ويؤيّد هذا التزام مَنْ تأخَّر بالرجوع إلى الرجال ، وتوصيف بعض الأخبار بالصحّة والوثوق والاعتبار وتضعيف بعض آخر ، وعدم اكتفاء بعضهم بتوصيف غيره وإن كان أعرف منه بالرجال ، بل الخلاف بينهم في كثير من التصحيحات والتضعيفات واضح معلوم للمراجِع إلى كتبهم .
وكون الصحّة عند القدماء أعمّ مطلقاً أو من وجه من الصحّة عند المتأخّرين لاينافي ماسمعت ، وإنّما ينافيه لو ثبت أنّ أسباب الصحّة عندهم مأخوذة من غير الرجال ، ولم يثبت ، بل الثابت ـ بملاحظة ما أشرنا إليه ـ خلافه .
نعم ، أخذ البعض من غيره هو الظاهر منهم ، ولا يقدح في إطلاق الافتقار ؛ إذ الظاهر أنّ مرادهم بالصحيح هو المعمول به ، وهو أعمّ من الصحيح عند المتأخّرين أيضاً ، فكما أنّ عموم العمل عندهم غير قادح في إطلاق الافتقار إلى الرجال ، فكذا عموم الصحّة عند القدماء والاختلاف في التسمية .
وفي الوجوه المزبورة كفاية عن غيرها خصوصاً في هذا المختصر ، وأنّ المسألة مفصَّلة في الاُصول .
ولكن لابأس بالإشارة إلى بعض شبهات الخصم ، التي أخذوها أدلّة وبراهين ، مع الإشارة إلى بعض ما فيها . وإنّما نتعرّض لشبهات الأخبارية ، والمفصّل بين صورة التعارض وغيرها ، وبين وجود الشهرة الراجحة المعتبرة في المسألة وعدمه ، والمكتفي بتصحيح الغير ؛ لأنّها هي المتعلّقة بالمقام . ولانتعرّض لشبهات الحشويّة ومنكري اعتبار أخبار الآحاد ، لأنّها في مقام حجّية الآحاد ، وهي مسألة طويلة الذيل من مسائل الأُصول ، لا من مسائل المقام ، مع أنّ الظاهر انقطاع القولين في أزماننا ؛ إذ لم نظفر على قائل بأحدهما .
مضافاً إلى أنّ نفي الطائفة الاُولى لإطلاق الافتقار غير معلوم كما أشرنا إليه ، وكذا أصل نفيه من الثانية ؛ لاحتمال جَعْلهم الرجال من أسباب العلم الواجبة بوجوبها ، ولعلّه الظاهر ؛ لتعرّضهم لأحوال كثير من الرواة بالمدح والقدح عند الاستدلال بأخبارهم في كتبهم الفقهيّة وغيرها ، مع أنّ رئيسهم ـ وهو المرتضى ـ صرّح في