1097
الفصول المهمة في معرفة الائمة ج2

آتاه اللّه تعالى فيها الحكمة [وفصل الخطاب ، وجعله آيةً للعالمين] كما آتاها يحيى صبيّا وجعله إماما في حال الطفولية [الظاهرة ]كما جعل عيسى بن مريم في المهد نبيّا . وقد سبق النصّ عليه في ملّة الإسلام من نبيّ الهدى ۱ عليه الصلاة والسلام ، ثمّ ۲ من جدّه [أمير المؤمنين] عليّ بن أبي طالب [ونصّ عليه الأئمّة عليهم السلامواحدا بعد واحد إلى أبيه عليه السلام ، ونصّ أبوه عليه عند ثقاته وخاصّة شيعته ، وكان الخبر بغَيبته ثابتا قبل وجوده ، وبدولته مستفيضا قبل غَيبته] ومن بقية آبائه أهل الشرف والمراتب ، و هو صاحب السيف و القائم بالحقّ المنتظَر [لدولة الإيمان ]كما ورد ذلك في صحيح الخبر ، وله قبل قيامه غَيبتان ۳

1.في (أ) : النبي محمّد .

2.في (أ) : وكذلك .

3.لكلمة الغَيبة هنا معنيان : انه عليه السلام يختفي بجسمه عن العيون ، مع كونه موجودا ، فهو يرى الناس ولايرونه ، كما أنّ العيون لاترى الأرواح ولا الملائكة ولا الجنّ مع تواجدها في المجتمعات البشرية ، وقد تظهر الملائكة حتّى لغير الأنبياء كما ظهرت لسارة زوجة إبراهيم عليهماالسلام ولمريم بنت عمران عليهماالسلام أمّا للأنبياء فقد ظهر جبرائيل لرسول اللّه صلى الله عليه و آلهوكذلك ظهرت يوم بدر للمسلمين ... الخ . وهنالك أدلّة تثبت ذلك للإمام المهدي عجّل اللّه فرجه ، فقد ورد في كمال الدين : ۳۸۱ ح ۵ ، و۶۴۸ ح ۴ ، و ۳۱۹ بإسناده عن الريّان بن الصلت قال : سمعته يقول : سئل أبو الحسن الرضا عليه السلام عن القائم عليه السلام فقال : لايرى جسمه ولايسمى باسمه ... وأخرج عن الصادق عليه السلام قال : الخامس من ولد السابع يغيب عنكم شخصه ولايحلّ لكم تسميته . وعن زرارة قال : سمعت أبا عبداللّه عليه السلام يقول : يفقد الناس إمامهم فيشهد الموسم فيراهم ولايرونه . وهذا هو السبب الّذي جعل الإمام عليه السلام يختفي عن طريق الإعجاز الإلهي عن عيون الظالمين من بني العبّاس وبقية الظالمين ، وفي اختفائه هذا مأمن قطعي من أيّ مطاردة أو تنكيل ، وله اُسوة بجده صلى الله عليه و آله عند ما غيّب عن أبصار قريش حينما اجتمعوا على قتله فقد خرج من بينهم وهم لايشعرون . ولذا فهو عليه السلام محتجبا عن أعين الناس إلاّ أنّه كان يلتقي بخواصّه من المؤمنين الصالحين بحدود المصلحة ، فإن اقتضت الضرورة أن يظهر ظهورا تامّا تحقّق ذلك ثمّ يحتجب فجأةً فلايراه أحد بالرغم من وجوده في نفس المكان ، وإذا اقتضت الضرورة أن يكون ظهوره لشخص دون آخر تعيّن ذلك . ومن أراد المزيد فليراجع تاريخ الغيبة الصغرى للسيّد محمّد الصدر : ۳۱۴ فانه ظهر عليه السلام لعمّه جعفر الكذّاب مرّتين ثمّ اختفى من دون أن يعلم أين ذهب ، وانظر النجم الثاقب للمحدّث النوري : ۳۵۱ . ويتفرّع على هذا أنّ الناس يرونه عليه السلام بشخصه دون أن يعرفوه أو ملتفتين إلى حقيقته ، ولذا أصبح لايكاد يتصل بالنّاس إلاّ عن طريق سفرائه الأربعة ، ثمّ تقدّمت السنيين وتقدّمت الأجيال فقلّ الذين عاصروا الإمام العسكري وشاهدوا ابنه عليهماالسلام حتّى انقرضوا وأمّا الجيل الّذي يشكّل التيّار العامّ فلايعرف أيّ سحنة وشكل إمامه عجّل اللّه فرجه بحيث لو واجهوه لما عرفوه البتة إلاّ بإقامة الدليل القطعي ، وبهذا يمكن للإمام المهدي عجّل اللّه فرجه أن يعيش في أيّ مكان يختاره وتكون حياته عادية كحياة أيّ شخص يكتسب عيشه ويعمل . والأخبار بهذا واردة منها ما أخرجه الشيخ الطوسي في الغيبة : ۲۲۱ عن السفير الثاني محمّد بن عثمان العمري أنه قال : واللّه إنّ صاحب هذا الأمر ليحضر الموسم كلّ سنة يرى الناس ويعرفهم ويرونه ولايعرفونه . ولهذا فإنّ الاختفاء بالجسم هو المأمن الوحيد عن الخطر . ولذا يقول عليه السلام لسفيره محمّد بن عثمان : فإنهم إن وقفوا على الاسم أذاعوه ، وإن وقفوا على المكان دلّوا عليه . انظر الغيبة للطوسي : ۲۲۲ . ونحن لسنا بصدد بيان الاطروحات وأيهنّ أصحّ ولكن نرجّح الثانية من خلال ترجيح أكابر العلماء لها . أمّا ما ورد من شبهات وردود من قِبل بعض المشكّكين والحاقدين من أنّ الشيعة يعتقدون بأنّ الإمام غاب في السرداب ، مع العلم أنه لايوجد ولم يوجد أحد من الشيعة يعتقد بذلك . انظر تاريخ الغيبة الصغرى للسيّد محمّد الصدر : ۵۶۳ وقصة السرداب هي من المخاريق والأباطيل الّتي اتّهمت الإمامية بها دون إنصاف لتشويه عقيدتهم المشرّفة . والسِرداب ـ بكسر السين ـ بناء تحت الأرض يُلْجأ إليه من حَرِّ الصيف وكانت أكثر البيوت والمساكن ولازالت لحدّ الآن في المناطق الحارّة وغيرها مزوّدة بالسِراديب ، والسرداب لايزال موجودا في جوار مرقد الإمامين الهادي والعسكري عليه السلام وبناؤه تجدّد مرّات عديدة والمكان نفسه لايتغيّر والزوّار يحترمون هذا السرداب لشرافته وقدسيته لانه كان مسكنا لثلاثة من الأئمّة عليهم السلام وهنا يتمثّل قول الشاعر وما حُبُّ الديار شَغَفْن قلبي ولكنْ حُبُّ مَنْ سكن الديارا ولكن انظر إلى قول المنحرفين والحاقدين وأصحاب الأقلام المأجوره تكتب شعرا ما آنَ للسِرداب أنْ يَلِدَ الّذي سَمَّيتُمُوه بزعمكم إنسانا وبقيت هذه الاُكذوبة تتداول وتنتقّل من جاهل إلى حاقد ومن كذّاب إلى دجّال ، حتّى وصل الجهل بهم أن قال ابن خلدون في المقدمة : ۳۵۹ إنّ السرداب في مدينة الحلّة بالعراق ـ الّتي تبعد عن سامراء مايقارب ۳۰۰ كيلومتر ـ وأضاف : أنّ الشيعة يأتون في كلّ ليلة بعد صلاة المغرب بباب هذا السرداب . .. ويصرخون وينادون يا مولانا اخرُج إلينا! ويضيف ابن خلدون بأنّ الإمام المنتظر قد اعتقل مع اُمه في الحلّة وغاب فيها... ونحن لانريد أن نعلّق على هذه الأكاذيب إلاّ أن نقول : ألا لعنة اللّه على الكاذبين... ألا لعنة اللّه على كلِّ مفترٍ أفّاك. ثمّ نقول : هل ذكر لنا ابن خلدون أحدا من مؤرخي الشيعة أو السنّة أنّ الإمام عليه السلام قد اعتُقل أو السلطة ألقت القبض عليه ولو مرّة واحدة بل ولو ساعة سواء في الحلّة أم سامراء أم بغداد؟! وهناك قول آخر يذهب إليه السويدي في سبائك الذهب : ۷۸ فيقول : وتزعم الشيعة أنه غاب في السرداب بسرّ من رأى والحرس عليه سنة (۲۶۲ ه) . وهناك قول ثالث يقول في بغداد ... وهاهو ابن تيمية يذهب إلى القول كما جاء في منهاج السنّة فيقول : إنّ الشيعة تعتقد أنّ الإمام باقٍ في السرداب الواقع في سامراء وينتظرون خروجه ... ومثل ذلك قول ابن حجر في الصواعق المحرقة : ۱۰۰ . وسار القصيمي على منوالهم في كتابه الصراع بين الإسلام والوثنية : ۱ / ۳۷۴ . وانظر تعليق الشيخ الأميني رحمه الله في الغدير : ۳ / ۳۰۸ على هذا الافتراء الكاذب المصحوب بأقبح الألفاظ والّذي لايصدر من أدنى مسلم نطق بالشهادتين . وعلى عكس هؤلاء المنكرين يوجد فريق آخر من المؤرّخين يؤمنون به وقالوا الكثير في حقّه من المدح والثناء ، ولسنا بصدد بيان كلّ من قال بحقّه عجّل اللّه فرجه بل نذكر طرفا منهم على سبيل المثال لاالحصر مع ذكر مصادرهم علاوة على المصنّف ابن الصبّاغ المالكلي رحمه الله . محمّد بن طلحة الشافعي في مطالب السؤول : ۲ / ۷۹ ، و : ۷۸ ط الحجر ، القطب الراوندي في الخرائج والجرائح : ۲ / ۹۰۱ ، ابن العربي في الفتوحات المكّية : ۳ / ۴۲۹ ـ ۴۳۰ ، العلاّمة سبط ابن الجوزي في تذكرة الخواصّ : ۳۲۴ ، ابن الأثير في تاريخه : ۵ / ۳۷۳ ، الشبراوي الشافعي في الاتحاف بحبّ الأشراف : ۱۷۸ ، القرماني في أخبار الدول : ۱۱۷ ، إسماعيل أبو الفداء في تاريخه : ۲ / ۵۲ ، الهاشمي الحنفي في أئمة الهدى : ۱۳۸ ، ابن خلّكان في وفيات الأعيان : ۲ / ۴۵۱ ، الذهبي في تاريخ دول الإسلام : ۵ / ۱۱۵ ، يوسف النبهاني في جامع كرامات الأولياء : ۱ / ۳۸۹ ، البستاني في دائرة المعارف : ۷ / ۴۵ . وكذلك والشبلنجي في نور الأبصار : ۳۴۲ ـ ۳۴۹ ، العبّاس بن نور الدين في نزهة الجليس : ۲ / ۱۸۴ ، الشيخ المفيد في الإرشاد : ۲ / ۳۳۹ ، الإربلي في كشف الغمّة : ۳ / ۲۲۳ ، الزركلي في الأعلام : ۶ / ۳۰۹ و۳۱۰ ، الكاشفي في روضة الشهداء : ۳۲۶ ، أحمد دحلان في الفتوحات الإسلامية : ۲ / ۳۲۲ ، ابن شهرآشوب المازندراني في مناقب آل أبي طالب : ۴ / ۴۲۱ ، محمّد بن يوسف الكنجي الشافعي في كفاية الطالب : ۴۷۳ وكذلك في البيان في أخبار صاحب الزمان : ۸۱ ـ ۱۶۰ ، القندوزي الحنفي في ينابيع المودّة : ۳ / ۱۷۱ ومابعدها ط اُسوة ، و : ۴۷۱ ط آخر .


الفصول المهمة في معرفة الائمة ج2
1096

رحمه اللّه تعالى : و كان الإمام بعد أبي محمّد الحسن ابنه محمّدا [المسمّى باسم رسول اللّه صلى الله عليه و آله المكنّى بكنيته] ولم يخلّف أبوه ولدا غيره ظاهرا ولاباطنا ، وخلّفه أبوه غائبا مستترا ۱ بالمدينة وكان سنّه ۲ عند وفاة أبيه خمسَ سنين ،

1.انظر الإرشاد للمفيد : ۲ / ۳۳۹ .

2.في (أ) : عمره .

  • نام منبع :
    الفصول المهمة في معرفة الائمة ج2
    المساعدون :
    الغریری، سامی
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1379 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 69863
الصفحه من 1403
طباعه  ارسل الي