شرح حديث"من عرف نفسه فقد عرف ربّه" - الصفحه 158

هما ـ عليهما السلام ـ عقول كلّيّة انشعبت عنها سائر العقول الجزئيّة، كما بيّنّاه مشروحا فى كتابنا الموسوم بـ«المجردات» ۱ فارجع ثمّة.
الثاني عشر: أنّه «من عرف نفسه» بأنّه تنزّل العقل وظلّه و قشره، عرف ربّه بأنّه لايتّصف بأمثال ذلك، ويعرف كمال قدرته وكمال جلاله، لأنّ كمال الصّنع يدلّ على كمال الصّانع، وجماله يدلّ على جمال صانعه. وأيضا إذا عرف أنّ نفسه متربّية عن العقل ومتأثّرة عنه، يعرف أنّ ربّه ليس متأثّرا عن شيء وليس مترّبيا عن شيء بل هو مؤثّر في الكلّ ومربّ للكلّ من الذّرة إلى الذّرى، وذلك معنى قوله ـ عليه السلام ـ: «من عرف نفسه فقد عرف ربّه».
الثالث عشر: أنّه من عرف نفسه أنّ لها أصل ولها مبدء، وهو النفس الكلّيّة الإلهيّة والنّفس القدسيّة اللاّهوتيّة، وعرف أنّ لها صفات كماليّة وجماليّة وجلاليّة، وهي النورانيّة والمعصوميّة عن الخطأ والسهو والنسيان، والمحفوظيّة عن العصيان وبل عن الوقوع فى ترك الأولى وترك المندوب، و عرف أنّه لايخالف لرّبه أبدا مطلقا بوجه من الوجوه لأنّه محبّه وهو محبوبه، و معلوم أن المحبّ لايخالف محبوبه بل يجعل جميع أعماله على وفق رضاه، فحينئذ ينفعل نفس العبد ويخجل في مخالفته بأصله ومغايرته به ومنافرته عن مبدئه، فيجدّ جدّا بليغا في تبعيّته لأصله ليجانسه ويشابهه، لئلاّ يقال: إنّه منقطع عن أصله وبعيد عن مبدئه؛ لأنّ الفرع لابدّ له أن تلوح منه آثار الأصل، كما في ماء الورد فإنّه تلوح منه رائحة الورد وطيبه. فأصل النفس له الصفات الكماليّة بتمامها ـ كما مرّ ـ ولايخلو أنّ تشابهها بأصلها لايكون إلاّ بإطاعة أوامر ربّه والانتهاء عن نواهيه في جميع الحالات، بأن يكون ذلك فيها ملكة لاحالة بأن يكون وقتا دون وقت. وبديهيّ أنّ ذلك أيضا بعد المعرفة به، لأنّه إذا عرفه يخافه ويطيعه، وذلك معنى قوله ـ عليه السلام ـ: «من عرف نفسه فقد عرف ربّه» أي من عرف نفسه على نحو ما ذكر، فقد عرف ربه بالعرفان المحبوبيّة، فيطيعه ويمتثله في جميع حالاته، فلايفعل ما يخالفه أمرا أو نهيا ،وذلك هو المعرفة الكاملة، فمن عرف نفسه عرف ربه بمعرفة كاملة خالصة وليس فوق ذلك معرفة .

1.اين كتاب از آثار غير مطبوع مؤلف است.

الصفحه من 167