أجداثَهم، ونأكل تراثهم، كأنّا مخلّدون بعدهم، قد نسينا كلَّ واعظةٍ، وأمِنّا كلّ جائحةٍ، طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس، وأنفق من مالٍ اكتسبه من غير معصيةٍ، وخالط أهل الفقه والحكمة، وجانَبَ أهل الذلّ والمعصية ، طوبى لمن ذلّ في نفسه، وحَسُنَتْ خليقته، وأنفق الفضل من ماله، وأمسك الفضلَ من قوله، ووسعته السُّنّة ولم يَعْدُها إلى البدعة».
أخرجه الكلينيّ 1 عن عدّةٍ من أصحابنا، عن سهل بن زيادٍ، عن ابن محبوبٍ، عن الحسن بن السريّ، عن أبي مريم، عن أبي جعفرٍ عليه السّلام قال: سمعتُ جابر بن عبدالله يقول: إنّ رسول الله صلّى الله عليه و آله مَرَّ بِنا ذات يومٍ ـ ونحن في نادينا ـ وهو على ناقته، وذلك حين رجع من حجّة الوداع، فوقف علينا فسلّم فرددنا عليه السلام، ثمّ قال: مالي أرى حبَّ الدنيا قد غلب على كثيرٍ من الناس، حتّى كأَنَّ الموت في هذه الدنيا على غيرهم كُتِبَ، وكأنّ الحقّ في هذه الدنيا على غيرهم وجب، وحتّى كأنْ لم يسمعوا ويَرَوا مِن خبر الأموات قبلهم، سبيلهم سبيل قومٍ سَفْرٍ عمّا قليلٍ إليهم راجعون، بيوتهم 2 أجداثهم، ويأكلون تراثهم، فيظنّون أنّهم مخلَّدون بعدهم، هيهاتَ هيهاتَ، [أ] ما يتّعظ آخرهم بأوّلهم، لقد جهلوا ونسوا كلَّ واعظٍ في كتاب الله، وأَمِنُوا شرَّ كلّ عاقبة سوء، ولم يخافوا نزول فادحةٍ، وبوائق حادثة، طوبى لمن شغله خوف الله عزّوجلّ عن خوف الناس، طوبى لمن منعه عيبه عن عيوب المؤمنين من إخوانه، طوبى لمن تواضع لله ـ عزّ ذِكْرُه ـ وزهد فيما أحلّ الله له من غير رغبةٍ عن سيرتي، ورفضَ زهرة الدنيا من غير تحوّلٍ عن سُنّتي، واتّبع الأخيار من عترتي من بعدي، وجانب أهل الخُيلاء والتفاخر والرغبة في الدنيا، المبتدعين خلافَ سُنّتي، العاملين بغير سيرتي، طوبى لمن
1.الكافي: ۸ / ۱۶۸ ـ ۱۶۹.
2.كذا في الأصل، ويحتمل التصحيف عن (يبوّؤنهم) فتأمّل.