349
اسباب اختلاف الحديث

مورد الاختلاف :

الحديث الثاني موافق لظاهر ما يستفاد من قول أمير المؤمنين عليه السلام :
«من أحبّنا أهل البيت فليستعدّ للفقر جلبابا »، بل الأحاديث الكثيرة الواردة في هذا المعنى نصّ أو بمثابة النصّ على ما يوافق ظاهره . مع أنَّ الحديث الأوّل يؤوّل الحديث المذكور ويدلّ على أنَّ المُراد منه هو أنَّ من أحبّ أهل البيت فقد أعدّ للفاقة؛ أي ليوم القيامة جلبابا وسترا حافظا . بل أظهر الإمام عليه السلام إنكار معناه الظاهر منه .

علاج الاختلاف:

علاج هذا الاختلاف بحمل الحديث الأوّل على أنَّ الإمام عليه السلام أوّله على ما يطيقه المخاطب ، لِما رآه من صعوبة معنى الحديث العلوي على السائل، فخاف خروجه عن الإيمان؛ أعني محبّة أهل البيت عليهم السلام ، فإنّ «كلّ امرئ وما احتمله» .
وهذا التأويل لمثل هذا السائل بل هو في نفسه تأويل صحيح ، وليس تمويها ؛ فإنَّ من أحبّ أهل البيت أحبّه اللّه وابتلاه بما يتكامل ويرقى في ضوئه إلى مراقي الرِفعة والكمال ، وذلك لأنَّ «البلاء على قدر الولاء» ، فلازم هذا الاكتمال تحصيل جلباب الحفظ والأمن ليوم القيامة .
فالابتلاء بالفقر لا يقدّر لكلّ من أحبّهم عليهم السلام ، بل اللّه تعالى يلاحظ ما هو أصلح لعبده المؤمن المحبّ لأوليائه ، فقرا كان أم غناء ؛ لأنّ جميع المؤمنين المحبّين للّه تعالى ولأوليائه عليهم السلام لا يطيقون الفقر والبلاء . نعم الابتلاء بالفقر ونحوه مع الكفاف المقتضي لبقاء العزّ أصلح لحال المؤمن من الثروة في غالب الموارد ، كما أنّ الفقر الاختياري لبعض الأولياء أصلح بحاله ، فيبلغه إلى ما لم يكن ليبلغه إلاّ بهذا الابتلاء ؛ فقد ورد :

۳۵۶.عن الإمام الصادق عليه السلام :إنَّ في الجنّة منزلة لا يبلغها عبد إلاّ بالابتلاء في جسده . ۱

فالحبّ المذكور وإن كان مقتضيا للفقر والابتلاء إلاّ أنّه غير شامل لجميع المؤمنين

1.الكافي : ج۲ ص۲۵۵ ح۱۴ ، بحار الأنوار: ج۶۷ ص۲۱۲ ح۱۶ .


اسباب اختلاف الحديث
348

السائل فكانوا يظهرون الإنكار بنحو من التورية والتعريض، أو ينكرون أصل صدور ذلك الحديث بإطلاق اُريد به التقييد ، كأن يقصدوا بإنكار صدوره أنّه لم يصدر هذا الحديث المذكور ـ بحقيقته الصعبة أو تكليفه الصعب ـ لمثل هذا السائل ، أو يقصدوا به عدمَ صدور المعنى الّذي يقصده السائل .
وسيوافيك الكلام في كيفية إعمال العقل ـ كملاك ـ في دراية الحديث .

المثال الأوّل : الصلة بين حبّ أهل البيت عليهم السلام وبين الفقر

۳۵۳.قد ورد عن النبيّ صلى الله عليه و آله وأهل بيته عليهم السلام أحاديث مفيدة لهذا المضمون المرويّ عن أمير المؤمنين عليه السلام :«من أحبّنا أهل البيت فليستعدّ للفقر جلبابا» ۱ .

ووردت أحاديث مستفيضة تفسرّ مفاد هذا الحديث بوجهين مختلفين، منها :

۳۵۴.۱ . ما رواه الصدوق قدس سره بإسناده عن أحمد بن المبارك ، قال : قال رجل لأبي عبد اللّه عليه السلام :حديث يروى «أنَّ رجلاً قال لأمير المؤمنين عليه السلام : إنّي أُحبّك . فقال له : أعدّ للفقر جلبابا»؟ فقال عليه السلام : ليس هكذا قال ، إنَّما قال له : أعددت لفاقتك جلبابا، يعني يوم القيامة . ۲

۳۵۵.۲ . روى ابن حنبل والبيهقيبإسنادهما عن أبي سعيد الخدري ، عن أبيه ، أنَّه شكا إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله حاجته، فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله :اصبر أبا سعيد ، فإنَّ الفقر إلى من يحبّني منكم أسرع من السيل من ۳ أعلى الوادي ، ومن أعلى الجبل إلى أسفله . ۴

أقول : قد وردت روايات عديدة تؤيّد الحديث الثاني، ۵ لكنّ الشاهد على مضمون الحديث الأوّل غير عزيز .

1.نهج البلاغة: الحكمة ۱۱۲ ، الأمالي للسيّد المرتضى: ج۱ ص۱۳ وفيه «فليُعدّ» بدل «فليستعدّ » .

2.معاني الأخبار: ص۱۸۲ ح۱ .

3.في المصدر : «على » ، والتصحيح من كنز العمّال (ج ۶ ص ۴۸۳ ح ۱۶۶۴۵) ومجمع الزوائد (ج ۱۰ ص ۲۷۴) نقلاً عن المصدر .

4.مسند ابن حنبل: ج۴ ص۸۵ ح۱۱۳۷۹ ، شعب الإيمان: ج۷ ص۳۱۸ ح۱۰۴۴۲ .

5.راجع أهل البيت في الكتاب والسنّة : ص۴۲۳ ـ ۴۲۶ .

  • نام منبع :
    اسباب اختلاف الحديث
    المساعدون :
    المسعودي، عبدالهادي؛ رحمان ستايش، محمد كاظم
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1427 ق / 1385 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 221058
الصفحه من 728
طباعه  ارسل الي