3 / 24
عَبدُ اللّه ِ بنُ هاشِم
نَجلُ البَطَلِ العَظيمِ في ساحَةِ الوَغى ، وَالعابدِ ذِي القَلبِ السَّليمِ في جَيشِ أميرِ المُؤمِنين عليه السلام هاشِمِ بنِ عُتبَة . رَفَعَ الرّايَةَ بَعدَ أبيهِ ، وَألقى خُطبَةً حِماسِيَّةً أمامَ جَيشِ مُعاوِيَة ، وَصَفَ فيها أباهُ ، وذَكَرَ مَنزِلَةَ الإِمامِ الرَّفيعَةَ ، وكَشَفَ عَن حَقيقَةِ مُعاوِيَة ، ثُمَّ حَمَلَ عَلَى العَدُوِّ .
ولمَّا انقَضى أمرُ صِفّين ، وسَلَّم الأَمرَ الحَسَن عليه السلامإلى مُعاوِيَة ووَفَدَت عَلَيهِ الوُفودَ ، اُشخِصَ عَبدُ اللّه ِ بنُ هاشِم إلَيهِ أسيرا ، فَلَمّا اُدخِلَ عَلَيهِ مُثِّلَ بَينَ يَدَيهِ وعِندَهُ عَمرُو بنُ العاص ، فَقالَ : يا أميرَ المُؤمِنين ، هذَا المُختالُ ابنُ المِرقال ، فَدونَكَ الضَبَّ المُضبَّ ، المُغتَرَّ المَفتونَ ، فَإِنَّ العَصا مِنَ
العُصَيَّةِ ، وإنَّما تَلِدُ الحَيَّةُ حَيَّةً ، وجَزاءُ السَّيِّئَةِ سَيِّئَةٌ مِثلُها .
فَقالَ لَهُ ابنُ هاشِم : ما أنَا بِأَوَّلِ رَجُلٍ خَذَلَهُ قَومُهُ ، وأدرَكَهُ يَومُهُ .
فَقالَ مُعاوِيَة : تِلكَ ضَغائِنُ صِفّين وما جَنى عَلَيكَ أبوكَ ، فَقالَ عَمرٌو : أمكِنّي مِنهُ فَأَشخَبَ أوداجَهُ عَلى أثباجِهِ . ۱
فَقالَ لَهُ ابنُ هاشِم : فَهَلاّ كانَت هذِهِ الشَّجاعَةُ مِنكَ ـ يَابنَ العاص ـ أيّامَ صِفّين حينَ نَدعوكُ إلَى النِّزالِ ، وقَدِ ابتَلَّت أقدامُ الرِّجالِ مِن نَقيعِ الجِريالِ ۲ ، وقَدتَضايَقَت بِكَ المَسالِكُ ، وأشرَفتَ فيها عَلَى المَهالِكِ ؟! وَايمُ اللّه ِ لَولا مَكانُكَ مِنهُ لَنَشَبَت لَكَ مِنّي خافِيَةٌ أرميكَ مِن خِلالِها أحَدَّ مِن وَقعِ الأَشافي ۳ ، فَإِنَّكَ لا تَزالُ تُكثِرُ في هَوَسِكَ ، وتَخبِطُ في دَهشِكَ ، وتَنشَبُ في مَرسِكَ ، تَخَبُّطَ العَشواءِ فِي اللَّيلَةِ الحَندَسِ الظَّلماءِ .
قالَ : فَأَعجَبَ مُعاوِيَة ما سَمِعَ مِن كَلامِ ابنِ هاشِم ، فَأَمرَ َبِهِ إلَى السِّجنِ وكَفَّ عَن قَتلِهِ . ۴
1.الثَّبَج : الوَسَط ، وما بين الكاهل إلى الظهر ، أو ما بين الكتفين والكاهل (النهاية : ج ۱ ص ۲۰۶) .
2.الجِريال : الحُمْرَة ، أو ما خلص من لونٍ أحمر وغيره (لسان العرب : ج ۱۱ ص ۱۰۸ و ۱۰۹) .
3.الأشفى : المِثقَب ، المِخصَفُ للنعال (لسان العرب : ج ۱۴ ص ۴۳۸) .
4.وقعة صفّين : ص ۳۴۸ .