115
الفصول المهمة في معرفة الائمة ج1

أنّه لمّا قدم وفد نجران ۱ على رسول اللّه صلى الله عليه و آله دخلوا عليه مسجده بعد صلاة العصر

1.نجران من مخاليف اليمن من ناحية مكة . والمخلاف في لغة اليمن كالكورة والصقع في غيرها وكالرستاق في العراق . وذكرت لتنصر أهلها أسباب لا يعول على نقلها ولا تلائم الحقيقة بصحّتها . وفد أساقفتهم على رسول اللّه صلى الله عليه و آله فدعاهم إلى المباهلة إلى آخره ، لكنهم صالحوه سنة عشرة من الهجرة وكتب لهم بذلك كتابا . ويروى أ نّه لمّا ولّي أبو بكر أمضاه ولمّا ولّي عمر أجلاهم واشترى منهم أموالهم . وقيل: نجران ـ بفتح النون وسكون الجيم ـ بلد كبير على سبع مراحل من مكة إلى جهة اليمن يشتمل على ثلاث وسبعين قرية . (انظر آلاء الرحمن فى تفسير القرآن تأليف المجاهد الشيخ محمّد جواد البلاغي : ۱/۲۹۰ هامش ۱ الطبعة الثانية قم، وانظر البداية والنهاية لابن كثير تحقيق عليّ شري: ۵/۶۳) . ونجران من بلاد اليمن ، والوفد مكوّن من ستين (وقيل ثلاثين رجلاً كما جاء في كشف اليقين في فضائل أمير المؤمنين عليه السلام : ۲۱۳) راكبا ، فيهم أربعة عشر رجلاً من أشرافهم يؤول أمرهم إليهم ، وهم : العاقب واسمه عبدالمسيح ، والسيّد وهو الأيهم ، وأبو حارثة بن علقمة أخو بكر بن وائل ، واُويس بن الحارث ، وزيد ، وقيس ، ويزيد وابناه ، وخويلد ، وعمرو ، وعبداللّه ، ومحسن . (انظر سيرة ابن هشام : ۱ / ۵۷۴) . إنّ تخصيص النبي صلى الله عليه و آله عليا وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام من بين جميع أقاربه للمباهلة إمّا لكونهم أقرب إلى اللّه سبحانه وتعالى بعده صلى الله عليه و آله ولذلك استعان بهم في الدعاء على وفد نجران دون المسلمين ، وإمّا لكونهم أعزّ البشرية عنده صلى الله عليه و آله ولذلك أظهرهم وباهل بهم لوثوقه صلى الله عليه و آله بأنّ اللّه تعالى يعزّهم ، وليعلم العدوّ بأنه صلى الله عليه و آله أخرج للمباهلة أعزّ الناس وأقربهم إليه وإلى اللّه تعالى ، وهذا ممّا لا يفرّط به عاقل إلاّ بعد أن يثق بأنّ هؤلاء لو أقسموا على اللّه بشيء كازالة الجبال لبرّهم وأزالها ، ولذلك التفت وفد نجران لما عندهم من الخبرة والفراسة والأخبار في كتبهم ، ولسنا بصدد بيان ما موجود في كتب النصارى من علامات ودلائل على إمامة ومكانة هؤلاء . وهو صلى الله عليه و آله الّذي عادى في سبيل اللّه عَمّه أبو لهب صاحب الآية الكريمة «تَبَّتْ يَدَآ أَبِى لَهَبٍ وَ تَبَّ . . . » المَسد : ۱ . وهو الّذي قاتل وقاطع عشيرته الأقرب والأبعد وقرّب من ليس له نسب ولا حسب لتقواه وولاءه للّه ، كما قال سيّد الساجدين : ووالى فيك الأبعدين ، وعادى فيك الأقربين . (بحار الأنوار : ۳۵ / ۲۶۷) . فمن هذا وذاك لم يبق ايراد الاُستاذ محمّد عبده وتلميذه محمّد رشيد رضا صاحب تفسير المنار حيث يقول : إنّه صلى الله عليه و آله اختار هؤلاء للمباهلة ، ولكن هذا لا يعني أننا نحمل كلمة «نساءنا» على فاطمة عليهاالسلام وذلك لأنّ العربي لا يقولها ويريد بها بنته لاسيما إذا كان لها زوج ، هذا أوّلاً . وثانيا : لا يفهم من لغة العرب هنا المعنى الّذي قالت به الشيعة ، وبالتالي فأبعد منه أن يراد ب «انفسنا» عليّ . وثالثا : أنّ وفد نجران قالوا نزلت فينا الآية ولم يكن معهم نساؤهم ولا أولادهم فكيف يفهم ذلك كما يروّج الشيعة . بل كلّ ما يفهم من الآية أنّ النبي صلى الله عليه و آله أمر أن يدعو المحاجّين والمجادلين في عيسى عليه السلام إلى الاجتماع رجالاً ونساءً وأطفالاً ، ويجمع هو صلى الله عليه و آله رجالاً ونساءً وأطفالاً ، ويبتهلون إلى اللّه بأن يلعن الكاذب فيما يقول عن عيسى . . . وهذا الطلب يدلّ على قوّة يقين صاحبه وثقته بما يقول . . . (تفسير المنار : ۳ / ۳۲۲ بتصرّف) . ولسنا بصدد مناقشته رحمه الله بل نريد أن يرجع أتباعه وأصحابه إلى المصادر الّتي ذكرناها سابقا ثمّ يحسب النسبة الموجودة ، فهل أنّ الأكثرية في الروايات هي واردة في مصادر الشيعة أم في مصادر أهل السنّة ؟ وهل أنّ الفخر الرازي المفسّر الكبير هو من أهل الشيعة حتّى ادّعى الاتفاق على صحّة هذه الروايات (راجع تفسيره : ۸ / ۸۰) مع أنه معروف بين العلماء أنه إمام المشكّكين ، هذا أوّلاً . وثانيا هل أنّ الرواة من أمثال أبي الطفيل عامر بن وائلة ومجاهد بن جبر المكي ويحيى بن النعمان وعامر بن شراحيل الشعبي وقتادة ، والحسن البصري وأنس بن مالك وسعد بن أبي وقاص وعثمان بن عفّان وغيرهم الّذي عدّهم ابن طاووس في كتابه سعد السعود : ص ۹۱ إلى أحد وخمسين طريقا هم من الشيعة ؟ وهل أنّ مسلما والبخاري في صحيحيهما هما من الشيعة ؟ وهل أنّ الطبري وأبي الفداء وابن كثير والسيوطي وغيرهم كثيرين هم من الشيعة ؟ فتلك كلمة خاسرة وواهية منه ومن تلميذه . ومن أراد أن يتعرّف أكثر على معرفة خسرانه وعدم معرفته بأدنى مستويات وأوليات اللغة والتفسير فليراجع كتاب العلاّمة صاحب تفسير الميزان : ۳ / ۲۵۷ ـ ۲۶۴ ، وها هو قول الرازي نجعله خاتمة المطاف حيث يقول : إنّ الآية دالّة على أنّ الحسن والحسين عليهماالسلام كانا ابني رسول اللّه صلى الله عليه و آله وعد أن يدعو ابنيه فدعاهما فوجب أن يكونا ابنيه . وممّا يؤكد ذلك قوله تعالى «وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَـنَ . . .وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى . . . » الأنعام : ۸۴ . ومعلوم أن عيسى عليه السلام انتسب إلى إبراهيم بالاُمّ لا بالأب فثبت أنّ ابن البنت قد يسمى ابنا .


الفصول المهمة في معرفة الائمة ج1
114

وسبب نزول هذه الآية ۱ :

1.اتفق أهل التفسير على نزول هذه الآية في وفد نصارى نجران ، واتفقوا أيضا على أنّ المعنيّ به في لفظة «أبناءنا» هما الحسن والحسين عليهماالسلام وفي لفظة «نساءنا» فاطمة الزهراء عليهاالسلام وفي لفظة «أنفسنا» هو الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام كما صرّح بذلك أهل العلم ، لأنّ الرسول صلى الله عليه و آله استعان بهم في الدعاء إلى اللّه والتأمين على دعائه لتحصل له الإجابة فيه . هذا من جهة ، ومن جهة ثانية أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله مرارا وتكرارا فسّر هذه الآية بأنّ عليّ بن أبي طالب عليه السلام هو نفسه صلى الله عليه و آله ولسنا بصدد ذكر الروايات الّتي تفسّر هذا المعنى لكن الآية نزلت في أهل البيت عليهم السلام وهم : عليّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام ومن شاء فليراجع المصادر التالية . فتح القدير للشوكاني : ۱ / ۳۱۶ الطبعة الاُولى و۳۴۷ الطبعة الثانية ط مصطفى الحلبي بمصر ، تفسير ابن كثير : ۱ / ۳۷۰ و ۳۷۱ و ۳۷۶ ، و : ۲ / ۵۲ ط بيروت . تفسير الكشّاف للزمخشري : ۱ / ۲۶۸ ط قم و ۳۷۰ ط بيروت ، تفسير الطبري : ۳ / ۲۹۷ ـ ۲۹۹ ط دار الكتب العلمية بيروت وص ۱۹۲ و ۳۳۰ و ۳۰۱ ط الميمنية بمصر ، و : ۲۲ / ۶ ، خلفاء الرسول للعلاّمة البحراني : ۱۰۷ ، غاية المرام : ۳۰۴ باب ۴ / ۳ ، تاريخ ابن كثير : ۵ / ۵۳ و ۵۴ ط السعادة سنة ۱۳۵۱ ، إمتاع الأسماع للمقريزي : ۵۰۲ ، لوامع الحقائق للميرزا أحمد الاشتياني : ۳۱ و ۳۲ ، تلخيص الشافي : ۳ / ۶ ، كشف المراد : ۴۱۱ ، كشف الغمّة : ۱ / ۲۳۳ ، الصراط المستقيم : ۱ / ۲۱۰ ، حقّ اليقين : ۱ / ۲۶۸ ، دلائل الصدق : ۲ / ۳۸۶ و ۱۲۵ ، حقّ اليقين للسيّد شبّر : ۱ / ۲۷۰ ، بحار الأنوار : ۳۵ / ۲۵۷ و ۲۵۸ نقلاً عن الفصول للشيخ المفيد في إحتجاج الإمام الرضا عليه السلام على المأمون . كما ورد في تفسير الطبرسي : ۲۶۶ ، كشف اليقين في فضائل أمير المؤمنين عليه السلام لابن المطهّر الحلّي : ۲۱۳ ـ ۲۱۵ تحقيق حسين الدرگاهي الطبعة الاُولى ايران ، أمالي الشيخ الطوسي : ۲ / ۱۷۷ ، عيون أخبار الرضا : ۲ / ۲۱۰ باب ۲۳ / ۱ ، عبقات الأنوار : ۱ / ۲۵۲ ، تفسير فرات الكوفي: ۱۴/۴۵، مناقب الإمام عليّ عليه السلام لابن المغازلي: ۲۶۳ح۳۱۰ ط بيروت،الفضائل لأحمد بن حنبل: باب فضائل الحسن والحسين عليهماالسلام ح۲۷ ، شرح النهج لابن أبي الحديد : ۱۶/۲۹۱ ط مصر ، و : ۴ / ۱۰۸ ط مصر تحقيق محمّد أبو الفضل ، إحقاق الحقّ للتستري : ۳ / ۴۶ ـ ۶۲ ، و : ۹ / ۷۰ و ۹۱ الطبعة الاُولى طهران ، المناقب للخوارزمي : ۶۰ و ۹۷ ، فضائل الخمسة : ۱ / ۲۴۴ ، اُسد الغابة لابن الأثير : ۴ / ۲۶ ، الإصابة لابن حجر العسقلاني : ۲ / ۷۲ ط الميمنية بمصر ، مرآة الجنان لليافعي : ۱ / ۱۰۹ ، أسباب النزول للواحدي : ۵۹ و ۷۴ الطبعة الاُولى . وانظر أيضا دلائل النبوّة لأبي نعيم : ۱ / ۲۹۷ ، فرائد السمطين للحمويني : أوائل السمط الثاني ح ۳۷۱ ، السيرة الحلبية للحلبي الشافعي : ۳ / ۲۱۲ ط البهية بمصر ، السيرة النبوية لزين دحلان بهامش السيرة الحلبية : ۳/۵، أحكام القرآن للجصّاص: ۲/ ۲۹۵ ـ ۲۹۶ ط عبدالرحمن محمّد بمصر و ۲۹۵ الطبعة الثانية تحقيق الفمحاوي ، التسهيل لعلوم التنزيل للكلبي : ۱ / ۱۰۹ ، فتح البيان في مقاصد القرآن : ۲ / ۷۲ ، زاد المسير لابن الجوزي : ۱ / ۳۹۹ ، جامع الاُصول لابن الأثير : ۹ / ۴۷۰ ، العمدة لابن البطريق : ۱۹۲ و ۲۹۶ ، الخصائص : ۹۷ ، تفسير الحبري : ۵۰ ، المستدرك للحاكم : ۳ / ۱۵۰ ، تاريخ دمشق لابن عساكر : ۱ / ۲۵۵ الطبعة الثانية ، تفسير أبي السعود مطبوع بهامش تفسير الرازي : ۲ / ۱۴۳ ط الدار العامرة بمصر ، تفسير الجلالين للسيوطي : ۱ / ۳۳ ط مصر و۷۷ ط دار الكتاب العربي بيروت . وراجع أيضا الرياض النضرة للطبري الشافعي : ۲ / ۲۴۸ الطبعة الثانية ، الإتحاف في نسب الأشراف للشبراوي الشافعي : ۵ ، معالم التنزيل للبغوي بهامش تفسير الخازن : ۱ / ۳۰۲ ، مطالب السؤول لابن طلحة الشافعي : ۱ / ۱۸ ط النجف ، صحيح مسلم : ۲ / ۳۶۰ بشرح النووي ، و : ۷ / ۱۲۰ ط محمّد عليّ صبيح ، و : ۴ / ۱۸۷۱ ط مصر تحقيق محمّد فؤاد ، و : ۱۵ / ۱۷۶ ط مصر ، خصائص الوحي المبين : ۶۸ الفصل ۷ ، صحيح الترمذي : ۴ / ۲۹۳ / ۳۰۸۵ ، و : ۵ / ۶۳۸ / ۳۷۲۴ و ۳۰۱ / ۳۸۰۸ في باب فضائل أمير المؤمنين ، مسند أحمد : ۱ / ۱۸۵ ط الميمنية ، و : ۳ / ۹۷ / ۱۶۰۸ ط دار المعارف ، تفسير القرطبي : ۴ / ۱۰۴ ، أحكام القرآن لابن عربي : ۱ / ۲۷۵ الطبعة الثانية ط الحلبي و ۱۷۵ ط السعادة ، صحيح مسلم : باب فضائل عليّ بن أبي طالب : ۲ / ۳۶۰ ط عيسى الحلبي ، و : ۴ / ۱۸۸۳ / ۶۱ ، الأربعين المنتقاة : باب ۳۸ ، كفاية الطالب : ۶۴۱ باب ۳۲ و ۸۵۵۴ و ۱۴۲ ط الحيدرية . ولاحظ أيضا لباب النقول في أسباب النزول : ۷۵ الطبعة الثانية ، شواهد التنزيل : ۱ / ۱۲۰ و ۱۲۹ ح ۱۶۸ و ۱۷۰ ـ ۱۷۳ و ۱۷۵ ، تفسير الفخر الرازي : ۸ / ۸۵ و ۸۶ ط البهية بمصر ، و : ۲ / ۶۹۹ ط دار الطباعة العامرة بمصر ، المصنّف لابن أبي شيبة : ۱۲ / ۶۸ / ۱۲۱۴۲ ، ذخائر العقبى: ۲۵، تذكرة الخواصّ للسبط ابن الجوزي الحنفي: ۱۷ ط النجف ، الدرّ المنثور للسيوطي : ۲ / ۳۸ و ۳۹، تفسير البيضاوي : ۲ / ۲۲ ط بيروت ، فرائد السمطين : ۱ / ۳۷۸ / ۳۰۷ ، و : ۲ / ۲۳ / ۳۶۵ و ۲۵۰ / ۴۸۴ ـ ۴۸۶ ، الإرشاد : ۱۵۲ فصل ۴۸ باب۲ . ومن خلال هذه المصادر الكثيرة واتفاقها على أنّ آية المباهلة نزلت في وفد نصارى نجران ومع أنّ عباراتهم تختلف باختلاف اُسلوب المفسّر ودلالته من خلال اللغة والحديث النبويّ الشريف رأينا من الأفضل أن نختصر المقال لسرد القصة كاملة من خلال هذه المصادر ، فننقل ما ذكره ابن كثير الشافعي في تفسير ، قال : ثمّ قال تعالى آمرا رسوله صلى الله عليه و آله أن يباهل من عاند الحقّ في أمر عيسى بعد ظهور البيان : «فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَآءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ . . . » أي نحضرهم في حال المباهلة «ثُمَّ نَبْتَهِلْ » أي نلتعن « فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَـذِبِينَ » أي منّا ومنكم . وكان سبب نزول هذه المباهلة وماقبلها من أول السورة إلى هنا في وفد نجران . إنّ النصارى لمّا قَدموا فجعلوا يحاجّون في عيسى ويزعمون فيه ما يزعمون من النبوّة والإلهية ، فأنزل اللّه صدر هذه السورة ردّا عليهم . وقدم على رسول اللّه صلى الله عليه و آله وفد نجران ستّون راكبا ، فيهم أربعة عشر رجلاً من أشرافهم يؤول أمرهم إليهم ، وهم : العاقب واسمه عبد المسيح ، والسيّد وهو الأيهم ، وأبو حارثة بن علقمة أخو بكر بن وائل ، واُويس بن الحارث ، وزيد ، وقيس ، ويزيد وابناه ، وخويلد ، وعمرو ، وخالد ، وعبداللّه ، ومحسن . وأمر هؤلاء يؤول إلى ثلاثةٍ منهم ، وهم : العاقب . وكان أمير القوم وذا رأيهم وصاحب مشورتهم ، والّذي لا يصدرون إلاّ عن رأيه ، والسيّد وكان عالمهم و صاحب رحلهم ومجتمعهم ، وأبو حارثة بن علقمة وكان أسقفهم وصاحب مدارستهم ، وكان رجلاً من العرب من بني بكر بن وائل ولكنّه تنصّر ، فعظّمته الروم وملوكها وشرّفوه ، وبنوا له الكنائس وأخدموه لما يعلمونه من صلابته في دينهم . وقد كان يعرف أمر رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم وصفته وشأنه ممّا علمه من الكتب المتقدّمة ، ولكن حمله ذلك على الاستمرار في النصرانيّة لما يرى من تعظيمه فيها وجاهه عند أهلها . قال ابن إسحاق : وحدّثني محمّد بن جعفر بن الزبير قال : قدموا على رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم المدينة فدخلوا عليه مسجده حين صلّى العصر، عليهم ثياب الحبرات جببٌ وأرديهٌ. في جمال رجال بني الحارث بن كعب. قال: يقول من رآهم من أصحاب النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم : ما رأينا بعدهم وفدا مثلهم ، وقد حانت صلاتهم فقاموا في مسجد رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم . فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم : دعوهم . فصلّوا إلى المشرق . قال : فكلّم رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم منهم أبو حارثة بن علقمة، والعاقب عبدالمسيح،والسيّد الأيهم ، وهم من النصرانيّة على دين الملك مع اختلاف أمرهم، يقولون: هو اللّه ، ويقولون : هو ولد اللّه ، ويقولون : هو ثالث ثلاثة . تعالى اللّه عن قولهم علوّا كبيرا. وكذلك النصرانية ، فهم يحتجّون في قولهم هو اللّه ، بأ نّه كان يحيي الموتى ، ويبرئ الأكمة والأبرص والأسقام ، ويخبر بالغيوب ، ويخلق من الطين كهيئة الطير فينفخ فيه فيكون طيرا . وذلك كلّه بأمر اللّه وليجعله آيةً للناس . ويحتجّون في قولهم بأ نّه ابن اللّه ، ويقولون : لم يكن له أبٌ يعلم . وقد تكلّم في المهد بشيءٍ لم يكن أحدٌ من بني آدم قبله . ويحتجّون على قولهم بأ نّه ثالث ثلاثة ، بقول اللّه تعالى : فعلنا وأمرنا ، وخلقنا وقضينا ، فيقولون لو كان واحدا ما قال إلاّ : فعلت وأمرت ، وخلقت وقضيت ، ولكنّه هو وعيسى ومريم . تعالى اللّه وتقدّس وتنزّه عمّا يقول الظالمون و الجاحدون علوّا كبيرا ، وفي كلّ ذلك من قولهم : قد نزل القرآن . فلمّا كلّمة الحبران قال لهما رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم : أسلِما ، قالا : قد أسلَمنا ، قال صلى الله عليه و آله وسلم : إنّكما لم تسلما فأسلِما . قالا : بلى قد أسلَمنا قبلك ، قال صلى الله عليه و آله وسلم : كذبتما ، يمنعكما من الإسلام ادّعاؤكما للّه ولدا ، وعبادتكما الصليب ، وأكلكما الخنزير . قالا : فمن أبوه يا محمّد ؟ فصمت رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم عنهما فلم يجبهما ، فأنزل اللّه في ذلك من قولهم واختلاف أمرهم صدر سورة آل عمران إلى بضع وثمانين آية منها . ثمّ تكلّم ابن إسحاق على تفسيرها ، إلى أن قال : فلمّا أتى رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم الخبر من اللّه والفصل من القضاء بينه وبينهم وأمر بما أمر به من ملاعنتهم إن ردّوا ذلك عليه دعاهم إلى ذلك فقالوا : يا أبا القاسم دعنا ننظر في أمرنا ثمّ نأتيك بما نريد أن نفعل فيما دعوتنا إليه ، فانصرفوا عنه . ثمّ خلوا بالعاقب ، وكان ذا رأيهم فقالوا : يا عبد المسيح ماذا ترى ؟ فقال : واللّه يا معشر النصارى ، لقد عرفتم أنّ محمّدا لنبيّ مرسلٌ ، ولقد جاءكم بالفصل من خبر صاحبكم ، ولقد علمتم ما لاعن قومٌ نبيّا قطّ فبقي كبيرهم ولا نبت صغيرهم ، وإنّه للاستئصال منكم إن فعلتم ، فإن كنتم قد أبيتم إلاّ إلف دينكم والإقامة على ما أنتم عليه من القول في صاحبكم فوادعوا الرجل ثمّ انصرفوا إلى بلادكم ، فأتوا النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم فقالوا : يا أبا القاسم قد رأينا أن لا نلاعنك ، وأن نتركك على دينك ونرجع على ديننا . ولكن ابعث معنا رجلاً من أصحابك ترضاه لنا ، يحكم بيننا في أشياء اختلفنا فيها من أموالنا فإنكم عندنا رضا . قال محمّد بن جعفر: فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم : ائتوني العشية أبعث معكم القويّ الأمين. قال : فكان عمر بن الخطّاب(رض) يقول : ما أحببت الإمارة قطّ حبّي إيّاها يومئذٍ رجاء أن أكون صاحبها ، فرحت إلى الظهر مهجرا، فلما صلّى بنا رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم الظهر سلّم ثمّ نظر عن يمينه وعن يساره،فجعلت أتطاول له ليراني... . ثمّ ذكر ابن كثير ما رواه البخاري في هذا الموضوع ، وما رواه البيهقي في دلائل النبوّة وقال : فإنّ فيه فوائد كثيرةً ، وفيه غرابةٌ ، وفيه مناسبةٌ لهذا المقام ، قال البيهقي : أخبرنا أبو عبداللّه الحافظ ، وأبو سعيد محمّد بن موسى بن الفضل . قالا : حدّثنا أبو العباس محمّد بن يعقوب ، حدّثنا أحمد بن عبدالجبّار ، حدّثنا يونس بن بكير عن سلمة بن عبد يسوع عن أبيه عن جدّه ، قال يونس ـ وكان نصرانيا فأسلم : إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم كتب إلى أهل نجران قبل أن ينزل عليه طس سليمان : باسم إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب ، من محمّد النبيّ رسول اللّه إلى أسقف نجران وأهل نجران إن أسلمتم فإني أحمد إليكم اللّه إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب . أمّا بعد ، فإنّي أدعوكم إلى عبادة اللّه من عبادة العباد . وأدعوكم إلى ولاية اللّه من ولاية العباد . فإن أبيتم فالجزية ، فإن أبيتم فقد آذنتكم بحربٍ ، والسلام . فلمّا أتى الأسقف الكتاب وقرأه فظع به وذعره ذعرا شديدا . . . ثمّ ذكر ابن كثير أيضا رواية ابن مردويه فقال : وقال أبو بكر بن مردويه : حدّثنا سليمان بن أحمد ، حدّثنا أحمد بن داود المكّي ، حدّثنا بشر بن مهران ، حدّثنا محمّد بن دينار عن داود ابن أبي هند عن الشعبي عن جابر قال: قدم على النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم العاقب والطيّب فدعاهما إلى الملاعنة . فواعداه على أن يلاعناه الغداة . قال : فغدا رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم فأخذ بيد عليّ وفاطمة و الحسن والحسين ، ثمّ أرسل إليهما ، فأبيا أن يجيبا وأقرّا له بالخراج ، فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم : والّذي بعثني بالحقّ لو قالا : لا ، لأمطر عليهم الوادي نارا . قال جابر : وفيهم نزلت : «نَدْعُ أَبْنَآءَنَا وَأَبْنَآءَكُمْ وَنِسَآءَنَا وَنِسَآءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ » ، قال جابر : أنفسنا وأنفسكم : رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم وعليّ بن أبي طالب ، وأبناءنا : الحسن والحسين ، ونساءنا : فاطمة . وهكذا رواه الحاكم في مستدركه عن عليّ بن عيسى عن أحمد بن محمّد الأزهري عن عليّ بن حجر عن عليّ بن مسهر عن داود بن أبي هند به بمعناه . ثمّ قال : صحيح على شرط مسلم ، و لم يخرجاه . هكذا . (تفسير ابن كثير : ۱ / ۳۷۶) . أما الزّمخشري فقال في تفسيره : قوله تعالى : «فَمَنْ حَآجَّكَ » من النّصارى « فِيهِ » في عيسى «مِن بَعْدِ مَا جَآءَكَ مِنَ الْعِلْمِ » أي من البيّنات الموجبة للعلم « فَقُلْ تَعَالَوْاْ » هلمّوا ، والمراد المجيء بالرأي والعزم ، كما نقول : تعالَ نفكّر في هذه المسألة «نَدْعُ أَبْنَآءَنَا وَأَبْنَآءَكُمْ » أي يدع كلّ منّي ومنكم أبناءه ونساءه ونفسه إلى المباهلة ـ إلى أن قال : ـ وروي أ نّهم لما دعاهم إلى المباهلة ، قالوا : حتّى نرجع وننظر ، فلمّا تخالوا قالوا للعاقب وكان ذا رأيهم : يا عبد المسيح ما ترى ؟ فقال : واللّه لقد عرفتم يا معشر النصارى أنّ محمّدا نبيّ مرسلٌ ، وقد جاءكم بالفصل من أمر صاحبكم ، واللّه ما باهل قومٌ نبيّا قطّ فعاش كبيرهم ولا نبت صغيرهم ، ولئن قد فعلتم لتهلكنّ ، فإن أبيتم إلاّ إلف دينكم والإقامة على ما أنتم عليه فوادعوا الرجل وانصرفوا إلى بلادكم . فأتى رسول اللّه وقد غدا محتضنا الحسين آخذا بيد الحسن و فاطمة تمشي خلفه و عليّ خلفها ، وهو صلى الله عليه و آله وسلم يقول : إذا أنا دعوت فأمِّنوا . فقال أسقف نجران : يا معشر النصارى إنّي لأرى وجوها لو شاء اللّه أن يزيل جبلاً من مكانه لأزاله بها ، فلا تباهلوا فتهلكوا ولا يبقى على وجه الأرض نصراني إلى يوم القيامة . فقالوا : يا أبا القاسم ، رأينا أن لا نباهلك وأن نقرّك على دينك ونثبت على ديننا . قال صلى الله عليه و آله وسلم : فإذ أبيتم المباهلة فأسلموا يكن لكم ما للمسلمين وعليكم ما عليهم . فأبوا ، قال صلى الله عليه و آله وسلم : فإنّي اُناجزكم ، فقالوا : مالنا بحرب العرب طاقةٌ . ولكن نصالحك على أن لاتغزونا و لاتخيفنا ، ولاترددنا عن ديننا ، على أن نؤدّي إليك كلّ عام ألفي حلّة : ألفٌ في صفر وألفٌ في رجب . وثلاثين درعا عاديةً من حديد ، فصالحهم على ذلك ، وقال صلى الله عليه و آله وسلم : والّذي نفسي بيده إنّ الهلاك قد تدلّى على أهل نجران ، ولو لاعنوا لمسخوا قردةً وخنازير ، ولاضطرم عليهم الوادي نارا . ولاستأصل اللّه نجران وأهله حتّى الطير على رؤوس الشجر ، لما حال الحول على النصارى حتّى يهلكوا . (الكشّاف : ۱ / ۲۶۸ ط البلاغة قم) . وأمّا الطبري فقال في تفسيره : عن ابن عبّاس في قوله تعالى : «إِنَّ هَـذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ » [ آل عمران : ۶۲] : إنّ الّذي قلنا في عيسى هو الحقّ «وَمَا مِنْ إِلَـهٍ إِلاَّ اللَّهُ . . . » الآية . فلمّا فصل جلّ ثناؤه بين نبيّه محمّد صلى الله عليه و آله وسلم وبين الوفد من نصارى نجران بالقضاء الفاصل والحكم العادل و أمره إن هم تولّوا عمّا دعاهم إليه من الإقرار بوحدانيّة اللّه وأ نّه لا ولد له و لا صاحبة وأنّ عيسى عبده ورسوله وأبوا إلاّ الجدل والخصومة ، أن يدعوهم إلى الملاعنة ، ففعل ذلك رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم فلمّا فعل ذلك رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم انخزلوا وامتنعوا من الملاعنة ، ودعوا إلى المصالحة . كالّذي حدّثنا ابن حميد ، قال : حدّثنا جرير عن مغيرة عن عامر قال : فأمر بملاعنتهم بقوله : «فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَآءَكَ مِنَ الْعِلْمِ » . . . الآية ، فتواعدوا أن يلاعنوه ، وواعدوه الغد . فانطلقوا إلى السيّد و العاقب و كانا أعقلهم ، فتابعاهم فانطلوا إلى رجل منهم عاقل . فذكروا له ما فارقوا عليه رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم فقال : ما صنعتم ؟ و ندّمهم وقال لهم : إن كان نبيّا ثمّ دعا عليكم لايغضبه اللّه فيكم أبدا ، ولئن كان ملكا فظهر عليكم لايستبقيكم أبدا ، قالوا : فكيف لنا وقد واعدنا ؟ فقال لهم : إذا غدوتم إليه فعرض عليكم الّذي فارقتموه عليه فقولوا : نعوذ باللّه ، فإن دعاكم أيضا فقولوا له : نعوذ باللّه ، ولعلّه أن يعفيكم من ذلك . فلما غدوا غدا النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم محتضنا حسنا آخذا بيد الحسين ، وفاطمة تمشي خلفه . فدعاهم إلى الّذي فارقوه عليه بالأمس ، فقالوا : نعوذ باللّه ، ثمّ دعاهم ، فقالوا : نعوذ باللّه مرارا . قال صلى الله عليه و آله وسلم : فإن أبيتم فأسلموا ولكم ما للمسلمين وعليكم ماالمسلمين ، كما قال اللّه عزّوجلّ : فإن أبيتم فأعطوا الجزية عن يدٍ وأنتم صاغرون . [ مضمون آية ۲۹ من سورة التوبة ] . قال : قالوا : ما لنا طاقةٌ بحرب العرب ، ولكن نؤدّي الجزية . قال : فجعل عليهم في كلّ سنةٍ ألفي حلّة ، ألفا في رجب وألفا في صفر ، فقال النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم : قد أتاني البشير بهلكة أهل نجران ، حتّى الطير على الشجر ـ أو العصافير على الشجر ـ لو تمّوا على الملاعنة . وقال : حدّثنا ابن حميد قال : حدّثنا عيسى بن فرقد عن أبي الجارود عن زيد بن عليّ في قوله تعالى : «تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَآءَنَا وَأَبْنَآءَكُمْ » . . . الآية ، قال : كان النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم وعليّ وفاطمة والحسن والحسين . وقال : حدّثنا محمّدبن الحسين قال : حدّثنا أحمد بن المفضّل قال : حدّثنا أسباط عن السدّي : «فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَآءَكَ مِنَ الْعِلْمِ » ... الآية . فأخذ ـ يعني النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم ـ بيد الحسن والحسين وفاطمة. وقال لعليّ: اتّبعنا. فخرج معهم ، فلم يخرج يومئذٍ النصارى ، وقالوا : إنّا نخاف أن يكون هذا هو النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم وليس دعوة النبي كغيرها ، فتخلّفوا عنه يومئذٍ ، فقال النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم : لو خرجوا لاحترقوا . فصالحوه على صلحٍ ، على أنّ له عليهم ثمانين ألفا . فما عجزت الدراهم ففي العروض ، الحلّة بأربعين . وعلى أنّ له عليهم ثلاثا وثلاثين درعا ، وثلاثا و ثلاثين بعيرا ، وأربعة و ثلاثين فرسا غازية ، كلّ سنة . وأنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم ضامنٌ لها حتّى نؤدّيها إليهم . (تفسير الطبري : ۳ / ۲۹۷ ط دار الكتب العلمية ـ بيروت) . وقال العلاّمة السّيّد محمّد الموسوي الحائري البحراني في كتابه «خلفاء الرسول» في قوله تعالى : «فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَآءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَآءَنَا وَأَبْنَآءَكُمْ وَنِسَآءَنَا وَنِسَآءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَـذِبِينَ » : وذلك لظهور الولاية المسندة إلى اللّه سبحانه في الولاية العامّة المطلقة ، وظهور تساوي المتعاطفات في المعنى والحكم . وجه الدلالة : اتّفق المسلمون أجمعون على أنّ هذه الآية الكريمة نزلت في وفد نصارى نجران . وأجمعوا أيضا على أنّ المراد من لفظة «أَنفُسَنَا » غير الرسول صلى الله عليه و آله وسلم وذلك لأنّ الإنسان لا يدعو نفسه حقيقةً ، كما لا يكلّف نفسه حقيقةً ، فلابدّ من تعدّد الداعي والمدعو وعدم اتحادهما . وتسالموا أيضا على أنّ ذلك الغير هو : عليّ بن أبي طالبٍ ليس غير ، فتكون الآية دالّة بوضوح على أن نفس عليّ هي نفس رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم ، ولايجوز على هذا التقرير أن تكون نفس عليّ عين نفس الرسول لبداهة بطلانه . بل المراد نفس عليّ مثل نفس الرسول نظيره ، و ما لهذا المعنى من ألفاظ ، وذلك يقتضي تساويهما في جميع الصفات على وجه العموم ليصحّ التماثل . نترك الأخذ بهذا العموم في وصف النبوّة ، لأنّ محمّدا صلى الله عليه و آله وسلم كان نبيّا ، وعليّ ليس بنبيّ على الإجماع والضرورة من الدين ، وكذلك نترك الأخذ به في حقّ الفضل ، لقيام الضرورة على أنّ النبيّ أفضل من عليّ . فيبقي الباقي تحت العموم ، فهما مثلان في ماعدا هذين الأمرين بلا امتراء . فمن ذلك ما ثبت بإجماع المسلمين أنّ النبيّ محمّدا صلى الله عليه و آله وسلم أفضل من سائر الأنبياء والمرسلين بلا استثناء ، فيجب أن يكون نفس عليّ عليه السلام مثله . وقال : حدّثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : حدّثنا ابن زيد قال : قيل لرسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم : لو لاعنت القوم ، بمن كنت تأتي حين قلت : أبناءنا وأبناءكم ؟ قال : حسن وحسين . وقال : حدّثني محمّد بن سنان قال : حدّثنا أبو بكر الحنفي قال : حدّثنا المنذر بن ثعلبة قال : حدّثنا علباء بن أحمر اليشكري قال : لمّا نزلت هذه الآية : «فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَآءَنَا وَأَبْنَآءَكُمْ وَنِسَآءَنَا وَنِسَآءَكُمْ » . . . الآية ، أرسل رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم إلى عليّ وفاطمة وابنيهما الحسن والحسين ، ودعا اليهود ليلاعنهم . فقال شابٌّ من اليهود : ويحكم أليس عهدكم بالأمس إخوانكم الّذين مُسخوا قردةً وخنازير ؟ لا تلاعنوا ، فانتهوا . (خلفاء الرسول : ۱۰۷) . أمّا الشوكاني : فقد قال في تفسيره : وأخرج الحاكم وصحّحه وابن مردويه وأبو نعيم في الدّلائل عن جابر قال : قدم على النبي صلى الله عليه و آله وسلم العاقب والسيّد ، فدعاهما إلى الإسلام ، فقالا : أسلمنا يا محمّد ، فقال : «كذبتما، إن شئتما أخبرتكما ما يمنعكما من الإسلام، قالا: فهات، قال صلى الله عليه و آله وسلم : حبّ الصليب، وشرب الخمر، وأكلّ لحم الخنزير . قال جابر : فدعاهما إلى الملاعنة ، فواعداه على الغد . فغدا رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم وأخذ بيد عليّ وفاطمة والحسن والحسين،ثمّ أرسل إليهما فأبيا أن يجيباه وأقرّا له ، فقال صلى الله عليه و آله وسلم : والّذي بعثني بالحقّ لو فعلا لأمطر الوادي عليهما نارا . قال جابر ، فنزلت «تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَآءَنَا » . . . الآية . قال جابر : «أَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ » : رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم وعليّ عليه السلام و «أَبْنَآءَنَا » : الحسن والحسين عليهماالسلام ، «وَنِسَآءَنَا » : فاطمة عليهاالسلام . ورواه أيضا الحاكم من وجهٍ آخر عن جابر وصحّحه. وفيه أنّهم قالوا للنبي صلى الله عليه و آله وسلم : هل لك أن نلاعنك؟ وأخرج مسلم والترمذي وابن المنذر والبيهقي عن سعد بن أبي وقّاص قال : لمّا نزلت هذه الآية : «فَقُلْ تَعَالَوْاْ » دعا رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم عليّا وفاطمة وحسنا وحسينا ، فقال صلى الله عليه و آله وسلم : اللّهمّ هؤلاء أهلي . (فتح القدير : ۲ / ۳۴۷) . أمّا الأحاديث الواردة في تفسير الآية الكريمة فهي كثيرة ولا يمكن إحصاؤها ، ولكن نذكر جزءً منها على سبيل المثال لا الحصر : ففي عيون الأخبار عن الريّان بن الصلت قال : حضر الرضا عليه السلام مجلس المأمون بمرو ، وقد اجتمع في مجلسه من علماء أهل العراق و خراسان . فقال المأمون : أخبروني عن معنى هذه الآية «ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَـبَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا » [ فاطر : ۳۲ ] فقالت العلماء : أراد اللّه عزّوجلّ بذلك الاُمّة كلّها . فقال المأمون : ما تقول يا أبا الحسن ؟ فقال الرضا عليه السلام لا أقول كما قالوا ، ولكني أقول : المراد بذلك العترة الطاهرة . فقال المأمون : وكيف عنى العترة من دون الاُمّة ؟ والحديث طويل جدّا ، ولكن نأخذ الشاهد منه ، حيث قال المأمون وقال الإمام الرضا عليه السلام حتّى وصلا في حديثهما إلى آية «فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَآءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَآءَنَا » وقال : فأبرز النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم عليا والحسن والحسين وفاطمة صلوات اللّه عليهم وقرن أنفسهم بنفسه . فهل تدرون ما معنى قوله : «وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ » ؟ قالت العلماء : عنى به نفسه . فقال أبو الحسن عليه السلام : لقد غلطتم ، إنّما عنى بها عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، وممّا يدلّ على ذلك قول النبيّ صلى الله عليه و آله حين قال : لتنتهين بنو وليعة أو لأبعثنّ اليهم رجلاً كنفسي يعنى عليّ بن أبي طالب عليه السلام (عيون أخبار الرضا عليه السلام : ۲۳۲ . وقد ذكر الحديث أيضا في الفضائل لأحمد : ۲ / ۵۷۱ / ۹۶۶ و ۵۹۳ / ۱۰۰۸ ، المناقب للخوارزمي : ۱۳۶ / ۱۵۳ ، المناقب لابن المغازلي : ۴۲۸ ، وانظر جواهر العقدين : ۲ / ۱۷۳ ، كنز العمّال : ۶ / ۴۰۵ / ۶۱۳۳ ، نور الأبصار للشبلنجي : ۲۲۷ ، وراجع أيضا المصادر السابقة الّتي أشرنا إليها تحت عنوان : المباهلة) . وأخرج صاحب المناقب عن جعفر الصادق عن أبيه عن جدّه عليّ بن الحسين : انّ الحسن بن عليّ عليه السلام قال في خطبته : قال اللّه تعالى لجدّي صلى الله عليه و آله حين جحده كفرة أهل نجران و حاجّوه : «فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَآءَنَا وَأَبْنَآءَكُمْ » فأخرج جدّى صلى الله عليه و آله معه من الأنفس أبي ، ومن البنين أنا وأخي الحسين ، ومن النساء ، فاطمة اُميّ ، فنحن أهله ولحمه ، ودمه ونفسه ، و نحن منه وهو منّا .(أمالي الشيخ الطوسي : ۲ / ۱۷۷ ، وعنه غاية المرام : ۳۰۴ باب ۴ حديث ۳) . وأخرج البغوي في تفسيره : «أَبْنَآءَنَا » أراد الحسن والحسين عليهماالسلام و «وَنِسَآءَنَا » فاطمة ، و «أَنفُسَنَا » عنى نفسه وعليا عليه السلام . (معالم التنزيل : ۱ / ۴۸۰) . وقال الفخر الرازي في تفسيره : فخرج رسول اللّه صلى الله عليه و آله وعليه مرط من شعر أسود وقد احتضن الحسين و أخذ بيد الحسن وفاطمة تمشي خلفه وعليّ خلفها . (تفسير الرازي : ۸ / ۸۰ ، الميزان في تفسير القرآن : ۳ / ۲۲۲ ـ ۲۴۴) . ثمّ قال الرازي بعد ذلك : وأعلم أنّ هذه الرواية كالمتفق على صحّتها بين أهل الحديث والتفسير . وقال الشعبي عن جابر بن عبداللّه قال : نزلت هذه الآية «نَدْعُ أَبْنَآءَنَا وَأَبْنَآءَكُمْ . . . . » أبناءنا الحسن و الحسين عليهماالسلام ، و «وَنِسَآءَنَا » فاطمة ، و «أَنفُسَنَا » عليّ بن أبي طالب عليه السلام . (انظر شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني : ۱ / ۱۵۸ / ۱۷۰ ـ ۱۷۵ و ۱۷۶ ، أسباب النزول للواحدي : ۷۵) . وقال الحبري في تفسيره : نزلت هذه الآية في رسول اللّه صلى الله عليه و آله وعليّ عليه السلام [ وهو ] نفسه ، ونساءنا ونساءكم فاطمة ، وأبناءنا وأبناءكم حسن وحسين ، والدعاء على الكاذبين العاقب والسيّد وعبدالمسيح وأصحابهم (تفسير الحبري : ۵۰ / ۹) . وقال الطبري في تفسيره بعد ما ذكر الآية : كان النبيّ صلى الله عليه و آله وعليّ وفاطمة والحسن والحسين ـ إلى أن قال : ـ وأخذ بيد الحسن والحسين وفاطمة ، وقال لعلي : اتبعنا فخرج معهم فلم يخرج يومئذٍ النصارى ، وقالوا : إنّا نخاف أن يكون هذا هو النبيّ وليس دعوة النبيّ كغيرها . . . «أبناءنا وأبناءكم» ؟ قال : حسن وحسين . . . . (تفسير الطبري : ۲ / ۳۰۰ ، الفخر الرازي في تفسيره للآية ، نور الأبصار للشبلنجي : ۱۰۰) . وعن المطّلب بن عبداللّه بن حنطب ، قال النبيّ صلى الله عليه و آله لوفد ثقيف حين جاؤوه : لتسلمنّ أو لأبعثنّ عليكم رجلاً منّي ـ أو قال : مثل نفسي ـ . (ذخائر العقبى : ۶۴ ، فضائل عليّ عليه السلام ومودّة القربى : ۱۲ بالاضافة إلى المصادر السابقة) .

  • نام منبع :
    الفصول المهمة في معرفة الائمة ج1
    المساعدون :
    الغریری، سامی
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1379 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 75272
الصفحه من 674
طباعه  ارسل الي