127
اسباب اختلاف الحديث

الرسول صلى الله عليه و آله أنّه يُغفِل شيئا في صلاته ثمّ يذمّ أصحابه على غفلتهم عن ذلك . وهذا ينافي عصمته عن الذنوب والقبائح ومذامّ الامور ، ولا يلائم سيرتَه الحميدة وشيمته الكريمة وخلقه العظيم ، لأنّ اللّه تعالى منحه صلى الله عليه و آله في آية التطهير من العصمة ما لايدانيه بها أحد من الأنبياء والمرسلين عليهم السلام ، وطهَّره عن شوب كلّ معيب ومغمز . وأستغفر اللّه تعالى وأتوب إليه من نقل ما لايليق بساحة جلاله صلى الله عليه و آله وجماله .
مضافا إلى مخالفة الحديث الأوّل للأحاديث الدالّة على عصمته صلى الله عليه و آله ونزاهته عن الغفلة والزلّة ونظائرهما ، وأنّه صلى الله عليه و آله أولى من الأئمّة ، بل هو إمام الأئمّة الموصوفين في الحديث التالي ، وهو :

۹۵.ما رواه الكليني بإسناده عن عبد العزيز بن مسلم، عن الإمام الرضا عليه السلام :الإمام مطهَّر من الذنوب، ومبرَّأ من العيوب ...معصوم مؤيَّد، موفَّق مسدّد، قد أمن الخطايا والزلل والعثار، يخصّه اللّه بذلك ليكون حجّته على عباده، وشاهده على خلقه ۱ . ۲

علاج الاختلاف :

علاج الاختلاف بينهما بحمل صدر الحديث الأوّل الحاكي عن وقوع الغفلة عنه صلى الله عليه و آله على قلّة ثقافة الراوي وقصور علمه وفهمه ، وأنّه شاهَد إسقاط آية من السورة فزعم كونه عن غفلة النبيّ صلى الله عليه و آله مع احتمال غيرها بل تعيّنِه.
فإنّه بناء على جواز تبعيض السورة في الفريضة يمكن أن تحمل القضية على تعمّده صلى الله عليه و آله في إسقاطها في قراءته تعليما لهم بأصل جواز التبعيض وتمهيدا لالتفاتهم إلى لزوم الإصغاء إلى قراءة الإمام وشدّة كراهة التغافل عنه . ولو قلنا بعدم جواز التبعيض في الفريضة، فإمّا أن

1.الكافي: ج۱ ص۲۰۰ ـ ۲۰۳ ح۱ .

2.ألّف المحدّث الحرّ العاملي قدس سره رسالة مفردة سمّاها : التنبيه بالمعلوم من البرهان على تنزيه المعصوم عن السهو والنسيان، وجمع فيها أحاديث جمّة في عصمته صلى الله عليه و آله وعصمة أهل بيته الأئمة الميامين عليهم السلام من جنود الجهل الّتي منها السهو والغفلة والنسيان ( راجع التنبيه بالمعلوم من البرهان : ص ۲۷ الحديث الثاني ، والكافي : ج۱ ص۲۳ ح۱۴ ) .


اسباب اختلاف الحديث
126

المثال: إسقاط النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم آية في صلاته

۹۳.۱ . كنز العمّال مرفوعا عن رجل من آل الحكم بن أبي العاص :أنّ النبي صلى الله عليه و آله صلّى بالناس فقرأ سورة فأغفل منها آية ، فسألهم : هل تركتُ شيئا؟ فسكتوا ، فقال : ما بال أقوام يُقرَأ عليهم كتاب اللّه لايدرون ما قُرئ عليهم فيه ، ولا ما ترك ! هكذا كانت بنو إسرائيل خرجت خشية اللّه من قلوبهم ، فغابت قلوبهم وشهدت أبدانهم ، ألا وإنّ اللّه عز و جل لا يقبل من أحد عملاً حتّى يشهد بقلبه ما يشهد ببدنه. ۱

۹۴.۲ . السيوطي :أخرج وكيع، وابن أبي شيبة، وأحمد، وعبد بن حميد، والبزّار، وابن أبي داوود في البعث، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن حبّان، وأبو نعيم في الحلية، وابن مردويه ، والبيهقي في شعب الإيمان، عن أنس ، قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : رأيت ليلة اُسري بي رجالاً تقرض شفاههم بمقاريض من نار، كلّما قرضت رجعت، فقلت لجبرئيل: من هؤلاء؟ قال : هؤلاء خطباء من اُمّتك كانوا يأمرون الناس بالبرّ وينسون أنفسهم وهم يتلون الكتاب أفلا يعقلون . ۲

مورد الاختلاف :

الحديث الأوّل ينسب الغفلة إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وأنّه أغفل عن آية من سورة قرأها في صلاته؛ وأنّه صلى الله عليه و آله يذمّ أصحابه على غفلتهم، وعدم التفاتهم إلى ما يقرأ عليهم وما يترك من القراءة ، فيزجرهم عنها ، مع أنّ الحديث الثاني يدلّ إجمالاً على قبح الأمرِ بمعروف يتركه الآمر بنفسه، والنهيِ عن منكر لا ينتهي عنه الناهي . ونزاهة النبيّ صلى الله عليه و آله عن مثل ذلك يوجب التنافي بين الحديثين ، ويجعلهما من المختلفين بالعرض .
فالحديثان مختلفان؛ لأنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله في الحديث الثاني يذمّ مَن يأمر بمعروف لا يأتمر به بنفسه ، ومَن ينهى عن منكر لاينتهي هو عنه ، والحديث الأوّل ينسب إلى

1.كنز العمّال: ج۸ ص۲۹۵ ح۲۲۹۸۹.

2.الدرّ المنثور: ج۱ ص۱۵۶ .

  • نام منبع :
    اسباب اختلاف الحديث
    المساعدون :
    المسعودي، عبدالهادي؛ رحمان ستايش، محمد كاظم
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1427 ق / 1385 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 253970
الصفحه من 728
طباعه  ارسل الي