أهل الدّنيا قلّة معرفتهم بأولاد الأنبياء، أنا محمّد بن عليّ بن الحسين، وهذا قبر أبي فأيّ انس آنس من قربه وأيّ وحشة لاتكون مع فقده0. ۱
1.«… قال قيس بن النعمان: خرجت يوما إلى بعض مقابر المدينة فإذا أنا بصبيّ جالس عند قبر يبكي بكاءا شديدا وإنّ وجهه ليلقي شعاعا من نور، فأقبلت عليه فقلت: أيّها الصبيّ ما الذي أعقلت له من الحزن حتّى أفردك بالخلوة في مجالب الموتى والبكاء على أهل البلى… وأنت بغرّ الحداثة مشغول عن اختلافات الأزمان وحنين الأحزان؟ [قال:] فرفع رأسه وطأطأه وأطرق ساعة لايحير جوابا ثمّ رفع [إليّ] رأسه وهو يقول:
إنّ الصبيّ صبيّ العقل لاصغهأ زرى بذي العقل فينا ولا كبر
ثم قال لي: يا هذا إنّك خليّ الذرع من الفكر، سليم الأحشاء من الحرقة، أمنت تقارب الأجل بطول الأمل، إنّ الّذي أفردني بالخلوة في مجالب أهل البلى تذكّر قول اللّه عزّ وجلّ «فإذا هم من الأجداث إلى ربّهم ينسلون».
فقلت: بأبي أنت و امّي من أنت؟ فإنّي لأسمع كلاما حسنا!
فقال: إنّ من شقاوة أهل البلاء قلّة معرفتهم بأولاد الأنبياء!! أنا محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ وهذا قبر أبي فأيّ أنس آنس من قربه؟وأيّ وحشة تكون معه؟ ثمّ أنشأ يقول:
ما غاض دمعي عند نازلةإلاّ جعلتك للبكا سببا إنّى أ جلّ ثرى حللت بهمن أن أرى بسواك مكتئبا فإذا ذكرتك سامحتك بهمنّي الدموع ففاض فانسكبا
قال قيس: فانصرفت وما تركت زيارة القبور مذ ذاك».
ترجمة الإمام الباقر عليه السلام من تاريخ مدينة دمشق، ص۱۴۷