19
الفصول المهمة في معرفة الائمة ج1

خصمك ، ولاعيشة في الحياة أكثر من ذلك ۱ .
كان الشيخ ـ المترجَم له ـ من أكابر المحقّقين الأعلام وأعاظم علماء الإسلام ، كشّافا لمعضلات الدقائق بذهنه الثاقب ، وفتّاحا لمقفلات الحقائق بفهمه الثاقب ، حسن التقرير والإنشاء ، جيِّد التحرير والإملاء ، جميل الأخلاق والشيم ، حميد الآداب والحكم ، في عليا درجةٍ من الزهد والورع والتقوى والدين ، وسميا مرتبةٍ من مراتب الفقهاء والمجتهدين ، رفيع القدر بين طبقات أهل الفضل ، مرموق المكانة في عيون كبار أصحابه ، محترم الجانب من قبل أعاظم سائر المذاهب الإسلامية ، وينوَّه عنه في مجالسهم ومحافلهم بكلِّ إجلال ، ويلقّب بألقاب التفخيم : كالعلاَّمة ، والإمام ، والشيخ ، والبحر ، إلى غير ذلك من ألفاظ الإعجاب والتقدير الّتي تنمّ عن علوّ منزلته العلمية ، كما صرَّحت بذلك كتب الأوائل والأواخر ، وجميع هؤلاء الأفاضل الأماثل اتّفقوا بأنّ ابن الصبّاغ كان من أكابر علماء السنّة ، وأعاظم محدِّثيهم الأعلام ۲ .
فهذه نسبته ونسبه ، وفضله وحسبه ، وعلمه وأدبه ، فالأحسن والأحقّ والأولى أن اُقرّرها لك بهذا التقرير : لم يكتحل حدقة الزمان له بمثلٍ ولا نظير ، ولما تصل أجنحة الإمكان إلى ساحة بيان فضله الغزير ، كيف ولم يدانه في الفضائل سابق عليه ولا لاحق ، ولم يثنّ إلى زماننا هذا ثناءه الفاخر الفائق ، وإن كان قد ثنّى ما أثنى على غيره من كلِّ لقبٍ جميلٍ رائق ، وعلمٍ جليلٍ لائق . إذن فالأولى لنا التجاوز عن مراحل نعت كماله ، والاعتراف بالعجز عن التعرّض لتوصيف أمثاله ، ويخطر ببالي أن لا أصفه ، إذْ لا تسع مقدّمتي هذه علومه وفضائله وتصانيفه ومحامده ، وله أكثر من خمسين كتابا .

1.شرح النهج لابن أبي الحديد : ۴ / ۲۵۲ .

2.راجع : جواهر العقدين للسمهودي الشافعي ، ونزهة المجالس للصفوري الشافعي ، وكشف الظنون لملاّ كاتب چلبي ، وإسعاف الراغبين للصبّان ، وذخيرة المآل للعجيلي الشافعي .


الفصول المهمة في معرفة الائمة ج1
18

إلى الأوج الأعلى والقمّة الشاهقة من آفاقهم ، فإذا أسماؤهم ومآثرهم كالشهب الوهّاجة تتلألأ في كبد السماء مادامت الحياة .
وقليل الّذين ترتسم أسماؤهم في كلِّ اُفق من تلكمُ الآفاق ، وتستنير مآثرهم مدى الحياة ، إلاّ اُولئك الأفذاذ الّذين ارتفعت بهم الطبيعة ، فكان لهم من نبوغهم النادر وشأنهم العظيم ما يجعلهم أفذاذا في دنيا الفكر الإسلامي كلّها ، ومنهم الشيخ المؤلّف ، فقد شاءت المنحة الإلهية والإرادة الربّانية أنْ تبارك عمله ويراعه وبيانه ، فتخرج منهم للأجيال والشعوب نتاجا فكريا من أفضل النتاج ، وغذاءً معنويا تتغلّب به على التيّارات السامّة الوافدة عليها من خارج الوطن الإسلامي ، وما تحيكه أذناب الجهل والعمالة داخل الوطن من انحراف مسير المسلمين واتجاهاتهم البنّاءة الهادفة إلى توحيد الكلمة وكلمة التوحيد .
وقد لا أكون مبالغا ولا متعصّبا ولامنحازا حين اُطلق العنان للقلم فيسجّل : أنّ ابن الصبّاغ يتقدّم بما أنتجه وكتبه وصنّفه إلى الطليعة من علماء المالكية ورجالاتها الّذين كرّسوا حياتهم طول أعمارهم لخدمة الحقّ والواقع ، وبهذا استحقّ أن يتصدّر مجلس المالكية في العالم الإسلامي الحاضر ، وحتّى في عصوره المقبلة .
لقد منح ـ المترجَم له ـ لكلِّ لحظة من لحظات حياته حسابا خاصّا ، ومسؤوليةً هامّة يتساءل عنها ويحاسب عليها ، فبنى حياته على قول الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام حيث يقول : «والفرصة تمرُّ مرَّ السحاب ، فانتهزوا فرص الخير» ۱ . ومنه أخذ ابن المقفّع عبداللّه ، فقال : انتهز الفرصة في إحراز المآثر ، واغتنم الإمكان باصطناع الخير ، ولا تنتظر مايعامل فتجازى عنه مثله ، فإنّك إن عوملت بمكروهٍ واشتغلت ترصد أوان المكافأة عنه قصر العمر بك عن اكتساب فائدة وافتناء منقبة ، وتصرّمت أيّامك بين تعدٍّ عليك وانتظارٍ للظفر بإدراك الثأر من

1.نهج البلاغة (صبحي الصالح) : الحكمة ۲۱ .

  • نام منبع :
    الفصول المهمة في معرفة الائمة ج1
    المساعدون :
    الغریری، سامی
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1379 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 63492
الصفحه من 674
طباعه  ارسل الي