11
اسباب اختلاف الحديث

وقبل الخوض في البحث لابدّ من تقديم اُمور عشرة :

أولاً : تعريف اختلاف الحديث

الاختلاف لغةً : ضدّ الاتّفاق، وهو مأخوذ من «خلف» ـ ضدّ قُدام ـ . وهيئة الافتعال في مثل المورد تقتضي الاشتراك، المستلزم للتعدّد، والذي أقلّه اثنين؛ ليغاير حال أحدهما حال الآخر . ۱
أمّا اختلاف الحديث اصطلاحا : هو علم يبحث عن الأحاديث الّتي تتنافى ولا تتوافق في ظاهرها ، سواء كان التنافي واقعيّا أم ظاهريّا يمكن الجمع والتوفيق بينها. فالاختلاف في الاصطلاح قريب من معناه اللغوي ويحوم حوله .
وقد عرّفه العلماء بتعاريف شتّى ترجع إلى مغزى واحد، منها:
أ ـ قال الشهيد الثاني قدس سره: هو أن يوجد حديثان متضادّان في المعنى ظاهرا . ثمّ علّل تقييده بـ «ظاهرا» بقوله: لأنّ الاختلاف قد يمكن معه الجمع بينهما فيكون الاختلاف ظاهرا خاصّة، وقد لا يمكن فيكون ظاهرا وباطنا . وعلى التقديرين فالاختلاف ظاهرا متحقّق . ۲
ب ـ وقال المحقّق الميرداماد قدس سره : المختلف ـ في صنفه لا في شخصه وذلك ـ حديثان متصادمان في ظاهر المعنى، سواء أمكن التوفيق بينهما؛ بتقييد المطلق، أو تخصيص العامّ، أو الحمل على بعض وجوه التأويل، أو كانا على صريح التضارب الباتّ الموجب طرح أحدهما جملة البتّة. ۳
ج ـ وقال النووي : هو أن يأتي حديثان متضادّان في المعنى ظاهرا فيوفّق بينهما ، أو يرجّح أحدهما. ۴
د ـ وعرّفه صبحي الصالح ـ وهو من المعاصرين ـ بقوله : هو علم يبحث عن الأحاديث

1.راجع لسان العرب : ج۹ ص۸۲ ، المفردات في غريب القرآن : ص ۱۵۵ (خلف ) .

2.الدراية في علم مصطلح الحديث: ص۴۱ .

3.الرواشح : ص۱۶۵ .

4.التقريب والتيسير ( ضمن تدريب الراوي للسيوطي ): ج۲ ص۱۷۵ .


اسباب اختلاف الحديث
10

بحاجة ماسّة إلى إحراز جهات عديدة ، منها :
أ ـ إحراز صدور الحديث .
ب ـ إحراز دلالته .
ج ـ إحراز جهة صدوره ، وإرادةِ ظاهر مدلوله .
وقد وضع علماء الشريعة ـ باستلهام من حديث المعصومين عليهم السلام ـ للبحث عن كلّ واحدة من هذه الجهات علما خاصّا؛ كعلم الدراية (أعني علم اُصول الحديث ومصطلحه) وعلم الرجال، والاُصول، وغريب الحديث ومختلفه ومشكله، وغير ذلك .
وإحراز كلّ من جهة صدور النصّ ودلالته ـ وأنَّ مدلول النصّ بالإرادة الاستعمالية هو المراد الجدّي للمتكلم ـ متوقّف على عدم اختلاف مستقرّ بينه وبين غيره من النصوص .
فالاستدلال بالحديث ـ في استنباط الشريعة واستلهام المعارف الدينية ـ متوقّف على علاج الاختلاف والتنافي الّذي قد يقع بين الأحاديث بعضها مع بعض ، ولأجل ذلك دوّن العلماء علما خاصّا سمّوه «مختلف الحديث » .
ثمّ إنّهم وإن ألّفوا فيه كتبا مفردة أو بحثوا عنه في طيّات تأليفاتهم ، إلاّ أنّ الموضوع لايزال بحاجة إلى البحث والتحقيق ؛ لعدم استيفاء حقّه .
فالبحث حول أسباب اختلاف الحديث والتعرّف عليها من أهمّ ما يجب أن يبحث عنه ، فإنّ دراسة الحديث والحصول على نوائله، والاستضاءة بأنواره، والتورّع من الانحراف بسبب سوء فهمه، متوقّفة على معرفة تلك الأسباب بأقسامها وأنواعها وجذورها ، ومعرفة مناهجِ علاجها .
فعلى الرغم من قلّة البضاعة قمتُ بهذه المهمّة معتصما بحبل اللّه تعالى، وبولاية الرسول الكريم صلى الله عليه و آله وأهل بيته الأنجبين عليهم السلام ، فكانت نتيجة ذلك بيان ثمانين سببا من أسباب اختلاف الحديث ، ۱ مقسَّمة ضمن خمسة أقسام :

1.ولا أدَّعي الاستقصاء بل لم أذكر جميع ما ظفرت به من أسباب الاختلاف؛ مخافة التطويل ، غير أنّ التأمّل في المقدار المبحوث عنه سيُعطي القارئ الكريم دربة وبصيرة لما وراءها ، إن شاء اللّه تعالى .

  • نام منبع :
    اسباب اختلاف الحديث
    المساعدون :
    المسعودي، عبدالهادي؛ رحمان ستايش، محمد كاظم
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1427 ق / 1385 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 227455
الصفحه من 728
طباعه  ارسل الي