الفرق بين الإطلاق والإهمال والإجمال
إجمال ذلك : الفرق بين الإهمال وبين كلّ من الإطلاق والتقييد هو أنّ الإهمال ضدّ لهما في مقام الإثبات ، وإن كان الواقع ومقام الثبوت لايخلو عقلاً عن أحدهما؛ إمّا الإطلاق وإمّا التقييد . ۱
وقد تقدّم في بحث الإطلاق أنّ كلاًّ من التقييد والإهمال والإجمال خلاف الأصل ، فإذا شكّ في كون المتكلّم في مقام البيان أو الإهمال أو الإجمال فالأصل العقلائي كونه في مقام البيان دون الإجمال أو الإهمال ، وكذا إذا شُكّ في التقييد وضياع القرينة فأصالة عدم القرينة تقتضي عدم التقييد .
إذا عرفت ذلك فاعلم أنّ المتكلّم في مقام استعمال اللفظ القابل للإطلاق والتقييد قد يتعمّد الإهمال؛ لغرض الإجمال، فينطبق على الإجمال ، واُخرى لكون التفصيل غير محتاج إليه ولا يكون المتكلّم بصدد بيان الجهة المذكورة من الإطلاق أو التقييد ، ۲ فيتوهّم في النظرة الابتدائية كونه مطلقا ومرادا للمتكلّم بوجه إطلاقه ، فيقع الاختلاف الصوري بينه وبين الحديث الّذي صور لبيان الحكم واقعا .
فتحقّق أنّ التشابه الصوري بين القضيّة المهملة والقضيّة الّتي لها لون من الكلّية ـ بالإطلاق أو العموم ـ ربما يوجب الاختلاف بين الأحاديث . ۳
1.لكونهما متقابلين تقابل الملكة وعدمها ، فإذا كان الإهمال صفة لما يكون قابلاً لكلّ من الملكة وعدمها، فالواقع ومقام الثبوت لايمكن أن يخلو منهما . اللّهمّ إلاّ في تقنين المقنِّنين العاديّين الّذين يعقل في حقّهم الجهل والغفلة ، فيمكن في نفس الأمر أن لا يلاحظوا شيئا من الوجهين ، فتأمّل .
2.كما أنّه قد لا يهمل في البيان ، بل يريد الإطلاق أو التقييد ، إلاّ أنّ مراده يخفى على السامع لضياع القرائن أو خفائها ، فيعرض صفة الإجمال ، وسيأتي توضيحه .
3.توضيح ذلك: أنّ القضيّة بلحاظ موضوعها تنقسم إلى : شخصيّة وطبيعيّة ومهملة ومحصورة وذلك لأنّه : أ ـ إن كان موضوعها جزئيّا غير صادق على كثيرين سمّيت شخصيّة أو مخصوصة . ب ـ وإن كان الموضوع بحيث يحمل عليه الحكم بما هو كلّي مع غضّ النظر عن أفراده ، فالقضيّة طبيعيّة ؛ لأنّ الحكم فيها محمول على نفس الطبيعة من حيث هي كلّية لا بلحاظ أفرادها، مثل : «الإنسان نوع» و «قريش قبيلة» . ج ـ وإن كان الحكم فيها محمولاً على الموضوع بملاحظة أفراده الكثيرة مع عدم تبيّنها بحسب الكمّ ، فالقضيّة مهملة؛ لإهمال المتكلّم كون الحكم المحمول على الموضوع شاملاً لجميع الأفراد ، أو لبعضها، ولإهماله عمّا للموضوع من التفاصيل . د ـ وإن كان الحكم فيها محمولاً على الموضوع بلحاظ أفراده الكثيرة مع تبيّن الموضوع من حيث الكمّ وأنّ الحكم متوجّه إلى جميع الأفراد المندرجة تحت الموضوع أو بعضها فالقضيّة «محصورة»، لحصر الموضوع ومعلوميّته في الحكم أعني الكلّية أو الجزئيّة .