351
اسباب اختلاف الحديث

واقع على القضاء بالإمضاء . فللّه تبارك وتعالى البَداء فيما علم، متى شاء، وفيما أراد؛ لتقدير الأشياء . فإذا وقع القضاء بالإمضاء فلا بَداء، فالعلم بالمعلوم قبل كونه ، والمشيئة في المنشأ قبل عينه ، والإرادة في المراد قبل قيامه، والتقدير لهذه المعلومات قبل تفصيلها وتوصيلها عيانا ووقتا ، والقضاء بالإمضاء هو المُبرم من المفعولات ذوات الأجسام المدركات بالحواسّ ، من ذي لون وريح ووزن وكيل ، وما دبّ ودرج من إنس وجنّ وطير وسباع ، وغير ذلك ممّا يدرك بالحواسّ فللّه تبارك وتعالى فيه البداء ممّا لا عين له ، فإذا وقع العين المفهوم المدرك فلا بَداء ، واللّه يفعل ما يشاء ، فبالعلم علم الأشياء قبل كونها ، وبالمشيئة عرف صفاتها وحدودها، وأنشأها قبل إظهارها ، وبالإرادة ميّز أنفسها في ألوانها وصفاتها ، وبالتقدير قدّر أقواتها، وعرف أوّلها وآخرها ، وبالقضاء أبان للناس أماكنها ودلّهم عليها ، وبالإمضاء شرح عللها، وأبان أمرها ، ذلك تقدير العزيز العليم . ۱

مورد الاختلاف :

الحديث الأوّل يدلّ على كون الخوض في القدر والكلام فيه منهيّا عنه، لا سيّما بضميمة قاعدة الاشتراك في التكليف . فلذلك نهى أمير المؤمنين عليه السلام عن السؤال عنه . والحديث الثاني يدلّ على أنَّ الإمام الكاظم عليه السلام يجيب السائل عن نفس السؤال بجواب شاف لطيف في الغاية في عين الإيجاز ، بل في حديث آخر أجاب الإمام الكاظم عليه السلام يونس بن عبدالرحمن بجواب مفصّل آخر ۲ . وأجاب الإمام أبو الحسن الهادي عليه السلام عن نفس السؤال في رسالة مفصّلة لطيفة جدّا ۳ . وكذا أجاب عنه الأئمة عليهم السلام أو تكلّموا عنه في أحاديث كثيرة ، ۴ فإن كان الكلام والخوض في القدر منهيّا عنه فكيف أجاب الأئمّة عليهم السلام عنه أو وردت فيه هذه الأحاديث فيه ؟

1.الكافي : ج۱ ص۱۴۸ ح۱۶ ، التوحيد: ص۳۳۴ ح۹ نحوه ، بحار الأنوار: ج۵ ص۱۰۲ ح۲۷ .

2.راجع المحاسن : ج۱ ص۳۸۰ ح۸۴۰ ، بحار الأنوار: ج۵ ص۱۲۲ ح۶۹ .

3.راجع تحف العقول: ص۴۵۸ ـ ۴۷۵ .

4.راجع بحار الأنوار: ج۵ ص۸۷ ـ ۱۲۷ .


اسباب اختلاف الحديث
350

المحبّين لهم عليهم السلام ، كما أنّه لا يشملهم بنحو واحد وعلى السواء ، ولذلك قال الشريف الرضي : «معنى ذلك أنَّ المحنة تغلظ عليه ، فتسرع المصائب إليه . ولا يفعل ذلك إلاّ بالأتقياء الأبرار والمصطفين الأخيار » ۱ .

المثال الثاني : معنى القضاء والقدر

۳۵۷.۱ . روى الصدوق بإسناده عن عبد الملك بن عنترة الشيباني، عن أبيه، عن جدّه، قال :جاء رجل إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقال: يا أمير المؤمنين، أخبرني عن القدر. قال : بحر عميق؛ فلا تلجه . قال : يا أمير المؤمنين، أخبرني عن القدر . قال : طريق مظلم؛ فلا تسلكه . قال : يا أمير المؤمنين، أخبرني عن القدر. قال : سرّ اللّه ؛ فلا تَكلَّفْه . قال : يا أمير المؤمنين، أخبرني عن القدر . فقال أمير المؤمنين عليه السلام : أمّا إذا أبيت فإنّي سائلك : أخبرني أكانت رحمة اللّه للعباد قبل أعمال العباد ، أم كانت أعمال العباد قبل رحمة اللّه ؟ قال : فقال له الرجل : بل كانت رحمة اللّه للعباد قبل أعمال العباد . فقال أمير المؤمنين عليه السلام : قوموا فسلّموا على أخيكم فقد أسلم، وقد كان كافرا . قال : وانطلق الرجل . . . . ۲

بيان: قوله عليه السلام لأصحابه : «فسلّموا على أخيكم فقد أسلم ، وقد كان كافرا» مجاز مبنيّ على علاقة الأول والمشارفة ، والمقصود منه أنَّ الرجل بشكّه في القدر كان قد وقع على شفا مهواة الكفر ، بحيث لو جاز حدّ الشكّ خطوة لأنكر القدر والمشيئة فكفر به .

۳۵۸.۲ . وروى بإسناده عن معلّى بن محمّد ، قال :سئل العالم عليه السلام : كيف علم اللّه ؟ قال : علم ، وشاء ، وأراد ، وقدّر ، وقضى ، وأمضى ، فأمضى ما قضى ، وقضى ما قدّر ، وقدّر ما أراد ، فبعلمه كانت المشيئة ، وبمشيئته كانت الإرادة ، وبإرادته كان التقدير ، وبتقديره كان القضاء ، وبقضائه كان الإمضاء . والعلم متقدّم على المشيئة ، والمشيئة ثانية ، والإرادة ثالثة ، والتقدير

1.قاله السيّد الشريف الرضي قدس سره ذيل هذا الحديث : عن أمير المؤمنين عليه السلام : «لو أحبّني جبل لتهافت» (نهج البلاغة : الحكمة ۱۱۱ ) .

2.التوحيد : ص۳۶۵ ح۳ ، بحار الأنوار: ج۵ ص۱۱۰ ح۳۵ ، وصدره في نهج البلاغة: الحكمة ۲۸۷ .

  • نام منبع :
    اسباب اختلاف الحديث
    المساعدون :
    المسعودي، عبدالهادي؛ رحمان ستايش، محمد كاظم
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1427 ق / 1385 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 250646
الصفحه من 728
طباعه  ارسل الي