33
المعلّي بن خنيس

قيام الدولة العباسية والكيسانية :

كان بنو العباس يلفهم الخمول منذ وفاة ابن عباس، وكانوا تبعا للعلويين، ولم يظهر منهم أحد ذو شأن استقل في أمر وصنع قرارا ضد الأمويين، وازداد انزواؤهم بعد ان أبعد الوليدُ عليَ بن عبداللّه بن العباس إلى الحميمة ۱ . وبقوا بتلك البقعة بعيدين عن ساحة الصراع في المدينة والكوفة والشام، حتى دب الضعف وظهر الانهيار بالدولة الأموية، فانتقلوا إلى الكوفة وهم على وجلٍ وخوف من سطوة الأمويين، وكان أبو العباس السفاح معدما منهزما، ولم يدر في خلده أنّه يكون خليفة في يوم من الأيام ۲ ، وكذا كان أبو جعفر المنصور، فقد كان جزءا من حركة عبداللّه بن معاوية وواليه على ايذة في خوزستان، وأُسر بعد فشل ثورة عبداللّه بن معاوية، وأُطلق سراحه والي الأهواز ۳ ، وكان يعتقد بإمامة محمّد بن عبداللّه بن الحسن .
قال عمير بن الفضل الخثعمي : رأيت أبا جعفر المنصور وقد خرج محمّد بن عبداللّه بن الحسن من دار أبيه، وله فرس واقف على الباب مع عبد له أسود وأبو جعفر، فلمّا خرج وثب أبو جعفر فأخذ بردائه حتى ركب، ثُمَّ سوى ثيابه على السرج ومضى محمّد .
فقلت ـ وكنت حينئذٍ أعرفه ولا أعرف محمّدا ـ مَن هذا الذي أعظمته هذا الإعظام حتى أخذت بركابه وسويت عليه ثيابه؟
قال : أو ما تعرفه! قلت : لا .
قال : هذا محمّد بن عبداللّه بن الحسن مهدينا أهل البيت ۴ .
وكان مع من حضر بيعة محمّد بن عبداللّه بن الحسن في المدينة، ولما رفض الإمام الصادق عليه السلام البيعة لمحمّد وقال : لا تفعلوا إنَّ الأمر لم يأتِ بعد . فغضب عبداللّه بن الحسن وقال : لقد علمت خلاف ما تقول، ولكنه يحملك على ذلك الحسد لابني . فقال : لا واللّه ما ذاك يحملني، ولكن هذا واُخوته دونكم، وضرب يده على ظهر أبي العباس، ثُمَّ نهض وأتبعه، ولحقه عبد الصمد وأبو جعفر فقالا : يا أبا عبداللّه ، أتقول ذلك؟
قال : نعم واللّه ، أقوله وأعلمه .
وقال عبداللّه بن جعفر بن المسور : فخرج جعفر عليه السلام يتوكأ على يدي، فقال لي : أرأيت صاحب الرداء الأصفر؟ يعني أبا جعفر .
قلت : نعم .
قال : فإنّا نجده واللّه يقتل محمّدا .
قلت : أو يقتل محمّدا؟
قال : فقلت في نفسي : حسده ورب الكعبة .
ثُمَّ ما خرجت واللّه من الدنيا حتى رأيته قتله .
وفي رواية أُخرى قال الإمام الصادق عليه السلام لعبد اللّه بن الحسن : لا واللّه ما حسدت ابنك، وأنّ هذا ـ يعني أبا جعفر ـ يقتله على أحجار الزيت، ويقتل أخاه بعده بالطفوف وقوائم فرسه في الماء .
ثُمَّ قام يجر رداءه، فتبعه أبو جعفر فقال : أتدري ما قلت يا أبا عبداللّه ؟
قال : أي واللّه أدري، وأنّه لكائن .
قال : فحدّثني من سمع أبا جعفر يقول : فانصرفت لوقتي، فرتبت أعمالي، وميزت أموري تمييز مالك لها ۵ .
وقبل هذا لم يكن لبني العباس تحرك مستقل عن العلويين، وما جاء في الروايات التاريخية من أنّ أبا هاشم أفضى بأسرارهم (الشيعية) وحركتهم السريّة لإبراهيم، وانتقلت الإمامة عند الكيسانية من العلويين إلى العباسيين ۶ ، فهذا موضع يستدعي المتابعة والتحقيق، ودراسة الروايات ومصادرها، وأسانيدها وتسلسل أحداثها . وأفضل مَن بحث هذا الموضوع، الشيخ عبد الواحد الأنصاري في كتابه (مذاهب ابتدعتها السياسة)، والراجح أنّ الدولة العباسية قامت على تناقضات التيارات التي ساهمت بإسقاط الدولة الأموية بعد رفض الإمام الصادق عليه السلام دعوة أبي سلمة الخلاّل وأبي مسلم الخراساني ۷ . كما رفض عبداللّه بن الحسن أن يتصدّى ابنه محمّد (المهدي) لأنّ الأمر لم يتم بعد، فبقيت الساحة فارغة من الزعامة التي تجتمع عليها التيارات الثورية، ويجب أن يكون هاشميا بدل نده الأموي الراحل، فأشار داوود بن علي على الثوار أنّ أبا العباس هو الإمام الذي تجب بيعته ۸ .
واختلقوا مذهب الكيسانية، ولكن سرعان ما تحوّل بنو العباس من الإمامة إلى الخلافة، وبهذا انقرضت الكيسانية العباسية، وهي غير الكيسانية الأُولى المنسوبة للمختار الذي منهم السيّد إسماعيل الحميري، وحيّان السراج، الراوي حديث وقصيدة الحميري، التي يذكر فيها انتقاله من الكيسانية والاعتقاد بغيبة محمّد بن الحنفية إلى الاعتقاد بإمامة الإمام الصادق عليه السلام ۹ ، وكذا يعدم منهم كثير عزة لقوله :
ألا إنّ الأئمّة من قريشولاة الحق أربعة سواء
علي والثلاثة من بنيههم الأسباط ليس بهم خفاء
فسبط سبط إيمان وبروسبط غيبته كربلاء
وسبط لا يذوق الموت حتىيقود الخيل يقدمها اللواء
يغيب فلا يرى فيهم زمانابرضوى عنده غيل وماء
والكيسانية هذه هي التي يرد عليها الإمامان الباقر والصادق عليهماالسلام في أكثر من مناسبة وبأساليب متعددة، منها :
ما جاء في مناقب ابن شهر آشوب : تكلّم بعض رؤساء الكيسانية مع الإمام الباقر عليه السلام في حياة محمّد بن الحنفية فقال له : ويلك ما هذه الحماقة؟ أنتم أعلم به أم نحن، قد حدّثني أبي علي بن الحسين عليه السلام أنّه شهد موته، وغسله وتكفينه، والصلاة عليه وأنزله في قبره .
فقال : شُبّه على أبيك كما شُبه عيسى بن مريم على اليهود .
فقال له الباقر عليه السلام : أفنجعل هذه الحجة قضاءً بيننا وبينك؟
قال : نعم .
قال : أرأيت اليهود الذين شُبّه عيسى عليه السلام عليهم كانوا أولياءه أو أعداءه؟
قال : بل كانوا أعداءه .
قال : فكان أبي عدو محمّد بن الحنفية فُشبّه له؟
قال : لا .
وانقطع ورجع عما كان عليه ۱۰ .
وفي رواية أُخرى يحتج الإمام الباقر عليه السلام على الكيسانية بألاّ تكون الإمامة في محمّد بن الحنفية؛ لأنّه لم يكن معه إرث النبوة والإمامة .
عن حمران، عن أبي جعفر قال : ذكرت الكيسانية وما يقولون في محمّد بن علي، فقال : ألا يقولون عند مَن كان سلاح رسول اللّه صلى الله عليه و آله؟ وما كان في سفيه من علامة كانت في جانبه إن كانوا يعلمون؟ ثُمّ قال : إنّ محمّد بن علي كان يحتاج إلى بعض الوصية، أو إلى الشيء ممّا فيالوصية، فيبعث إلى علي بن الحسين فينسخه له ۱۱ .
ومثله عن الإمام الصادق في الرد على الكيسانية ۱۲ .

1.الكامل في التاريخ ، ج ۵، ص ۲۵۷ .

2.مروج الذهب ، ج ۳، ص ۲۸۶ ـ ۲۸۸ .

3.الكامل في التاريخ ، ج ۵، ص ۳۷۱ .

4.مقاتل الطالبيين ، ص ۲۱۲ .

5.مقاتل الطالبيين ، ص ۲۲۵ ـ ۲۲۶ .

6.تاريخ الطبري ، ج ۸، ص ۳۲۰ .

7.مناقب آل أبي طالب ، ج ۴، ص ۳۵۶ .

8.مروج الذهب ، ج ۳، ص ۲۸۰ ـ ۲۸۲ .

9.مروج الذهب ، ج ۳، ص ۹۱ و ۹۲ ؛ كشف الغمة ، ج ۳، ص ۴۵۰ ؛ أعلام الورى ، ص ۲۷۹ ؛ مناقب آل أبي طالب ، ج ۳، ص ۳۷۱ ؛ بحارالأنوار ، ج ۳۷، ص ۴ ؛ الإرشاد ، ص ۳۰۳ .

10.مناقب آل أبي طالب ، ج ۴، ص ۲۱۸ ؛ بحارالأنوار ، ج ۱۰، ص ۱۵۸ .

11.بحارالأنوار : ج ۲۶، ص ۲۰۷ عن بصائر الدرجات ، ص ۱۷۸ (ح ۱۱) .

12.بحارالأنوار ، ج ۲۶، ص ۲۰۸ عن بصائر الدرجات ، ص ۱۷۸ (ح ۱۴) .


المعلّي بن خنيس
32
  • نام منبع :
    المعلّي بن خنيس
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1425 ق / 1383 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 59926
الصفحه من 260
طباعه  ارسل الي