283
جواهر الحكمة للشّباب

3 / 24

عَبدُ اللّه ِ بنُ هاشِم

نَجلُ البَطَلِ العَظيمِ في ساحَةِ الوَغى ، وَالعابدِ ذِي القَلبِ السَّليمِ في جَيشِ أميرِ المُؤمِنين عليه السلام هاشِمِ بنِ عُتبَة . رَفَعَ الرّايَةَ بَعدَ أبيهِ ، وَألقى خُطبَةً حِماسِيَّةً أمامَ جَيشِ مُعاوِيَة ، وَصَفَ فيها أباهُ ، وذَكَرَ مَنزِلَةَ الإِمامِ الرَّفيعَةَ ، وكَشَفَ عَن حَقيقَةِ مُعاوِيَة ، ثُمَّ حَمَلَ عَلَى العَدُوِّ .
ولمَّا انقَضى أمرُ صِفّين ، وسَلَّم الأَمرَ الحَسَن عليه السلامإلى مُعاوِيَة ووَفَدَت عَلَيهِ الوُفودَ ، اُشخِصَ عَبدُ اللّه ِ بنُ هاشِم إلَيهِ أسيرا ، فَلَمّا اُدخِلَ عَلَيهِ مُثِّلَ بَينَ يَدَيهِ وعِندَهُ عَمرُو بنُ العاص ، فَقالَ : يا أميرَ المُؤمِنين ، هذَا المُختالُ ابنُ المِرقال ، فَدونَكَ الضَبَّ المُضبَّ ، المُغتَرَّ المَفتونَ ، فَإِنَّ العَصا مِنَ
العُصَيَّةِ ، وإنَّما تَلِدُ الحَيَّةُ حَيَّةً ، وجَزاءُ السَّيِّئَةِ سَيِّئَةٌ مِثلُها .
فَقالَ لَهُ ابنُ هاشِم : ما أنَا بِأَوَّلِ رَجُلٍ خَذَلَهُ قَومُهُ ، وأدرَكَهُ يَومُهُ .
فَقالَ مُعاوِيَة : تِلكَ ضَغائِنُ صِفّين وما جَنى عَلَيكَ أبوكَ ، فَقالَ عَمرٌو : أمكِنّي مِنهُ فَأَشخَبَ أوداجَهُ عَلى أثباجِهِ . ۱
فَقالَ لَهُ ابنُ هاشِم : فَهَلاّ كانَت هذِهِ الشَّجاعَةُ مِنكَ ـ يَابنَ العاص ـ أيّامَ صِفّين حينَ نَدعوكُ إلَى النِّزالِ ، وقَدِ ابتَلَّت أقدامُ الرِّجالِ مِن نَقيعِ الجِريالِ ۲ ، وقَدتَضايَقَت بِكَ المَسالِكُ ، وأشرَفتَ فيها عَلَى المَهالِكِ ؟! وَايمُ اللّه ِ لَولا مَكانُكَ مِنهُ لَنَشَبَت لَكَ مِنّي خافِيَةٌ أرميكَ مِن خِلالِها أحَدَّ مِن وَقعِ الأَشافي ۳ ، فَإِنَّكَ لا تَزالُ تُكثِرُ في هَوَسِكَ ، وتَخبِطُ في دَهشِكَ ، وتَنشَبُ في مَرسِكَ ، تَخَبُّطَ العَشواءِ فِي اللَّيلَةِ الحَندَسِ الظَّلماءِ .
قالَ : فَأَعجَبَ مُعاوِيَة ما سَمِعَ مِن كَلامِ ابنِ هاشِم ، فَأَمرَ َبِهِ إلَى السِّجنِ وكَفَّ عَن قَتلِهِ . ۴

1.الثَّبَج : الوَسَط ، وما بين الكاهل إلى الظهر ، أو ما بين الكتفين والكاهل (النهاية : ج ۱ ص ۲۰۶) .

2.الجِريال : الحُمْرَة ، أو ما خلص من لونٍ أحمر وغيره (لسان العرب : ج ۱۱ ص ۱۰۸ و ۱۰۹) .

3.الأشفى : المِثقَب ، المِخصَفُ للنعال (لسان العرب : ج ۱۴ ص ۴۳۸) .

4.وقعة صفّين : ص ۳۴۸ .


جواهر الحكمة للشّباب
282

3 / 23

عَبدُ اللّه ِ بنُ بُدَيل

عَبدُ اللّه ِ بنُ بُدَيلِ بنِ وَرقاءَ الخُزاعِيُّ ، أسلَمَ قَبلَ فَتحِ مَكَّة ، وشَهِدَ حُنَينا ، وَالطّائِف ، وتَبوك ، أشخَصَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله إلَى اليَمَن مَعَ أخيهِ عَبدِ الرَّحمن . عَدَّهُ المُؤَرِّخون مِن عُظَماءِ أصحابِ الإِمامِ أميرِ المُؤمِنين عليه السلام وأعيانِهِم .
اِشتَرَكَ عَبدُ اللّه فِي الثَّورَةِ عَلى عُثمان . ثُمَّ كانَ إلى جانِبِ الإِمامِ أميرِ المُؤمِنين عليه السلامعَضُدا صُلبا وصاحِبا مُضَحِّيا . وشَهِدَ مَعَهُ الجَمَل ، وصِفّين . وكانَ في صِفّين قائِدَ الرَّجّالَةِ أو قائِدَ المَيمَنَةِ ، وتَوَلّى رِئاسَةَ قُرّاءِ الكوفَة أيضا .
تَدُلُّ خُطَبُهُ وأقوالُهُ عَلى أ نَّهُ كانَ يَتَمَتَّعُ بِوَعيٍ عَظيمٍ في مَعرِفَةِ أوضاعِ عَصرِهِ ، واُناسِ زَمانِهِ ، ودَوافِعِ أعداءِ الإِمامِ أميرِ المُؤمِنين عليه السلام . وَقَفَ عِندَ قِيامِ الحَربِ بِكُلِّ ثَباتٍ ، وقالَ : «إنَّ مُعاوِيَة ادَّعى ما لَيسَ لَهُ ، ونازَعَ الأَمرَ أهلَهُ ومَن لَيسَ مِثلَهُ ، وجادَلَ بِالباطِلِ لِيُدحِضَ بِهِ الحَقَّ ، وصالَ عَلَيكُم بِالأَعرابِ وَالأَحزابِ ، وزَيَّنَ لَهُمُ الضَّلالَةَ ... وأنتُم وَاللّه ِ عَلى نورٍ مِن ربِّكُم ، وبُرهانٍ مُبينٍ» .
دَنا مِن مُعاوِيَة بِشَجاعَةٍ مَحمودَةٍ وصَولَةٍ لا هَوادَةَ فيها . فَلَمّا رَأى مُعاوِيَة أنَّ الأَرضَ قَد ضاقَت عَلَيهِ بِما رَحُبَت ، أمَرَ أن يُرضَخَ بِالصَّخرِ
وَالحِجارَةِ ويُقضى عَلَيهِ . فَاستُشهِدَ عَبدُ اللّه ، وسَمّاهُ مُعاوِيَة «كَبشَ القَوم» ، وذَكَرَ شَجاعَتَهُ وَاستِبسالَهُ مُتَعَجِّبا ، وذَهَبَ إلى أ نَّهُ فَذٌّ لا نَظيرَ لَهُ فِي القِتالِ . وعُدَّ عبدُ اللّه أحَدَ دُهاةِ العَرَب الخَمسَةِ .
وَاستُشهِدَ أخوهُ عَبدُ الرَّحمن في صِفّين أيضا . ودافَعَ عَبدُ اللّه عَن إمامِهِ حَتّى آخِرِ لَحظَةٍ مِن حَياتِهِ بِكُلِّ ما اُوتِيَ مِن جُهدٍ . وعِندَما طَلَبَ مِنهُ رَفيقُ دَربِهِ وصاحِبُهُ الأَسوَدُ بنُ طُهمانَ الخُزاعِيُّ أن يوصِيَهُ وهُوَ يَلفَظُ أنفاسَهُ الأَخيرَةَ ، قالَ : «اُوصيكَ بِتَقوَى اللّه ِ ، وأن تُناصِحَ أميرَ المُؤمِنين ، وأن تُقاتِلَ مَعَهُ المُحِلّينَ حَتّى يَظهَرَ الحَقُّ أو تَلحَقَ بِاللّه ِ ، وأبلِغهُ عَنِّي السَّلامَ ... » .
وعِندَما بَلَغَ الإِمامَ ـ صَلَواتُ اللّه ِ عَلَيهِ ـ سَلامُهُ ، قالَ : «رَحِمَهُ اللّه ِ ، جاهَدَ مَعَنا عَدُوَّنا فِي الحَياةِ ، ونَصَحَ لَنا فِي الوَفاةِ» .

  • نام منبع :
    جواهر الحكمة للشّباب
    المساعدون :
    غلامعلي، احمد
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 192246
الصفحه من 366
طباعه  ارسل الي