تحمل القضية المذكورة على النسخ وأنه كان جائزا فنسخ ـ وإن كان بعيدا في الغاية ـ ، أو تعتبر القضيّة مجعولة من رأس ، لكن نقل الراوي لها يكشف عن قلّة علمه ومعرفته . وإن كان هذا الوجه أيضا لايخلو عن ضعف لما سيأتي إن شاء اللّه . والوجه الأقوى الّذي يعتمد عليه هو الوجه الأول.
والدقّة في متن الحديث تزيل الشكّ عن عدم صحة الصدر الحاكي لفعله صلى الله عليه و آله ، لتهافته مع الذيل ، الأمر الّذي يشهد على خطأ الراوي في مزعومه ، فإنّ توبيخ الأصحاب على قلّة التفاتهم وإصغائهم إلى قراءة القرآن في الصلاة لو كان في محلِّه ، لتوجّه ـ والعياذ باللّه ـ إليه صلى الله عليه و آله أنّ إمام الجماعة القارئ للقرآن ـ لاسيما إذا كان نبيّا واُسوة للعالمين ـ أحقّ بالالتفات، وأشدّ تكليفا بالتحفّظ عليه .
وهناك قرينة اُخرى تكشف عن عدم وقوع الغفلة منه صلى الله عليه و آله ، وهي أنّه صلى الله عليه و آله سألهم مبتدئا بعد الانصراف من الصلاة عن إسقاط آية فسكتوا وهذا قرينة على نباهته والتفاته صلى الله عليه و آله . لكن قلّة معرفة الراوي بمكانة النبي صلى الله عليه و آله دفعه إلى قياسه صلى الله عليه و آله بنفسه الناقصة ، وحملِ فعله على الغفلة .
وروى البرقي قدس سره هذه القضيّة بلفظ خال من هذه الهزاهز ، وإليك نصّه :
۹۶.جعفر بن محمّد بن الأشعث، عن ابن القدّاح، عن أبي عبد اللّه ، عن أبيه عليهماالسلام، قال :صلّى النبي صلى الله عليه و آله صلاة وجهر فيها بالقراءة، فلمّا انصرف قال لأصحابه: هل أسقطت شيئا في القراءة ؟ قال : فسكت القوم ، فقال النبي صلى الله عليه و آله : أفيكم اُبيّ بن كعب ؟ فقالوا نعم . فقال : هل أسقطتُّ فيها بشيء ؟ قال : نعم يا رسول اللّه ، إنّه كان كذا وكذا، فغضب صلى الله عليه و آله ، ثمّ قال : ما بال أقوام يتلى عليهم كتاب اللّه فلا يدرون ما يتلى عليهم منه ولا ما يترك ! هكذا هلكت بنو إسرائيل ، حضرت أبدانهم ، وغابت قلوبهم ، ولا يقبل اللّه صلاة عبد لايحضر قلبه مع بدنه. ۱
نلاحظ أنّ لفظ هذا الحديث الحاكي للقضيّة المذكورة ، ليس فيه أيّة كلمة تمسّ بكرامة النبي صلى الله عليه و آله وعصمته . نعم أصل دلالة الحديث على جواز تبعيض السورة في الفريضة ربما