الحوار

Ãحوار مع : آیة الله محمدي الريشهري حول مؤسسة دار الحديث الثقافية

علوم الحديث: بصفتكم مؤسساً لدار الحديث، نرجو تقديم نبذة عن حياتكم ودراستكم.
محمدي الريشهري: أنا محمد محمدي نيك، معروف بمحمدي الريشهري، اسم والدي إسماعيل، ومن مواليد مدينة ري، وأصلي من سمنان. جدي لأبي كان من أولياء وأصدقاء العالم الرباني والمجاهد المقاوم المرحوم الشيخ محمد تقي بافقي (الذي نُفي إلى مدينة ري أيام رضا خان)، وقد عمّر نحواً من مئة وثلاثين عاماً وتوفي وهو يقرأ القرآن الكريم. والدتي من شميران في طهران ومن أحفاد السيد "شكر آب" الذي هو من أحفاد الإمام موسى بن جعفر (ع). مرقد هذا السيد في منطقة "شكر آب آهار" في شميران ومعروف بالسيد "شكر آب". كل من أمي وأبي توفي في حادث سيارة، أمي قبل الثورة وأبي بعدها.
بعد أن انتهيت من دراستي الابتدائية، حال أبي دون استمراري بالدراسة الثانوية بسبب الظروف على عهد الشاه الظالم وخوفاً من أن يؤدي دخولي الثانوية والجامعة إلى إضعاف التزامي الديني، ولأنه كان رجلاً متديناً محباً لعلماء الدين دفعني من بعد الابتدائية إلى طلب العلوم الدينية، فأخذت بالدراسة اولاً في مدرسة "برهان" للعلوم الدينية، وذهبت بعد سنة من الدراسة فيها إلى مدينة قم. في عام 1965م اعتقلت في مدينة مشهد بتهمة توزيع منشور صادر عن الدعاة والمبلغين في إصفهان بمناسبة شهادة المرحوم بخارائي وأصحابه. والسبب الحقيقي لهذا الاعتقال هو حساسية الساواك (أمن الشاه) تجاه طلبة العلوم الدينية في قم، فلأنّ المنشور تم توزيعه في مشهد ولم يظفروا بأحد، اوقفوني وسجنوني بتصور أني قمت بذلك. قضيت شهرين في السجن، يعني خمسة وأربعين يوماً عند الساواك (الأمن) وخمسة عشر يوماً في مديرية الشرطة. بعد نحو سنة من إطلاق سراحي، أي في عام 1966م تخلّفت عن الحضور في محكمة الاستئناف لأذهب متخفياً إلى النجف. بقيت في النجف ثلاثة عشر شهراً وعدت إلى طهران في عام 1967م، حيث نُفِي في ذلك العام آية الله المشكيني إلى مدينة مشهد فذهبت معه إلى مشهد. بقيت في مشهد مدة ثمانية عشر شهراً عدت بعدها إلى قم لأواصل الدراسة والتدريس إلى عام 1979م . ومن بعد انتصار الثورة تقلدت عدة مسؤوليات في نظام الجمهورية الإسلامية المقدس: رئيس محكمة الثورة العسكرية، وزير الأمن، والمدعي العام للبلاد، واليوم أتعهد بمسؤولية المدعي العام في المحكمة الخاصة بعلماء الدين وممثل الولي الفقيه والمشرف على الحجاج الإيرانيين. كما أوكل إلي سماحة السيد القائد تولي شؤون مرقد السيد عبد العظيم الحسني (عليه السلام).

علوم الحديث: ماهي الكتب التي ألّفتم إلى الآن؟ وما هي الكتب التي تعملون على تأليفها في الحال الحاضر؟
محمدى رى شهرى: أول تأليف لي كان في عام 1392هـ تحت عنوان "بحث هايي در باره خدا" (بحوث حول الله) وقد نشرته، ومن بعده كان لي مؤلفات بالنحو التالي:
1 ـ ميزان الحكمة، حيث نُشر في عام 1984م في عشرة مجلدات، كما يجري حالياًً نشره في أربعة مجلدات بالحجم الوزيري وبمواصفات ذُكرت في مقدمة الكتاب.
2 ـ مبانى شناخت (أصول المعرفة).
3 ـ مبانى خداشناسى (أصول التوحيد).
4 ـ فلسفه وحى و نبوت (فسلفة الوحي والنبوة).
5 ـ عدل در جهان بينى توحيدى (العدل في الرؤية الكونية التوحيدية).
6 ـ فلسفه امامت و رهبرى (فلسفة الإمامة والقيادة).
7 ـ بحث آزاد در اسلام (حرية الفكر في الإسلام).
8 ـ اخلاق مديريت در اسلام (الأخلاق الإدارية في الإسلام).
9 ـ جشن تكليف (حفل البلوغ) (في ثلاث كتب للشباب والفتيان والفتيات).
10 ـ تداوم انقلاب اسلامى تا انقلاب جهانى حضرت مهدى (استمرار الثورة الإسلامية إلى ثورة الإمام المهدي العالمية).
11 ـ رمز تداوم انقلاب در نهج البلاغه (رمز مواصلة الثورة في نهج البلاغة).
12 ـ آگاهى و مسؤوليت (الوعي والمسؤولية).
13 ـ شهادت در نهج البلاغه (الشهادة في نهج البلاغة).
14 ـ فرازهايى از سيستم قضايى اسلام (جوانب من النظام القضائي الإسلامي).
15 ـ خاطرات سياسى (المذكرات السياسية).
هذه هي مؤلفاتي الأخرى، وقد تُرجم بعضها إلى العربية وبعض إلى الإنكليزية.
ومؤخراً، ألفت كتاباً تحت عنوان: رهبرى در اسلام (القيادة في الإسلام) يتناول توضيح أسس الإمامة العامة وولاية الفقيه، وسيتم نشره قريباًًًًًً. وهناك مؤلفات أخرى لي قيد التأليف من قبيل: آب حيات (ماء الحياة)، اسلام ناب و اسلام آمريكايى (الإسلام الأصيل والإسلام الأمريكي)، جرائم امنيتى (الجُنح الأمنية)، خودسازى در اسلام (تهذيب النفس في الإسلام)، اخلاق اطلاعاتى (الأخلاق الأمنية) وغيرها. وطبعاً هذه المؤلفات هي غير الكتب التي ستنشر بالتعاون مع الباحثين في دار الحديث خلال العام الجاري إن شاء الله تعالى.

علوم الحديث: كيف تقيّمون دور السنّة في تبيين المعارف الدينية؟
محمدي الريشهري: الحديث هو مفتاح فهم القرآن الكريم، وهو الطريق الوحيد لمعرفة تعاليم الأئمة وأعظم ميراث للنبي (ص) وأهل البيت المعصومين الطاهرين من بعد القرآن الكريم. السبيل الوحيد لمعرفة المجتمعات الإسلامية للإسلام الحقيقي وبلوغ منبع المعارف الإسلامية العذب هو الانتهال من هذين التراثين العظيمين معاً. من هنا، يرى الشيخ الكليني ـ رحمة الله عليه ـ في مقدمة كتابه النفيس "الكافي" أن الحديث يوازي علم الدين، لأنه المعارف الإسلامية لا تُتاح من دون الحديث ومعرفة الدين لا تتسنى من دون معرفة الحديث.
وعلى هذا، فإن سماحة القائد لم يبالغ في بيانه بمناسبة افتتاح مؤسسة دار الحديث الثقافية في حديثه عن مكانة الحديث في المعارف الإسلامية حين قال: "الحديث هو الأم لكثير من العلوم الإسلامية أو جميعها".

علوم الحديث: ما هو دور الحديث في معرفة المذهب والدين بمختلف أبعاده؟
محمدي الريشهري: جمع الحديث وحمله وفهمه وشرحه، وبشكل عام البحوث الحديثية في التاريخ الإسلامي عموماً وتاريخ الشيعة خصوصاً، يعدّ أحد الفصول المهمة من تاريخ الإسلام.
كتابة الحديث في القرنين الأول والثاني وإلى بدايات القرن الثالث كانت تجري بصورة غير رسمية وكتابة الحديث كانت ممنوعة بصفة عامة، ومن هنا فإن أغلب ما كُتب في الحديث كان من بعد هذا المنع. العلماء والمحدثون الشيعة كان لهم دور مهم في صيانة الأحاديث والمحافظة عليها خلال فترة منع الحديث الخطرة. فقد شمّروا عن سواعدهم بوصية من أئمتهم وتحملوا الكثير على طريق كتابة الحديث وصيانة تراث النبي (ص) وأهل بيته، ولو لم تكن تلك التضحيات لما كان اليوم من سبيل إلى معرفة الإسلام الصحيح وتمحيص الروايات التي بين أيدينا. ذلك أن الوضّاعين عملوا وعلى مدى سنين طوال على إدخال الروايات في الأحاديث المروية عن النبي (ص) والأئمة المعصومين (ع)، ولم يكن من الميسور معرفة وضع الكثير منها إلا من خلال ما قام به العلماء التابعون لأهل البيت في تلك المرحلة الحساسة الخطيرة. لا سبيل إلى معرفة الإسلام والقرآن أوثق من من طريق أهل البيت، لأن "أهل البيت أدرى بما في البيت". وفي الحقيقة، علماء ومحدثو الشيعة هم الذين كانوا ولا يزالون يُعرّفون الإسلام للناس عن طريق أهل البيت وعلى مدى التاريخ.
والجدير بالذكر هو أن ما حدث خلال فترة منع كتابة الحديث ونشره أو ما بعدها، أن العمل كان يجري بصورة انفرادية ولم يحصل عمل جماعي يأخذ بنظر الاعتبار كل حاجات المجتمع. طبعاً بعض العلماء ولا سيما المرحوم العلامة المجلسي ـ رضوان الله عليه ـ كان لهم جهود كبيرة في هذا الميدان، إلا أنهم في الوقت ذاته لم يتمكنوا من إقامة مؤسسة تلبي حاجات العالم الإسلامي بحيث تنمو على مر الأيام وتتوسع. إلى الآن ومن بعد مرور أربعة عشر قرناً، نلمس حاجة إلى وجود مؤسسة تعمل على تنظيم وتبويب وشرح وتنقية وتحقيق الحديث. طبعاً كان العذر لدى السابقين هو منع الحكومات غالباً عن مثل هذا العمل الجماعي والأصولي في هذا المجال، ولكنه من بعد تأسيس الجمهورية الإسلامية في إيران لم يعد من عذر لعلماء الشيعة عند الله تعالى.

علوم الحديث: متى توجهتم صوب الحديث؟ وما هي العومل التي مهدت لذلك؟
محمدي الريشهري: من بداية دراستي للعلوم الدينية ومنذ أن أستطعت قراءة كتب الرواية وفهمها، أحسست بشيء في نفسي يجذبني نحو الحديث ولاسيما أحاديث العقيدة والأخلاق والمعرفة الروحية، ومنذ ذلك الحين شعرت أيضاً بأن الحديث لم يأخذ مكانه اللائق في الحوزات والمدارس الدينية ولم يتخذ لنفسه الشأن الذي ينبغي له. أفضل ثروة يمكن أن تملكها الحوزات العلمية لتربية أبناء المجتمع وتوجيههم وبناء شخصياتهم هو القرآن والحديث. وكما جاء في الروايات من أن أفضل وسيلة للدعوة إلى مذهب أهل البيت (ع) هي تعريف الناس بأحاديثهم العذبة المؤثرة. من المؤسف أن الحوزات والمدارس الدينية لا تولي هذه الثروة الأهمية التي تليق بها. من هنا حاولنا أن نبذل جهداً أكبر على طريق تعريف الناس ولا سيما الشباب بالحديث.
في عام 1967م عندما كنت في النجف، كنت أسجل ما يعجبني من الأحاديث عند مطالعتي لمصادر الحديث، إلا أنه لم يكن يخطر ببالي أبداً أن تنتهي تلك الأحاديث التي سجلتها يوماً إلى مؤسسة دار الحديث الثقافية وإلى تنظيم موسوعة الحديث الإسلامي الكبرى وكلية علوم الحديث. في عام 1968 حيث كنت مسجوناً في مدينة مشهد، دار في خلدي ترتيب تلك الروايات التي سجلتها بصورة ألفبائية وبدأت العمل من حينها. بعد إطلاق سراحي ـ حيث كان ذلك سجني الثاني ـ قررت وضع المزيد من الوقت للعمل بشكل أساسي على الحديث في غير المجالات الفقهية. بدأت العمل من الكتاب القيّم "بحار الأنوار" فقرأته كله تقريباً مرتين وأخذت بالتسجيل منه وهكذا تصفّحت الكثير من نصوص الحديث، فكانت حصيلة ذلك كتاب "ميزان الحكمة" الذي هو اليوم بين يدي الناس وأتطلّع إلى إتمامه بمساعدة الزملاء في دار الحديث.

علوم الحديث: ما هي طبيعة العمل الذي يجري على "ميزان الحكمة" في الحال الحاضر وما الفرق بينه وبين "ميزان الحكمة" السابق؟
محمدي الريشهري: بدأنا قبل سنوات وبالتعاون مع الباحثين في مركز بحوث دار الحديث بتحقيق أدق وأعمق يختلف عن العمل في "ميزان الحكمة" السابق من جهات أساسية ومهمة أشير هنا إلى أربعة من امتيازاته:
الأولي: هي شمولية العمل، بمعنى استخراج كل ما يرتبط بالموضوع قيد البحث. في العمل الجديد، كل موضوع يُراد دارسته يُستخدم له كل ما يتعلق به من الكتب في المكتبة التخصصية لدار الحديث. وبسبب هذه الميزة أصبح العمل إلى جانب شموليته، يحمل نوعاً من الببليوغرافيا الحديثية، ويتيح للباحث التعرف إلى جميع الكتب المؤلفة في موضوع معين. وفي هذا الصدد، جرى استخدام كل إمكانات الكمبيوتر وبرامج الحديث الكمبيوترية.
الثانية: في العمل الجديد، هناك فكرة عامة عن الأحاديث إلى جانب نصوصا. فكل عنوان يتصدّره مدخل يلخص الأحاديث الواردة في ذلك الباب، أضف إلى ذلك في كل مكان وجدنا فيه حاجة إلى التفسير والتوضيح قمنا بذلك.
الثالثة: في العمل الجديد، هناك تركيز على العقيدة والتاريخ الإسلامي وتاريخ الأئمة والحروب الإسلامية لم يكن له وجود في "الميزان" السابق. فمثلاً، ما جرى من العمل على حياة الإمام علي (ع) هو بمقدار نصف "ميزان الحكمة" السابق ونأمل أن نوفّق لطبعه في العام المقبل.
الرابعة: طريقة "ميزان الحكمة" الجديد تختلف عن القديم بشكل جوهري. ففي الطريقة الجديدة، تمت عنونة الأحاديث، وانقسمت العناوين الفرعية أحياناً إلى عدة عناوين أصغر، وبالإمكان نقلها جميعاً إلى الكمبيوتر وبالتالي تيسير العمل للباحثين. وباختصار، يمكن القول إن عصارة كل الأحاديث الإسلامية الشيعية والسنية في مختلف المجالات ـ عدا الفقه ـ قد جاءت في هذه المجموعة، ولعلنا نُوفّق إلى الفراغ منها في السنوات الخمس الآتية.

علوم الحديث: إلى كم جلد سيصل "ميزان الحكمة" الجديد؟
محمدي الريشهري: نخمّن له أن يصل إلى 50 مجلداً بالحجم الوزيري (وكل مجلد ألف صفحة).

علوم الحديث: متى بدأتم بالتفكير بإيجاد مركز باسم مؤسسة دار الحديث الثقافية؟
محمدي الريشهري: بعد طباعة "ميزان الحكمة" في عام 1984م شعرت ـ ولأسباب ذكرتها في مقدمة الكتاب ـ أن العمل ليس كاملاً، إلا أنني بادرت إلى طبعه لأنه إذا لم يكن ذلك المقدار قد طبع فلعله سيبقي كل شكل مسودات إلى أبد الدهر. كان الشهيد المطهري ـ رحمة الله عليه ـ يقول قبل انتصار الثورة إن المقدار الذي كُتب يصلح للطبع. الأسلوب الذي يتبعه علماء الغرب هو أنه كلما حصلت لديهم مادة مكتوبة صالحة للانتفاع يطبعونها حتى إذا تسنّت فرصة في المستقبل يصلحون الكتاب للطبعة اللاحقة، وإذا لم تتسنَ فرصة من هذا القبيل فإنه على الأقل سينتفع الباحثون بالمقدار الذي تم طبعه. في عام 1981م عندما بدأت الاغتيالات، راودني التفكير باحتمال ذهاب هذه الجهود هدراًً، ولذلك بادرت إلى طبعه. وبعد سنوات، دعوت بعض الأفاضل وطلاب العلوم الدينية إلى تكميل "ميزان الحكمة"، وبالتعاون معهم بدأ العمل على إكماله في أواسط عام 1987م بصورة عملية. دوّنا ضوابط لهذا العمل وتدريجاً ومن خلال تجاربنا السابقة، انفتحت أمامنا آفاق جديدة، فأحسست شيئاً فشيئاً أن العمل إذا أُريد له المتابعة بطريقة أصولية فهو بحاجة إلى عدة مؤسسات مستقلة ولكن متصلة:
1 ـ مكتبة تخصصية: فمن دون اقتناء كل الكتب التي ألّفها المحدثون والباحثون الشيعة والسنة في ميدان الحديث والعلوم المتعلقة به، فلا يتسنى عمل موسع، ولا توجد مكتبة من هذا القبيل في البلاد. من هنا بادرت إلى تأسيس مكتبة تخصصية في الحديث. طبعاً قبل ذلك كان هناك مكتبات حديث تخصصية في بعض البلدان (مثل مكتبة "دار حديث الأشرفية" و"دار حديث الضيائية" في دمشق). المرحم العلامة المجلسي كانت له مكتبة، وهي وإنْ لم تُعرف بتخصصها في علوم الحديث، إلا أنها من دون شك كانت من أغنى المكتبات المتخصصة في الحديث، وللأسف أنها عادت إلى ورثته من بعده باعتبارها مكتبة شخصية، فراحت تلك المكتبة الثمينة بالتدريج ولا وجود اليوم لكثير من النسخ الأصلية القيّمة التي كانت بحوزة العلامة.
وعلى أي حال، إيجاد مكتبة حديث تخصصية هي المادة الأولية لعمل حديثي موسع، ولحسن الحظ تم تأسيسها بجهود الأخوة المسؤولين ولا سيما جناب السيد قاضي عسكر الذي عهد بمسؤلية هذا العمل، ولمؤسسة دار الحديث الثقافية اليوم مكتبة تخصصية رائعة في علوم الحديث ليس لها مثيل على صعيد البحث والتحقيق. والباحثون الذين زاروا المكتبة إلى الآن استحسنوا هذه المبادرة وأرجو أن تزداد هذه المكتبة ثراءً يوماً بعد يوم من خلال الجهود التي ستبذل.
2 ـ الحاجة الثانية هي مسألة البحوث التمهيدية الأساسية في العلوم الإسلامية، بمعنى تقديم خدمات كمبيوترية من برامج وأجهزة لدعم البحوث العملية والمؤسسات والأوساط العلمية. وسداً لهذه الحاجة قمنا بتأسيس معاونية باسم معاونية البحوث الأولية. هذه المعاونية تتعهد بـ 14 مهمة مذكورة في لائحة أعمالها تحقيقاً للهدف المذكور أعلاه.
3 ـ الحاجة الثالثة هي البحوث العملية، حيث يعمل الباحثون على موضوعات مختلفة من العقيدة والأخلاق والتاريخ والاقتصاد والثقافة والسياسة وغيرها، ويقدموا حصيلة عملهم على شكل مشروع حيث كان "ميزان الحكمة" الجديد هو أول البحوث العملية، واليوم أضع أغلب أوقات فراغي لإجل إنجاز هذا الأمر.
4 ـ كلية علوم الحديث، حيث تمثل أهم قسم من هذه الأقسام الأربعة، والأقسام االثلاثة المذكورة سابقاً، أي المكتبة التخصصية والبحوث الأولية والبحوث العملية هي في الحقيقة المواد الأولية لكلية علوم الحديث، حيث نتطلّع إلى افتتاحها في أمد قريب في ضوء الأهداف المدرجة في نظام الكلية.
إذا اجتمعت هذه الأركان الأربعة إلى جانب بعضها فإنه من المؤمل أن نشهد في المستقبل القريب رقيّاً على صعيد علوم الحديث في بلادنا، بل وحتى في خارج البلاد.

علوم الحديث: ما هي المشاريع المستقبلية التي تنوون العمل عليها من بعد الانتهاء من "ميزان الحكمة"؟
محمدي الريشهري: إذا انتهينا من عملنا على "ميزان الحكمة" فإن لدينا عدة مشاريع مهمة سنقوم بها إن شاء الله:
المشروع الأول: إعداد قائمة غير مكررة عن مجموع الأحاديث الشيعية والسنية. فمنذ الأيام التي كنت أطالع فيها " بحار الأنوار" وجدت أننا إذا حذفنا الروايات المكررة فلعلنا نستطيع حذف نحو من عشرين مجلداً من مجلدات البحار. غير البحار من الكتب الحديث تعاني من هذه المسألة أيضاًًًًً. فتسهيلاً لعمل الباحثين، يجب تحديد الأحاديث المكررة مع الكتب التي وردت فيها وكذلك الاختلاف الموجود في رواياتها.
المشروع الثاني: إعداد بطاقات للحديث، فمن بعد حذف الروايات المكررة، نضع بطاقة تعريف بكل حديث حيث سأوضح ذلك.
المشروع الثالث: تنفيذ هذين المشروعين بالنسبة إلى الأحاديث الفقهية.

علوم الحديث: نرجو توضيح مشروع إعداد بطاقات تعريف الأحاديث والهدف الذي تبتغوه من وراء هذا المشروع.
محمدي الريشهري: في خصوص تنظيم بطاقات تعريف للأحاديث، هناك قضايا كثيرة للحديث عنها، أشير هنا إلى المهم منها:
المعلومات المطلوبة للتعريف بكل حديث تدخل أولاً إلى الكمبيوتر. هل الحديث له سند؟ من يقع في سلسلة السند؟ هل السند صحيح أو لا؟ إلى أي مدى يمكن التعويل عليه؟
متى ورد النص وفي أي كتاب؟ ما الذي حُذف من الحديث على مر الأيام؟ وماذا أُضيف إليه؟ له معارض أو لا؟ حتى نصل إلى ... ما الذي يُستفاد من هذا الحديث؟
الكثير من العلوم تجد جذورها في الحديث، حيث ستجري فهرسة هذه الأحاديث جميعاً لكي يستطيع المعنيون بكل فرع الانتفاع بها بنحو أفضل. وعلى أساس هذا المشروع، سيكون لكل حديث بطاقة تتراوح من صفحة واحدة إلى عشرين صفحة، وبدلاً من أن يرجع الباحث إلى العديد من الكتب سيكتفي بصفحة واحدة أو أكثر للتوصل إلى كل ما يريد، ولأنّ العمل صعب وتخصصي للغاية، فالباحثون الذين يعملون الآن في مجالات مختلفة سيبدأون العمل على بطاقات التعريف إن شاء الله في ضوء الخبرة التي سيحصلون عليها. اللمسات الأخيرة ولا سيما عنونة الموضوعات سأقوم بها بنفسي بإذن الله، حيث أنه عمل فني وحساس، إذ لا بد من اختيار كلمات قصيرة ومعبِّرة لكي يتسنى للباحث التوصل إلى موضوعه ومتابعته بسهولة.

علوم الحديث: ما الذي تم إلى الآن في خصوص إعداد بطاقات الحديث؟
محمدي الريشهري: تجري حالياً دراسة الموضوع، إلا أنه ما لم يتم مشروع "ميزان الحكمة" لا نستطيع البدء بهذا المشروع.

علوم الحديث: متى تأسست المكتبة التخصصية لعلوم الحديث وما هو الهدف من تأسيسها وكم عدد الكتب التي تحتويها في الحال الحاضر؟
محمدي الريشهري: افتتحت المكتبة في تشرين الثاني من عام 1995 بمناسبة ولادة السيدة فاطمة الزهراء ـ سلام الله عليها ـ وببيان قائد الجمهورية سماحة آية الله الخامنئي، وهي اليوم مفتوحة لكل من يمكنه الانتفاع بكتبها. جناح النساء مفصول عن جناح الرجال والإمكانات متوفرة لكليهما. إلا أنه لا يمكننا إعارة الكتب في الحال الحاضر ونأمل في المستقبل تهيئة إمكانات الإعارة إيضاً.
وحتى الآن للمكتبة نحو من سبعة آلاف كتاب تتعامل بها ويستخدمها الباحثون. كما أن هناك نحواً من ألفي كتاب في طريق الإعداد ستضاف إلى العدد السابق. هذه التسعة آلاف كتاب تشكل نحواً من أربعة عشر ألف مجلد، وبالإضافة إلى هذه هناك ستة آلاف مجلد اشتريناها لكلية علوم الحديث حيث ستنقل إلى مكتبة الكلية بعد افتتاحها. طبقاً لتوقعاتنا، سيكون للمكتبة المركزية مئة وخمسون ألف مجلد في مجال علوم الحديث في المستقبل.

علوم الحديث: ما هي الأعمال الكمبيوترية التي قامت بها دار الحديث إلى الآن؟ وما الذي تقدّمه؟ وما هي البرامج التي ستعلمون عليها في المستقبل؟
محمدي الريشهري: العمل الملفت والقيم الذي قامت به دار الحديث خلال السنتين أو الثلاث الأخيرة هو برنامج "كنز العمال" الذي هو حقيقةً أكمل وأفضل من كل الأعمال التي جرت على الحديث إلى الآن في إيران. فبالإضافة إلى كل ما يتمتع به هذا البرنامج من مميزات، يمكن التوصل به إلى الأحاديث بصورة أسهل وأسرع مما هو في البرامج الأخرى. كما أنه بُذلت جهود لتجنب عيوب البرامج المشابهة له ورفع قدرته ونفعه للباحثين. خصصوصيات هذا البرنامج مطبوعة في كراس مستقل يمكن للمهمتمين مطالعته.
برنامج "ميزان الحكمة" الكمبيوتري هو مما نعمل عليه أيضاً، حيث تم مقدار منه ونتطلّع إلى إخراجه قريباً.
العمل الآخر هو برنامج الأحاديث غير المكررة الذي سيمهد لإعداد بطاقات الأحاديث.
كما أن هناك قسماً في مركز بحوث دار الحديث هو بنك الحديث قد جمع كل البرامج الكمبيوترية الحديثية وبإمكان الباحثين استخدامها، ولا اعتقد أن مركزاً آخر قد هيّأ كل هذه الإمكانات.

علوم الحديث: متى تبدأون بقبول الطلاب ومتى تبدأ الدراسة في كلية علوم الحديث؟
محمدي الريشهري: من المقرر إن شاء الله أن تبدأ الدراسة في الكلية عام 1997م. وطبعاً يجري التخطيط من الآن لقبول الطلاب وسيُعلن عن ذلك في موعده المقرر عن طريق وسائل الإعلام.

علوم الحديث: أين تقع الكلية وما هو مستوى الإمكانات المتاحة فيها؟
محمدي الريشهري: يجري حالياً بناء مركز الكلية في منطقة شهر ري (طهران) جوار مرقد السيد عبد العظيم الحسنى (ع) بمساحة بناء تقدّر بعشرين ألف متر مربع. كل الإمكانات المطلوبة في الكلية تم أخذها بعين الاعتبار في التصميم الأولي. سيجري فتح ثلاث مكتبات: 1 ـ مكتبة المخطوطات. 2 ـ المكتبة التخصصية للكلية. 3 ـ المكتبة العامة التخصصية. كما سيتم إنشاء مركز فلكي إلى جانب الكلية ليستخدمه الطلاب والباحثون من خارج الكلية.
القسم الداخلي يتسع لعدد جيد من الطلاب. كما أُخذت بنظر الاعتبار مساحة لرياضة الطلاب كالمسبح وأمثاله. وهناك قسم داخلي خاص بالباحثين القادمين من الخارج أو من المدن الإيرانية الأخرى إلى طهران، بحيث لو احتاجوا للإقامة شهراً أو شهرين لغرض البحث أمكنهم استخدام الإمكانات المتاحة في الكلية.
هناك قسم آخر للكومبيوتر والبرامج الكمبيوترية وبنك المعلومات مأخوذ بنظر الاعتبار، وعلى كل حال مجموع البناء بإمكانه تلبية الحاجات المادية والمعنوية للباحثين والطلاب.
وحالياً تم الانتهاء من هيكل الكلية ونأمل أن تصبح جاهزة للاستعمال في الموعد المقرر.

علوم الحديث: كيف يمكن لطلاب العلوم الدينية دخول الكلية، وهل ستقبلون الوثائق العلمية المعادلة للدارسة الأكاديمية؟
محمدي الريشهري: من الطبيعي أن كلية علوم الحديث بامتيازاتها ستستجذب أول من تستجذب طلاب العلوم الدينية، ومن هنا رتبنا الأمور بشكل يتيح قبول الوثائق العلمية المعادلة أيضاً كي يستطيع الباحثون والطلاب في الحوزات والمدارس الدينية الانتفاع بهذه الفرصة على أكمل وجه. كما أن خريجي الثانوية ممن يحمل المؤهلات اللازمة لدخول الكلية سيقبلون من خلال امتحان القبول.

علوم الحديث: هل تنوون فتح فروع في المحافظات أو في خارج البلاد؟
محمدي الريشهري: تلقينا إلى الآن طلبات من بعض البلدان وكذا من بعض المحافظات لفتح فروع للكلية، حيث نقوم حالياً بدراسة إمكانات وظروف كل منها لكي يتزامن بإذن الله افتتاح كلية في طهران مع افتتاح بعض فروعها في أماكن أخرى.

علوم الحديث: هل ستعمل الكلية ليل نهار؟ وهل ستقبل الطلاب من خارج البلاد؟
محمدي الريشهري: سنقبل الطلاب من خارج البلاد أيضاً ولكن في خصوص عمل الكلية ليلاً ونهاراً لم يُحسم هذا الموضوع إلى الآن، وإذا ما تقرر يوماً أن تعمل ليل نهار فالإمكانات موجودة.

علوم الحديث: ما هو الأثر الذي تحسونه في أنفسكم خلال هذه الفترة التي عملتهم فيها على الحديث وكتب الحديث؟
محمدي الريشهري: جاء في الزيارة الجامعة: "كلامكم نور وأمركم رشد". كلام المعصوم (ع) بنفسه نور ويصنع في من يطلبه ويحمله نوراً أيضاًًًً. السكينة التي يحصل عليها الباحث في القرآن والحديث لا يبلغها في سائر العلوم أبداً. وأنا وإنْ لم أستطع استثمار هذا النور بالشكل المطلوب، ولكني وجدت الكثير من البركات في حياتي الشخصية والاجتماعية من خلال العمل على الحديث.

علوم الحديث: ما هو اللازم من الأبحاث في مجال الحديث وكتبه برأيكم؟
محمدي الريشهري: كما أشرت سابقاً، البحوث الحديثية تعيش نوعاً من الغربة في بلدنا كما هو الحال بالنسبة إلى الحديث نفسه، من هنا فإن ما حصل من الأعمال لا يعد شيئاً قياساً بما ينبغي أن يحصل. وبرأيي هناك عدة أعمال أساسية ينبغي لها أن تتم في مجال الحديث:
1 ـ أحاديث العقيدة بحاجة إلى عمل جاد، لأنه لم يجرِ العمل عليها كثيراً في الماضي. وما أقصده هو ليس الأعمال العميقة المعقدة فقط التي لا يُنتفع بها إلا في الحوزات والمدارس الدينية، بل أعني الأعمال اللازمة لنشر الحديث في الأوساط العلمية العالمية وتعريف الناس بأصول العقيدة الإسلامية. نشر أحاديث العقيدة هو أفضل سبيل لتمتين أصول العقيدة بين الناس ولا سيما جيل الشباب.
2 ـ في مجال الفقه، هناك حاجة إلى عمل واسع وجاد. فلا توجد اليوم موسوعة تجمع الأحاديث السنية والشيعية إلى جانب بعضها في مختلف أبواب الفقه. وضع هذه الأحاديث إلى جانب بعضها من شأنه أن يعين الفقيه على استنباط الاحكام الشرعية إلى حد كبير.
3 ـ في مجال القضايا الاجتماعية وحاجات المجتمع على مستويات مختلفة، نحن بحاجة أيضاً إلى بحوث حديثية، حيث نأمل بتقدم العمل في دار الحديث وافتتاح كلية علوم الحديث أن يتسنى للباحثين تقديم خدمات مناسبة ولازمة في هذا المجال.

علوم الحديث: ما هي مواصفات البحث الجيد والمطلوب؟
محمدي الريشهري: يختلف البحث الجيد من مجال إلى آخر. من يريد البحث في مجال علوم الحديث ينبغي له أولاً أن يعمل بشمولية على ملاحظة جميع الكتب المؤلفة فيما يخص الحديث الذي يتابعه، صدور أو عدم صدور الحديث، المفاهيم التي استقاها العلماء من هذا الحديث في أزمنة مختلفة، يعتني بكل ذلك ويعرض استنتاجاته هو على القرآن ليبدي رأيه.
المبدأ الثاني في البحث هو تسهيل تناول الموضوع. على الباحث أن يعمل بشكل يُوصل القارئ بسهولة إلى الموضوع الذي يريده ويبلغ ما قاله الأئمة عن حياة أفضل في الدنيا وحسن عاقبة وسعادة في الآخرة. هذا العمل بحاجة إلى برمجة ورأس مال وجهد متواصل، وينبغي استخدام تقنيات العصر كي تبلغ نتاجات الباحث أنحاء العالم بسرعة وسهولة. وفي هذا المجال، بالإمكان استخدام الشبكة العالمية للمعلومات ونشر النتاجات الحاصلة للعالم، ولكن للأسف لم يحصل عمل جاد على هذا الصعيد حتى الآن.

علوم الحديث: ما هي الأعمال التي تقومون بها في الحال الحاضر؟
محمدي الريشهري: أول عمل نقوم به ونأمل نشره قريباً هو كتاب تحت عنوان "من هم أهل البيت؟" حيث استخدمنا في كتابته أكثر من أربعمئة نص ومصدر حديثي وأتصور أنه لم يكتب إلى الآن كتاب بشموليته واستعانته بالأحاديث الشيعية والسنية في التعريف بأهل البيت. هذا هو أول كتاب سينشر من بعد افتتاح مركز بحوث دار الحديث. كما ستنشر من بعده كتب أخرى من قبيل: "العقل والجهل في الكتاب والسنة"، " العلم في الكتاب والسنة"، "الحج في الكتاب والسنة"، "الصلاة في الكتاب والسنة" و"كتاب الإمام علي بن أبي طالب (ع)" الذي وضعت أنا شخصياً قدراً كبيراً من الوقت في تأليفه، وهو كتاب فريد في موضوعه حقاً. في هذا الكتاب خلاصة لكل ما جرى في حياة الإمام علي (ع) من البداية إلى النهاية. وهو يمثل عصارة لمئات الكتب وآلاف الأحاديث حول الإمام علي بن أبي طالب (ع) ومؤلّف بأسلوب حديث ونحن على وشك أن ننتهي منه ولعلنا نستطيع نشره في بداية العام المقبل في ثلاثة أو أربعة مجلدات.

علوم الحديث: ما هي وصيتكم في النشر الصحيح لثقافة أهل البيت بين جماهير شعبنا الثورية ولا سيما جيل الشباب؟
محمدي الريشهري: ينبغي أولاً معرفة حاجات الجهة التي نخاطبها ولا سيما الجيل الشاب ثم نقوم بالتأليف والنشر. للأسف الكتب الدينية تُؤلّف عادةً بعيداً عمّن توجّه إليه خطابها. الباحث ينشر ما يناسب قابليته وذوقه. فنحن إذا أردنا أن ننقل أو نعكس ثقافة أهل البيت (ع) للناس ولا سيما الجيل الشاب بل وحتى إلى المذاهب الأخرى، ينبغي لنا أن نعرف الحاجات والاهتمامالات وندخل من هذه النقطة بالذات ونستخدم أفضل وأسهل الأساليب في نشر هذه الثقافة.

علوم الحديث: ماذا تقترحون لنشر أحاديث الشيعة وترجمتها إلى لغات أخرى وتعريف سائر المذاهب بها؟
محمدي الريشهري: اقتراحي هو ألّا نعزل الأحاديث الشيعية عن الأحاديث السنية. الكثير من أحاديثنا مروية في كتب أهل السنة مع اختلاف يسير. هكذا إجراء سيكون له دور فعال في نشر ثقافة أهل البيت. من بعد ترتيب الأحاديث مع ملاحظة النقطة المذكورة أعلاه، ينبغي العمل على ترجمتها إلى اللغات الحية في العالم ليتسنى لكل الشعوب أن تنهل من ثقافة العترة الغنية التي تصنع الإنسان. ومن نية مؤسسة دار الحديث أن تنشر نتاجاتها بخمس لغات حية كحد أدنى. الكتب المنشور يجب أن تُرفق بفكرة عامة وتوضيحات، لأنها من دون توضيح ربما ضللت القارئ ودفعت به إلى التباعد عن الدين نفسه.
بعض كتب الحديث التي أراها، طبعها ونشرها مضر حقاً، لأنها تطبع من دون اهتمام بما ينبغي الاهتمام به في نشر آثار أهل البيت.

علوم الحديث: ما هو دور المجلة الفصلية التخصصية "علوم الحديث" في نشر ثقافة أهل البيت (ع) في مجتمعنا في الحال الحاضر والمستقبل؟
محمدي الريشهري: من المؤكد أن الحوزات والمدارس الدينية والأوساط العلمية كانت تفتقد وجود مجلة من هذا القبيل، مجلة يمكنها إلى جانب طرح البحوث في ميدان الحديث، أن تقوم بعملية توجيه على صعيد البحث، تكشف للباحثين في الداخل والخارج عن نقاط الضعف في البحوث المطروحة، تُعرّفهم بالبحوث الجيدة وتبيّن لهم شروط البحث ونشر الحديث، كذلك تحول دون تكرار الأعمال. في الوقت الحاضر، تتكرر وللأسف الكثير من الأعمال، وكثيراً ما يقوم الباحثون بأعمال تقوم مراكز علمية أخرى بها أو بما يشابهها، فتذهب الطاقات هدراً، كما أنه غالباً تكون نفقات ذلك من بيت المال وهو إسراف مخالف للشرع. المجلة بمقدورها أن تكون حلقة الوصل بين الباحثين والمعلومات الحديثية في شتى المجالات، ومنها الكتب المطبوعة والبحوث الجارية.

علوم الحديث: نرجو أن تبينوا لنا بعض القضايا الملفتة التي توصلتم إليها من خلال بحوثكم؟
محمدي الريشهري: الإجابة عن هذا السؤال تحتاج إلى فرصة أوسع ومجال آخر، ولمّا كان هذا الموضوع (تجارب ومكتشفات الباحثين) يكتسب أهمية خاصة، أتصور أنه يجب في المستقبل تعيين حصص دراسية في الكلية لهذا الغرض كي نجمع بذلك تجارب الباحثين ومكتشفاتهم وأساليبهم ونستعين بها في المستقبل. وبهذا الصدد، أشير بإيجاز إلى بعض الأمور:
أول مسألة ملفتة جداً برأيي في تحقيق وجمع الحديث في المجالات غير الفقهية هي تناسق الأحاديث في كثير من المجالات، فكما أن "القرآن يصدق بعضه بعضاً" إذا نظرنا إلى الحديث الوارد عن النبي (ص) والأئمة المعصومين (ع) في الكتب الشيعية والسنية سنجد نوعاً من الانسجام والتناغم بينها بحيث أنها تكمل بعضها وتشهد على صدق بعضها، الأمر الذي يمثّل قرينة صادقة وشاهداً على صحة الأحاديث.
المسألة الثانية هي تحريف الحديث بيد الحكام في أزمنة متعددة مضت. منهج هذا المركز في إعداد بطاقات الأحاديث، سيكشف بسهولة عن الأحاديث الموضوعة ويوضح جلياً التغيير والتحريف الحادث فيها.
المسألة الثالثة: تسرّب عدد من الأحاديث إلى كتب الرواية من بعد مرور خمسة أو ستة قرون من تاريخ الإسلام. عندما نجد حديثاً ليس له وجود في المصادر الحديثية إلى ستة قرون ثم يُستند إليه فجأة ومن دون إشارة إلى مصدره الأصلي، يكشف ذلك عن وهنه إلى حد كبير. طبعاً هذا الموضوع ليس عاماً، فلعل بعض الوثائق والمصادر فُقدت بسبب الظروف السياسية المحيطة آنذاك، ثم عُثر عليها فيما بعد.
المسألة المهمة الأخرى هي مسألة تقطيع كبار المحدثين للأحاديث ومن دون الإشارة إلى كيفية التقطيع. فمثلاً يأتي السيد ابن طاووس بحديث كامل، في حين نجد هذا الحديث نفسه في كتاب آخر مقطّعاً بشكل لا ينتبه القارئ إلى تقطيعه، وعندما نضع هذه الأحاديث إلى جانب بعضها تنكشف لنا الأجزاء المحذوفة منها. إدراك هذه النقاط يُعين الباحث جداً في معرفة الكثير من الحقائق.

علوم الحديث: نشكركم على تحمّل أسئلتنا وإتاحة هذه الفرصة لنا.
محمدي الريشهري: وأنا أشكركم أيضاً، وأسال الله تعالى أن يوفقنا جميعاً للقيام في هذا النظام الإسلامي بخدمة مخلصة ولائقة على طريق نشر ثقافة الإسلام الأصيل يوماً بعد يوم.