217
جواهر الحكمة للشّباب

جواهر الحكمة للشّباب
216

۵۱۵.الإمام زين العابدين عليه السلام :إنَّ أعرابِيّا أتى رَسولَ اللّه صلى الله عليه و آله فَخَرَجَ إلَيهِ فى رِداءٍ مُمَشَّقٍ ۱ .
فَقالَ : يا مُحَمَّد ، لَقَد خَرَجتَ إلَيَّ كَأَنَّكَ فَتىً .
فَقالَ صلى الله عليه و آله : نَعَم يا أعرابِيُّ ، أنَا الفَتَى ، ابنُ الفَتى ، أخُو الفَتى .
فَقالَ : يا مُحَمَّد ، أمَّا الفَتى فَنَعَم ، وكَيفَ ابنُ الفَتى وأخُو الفَتى؟
فَقالَ : أما سَمِعتَ اللّه َ عز و جليَقولَ : «قَالُواْ سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَ هِيمُ»۲ فَأَنَا ابنُ إبراهيم ، وأمّا أخُو الفَتى فَإِنَّ مُنادِيا نادى فِي السَّماءِ يَومَ اُحُد : «لا سَيفَ إلاّ ذُوالفَقارِ ولا فَتى إلاّ عَلِيٌّ ، فَعَلِيٌّ أخي وأنَا أخوهُ» . ۳

۵۱۶.الإمام الحسن عليه السلام :سَأَلتُ خالي هِندَ بنَ أبي هالَة عَن حِليَةِ رَسولِ اللّه صلى الله عليه و آله وكانَ وَصّافا لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه و آله فَقالَ : كانَ رسولُ اللّه فَخما مُفَخَّما ، يَتَلأَلأَُ وَجهُهُ تَلأَلُؤَ القَمَرِ لَيلَةَ البَدرِ ، أطوَلَ مِنَ المَربوعِ وأقصَرَ مِنَ المُشَذَّبِ ، ۴ عَظيمَ الهامَةِ ، رَجِلَ الشَّعرِ إذَا انفَرَقَت عَقيقَتُهُ ۵ فَرَقَ وإلاّ فَلا يُجاوِزُ شَعرُهُ شَحمَةَ اُذُنَيهِ إذا هُوَ وَفرَةٌ ،
أزهَرَ اللَّونِ ، واسِعَ الجَبينِ ، أزَجَّ ۶ الحاجِبَينِ سوابِغَ في غَيرِ قَرَنٍ بَينَهُما عِرقٌ يُدِرَّهُ الغَضَبُ ، أقنَى العِرنينِ لَهُ نورٌ يَعلوهُ يَحسَبُهُ مَن لَم يَتَأَمَّلهُ ، أشَمَّ ، كَثَّ اللِّحيَةِ ، سَهلَ الخَدَّينِ ، ضَليعَ الفَمِ ، أشنَبَ ۷ مُفَلَّجَ الأَسنانِ ، دَقيقَ المَسرُبَةِ ۸ كَأَنَّ عُنُقَهُ جيدُ دُميَةٍ في صَفاءِ الفِضَّةِ ، مُعتَدِلَ الخَلقِ ، بادِنا مُتَماسِكا ، سَواءَ البَطنِ والصَّدرِ ، بَعيدَ ما بَينَ المَنكِبَينِ ، ضَخمَ الكَراديسِ ، أنوَرَ المُتَجَرِّدِ مَوصولَ ما بَينَ اللَّبَّةِ وَالسُّرَّةِ بِشَعرٍ يَجري كَالخَطِّ ، عارِيَ الثَّديَينِ وَالبَطنِ وما سِوى ذلِكَ ، أشعَرَ الذِّراعَينِ وَالمَنكِبَينِ وأعالِيَ الصَّدرِ ، طَويلَ الزَّندَينِ رَحبَ الرّاحَةِ ، شَثنَ الكَّفَينِ وَالقَدَمَينِ ، سَائِلَ الأَطرافِ ، سَبطَ العَصَبِ ۹ ، خُمصانَ الأَخمَصَينِ ، فَسيحَ القَدَمَينِ يَنبو عَنهُمَا الماءُ إذا زالَ زالَ تَقَلُّعا يَخطو تَكَفِيّا ويَمشي هَونا ، ذَريعَ المِشيَةِ إذا مَشى كَأَنَّما يَنحَطُّ مِن صَبَبٍ ، وإذَا التَفَتَ التَفَتَ جَميعا ، خافِضَ الطَّرفِ نَظَرُهُ إلى الأَرضِ أطوَلُ مِن نَظَرِهِ إلَى السَّماءِ ، جُلُّ نَظَرِهِ المُلاحَظَةُ ، يَبدُرُ مَن لَقِيَهُ بِالسَّلامِ .
قالَ : قُلتُ : صِف لي مَنطِقَهُ .
فَقالَ : كانَ صلى الله عليه و آله مُتَواصِلَ الأَحزانِ ، دائِمَ الفِكرَةِ لَيسَت لَهُ راحَةٌ ، ولا يَتَكَلَّمُ في غَيرِ حاجَةٍ ، يَفتَتِحُ الكَلامَ ويَختِمُهُ بِأَشداقِهِ ، يَتَكَلَّمُ بِجَوامِعِ الكَلِمِ فَصلاً لا فُضولَ فيهِ ولا تَقصيرَ ، دَمِثا لَيسَ بِالجافي
ولا بِالمَهينِ ، تَعظُمُ عِندَهُ النِّعمَةُ وإن دَقَّت لا يَذُمُّ مِنها شَيئا غَيرَ أنَّهُ كانَ لا يَذُمُّ ذَوّاقا ولا يَمدَحُهُ ولا تُغضِبُهُ الدُّنيا وما كانَ لَها ، فَإِذا تُعوطِيَ الحَقُّ لَم يَعرِفهُ أحَدٌ ، ولَم يَقُم لِغَضَبِهِ شَيءٌ حَتّى يَنتَصِرَ لَهُ ، وإذا أشارَ أشارَ بِكَفِّهِ كُلِّها ، وإذا تَعَجَّبَ قَلَبَها ، وإذا تَحَدَّثَ قارَبَ يَدَهُ اليُمنى مِنَ اليُسرى فَضَرَبَ بِإِبهامِهِ اليُمنى راحَةَ اليُسرى ، وإذا غَضِبَ أعرَضَ بِوَجهِهِ و أشاحَ ، وإذا فَرِحَ غَضَّ طَرفَهُ ، جُلُّ ضِحكِهِ التَّبَسُّمُ ، يَفتَرُّ عَن مِثلِ حَبِّ الغَمامِ ، قالَ الحَسَن عليه السلام : فَكَتَمتُ هذَا الخَبَرَ عَنِ الحُسَين عليه السلامزَمانا ، ثُمَّ حَدَّثتُهُ فَوَجَدتُهُ قَد سَبَقَني إلَيهِ وسَأَلَهُ عَمّا سَأَلَتُهُ عَنهُ فَوَجَدتُهُ قَد سَأَلَ أباهُ عَن مَدخَلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله ومَخرَجِهِ وَمجلِسِهِ وشَكلِهِ فَلَم يَدَع مِنهُ شَيئا .
قالَ الحُسَين عليه السلام : سَأَلتُ أبي عليه السلام عَن مَدخَلِ رَسولِ اللّه صلى الله عليه و آله .
فَقالَ : كانَ دُخولُهُ لِنَفسِهِ مَأذونا لَهُ في ذلِكَ فَإِذا أوى إلى مِنزِلِهِ جَزَّأَ دُخولَهُ ثَلاثَةَ أجزاءٍ : جُزءَا لِلّهِ تَعالى ، وجُزءَا لأَِهلِهِ ، وجُزءَا لِنَفسِهِ ، ثُمَّ جَزَّأَ جُزءَهُ بَينَهُ وبَينَ النّاسِ فَيَرُدُّ ذلِكَ بِالخاصَّةِ عَلَى العامَّةِ ولا يَدَّخِرُ عَنهُم مِنهُ شَيئا وكانَ مِن سيرَتِهِ في جُزءِ الاُمَّةِ إيثارُ أهلِ الفَضلِ بِإِذنِهِ وقَسمُهُ عَلى قَدرِ فَضلِهِم فِي الدّينِ فَمِنهُم ذُو الحاجَةِ ، ومِنهُم ذُو الحاجَتَينِ ، ومِنهُم ذُو الحَوائِجِ ، فَيَتَشاغَلُ ويَشغَلُهُم فيما أصلَحَهُم وأصلَحَ الاُمَّةَ مِن مَسأَلَتِهِ عَنهُم وإخبارِهِم بِالَّذي يَنبَغي ويَقولُ : لِيُبلِغِ الشّاهِدُ مِنكُمُ الغائِبَ وأبلِغوني حاجَةَ مَن لا يَقدِرُ عَلى إبلاغِ حاجَتِهِ ، فَإِنَّهُ مَن أبلَغَ سُلطانا حاجَةَ مَن لا يَقدِرُ عَلى إبلاغِها ثَبَّتَ اللّه ُ قَدَمَيهِ يَومَ القِيامَةِ لا يَذكُرُ عِندَهُ إلاّ
ذلِكَ ولا يَقبَلُ مِن أحَدٍ غَيرَهُ ۱۰ يَدخُلونَ رُوّادا ولا يَفتَرِقونَ إلاّ عَن ذَواقٍ ويَخرُجونَ أدِلَّةً فُقَهاءَ. فَسَأَلتُهُ عَن مَخرَجِ رَسولِ اللّه صلى الله عليه و آله كَيفَ كانَ يَصنَعُ فيهِ ؟
فَقالَ : كانَ رَسولُ اللّه صلى الله عليه و آله يَخزُنُ لِسانَهُ إلاّ عَمّا يَعنيِه ويُؤِلِفُهُم ولا يُنَفِّرُهُم ، ويُكرِمُ كَريمَ كُلِّ قَومٍ ويُوَلِّيهِ عَلَيهِم ، ويَحْذَرُ النّاسَ ويَحتَرِسُ مِنهُم مِن غَيرِ أن يَطوِيَ عَن أحَدٍ بُشرَهُ ولا خُلُقَهُ ، ويَتَفَقَّدُ أصحابَهُ ، وَيسأَلُ النّاسَ عَمّا فِي النّاسِ ، ويُحَسِّنُ الحَسَنَ ويُقَوِّيهِ وَيُقَبِّحُ القَبيحَ ويوهِنُهُ ، مُعتَدِلَ الأَمرِ غَيرَ مُختَلِفٍ ، لا يَغفُلُ مَخافَةَ أن يَغفُلوا أو يَملُّوا ، ولا يُقَصِّرُ عَنِ الحَقِّ ولا يَجوزُهُ الَّذينَ يَلونَهُ مِنَ النّاسِ خِيارُهُم أفضَلُهُم عِندَهُ وَأعَمُّهُم نَصيحَةً لِلمُسلِمين وأعظَمُهُم عِندَهُ مَنزِلَةً أحسَنُهُم مُواساةً ومُؤازَرَةً.
قالَ : فَسَأَلتُهُ عَن مَجلِسِهِ .
فَقالَ : كانَ صلى الله عليه و آله لا يَجلِسُ ولا يَقومُ إلاّ عَلى ذِكرٍ ولا يوطِنُ الأَماكِنَ ويَنهى عَن إيطانِها ، وإذَا انتَهى إلى قَومٍ جَلَسَ حَيثُ يَنتَهي بِهِ المَجلِسُ وَيأمُرُ بِذلِكَ ويُعطي كُلَّ جُلَسائِهِ نَصيبَهُ حَتّى لا يَحسَبُ أحَدٌ مِن جُلَسائِهِ أنَّ أحَدا أكرَمُ عَلَيهِ مِنهُ ، مَن جالَسَهُ صابَرَهُ حَتّى يَكونَ هُوَ المُنصَرِفَ عَنهُ ، مَن سَأَلَهُ حاجَةً لَم يَرجِع إلاّ بِها أو بِمَيسورٍ مِنَ القَولِ ، قَد وَسِعَ النّاسَ مِنهُ خُلُقُهُ وصارَ لَهُم أبا رَحيما وصاروا عِندَهُ فِي الحَقِّ سَواءً ، مَجلِسُهُ مَجلِسُ حِلمٍ وحَياءٍ وصِدقٍ وأمانَةٍ لا تُرفَعُ فيهِ الأَصواتُ ، ولا تُؤبَنُ فيهِ الحُرَمُ ،
ولا تُثَنّى ۱۱ فَلَتاتُهُ ، مُتَعادِلينَ مُتَواصِلينَ فيهِ بِالتَّقوى مُتَواضِعينَ ، يُوَقِّرونَ الكَبيرَ ويَرحَمونَ الصَّغيرَ ، ويُؤثِرونَ ذَا الحاجَةِ ، ويَحفَظونَ الغَريبَ.
فَقُلتُ : كَيفَ كانَ سيرَتُهُ في جُلَسائِهِ؟
فَقالَ : كانَ دائِمَ البِشرِ ، سَهلَ الخُلُقِ ، لَيِّنَ الجانِبِ لَيسَ بِفَظٍّ ولا غَليظٍ ولا صَخّابٍ ولا فَحّاشٍ ولا عَيّابٍ ولا مَزّاحٍ ولا مَدّاحٍ يَتَغافَلُ عَمّا لا يَشتَهي ، فَلا يُؤيِسُ مِنهُ ولا يُخَيِّبُ فيهِ مُؤَمِّليهِ ، قَد تَرَكَ نَفسَهُ مِن ثَلاثٍ : المِراءِ وَالإِكثارِ وما لا يَعنيهِ ، وتَرَكَ النّاسَ مِن ثَلاثٍ : كانَ لا يَذُمُّ أحَدا ولا يُعَيِّرُهُ ولا يَطلُبُ عَثَراتِهِ ولا عَورَتَهُ ولا يَتَكَلَّمُ إلاّ فيما رَجا ثَوابَهُ ، إذا تَكَلَّمَ أطرَقَ جُلَساءُهُ كَأَنَّما عَلى رُؤوسِهِمُ الطَّيرُ ، وإذا سَكَتَ تَكَلَّموا ولا يَتَنازَعونَ عِندَهُ الحَديثَ ، وإذا تَكَلَّمَ عِندَهُ أحَدٌ أنصَتوا لَهُ حَتّى يَفرُغَ مِن حَديثِهِ ، يَضحَكُ مِمّا يَضحَكونَ مِنهُ ، وَيَتَعَجَّبُ مِمّا يَتَعَجَّبونَ مِنهُ ، ويَصبِرُ للغَريبِ عَلَى الجَفوَةِ فِي المَسأَلَةِ وَالمَنطِقِ حَتّى أنَ كانَ أصحابُهُ لَيَستَجلِبونَهُم ويَقولُ : إذا رَأَيتُم طالِبَ حاجَةٍ يَطلُبُها فَارفِدوهُ ، ولا يَقبَلُ الثَّناءَ إلاّ مِن مُكافِىً ، ولا يَقطَعُ عَلى أحَدٍ كلامَهُ حَتّى يَجوزَهُ فَيَقطَعَهُ بِنَهيٍ أو قِيامٍ .
قالَ : فسَأَلتُهُ عن سُكوتِ رَسولِ اللّه صلى الله عليه و آله .
فَقالَ عليه السلام : كانَ سُكوتُهُ عَلى أربَعٍ : الحِلمِ وَالحَذَرِ وَالتَّقديرِ وَالتَّفكُّرِ ، فَأَمَّا التَّقديرُ فَفي تَسوِيَةِ النَّظَرِ وَالاِستِماعِ بَينَ النّاسِ،
وأمّا تَفَكُّرُهُ فَفيما يَبقى ويَفنى.
وجُمِعَ لَهُ الحِلمُ فِي الصَّبرِ فَكانَ لا يُغضِبُهُ شَيءٌ ولا يَستَفِزُّهُ .
وجُمِعَ لَهُ الحَذَرُ في أربَعٍ : أخذِهِ الحَسَنَ لِيُقتَدى بِهِ ، وتَركِهِ القَبيحَ لِيُنتَهى عَنهُ ، وَاجتِهادِهِ الرَّأيَ في إصلاحِ اُمَّتِهِ وَالقِيامِ فيما جَمَعَ لَهُم مِن خَيرِ الدُّنيا وَالآخِرَةِ . ۱۲

1.ثوب ممشّق : مصبوغ بالمشق وهو طين أحمر يستعمل للصبغ (راجع : تاج العروس : ج ۱۳ ص ۴۴۷) .

2.الأنبياء : ۶۰ .

3.معاني الأخبار : ص ۱۱۹ .

4.المشذَّب : هو الطويل البائن الطُّول مع نَقص في لحمه ، وأصله من النخلة الطويلة التي شُذّب عنها جريدها : أي قطّع و فرّق (النهاية : ج ۲ ، ص ۴۵۳).

5.عقيقته : العَقُّ في الأصل الشق والقطع ، سمّيت الشعرة التي يخرج الولود من بطن أُمه وهي عليه عقيقة. (لسان العرب : ج ۱۰ ص ۲۵۷) .

6.أزجّ الحواجب؛ الزجج : تقوُّس في الحجاب مع طول في طَرفه وامتداد . (النهاية : ج ۲ ص۲۹۶) .

7.الشَّنب : البياض والبريق والتحديد في الأسنان (النهاية : ج ۲ ، ص ۵۰۳).

8.المسربة : الشعر المُستدقُّ ، النابت وسط الصدر إلى البطن (لسان العرب : ج ۱ ص ۴۶۵) .

9.في معاني الأخبار و بحار الأنوار : «سَبطَ القَصَبِ» .

10.في معاني الأخبار و بحارالأنوار : «لا يُقَيِّدُ مِن أحَدٍ عَثرَةً» .

11.في معاني الأخبار : «لا تُنثى» ولعلّه هو الأصحّ .

12.عيون أخبار الرضا عليه السلام : ج ۱ ص ۳۱۶ ح ۱ ، معاني الأخبار : ص ۸۰ ح ۱ ، بحار الأنوار : ج ۱۶ ص ۱۴۸ ح ۴ .

  • نام منبع :
    جواهر الحكمة للشّباب
    المساعدون :
    غلامعلي، احمد
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 194695
الصفحه من 366
طباعه  ارسل الي