287
جواهر الحكمة للشّباب

3 / 26

عَمّارُ بنُ ياسِر

عَمّارُ بنُ ياسِر بنِ عامِرٍ المَذحِجِيُّ ، أبو اليَقظان ، واُمُّهُ سُمَيَّة ، وهِيَ أوَّلُ مَنِ استُشهِدَ في سَبيلِ اللّه ِ . مِنَ السّابِقينَ إلَى الإِيمانِ وَالهِجرَةِ ، ومِنَ الثّابِتينَ الرّاسِخينَ فِي العَقيدَةِ ؛ فَقَد تَحَمَّلَ تَعذيبَ المُشرِكين مَعَ أبَوَيهِ مُنذُ الأَيّامِ الاُولى لِبُزوغِ شَمسِ الإِسلام ، ولَم يُداخِلهُ رَيبٌ في طَريقِ الحَقِّ لَحظةً واحِدَةً .
شَهِدَ لَهُ رَسولُ اللّه صلى الله عليه و آله بِأَنَّهُ يَزولُ مَعَ الحَقِّ ، وأنَّهُ الطَّيِّبُ المُطَيَّبُ وأنَّهُ مُلِئَ إيمانا . وأكَّدَ أنَّ النّارَ لا تَمُسُّهُ أبَدا . وهُوَ مِمَّن حَرَسَ ـ بَعدَ رَسولِ اللّه صلى الله عليه و آله ـ «خِلافَةَ الحَقِّ» و«حَقَّ الخِلافَةِ» ، ولَم يَنكُب عَنِ الصِّراطِ المُستَقيمِ قَطُّ ، وصَلّى مَعَ أميرِ المُؤمِنين عليه السلامعَلى جَنازَةِ السَّيِّدَةِ المُطَهَّرَةِ فاطِمَةَ الزَّهراء عليهاالسلام ، وظَلَّ مُلازِما لِلإِمام ـ صَلَواتُ اللّه ِ عَلَيهِ ـ .
وَلِيَ الكوفَة مُدَّةً في عَهدِ عُمَر . وكانَ قائِدا لِلجُيوشِ في فَتحِ بَعضِ الأَقاليمِ . ولَمّا حَكَمَ عُثمان كانَ مِنَ المُعارِضينَ لَهُ بِجِدٍّ . وَانتَقَدَ سيرَتَهُ مِرارا ، حَتّى هَمَّ بِنَفيِهِ إلَى الرَّبَذَة لَولا تَدَخُّلُ الإِمامِ أميرِ المُؤمِنين عليه السلام ، إذ حالَ دونَ تَحقيقِ هَدَفِهِ .
ضُرِبَ بِأَمرِ عُثمان لِصَراحَتِهِ ، وفَعَلَ بِهِ ذلِكَ أيضا عُثمان نَفسُهُ ، وظَلَّ يُعاني مِن آثارِ ذلِكَ الضَّربِ إلى آخِرِ عُمُرِهِ .
وكانَ لاِشتِراكِهِ الفَعّالِ في حَربِ الجَمَل ، وتَصَدّيهِ لِقِيادَةِ الخَيّالَةِ في جَيشِ الإِمامِ عليه السلام مَظهَرٌ عَظيمٌ . كَما تَوَلّى في صِفّينَ قِيادَةَ رَجّالَةِ الكوفَه وَالقُرّاء . تَحَدَّثَ مَعَ عَمرِو بنِ العاص وأمثالِهِ مِن مَناوِئِي الإِمامِ عليه السلامفي غَيرِ مَوطِنٍ ، وكَشَفَ الحَقَّ بِمَنطِقِهِ البَليغِ وَاستِدلالاتِهِ الرَّصينَةِ .
وفي صِفّين استُشهِدَ هذَا الصَّحابِيُّ الجَليلُ وَالنَّموذَجُ المُتَأَلِّقُ ، فَتَحَقَّقَت بِذلِكَ النُّبوءَةُ العَظيمَةُ لِرَسولِ اللّه صلى الله عليه و آله ؛ إذ كانَ قَد خاطَبَهُ قائِلاً : تَقتُلُكَ الفِئَةُ الباغِيَةُ . وكانَ لَهُ مِنَ العُمُرِ إبّانَ استِشهادِهِ ثَلاثٌ وتِسعونَ سَنَةً .
ذكر الكامل في التاريخ أنّه خَرَجَ عَمّارُ بنُ ياسِر عَلَى النّاسِ ، فَقالَ : اللّهُمَّ إنَّكَ تَعلَمُ أنّي لَو أعلَمُ أنَّ رِضاكَ في أن أقذِفَ بِنَفسي في هذَا البَحرِ لَفَعَلتُهُ . اللّهُمَّ إنَّكَ تَعلَمُ أنّي لَو أعلَمُ أنَّ رِضاكَ في أن أضَعَ ظُبَةَ ۱ سَيفي في بَطني ، ثُمَّ أنحَنِيَ عَلَيها حَتّى تَخرُجَ مِن ظَهري لَفَعَلتُهُ . وإنّي لا أعلَمُ اليَومَ عَمَلاً هُوَ أرضى لَكَ مِن جِهادِ هؤُلاءِ الفاسِقينَ ، ولَو أعلَمُ عَمَلاً هُوَ أرضى لَكَ مِنهُ لَفَعَلتُهُ .
وَاللّه ِ إِنّي لَأَرى قَوما لَيَضرِبُنَّكُم ضَربا يَرتابُ مِنهُ المُبطِلونَ ، وَايمُ اللّه ِ لَو ضَرَبونا حَتّى يَبلُغوا بِنا سَعَفاتِ هَجَر ، لَعَلِمتُ أنّا عَلَى الحَقِّ وأنَّهُم عَلَى الباطِلِ .
ثُمَّ قالَ : مَن يَبتَغي رِضوانَ اللّه ِ رَبِّهِ ولا يَرجِعُ إلى مالٍ ولا وَلَدٍ ؟ فَأَتاهُ عِصابَةٌ ، فَقالَ : اُقصُدوا بِنا هؤُلاءِ القَومَ الَّذينَ يَطلُبونَ دَمَ عُثمان ، وَاللّه ِ ما أرادُوا الطَّلَبَ بِدَمِهِ ولكِنَّهُم ذاقُوا الدُّنيا وَاستَحَبّوها ، وعَلِموا أنَّ الحَقَّ إذا لَزِمَهُم حالَ بَينَهُم وبَينَ ما يَتَمَرَّغونَ فيهِ مِنها ، ولَم يَكُن لَهُم سابِقَةٌ
يَستَحِقّونَ بِها طاعَةَ النّاسِ وَالوِلايَةَ عَلَيهِم ، فَخَدَعوا أتباعَهُم وإن قالوا : إمامُنا قُتِلَ مَظلوما ، لِيَكونوا بِذلِكَ جَبابِرَةً مُلوكا ، فَبَلَغوا ما تَرَونَ ، فَلَولا هذِهِ ما تَبِعَهُم مِنَ النّاسِ رَجُلانِ .
اللّهُمَّ إن تَنصُرنا فَطالَما نَصَرتَ ، وإن تَجعَل لَهُمُ الأَمرَ فَادَّخِر لَهُم بِما أحدَثوا في عِبادِكَ العَذابَ الأَليمَ . ۲

1.ظُبَة السيف : طرفه (النهاية : ج ۳ ص ۱۵۶) .

2.الكامل في التاريخ : ج ۲ ص ۳۸۰ .


جواهر الحكمة للشّباب
286
  • نام منبع :
    جواهر الحكمة للشّباب
    المساعدون :
    غلامعلي، احمد
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 197166
الصفحه من 366
طباعه  ارسل الي