شرح حديث"من عرف نفسه فقد عرف ربّه" - الصفحه 159

والحاصل أنّه «من عرف نفسه» بأنّ لها أصل كامل لانقصان فيه بوجه، فيعرف بذلك ربّه أنّه كامل من جميع الجهات لانقصان فيه فيعبده ويطيعه ويمتثله على وجه الكمال ليجعلها كأصلها كاملا لانقصان فيه، وذلك معنى قوله ـ عليه السلام ـ: «من عرف نفسه فقد عرف ربّه» وقوله «أعرفكم لنفسه أعرفكم لربّه» فافهم.
الرابع عشر: من عرف نفسه أنّ لها جهتين: جهة إساءة وجهة إطاعة عرف بذلك ربّه؛ لأنّ الإطاعة تقتضى المطاع وهو الله تعالى، فعلم أنّه «من عرف نفسه فقد عرف رّبه».
وبعبارة أ خرى «من عرف نفسه» أنّ لهاجهتين: جهة سعادة وجهة شقاوة عرف بذلك ربّه، لأنّ السّعادة بالامتثال والإطاعة، والشقاوة بعدم الامتثال وعدم الإطاعة وقد مرّ أنّ الإطاعة والامتثال يقتضي المطاع والممتثل[بالفتح] وقد مرّ أنّه هو الله. وأيضا أنّ الإطاعة والامتثال يقتضي الآمر وهو الله ورسوله ووليّه، فعلم أنّه من عرف نفسه فقد عرف ربّه وعرف رسوله وعرف وليّه، بل وعرف جنّته وناره؛ لأنّ الإطاعة والامتثال لأمر الآمر يقتضي الجزاء وهو الجنّة والحور والقصور والرضوان، وعدم الإطاعة وعدم الامتثال لأمر الآمر يقتضي أيضا الجزاء وهو النار والعذاب والسخط والعتاب بالخلود وغيره. بل وعرف ميعاده وحشره ونشره؛ لأنّ الجزاء بقسميه خيرا وشرا وجنة ونارا، إنّما هوبعد وقوع الحشر والنشر، وبعد وقوع الحساب، وبعد وقوع الميزان.
فبالجملة إنّ هذا الكلام كلام صغير الحجم كثير المعنى، فمن هنا قيل: الكلام ما قلّ ودلّ، ففي هذا الكلام جمع جميع أ صول الدين وأ صول الإيمان وجميع فروع الدين بل وجميع أحكام الدنيويّةوالأ خرويّة، فمن هنا قيل: كلام الملوك ملوك الكلام، وملك الملوك وأمير الامرآء وأمير المؤمنين هو عليّ بن أبي طالب(ع) وهذا الحديث له وقولنا: أميرالمؤمنين له خاصّة لا لغيره، والمؤمنين في قولنا:«عليّ أميرالمؤمنين» يعمّ النبيّ وغير النبيّ فهو أمير الكلّ بعد محمد(ص) نبياّ وغير نبيّ إنسيّ وجنّيّ جماديّ ونباتيّ، فافهم.

الصفحه من 167