شرح حديث"من عرف نفسه فقد عرف ربّه" - الصفحه 154

تحدّ أنفسها لتحدّدها في أنفسها و محصوريتها في حدّ ذاتها، فذاتها من حيث ذاتها محدّدة لذاتها ومحصرة لأنفسها، فلا يمكنها الخروج عن حدّ ذاتها، فذاتها محصورة ومحدودة. فكيف يدرك المحصور والمحدود غير المحصور والمحدود وهو الله، فمن عرف نفسه بأنّها محصورة ومحدودة وهي لايمكنها أن تدرك ربّه فقد عرف ربّه حينئذ، فافهم راشدا مهديّا.وأيضا إنّ النفس في عالم تجردّه لها إنّيّة، فمن عرف نفسه وإنّيّته فيه و عرف إخراجه عن إنّيّته بالقهر والجبر فيه، فيعرف أنّ له هاهنا أيضا إنّيّة، فلزم له أن يكون في معالجته بالإطاعة لأمر الله ونهيه والخوف منه تعالى فيهما. فإذا صار إلى فكر معالجته بالخوف من اللّه، فحينئذ تصير معرفة النفس موجبا لمعرفة الربّ، و موجبا لإطاعته تعالى، وموجبا للخوف منه دائما، فذلك معنى قوله ـ عليه السلام ـ «من عرف نفسه فقد عرف ربّه».
وأمّا إنّيّة النفس وإزالتها في عالم التجرّد، فهو ما روي «أنّ اللّه تعالى لمّا خلق النّفس ناداها: من أنا؟ فقالت النّفس: من أنا؟ فألقاها في بحر الجوع الباطن حتّى وصلت إلى الألف المبسوط وخلصت من رذائل دعوى الإنّيّة ورجعت إلى نشأتها، ثمّ ناداها: من أنا؟ فقالت: أنت اللّه الواحد القهّار» ۱ ولهذا قال: «اقتلوا أنفسكم فإنّها لاتدرك مقاماتها إلاّ بالقهر» ۲ الحديث.
فبالجملة إن عرف نفسه أنّها مقهور ومغلوب بالله، عرف أنّه تعالى غالب لها وقاهر لها، فمن عرف نفسه بصفة المقهوريّة والمغلوبيّة، وعرف ربّه بصفة الغالبيّة والقاهريّة، فذلك معرفة ربّه بعد معرفة نفسه بالعجز. وذلك معنى قوله ـ عليه السلام ـ: «من عرف نفسه فقد عرف ربّه» أي من عرف نفسه بالمقهوريّة عرف ربّه بالقاهريّة، ومن عرف نفسه بالمغلوبيّة فقد عرف ربّه بالغالبيّة، ومن عرف نفسه بالإنّيّة يخاف ربّه دائما في رفع إنّيّة نفسه، فيعرف الله تعالى به ولايغفل عنه أبدا، بل يعرفه تعالى في كلّ أحواله حاضرا

1.مشارق أنواراليقين ص۱۶، الحافظ رجب البرسى(قرن هشتم).

2.مشارق أنواراليقين، ص۱۶

الصفحه من 167