج۱۳۷ ص۸۸۵ ، تهذيب التهذيب : ج ۱ ص۴۱۵ الرقم۱۰۴۵ ؛ رجال الطوسي : ص۳۳ الرقم۱۵۷ .

2.تهذيب الكمال : ج ۴ ص۴۸۱ الرقم۸۸۶ ، مختصر تاريخ مدينة دمشق : ج۵ ص۳۶۴ ، تهذيب التهذيب : ج۱ ص۴۱۵ الرقم۱۰۴۵ ؛ الغارات : ج۲ ص۴۰۱ .

3.الغارات : ج۲ ص۴۰۱ .

4.تاريخ الطبري : ج۵ ص۱۱۲ .

5.الاستيعاب : ج ۱ ص۲۹۹ الرقم۳۰۶ ، اُسد الغابة : ج ۱ ص۵۰۲ الرقم۶۶۴ ، الإصابة : ج ۱ ص۵۵۶ الرقم۱۰۵۲ ، الوافي بالوفيات : ج۱۱ ص۳۷ .

6.رجال الكشّي : ج ۱ ص۳۲۲ الرقم ۱۶۸ .

7.الغارات : ج۲ ص۶۲۳ و۶۲۴ ، قاموس الرجال : ج ۲ ص ۵۵۸ ، بحار الأنوار : ج۳۴ ص۱۳ .

8.البقرة : ۱۴ .

9.الغارات : ج۲ ص۶۳۹ ، قاموس الرجال : ج۲ ص۵۶۰ ، بحار الأنوار : ج ۳۴ ص ۱۷ وراجع : تاريخ اليعقوبي : ج ۲ ص ۱۹۹ .

10.الغارات : ج۲ ص۶۴۳ ، قاموس الرجال : ج۲ ص۵۵۸ ، بحار الأنوار : ج۳۴ ص۱۸ .

11.العِقد الفريد : ج۳ ص۸۶ ، مختصر تاريخ مدينة دمشق : ج ۵ ص ۳۶۵ ، تهذيب الكمال : ج ۴ ص ۴۸۲ ، تاريخ الخلفاء : ص ۲۳۹ والثلاثة الأخيرة نحوه . الغدير : ج ۱۰ ص ۲۴۴ ، قاموس الرجال : ج ۲ ص ۵۵۹ نحوه .

12.مختصر تاريخ مدينة دمشق : ج۵ ص۳۶۵ ، تهذيب الكمال : ج۴ ص۴۸۲ ، تاريخ الخلفاء : ص۲۳۸ و۲۳۹ ؛ الغدير : ج۱۰ ص۲۳۴ ، قاموس الرجال : ج۲ ص۵۵۹ وراجع : الأمالي للمفيد : ص۱۷۰ الرقم۶ ، الأمالي للطوسي : ص۱۹۲ ، بحار الأنوار : ج ۴۴ ص ۱۳۳ الرقم ۲۲ ؛ الإصابة : ج۱ ص۵۵۵ الرقم۱۰۵۲ ، أُسد الغابة : ج۱ ص۵۰۲ الرقم۶۶۴ ، الاستيعاب : ج۱ ص۲۹۹ الرقم ۳۰۶ .

13.وقعة صفِّين : ص۲۵ .

14.أنساب الأشراف : ج۳ ص۱۹۲ ، تهذيب الكمال : ج ۴ ص۴۸۱ الرقم۸۸۶ ، مختصر تاريخ مدينة دمشق : ج۵ ص۳۶۴ الرقم۲۰۱ ، تاريخ الطبري : ج۵ ص۱۱۲ ؛ الغارات : ج۲ ص۴۰۸ .

15.أنساب الأشراف : ج۳ ص۲۱۵ ، تاريخ الطبري : ج۵ ص۱۴۰ ؛ الغارات : ج۲ ص۶۲۳ و ص ۶۴۰ ، تاريخ اليعقوبي : ج۲ ص۱۹۹ .

16.تهذيب الكمال : ج ۴ ص۴۸۲ الرقم۸۸۶ ، مختصر تاريخ مدينة دمشق : ج۵ ص۳۶۵ .

17.الثقات لابن حبّان : ج۳ ص۶۰ ؛ أعيان الشيعة : ج۴ ص۵۸ .

  • نام منبع :
    مكاتيب الأئمّة ج2
    المساعدون :
    فرجي، مجتبي
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دارالحديث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 74630
الصفحه من 528
طباعه  ارسل الي