13
اسباب اختلاف الحديث

أقول : الظاهر أنّ سماحته لم يرد من كلامه حصر المختلف بالمختلف كما، بل أراد نفي انحصار المختلف في المتباينين ، وأنّه شامل للمتنافيين بغيره من الأنحاء أيضا ، سواء كان التنافي بالكمّ أو بغيره ، كما يستظهر من ذيل كلامه الذي ارتضى فيه تعريف الشهيد، الظاهر في التفسير بالأعمّ من التنافي بالكمّ أو بغيره . بل هو ظاهر غيرهما؛ حيث أطلقوا في إمكان الجمع والتوفيق، أو صرّحوا بوجه الإطلاق بما يجمع ويوفّق بينهما بالكمّ أو بالكيف والتأويل .
وإن أبيت حمل كلام الاُستاذ على ذلك ، قلنا: لا يمكن المساعدة على تخصيص «اختلاف الحديث » بالتنافي بحسب الكمّ ، فإنّه ـ مضافا لمنافاته إطلاق الحدود والتعاريف المذكورة ـ مخالف لعمل الباحثين عن مختلف الحديث، لا سيما قدماؤهم الّذين نشأ هذا العلم فيما يقرب من أزمنتهم ودبّ ودرج عندهم . فهذا شيخ الطائفة قدس سرهفي كتابه الاستبصار فيما اختلف من الأخبار قد يعالج الاختلاف بين الحديثين بالحمل على الإجمال والتبيين ، راجع الاستبصار : ج1 ص100 ذيل الحديثين 326 و327، و ج2 ص13 ذيل الحديث 39، و ص184 ذيل الحديث 610 .أو يؤوِّله بالحمل على المجاز ، ۱ أو غير ذلك . وكذا غيره في غيره. ۲
ولا يعدّ شيء من ذلك من المتنافيين بالكمّ، بل من موارد المتساويين المشتملين على اختلافٍ وتنافٍ صوريّ ، مع كون هذا النوع من الاختلاف داخلاً في مسائل هذا العلم .
والحاصل : أنّ علم اختلاف الحديث يبحث عن الأحاديث المتنافية بعضها مع بعض بحسب الظاهر ، سواء كان التنافي واقعيّا أيضا أم اختصّ بظاهرها ، مع إمكان الجمع والتوفيق بين المختلفين إذا كان ، وسواء كان الجمع والتوفيق بالتصرّف في كمّ أحد الحديثين وسور قضيّته ؛ كتخصيص عمومه، أو تقييد إطلاقه، أو نحو ذلك ، أم كان التوفيق بتفسير مدلوله، ورفع إيهامه الخلاف بوجه ترتفع به مادّة التنافي، فيظهر به أنّهما متوافقان

1.راجع كلام الشيخ الطوسي في الاستبصار : ج۱ ص۵۶ ذيل الحديث ۱۸ ، و ص۳۸۶ ذيل الحديث ۱۴۶۶، و ص۴۰۰ ذيل الحديث ۵۲۷، و ج۲ ص۱۲۳ ذيل الحديث ۳۹۹ .

2.راجع اختلاف الحديث للشافعي : ص۳۸ و ۱۳۱ ، تأويل مختلف الحديث : ص۵۹ .


اسباب اختلاف الحديث
12

الّتي ظاهرها التناقض من حيث إمكان الجمع بينها ؛ إمّا بتقييد مطلقها، أو بتخصيص عامّها، أو حملها على تعدّد الحادثة، أو غير ذلك . ۱
هذا كلّه في تعريف اختلاف الحديث . وأمّا مختلف الحديث فلا يخلو من أحد وجوه ثلاثة :
أ ـ «المُختلَف » بفتح اللام يكون مصدرا ميميّا بمعنى الاختلاف .
ب ـ هو اسم مكان بمعنى مورد الاختلاف من الحديث بصنفه ، فيشمل ما اختلف من الحديثين أو الأحاديث .
ج ـ «المختلِف » بكسر اللام ، اسم فاعل من « الاختلاف »؛ بمعنى الحديث المشتمل على الاختلاف . وهذا أيضا باعتبار صنف الحديث؛ لأنّ الشيء الواحد لايختلف عن نفسه ، فلابدّ من التعدّد في الحديث المختلِف ، كما هو مقتضى هيئة الافتعال أيضا .
نعم قد يكون الحديث الواحد مختلِفا باختلاف صدره وذيله ، فيكون تعدّده بهذا الاعتبار ، وبهذا اللحاظ أدخله ابن قتيبة في كتابه .
ثمّ إن اعتبرنا الحديث المتهافت صدرا وذيلاً من « مختلف الحديث » فهو ، وإلاّ دخل في باب « مشكل الحديث » .

عدم اختصاص المختلف بالمتنافيين في الكمّ

قال شيخنا الاُستاذ جعفر السبحاني ـ دام ظلّه ـ : إنّما يوصف الحديث بالمختلف إذا قيس إلى غيره، فعندئذٍ تتجلّى إحدى النسب الأربعة : فتارة تكون النسبة بينهما التساوي ، واُخرى التباين، وثالثة العموم والخصوص مطلقا ، ورابعة العموم والخصوص من وجه ، والمراد من المختلف هو غير القسم الأوّل. ۲

1.علوم الحديث ومصطلحه: ص ۱۰۹ ، وبمعناها تعريف الشيخ حسين بن عبد الصمد العاملي في وصول الأخيار إلى اُصول الأخبار : ص۱۱۷ ، وتعريف العلاّمة المامقاني في مقباس الهداية : ج۳ ص۴۳ ( من الطبعة الرحليّة ) .

2.اُصول الحديث وأحكامه في علم الدراية: ص۷۵ .

  • نام منبع :
    اسباب اختلاف الحديث
    المساعدون :
    المسعودي، عبدالهادي؛ رحمان ستايش، محمد كاظم
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1427 ق / 1385 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 253889
الصفحه من 728
طباعه  ارسل الي