309
جواهر الحكمة للشّباب

جواهر الحكمة للشّباب
308

3 / 39

ميثَمٌ التَّمّار

هُوَ ميثَمُ بنُ يَحيَى التَّمّار الأَسَدِيُّ أبو سالِم ، جَليلٌ مِن أصحابِ أميرِ المُؤمِنين ، وَالحَسَن ، والحُسَين عليهم السلام . كانَ عَبدا لاِمرَأَةٍ فَاشتَراهُ عَلِيٌّ عليه السلاموأعتَقَهُ ، نالَ مَنزِلَةً رَفيعَةً مِنَ العِلمِ بِفَضلِ بابِ العِلمِ النَّبَوِيِّ حَتّى وُصِفَ بِأَنَّهُ اُوتِيَ عِلمَ المَنايا وَالبَلايا .
كانَ الإِمامُ عليه السلام قَد أخبَرَهُ بِكَيفِيَّةِ استِشهادِهِ وما يُلاقيهِ في سَبيلِ اللّه ِ . وقَد نَطَقَ ميثَم بِهذِهِ الحَقيقَةِ العَظيمَةِ الواعِظَةِ أمامَ قاتِلِهِ الجَلاّدِ الجائِرِ ، وأكَّدَ حَتمِيَّةَ تَحَقُّقِ تِلكَ النُّبوءَةِ الإِعجازِيَّةِ بِصَلابَةٍ تامَّةٍ .
إنَّ رُسوخَهُ عَلى طَريقِ الحَقِّ ، وثَباتَهُ فِي الدِّفاعِ عَنِ الوِلايِةِ ، ومَنطِقَهُ البَليغَ في تَجلِيَةِ الحَقائِقِ ، كُلُّ ذلِكَ قَدِ استَبانَ مِرارا في كَلِماتِ الأَئِمَّة عليهم السلاموذَكَرَتهُ أقلامُ العُلَماء مِمّا سَنَقِفُ عَلَيهِ لاحِقا .
قَتَلَهُ عُبَيدُ اللّه ِ بنُ زِياد قَبلَ استِشهادِ الإِمامِ الحُسَين عليه السلام بِأَيّامٍ .
روى الشيخ المفيد في كتاب الإرشاد : أنَّ ميثَم ا التَّمّارَ كانَ عَبدا لاِمرَأَةٍ مِن بَني أسَد ، فَاشتَراهُ أميرُ المؤُمِنين عليه السلاممِنها وأعتَقَهُ ، وقالَ لَهُ : مَا اسمُكَ ؟
قالَ : سالِم .
قالَ : أخبَرَني رَسولُ اللّه صلى الله عليه و آله أنَّ اسمَكَ الَّذي سَمّاكَ بِهِ أبَواكَ فِي العَجَم ميثَم .
قالَ : صَدَقَ اللّه ُ ورَسولُهُ وصَدَقتَ يا أميرَ المُؤمِنين ، وَاللّه ِ إنَّهُ لاَسمي .
قالَ : فَارجِع إلَى اسمِكَ الَّذي سَمّاكَ بِهِ رَسولُ اللّه صلى الله عليه و آله ودَع سالِما . فَرَجَعَ إلى ميثَم وَاكتَنى بِأَبي سالِم .
فَقالَ لَهُ عَلِيٌّ عليه السلام ذاتَ يَومٍ : إنَّكَ تُؤخَذُ بَعدي فَتُصلَبُ وتُطعَنُ بِحَربَةٍ ، فَإِذا كانَ اليَومُ الثّالِثُ ابتَدَرَ مِنخَراكَ وفَمُكَ دَما فَيُخضَبُ لِحيَتُكَ ، فَانتَظِر ذلِكَ الخِضابَ ، وتُصلَبُ عَلى بابِ دارِ عَمرِو بنِ حُرَيث عاشِرَ عَشَرَةٍ أنتَ أقصَرُهُم خَشَبَةً وأقرَبُهُم مِنَ المَطهَرَةِ ، وَامضِ حَتّى اُرِيَكَ النَّخلَةَ الَّتي تُصلَبُ عَلى جِذعِها . فَأَراهُ إيّاها . فَكانَ ميثَم يَأتيها فَيُصَلّي عِندَها
ويَقولُ : بورِكتِ مِن نَخلَةٍ ، لَكِ خُلِقتُ ولي غُذّيتِ . ولَم يَزَل يَتَعاهَدُها حَتّى قُطِعَت وحَتّى عَرَفَ المَوضِعَ الَّذي يُصلَبُ عَلَيها بالكوفَة . قالَ : وكانَ يَلقى عَمرَو بنَ حُرَيث ، فَيَقولُ لَهُ : إنّي مُجاوِرُكَ فَأَحسِن جِواري .
فَيَقولُ لَهُ عَمرٌو : أ تُريدُ أن تَشتَرِيَ دارَ ابنِ مَسعود أو دارَ ابنِ حَكيم ؟ وهُوَ لا يَعلَمُ ما يُريدُ . وحَجَّ فِي السَّنَةِ الَّتي قُتِلَ فيها ، فَدَخَلَ عَلى اُمِّ سَلَمَة رَضِيَ اللّه ُ عَنها ، فَقالَت : مَن أنتَ ؟
قالَ : أنَا ميثَم .
قالَت : وَاللّه ِ لَرُبَّما سَمِعتُ رَسولَ اللّه صلى الله عليه و آله يوصي بِكَ عَلِىّ ا في جَوفِ اللَّيلِ . فَسَأَلَها عَنِ الحُسَين .
قالَت : هُوَ في حائِطٍ ۱ لَهُ .
قالَ : أخبِريهِ أنّي قَد أحبَبتُ السَّلامَ عَلَيهِ ، ونَحنُ مُلتَقونَ عِندَ رَبِّ العالَمينَ إن شاءَ اللّه ُ . فَدَعَت لَهُ بِطيبٍ فَطَيَّبَت لِحيَتَهُ .
وقالَت لَهُ : أما إنَّها سَتُخضَبُ بِدَمٍ .
فَقَدِمَ الكوفَة فَأَخَذَهُ عُبَيدُ اللّه ِ بنُ زِياد فَاُدخِلَ عَلَيهِ فَقيلَ : هذا كانَ مِن آثَرِ النّاسِ عِندَ عَلِيٍّ . قالَ : وَيحَكُم هذَا الأَعجَمِيُّ ؟ !
قيلَ لَهُ : نَعَم .
قالَ لَهُ عُبَيدُ اللّه : أينَ رَبُّكَ ؟ قالَ : بِالمِرصادِ لِكُلِّ ظالِمٍ وأنتَ أحَدُ الظَّلَمَةِ .
قالَ : إنَّكَ عَلى عُجمَتِكَ لَتَبلُغُ الَّذي تُريدُ ، ما أخبَرَكَ صاحِبُكَ أنّي فاعِلٌ بِكَ ؟
قالَ : أخبَرَني أنَّكَ تَصلُبُني عاشِرَ عَشَرَةٍ ، أنَا أقصَرُهُم خَشَبَةً وأقرَبُهُم مِنَ المَطهَرَةِ .
قالَ : لَنُخالِفَنَّهُ .
قالَ : كَيفَ تُخالِفُهُ ؟ ! فَوَاللّه ِ ما أخبَرَني إلاّ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله عَن جَبرَئيل عَنِ اللّه ِ تَعالى ، فَكَيفَ تُخالِفُ هؤُلاءِ؟! ولَقَد عَرَفتُ المَوضِعَ الَّذي اُصلَبُ عَلَيهِ أينَ هُوَ مِنَ الكوفَة ، وأنَا أوَّلُ خَلقِ اللّه ِ اُلجِمَ فِي الإِسلام . فَحَبَسَهُ وحَبَسَ مَعَهُ المُختار بنَ أبي عُبَيدٍ ، فَقالَ ميثَمُ التَّمّار لِلمُختار : إنَّكَ تُفلِتُ وتَخرُجُ ثائِرا بِدَمِ الحُسَين فَتَقتُلُ هذَا الَّذي يَقتُلُنا . فَلَمّا دَعا عُبَيدُ اللّه بِالمُختار لِيَقتُلَهُ طَلَعَ بَريدٌ بِكِتابِ يَزيد إلى عُبَيدِ اللّه يَأمُرُهُ بِتَخلِيَةِ سَبيلِهِ فَخَلاّهُ ، وأمَرَ بِميثَم أن يُصلَبَ ، فَاُخرِجَ فَقالَ لَهُ رَجلٌ لَقِيَهُ : ما كانَ أغناكَ عَن هذا يا ميثَم ! فَتَبَسَّمَ وقالَ وهُوَ يُومِئُ إلَى النَّخلَةِ : لَها خُلِقتُ ولي غُذِّيَت ، فَلَمّا رُفِعَ عَلَى الخَشَبَةِ اجتَمَعَ النّاسُ حَولَهُ عَلى بابِ عَمرِو بنِ حُرَيث . قالَ عَمرٌو : قَد كانَ وَاللّه ِ يَقولُ : إنّي مُجاوِرُكَ . فَلَمّا صُلِبَ أمَرَ جارِيَتَهُ بِكَنسِ تَحتِ خَشَبَتِهِ ورَشِّهِ وتَجميرِهِ ، فَجَعَلَ ميثَم يُحَدِّثُ بِفَضائِلِ بَني هاشِم ، فَقيلَ لاِبنِ زِياد : قَد فَضَحَكُم هذَا العَبدُ .
فَقالَ : ألجِموهُ . فَكانَ أوَّلَ خَلقِ اللّه ِ اُلجِمَ فِي الإِسلام . وكانَ مَقتَلُ ميثَم ـ رَحمَةُ اللّه ِ عَلَيهِ ـ قَبلَ قُدومِ الحُسَينِ بنِ عَلِيٍّ عليه السلام العِراق بِعَشَرَةِ أيّامٍ ، فَلَمّا كانَ يَومُ الثّالِثِ مِن صلبِهِ ، طُعِنَ ميثَم بِالحَربَةِ ، فَكَبَّرَ ثُمَّ انبَعَثَ في آخِرِ النَّهارِ فَمُهُ وأنفُهُ دَما .

1.. سنن ابن ماجة : ج ۱ ص ۲۳۲ ح ۷۰۶ ، كنز العمّال : ج ۸ ص ۳۳۰ ح ۲۳۱۴۱ .

2.الحائط هاهنا البُسْتان من النخيل إذا كان عليه حائط وهو الجدار (النهاية : ج ۱ ص ۴۶۲) .

  • نام منبع :
    جواهر الحكمة للشّباب
    المساعدون :
    غلامعلي، احمد
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 197173
الصفحه من 366
طباعه  ارسل الي